فتح باب التظلمات للطلاب الغير ناجحين بإمتحانات القبول بمدارس التمريض بقنا    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    أسعار النفط تتجه لإنهاء موجة خسائر استمرت أسبوعين مع تعثر جهود السلام في أوكرانيا    جوتيريش: المجاعة في غزة فشل للإنسانية نفسها    كندا تلغي الرسوم الجمركية الانتقامية على منتجات أمريكية وتُبقي على الصلب والسيارات    باريس سان جيرمان يواصل انتصاراته في الدوري الفرنسي بفوز صعب على أنجيه    معلق مباراة برشلونة وليفانتي في الدوري الإسباني    تعرف على نتائج مباريات اليوم في افتتاح الجولة الأولى بدوري المحترفين    موعد إقامة قرعة بطولة كأس العالم 2026 لكرة القدم    حادث مروع أعلى الطريق الأوسطي بالشيخ زايد يسفر عن مصرع واصابة 13 شخصًا    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    القضاء يسدل الستار على قضية توربينى البحيرة.. تفاصيل حكم جنايات دمنهور بإعدام صاحب كشك بكفر الدوار بتهمة الاعتداء على 3 أطفال وتصويرهم بهدف الابتزاز.. رئيس المحكمة يطالب الأهالى برعاية أولادهم    رئيس نقابة السكة الحديد: يقظة خفير مزلقان بني سويف أنقذت شابًا من موت محقق    «ويجز» يضيء ليالى مهرجان العلمين الجديدة    شقيق شيرين عبد الوهاب يعلق على أنباء عودتها لحسام حبيب    مصدر أمني ينفي شائعات إخوانية بشأن وجود انتهاكات بمركز للإصلاح والتأهيل    رابطة الأندية تعلن تعديل مواعيد وملاعب 7 مباريات في الدوري    السفير حسام زكي: التحركات الإسرائيلية في غزة مرفوضة وتعيدنا إلى ما قبل 2005    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    الخارجية الفلسطينية: استباحة الاحتلال والمستوطنين للضفة الغربية انتهاك صارخ وتكريس لمخططات التهويد والضم    ترامب: الوضع الراهن في غزة يجب أن ينتهي    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل    خسارة سيدات الطائرة أمام صاحب الأرض ببطولة العالم بتايلاند    موعد إجازة المولد النبوي 2025 للقطاعين الحكومي والخاص (رسميًا)    الوادي الجديد تطلق منصة إلكترونية للترويج السياحي والحرف اليدوية    صراع الخير والشر في عرض مدينة الأحلام بالمهرجان الختامي لشرائح ونوادي مسرح الطفل    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    مدرب توتنهام: لا مكان لمن لا يريد ارتداء شعارنا    مستقبل الدور الفرنسي في إفريقيا بين الشراكة والقطيعة    «التنظيم والإدارة» يعلن توقف الامتحانات بمركز تقييم القدرات.. لهذا السبب    بادشاه لسعد القرش.. قصص فلسفية شاعرية تشتبك مع القضايا الكبرى    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محمود فوزي: الحكومة جادة في تطبيق قانون الإيجار القديم وحماية الفئات الضعيفة    المجاعة تهدد نصف مليون في غزة.. كيف يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل؟    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    حماس: تصريحات كاتس «اعتراف بجرم يرقى للتطهير العرقي»    نجاح عملية دقيقة لاستئصال ورم بالمخ وقاع الجمجمة بمستشفى العامرية العام بالإسكندرية    عميد طب القصر العيني يتابع جاهزية البنية التحتية استعدادًا لانطلاق العام الدراسي    لمرضى السكري - اعتاد على تناول زبدة الفول السوداني في هذا التوقيت    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    "درويش" يحقق قفزة كبيرة ويتخطى 20 مليون جنيه في 9 أيام    الكشف الطبى على 276 مريضا من أهالى قرى البنجر فى قافلة مجانية بالإسكندرية    ضبط ورشة بها 196 قطعة سلاح في الشرابية    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    ضبط 400 قضية مخدرات وتنفيذ 83 ألف حكم قضائي خلال يوم    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    الاقتصاد المصرى يتعافى    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    وزير الثقافة يستقبل وفد الموهوبين ببرنامج «اكتشاف الأبطال» من قرى «حياة كريمة»    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    ضبط المتهمين بالتسول واستغلال الأطفال أسفل كوبري بالجيزة    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نازك الملائكة.. ومسار التغيير
نشر في صوت البلد يوم 15 - 03 - 2017

في تاريخ أدبنا الحديث كثير من الشخصيات الموهوبة، ومنها نازك الملائكة شاعرة شديدة التميز، احتلت مكانتها في المشهد الإبداعي العراقي - العربي بالعديد من الأعمال الشعرية والنقدية والقصصية الفارقة. ومع ذلك فالمعلومات المتصلة باهتماماتها وخصالها غنية في الحقيقة، وتكفي لتكوين صورة واضحة عنها كانسان. فإذا أضفنا ما يمكن أن يهدينا إليها شعرها وكتاباتها تصبح الصورة النهائية لها كانسان شاعرة كاتبة أقرب ما تكون إلى الوضوح، أو على الأقل واضحة إلى حد ما. واستطاعت على مدى تجربتها تتدرج بشعرها على طريق التنوع في الموضوع والأصالة وأن تحقق لنفسها مكانة مرموقة بين شعراء جيلها الشيوخ والشباب على السواء. وتكشف القراءة الأولى لبعض قصائدها عن شاعرة متأملة في الحياة والطبيعة والكائنات جميعا. كما تكشف عن شاعرة مرهفة الحس، محبة لوطنها إلى درجة العشق، ومجمل شعرها يدور حول موضوعات بعينها مثل : الحنين للوطن والغيرة عليه، الطبيعة، التعاطف مع الإنسان، واقع المرأة وما جرى لها. وفي كل هذه الموضوعات وغيرها تبدو صاحبة رؤية حزينة متشائمة إلى حد ما، فنراها في مجموعة من الخصائص تتصل بمفهوم الملائكة لوظيفة الشاعرة وطبيعة الشعر كما تتصل بميلها إلى التأمل وشجنها وتفكيرها في قضية الموت وشعورها بالغربة وعاطفتها الفياضة نحو الإنسان والحيوان وحبها للطبيعة. وهي بما إجادة به قريحتها امتداد للمنظومة الشعرية العربية. وفي كلتا الحالتين تشعر أيضاً أنها شاعرة أصيلة غير مقلدة، منفتحة على التراث الشعري العالمي، عبر مدارسه وأساليبه في تناول الأفكار والموضوعات.
وقد عرضنا فيما سبق لأهم جوانب شخصية الشاعرة، ولعنا لمسنا في هذه الشخصية ريادتها في مجال الشعر وتفوقها في مجال الأدب. وما نحب ان نؤكده في ختام هذا التقديم أن الملائكة شاعرة بالدرجة الأولى، تفوقت على كثيرين من شعراء جيلها إن لم تكن هي نفسها من أهم شعراء جيلها. وما نحسب هذه الصفات سوى ضوء يسير على تلك الشخصية الفريدة الجديرة بالدراسة والاحتفال وإعادة النظر في موقعها من التراث الشعري الحديث.
وهذا ما عمل عليه الكاتب الصحفي كريم خالد البهادلي في كتابة الجديد " نازك الملائكة دراسة ونصوص " الصادر عن دار أقلام للطباعة والنشر ببغداد - 2017 بواقع 216 صفحة قطع متوسط الذي كشف لنا فيه المؤلف بالرصد والتحليل والنقد عن جانب مهم من مسيرة نازك الملائكة الأدبية الزاخرة بالإبداع والتجديد، وهذه ليست بالترجمة الخالصة لحياة نازك الملائكة 1923 - 2007 ولا هي بالدراسة النقدية الخالصة لشعرها، ولكنها الشيئان معاً، وإذا صح أن كان بين الشعراء من قام موضوع فنه بمعزل عن حياته، فإن نازك الملائكة من ذلك القطب المقابل والطرف النقيض فالفن هنا كل لا يتجزأ ولعل المرأة - الإنسان والشاعرة لم يمتزجان في أحد أمتزجهما في نازك، فلن نعرفها حق معرفتنا إلا إذا تأملنا في شعرها، ولن نقدر الشاعرة قدرها ونفهم ما تقول على وجه الدقة إلا إذا اطلعنا على حياتها ووقفنا على أخبارها، هذا جانب من جوانب أخرى أكثر حيوية، تأتي بالدرجة الأساس التي شكلت شخصيتها الإنسانية، وعمقت من تجربتها الشعرية، وبلورت رؤيتها النقدية وقد سبق إن جاءت رياح التغيير على المنطقة بفعل القوانين الموضوعية، واستجابة لكل العوامل الحضارية والفكرية والفنية ونتيجة الإرهاصات التي شهدها العالم في العقد الرابع من القرن العشرين، حيث ظهرت على الساحة العربية، ومنها العراق بعض الحركات الفنية والأدبية والفكرية التي لم تقتصر على نوع معين من الإبداع، ففي أوربا الغربية كانت هناك الحداثة تتجلى كظاهرة ملفتة للأنظار شملت كل نواحي الفنون والأجناس الأدبية، ومنها الشعر بطبيعة الحال، حيث كان الشعر العربي أسير القوالب القديمة في بناء القصيدة والذي يعود إلى مئات السنين وكان لقاء الشعر الغربي بالشعر العربي يشكل بحد ذاته منعطفا كبيراً وحدثاً مهماً في تاريخ الأدب العربي، وما هو مهم على وجه الخصوص إذ إنه في الوقت الذي كانت فيه أوربا الغربية تعيش الحداثة وتشهد انتشار الشعر الحديث، الذي تمثل في استيعابه واستجابته لقضايا الإنسان وويلات الحرب وما تركته من تداعيات وأثار انعكس ذلك كله على طبيعة الآداب والفنون، إذ كانت القصيدة العربية تعيش بداية ثورة شعرية هي وليدة للمتغيرات والتلاقح الفكري والأدبي بين الغرب والشرق حينذاك، ففي منتصف الأربعينيات من القرن العشرين ولد الشعر الحر، حينما بدأ العراقيون الجدد فجأة بعد نبذهم للتقاليد الشعرية القديمة المحكومة بالقوالب العروضية الخليلية في كتابة القصيدة، نجد أنه لم يكن من السهل الانفصال عن القالب الشعري العربي القديم في بناءه الهندسي المتوارث أو التخلي عنه كلية، وفي بداية الحركة الشعرية الجديدة نحج رواد الحداثة الشعرية في كتابة قصائد رائعة بعد إن كانت الملائكة قد عرفت على نطاق واسع في الأوساط الأدبية والشعرية في الوطن العربي، فإنها عُرفت كشاعرة، ولكن أكثر من هذا، عُرفت بأنها أحد أبرز الشعراء المجددين للقصيدة الحديثة ويعتقد الكثير من النقاد إن نازك هي أول من كتبت الشعر الحر وتعتبر قصيدتها اللافتة " الكوليرا " التي كتبت في نهاية عام 1946، وقصيدة السياب " هل كان حباً " والتي كتبت بعد ذلك بقليل، من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي على الإطلاق.
وقد بدأت الملائكة في كتابة القصيدة في فترة زمنية جاءت متزامنة مع ما كتبه السيّاب وزميلين لهما هما : الشاعران عبد الوهاب ألبياتي وشاذل طاقة، اللذان خرجا بالقصيدة نحو آفاق رحبة، على الرغم مما كتب شعراء عرب كثر وفي أزمان مختلفة سابقة من محاولات فردية تقترب من روح الحداثة والتجديد من حيث الشكل والمضمون في بناء القصيدة الحديثة التي أخذت بعدما نفضت الحرب العالمية الثانية أوزارها تستمد موضوعاتها من قضية الإنسان المعاصر وما يعصف به من مشاكل جمة، وما كان يطمح إليه من تغير نحو حياة مستقرة تتطلع إلى الحرية والاستقلال، لايمكن التقليل من شأنها، إلا أنها لم تشكل يومئذ ظاهرة فنية عامة كالتي حققها الشعراء العراقيون، ومنها شاعرتنا التي نترجم لها، إذا تُعد الشاعرة والناقدة الملائكة منعطف كبير في بُنية القصيدة الحديثة، لما لها من بصمة جلية على مسار الحركة الشعرية والنقدية عبر كتابها " قضايا الشعر المعاصر" الذي أحدث دويا كبيرا في الأوساط الأدبية يومئذ على مستوى المشهد الأدبي العربي.
هذا وحريّ بنا اليوم العمل على إعادة قراءة شعرها ودراسته موضوعيا وفنيا من جديد كونها شاعرة تركت أثرها الواضح على طبيعة القصيدة العربية، وغيرت من شكلها المعهود، وقد جاءت هذه الدراسة التي نضعها بين دفتي القارئ الكريم محاولة جادة من قبل المؤلف كريم خالد البهادلي، في رسم صورة للشاعرة نازك الملائكة من خلال تتبعه لمسيرتها الشعرية والوقوف عند بعض منعطفاتها الزاخرة بالعطاء والإبداع وقد كُتبت عنها دراسات ورسائل جامعية كثيرة في جامعات عربية وغربية، وقد سبق للمؤلف أن قدم عدة دراسات منفصلة كلٍ على حدة لبعض رموز الحداثة الشعرية، منهم السيّاب، والملائكة، وجبران خليل جبران، وإنه بصدد تحضير دراسات أخرى عن عبد الوهاب ألبياتي، وبلند الحيدري، وغيرهم. وقد تناول الكتاب بالدراسة والتحليل والنقد سبع محاور مع مقدمة ضافية في تجربة الشاعرة الملائكة جاءت على النحو الآتي : المقدمة / سيرة وحياة وذكريات / نازك الملائكة عرابة القصيدة الحديثة / مظاهر الاغتراب في الشعر النسائي/ الاغتراب في شعر نازك الملائكة / الصورة الشعرية عند نازك/ نازك الملائكة وشعراء التجديد/ ثنائية الحياة والموت عند نازك /.
وقد صدر لها خلال مسيرتها سبع مجموعات شعرية هي على التوالي : عاشقة الليل - 1947/ شظايا ورماد - 1949 / قرارة الموجه - 1957 / شجرة القمر- 1968 / مأساة الحياة وأغنية للإنسان - 1970/ يغير ألوانه البحر- 1977/ للصلاة والثورة - 1978. ومن ثم طبعت لها الأعمال الكاملة " مجلدان" دار العودة - بيروت 1979. ونازك إلى جانب كونها شاعرة رائدة، فإنها ناقدة مميزة ولها أيضا محاولات في القصة القصيرة وقد صدر لها من مؤلفاتها: قضايا الشعر المعاصر - 1962/ الصومعة والشرفة الحمراء - 1965/ التجزيئية في المجتمع العربي - 1974/ سايكولوجية الشعر - 1992 / الشمس التي وراء القمة - 1997 قصص قصيرة .
في تاريخ أدبنا الحديث كثير من الشخصيات الموهوبة، ومنها نازك الملائكة شاعرة شديدة التميز، احتلت مكانتها في المشهد الإبداعي العراقي - العربي بالعديد من الأعمال الشعرية والنقدية والقصصية الفارقة. ومع ذلك فالمعلومات المتصلة باهتماماتها وخصالها غنية في الحقيقة، وتكفي لتكوين صورة واضحة عنها كانسان. فإذا أضفنا ما يمكن أن يهدينا إليها شعرها وكتاباتها تصبح الصورة النهائية لها كانسان شاعرة كاتبة أقرب ما تكون إلى الوضوح، أو على الأقل واضحة إلى حد ما. واستطاعت على مدى تجربتها تتدرج بشعرها على طريق التنوع في الموضوع والأصالة وأن تحقق لنفسها مكانة مرموقة بين شعراء جيلها الشيوخ والشباب على السواء. وتكشف القراءة الأولى لبعض قصائدها عن شاعرة متأملة في الحياة والطبيعة والكائنات جميعا. كما تكشف عن شاعرة مرهفة الحس، محبة لوطنها إلى درجة العشق، ومجمل شعرها يدور حول موضوعات بعينها مثل : الحنين للوطن والغيرة عليه، الطبيعة، التعاطف مع الإنسان، واقع المرأة وما جرى لها. وفي كل هذه الموضوعات وغيرها تبدو صاحبة رؤية حزينة متشائمة إلى حد ما، فنراها في مجموعة من الخصائص تتصل بمفهوم الملائكة لوظيفة الشاعرة وطبيعة الشعر كما تتصل بميلها إلى التأمل وشجنها وتفكيرها في قضية الموت وشعورها بالغربة وعاطفتها الفياضة نحو الإنسان والحيوان وحبها للطبيعة. وهي بما إجادة به قريحتها امتداد للمنظومة الشعرية العربية. وفي كلتا الحالتين تشعر أيضاً أنها شاعرة أصيلة غير مقلدة، منفتحة على التراث الشعري العالمي، عبر مدارسه وأساليبه في تناول الأفكار والموضوعات.
وقد عرضنا فيما سبق لأهم جوانب شخصية الشاعرة، ولعنا لمسنا في هذه الشخصية ريادتها في مجال الشعر وتفوقها في مجال الأدب. وما نحب ان نؤكده في ختام هذا التقديم أن الملائكة شاعرة بالدرجة الأولى، تفوقت على كثيرين من شعراء جيلها إن لم تكن هي نفسها من أهم شعراء جيلها. وما نحسب هذه الصفات سوى ضوء يسير على تلك الشخصية الفريدة الجديرة بالدراسة والاحتفال وإعادة النظر في موقعها من التراث الشعري الحديث.
وهذا ما عمل عليه الكاتب الصحفي كريم خالد البهادلي في كتابة الجديد " نازك الملائكة دراسة ونصوص " الصادر عن دار أقلام للطباعة والنشر ببغداد - 2017 بواقع 216 صفحة قطع متوسط الذي كشف لنا فيه المؤلف بالرصد والتحليل والنقد عن جانب مهم من مسيرة نازك الملائكة الأدبية الزاخرة بالإبداع والتجديد، وهذه ليست بالترجمة الخالصة لحياة نازك الملائكة 1923 - 2007 ولا هي بالدراسة النقدية الخالصة لشعرها، ولكنها الشيئان معاً، وإذا صح أن كان بين الشعراء من قام موضوع فنه بمعزل عن حياته، فإن نازك الملائكة من ذلك القطب المقابل والطرف النقيض فالفن هنا كل لا يتجزأ ولعل المرأة - الإنسان والشاعرة لم يمتزجان في أحد أمتزجهما في نازك، فلن نعرفها حق معرفتنا إلا إذا تأملنا في شعرها، ولن نقدر الشاعرة قدرها ونفهم ما تقول على وجه الدقة إلا إذا اطلعنا على حياتها ووقفنا على أخبارها، هذا جانب من جوانب أخرى أكثر حيوية، تأتي بالدرجة الأساس التي شكلت شخصيتها الإنسانية، وعمقت من تجربتها الشعرية، وبلورت رؤيتها النقدية وقد سبق إن جاءت رياح التغيير على المنطقة بفعل القوانين الموضوعية، واستجابة لكل العوامل الحضارية والفكرية والفنية ونتيجة الإرهاصات التي شهدها العالم في العقد الرابع من القرن العشرين، حيث ظهرت على الساحة العربية، ومنها العراق بعض الحركات الفنية والأدبية والفكرية التي لم تقتصر على نوع معين من الإبداع، ففي أوربا الغربية كانت هناك الحداثة تتجلى كظاهرة ملفتة للأنظار شملت كل نواحي الفنون والأجناس الأدبية، ومنها الشعر بطبيعة الحال، حيث كان الشعر العربي أسير القوالب القديمة في بناء القصيدة والذي يعود إلى مئات السنين وكان لقاء الشعر الغربي بالشعر العربي يشكل بحد ذاته منعطفا كبيراً وحدثاً مهماً في تاريخ الأدب العربي، وما هو مهم على وجه الخصوص إذ إنه في الوقت الذي كانت فيه أوربا الغربية تعيش الحداثة وتشهد انتشار الشعر الحديث، الذي تمثل في استيعابه واستجابته لقضايا الإنسان وويلات الحرب وما تركته من تداعيات وأثار انعكس ذلك كله على طبيعة الآداب والفنون، إذ كانت القصيدة العربية تعيش بداية ثورة شعرية هي وليدة للمتغيرات والتلاقح الفكري والأدبي بين الغرب والشرق حينذاك، ففي منتصف الأربعينيات من القرن العشرين ولد الشعر الحر، حينما بدأ العراقيون الجدد فجأة بعد نبذهم للتقاليد الشعرية القديمة المحكومة بالقوالب العروضية الخليلية في كتابة القصيدة، نجد أنه لم يكن من السهل الانفصال عن القالب الشعري العربي القديم في بناءه الهندسي المتوارث أو التخلي عنه كلية، وفي بداية الحركة الشعرية الجديدة نحج رواد الحداثة الشعرية في كتابة قصائد رائعة بعد إن كانت الملائكة قد عرفت على نطاق واسع في الأوساط الأدبية والشعرية في الوطن العربي، فإنها عُرفت كشاعرة، ولكن أكثر من هذا، عُرفت بأنها أحد أبرز الشعراء المجددين للقصيدة الحديثة ويعتقد الكثير من النقاد إن نازك هي أول من كتبت الشعر الحر وتعتبر قصيدتها اللافتة " الكوليرا " التي كتبت في نهاية عام 1946، وقصيدة السياب " هل كان حباً " والتي كتبت بعد ذلك بقليل، من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي على الإطلاق.
وقد بدأت الملائكة في كتابة القصيدة في فترة زمنية جاءت متزامنة مع ما كتبه السيّاب وزميلين لهما هما : الشاعران عبد الوهاب ألبياتي وشاذل طاقة، اللذان خرجا بالقصيدة نحو آفاق رحبة، على الرغم مما كتب شعراء عرب كثر وفي أزمان مختلفة سابقة من محاولات فردية تقترب من روح الحداثة والتجديد من حيث الشكل والمضمون في بناء القصيدة الحديثة التي أخذت بعدما نفضت الحرب العالمية الثانية أوزارها تستمد موضوعاتها من قضية الإنسان المعاصر وما يعصف به من مشاكل جمة، وما كان يطمح إليه من تغير نحو حياة مستقرة تتطلع إلى الحرية والاستقلال، لايمكن التقليل من شأنها، إلا أنها لم تشكل يومئذ ظاهرة فنية عامة كالتي حققها الشعراء العراقيون، ومنها شاعرتنا التي نترجم لها، إذا تُعد الشاعرة والناقدة الملائكة منعطف كبير في بُنية القصيدة الحديثة، لما لها من بصمة جلية على مسار الحركة الشعرية والنقدية عبر كتابها " قضايا الشعر المعاصر" الذي أحدث دويا كبيرا في الأوساط الأدبية يومئذ على مستوى المشهد الأدبي العربي.
هذا وحريّ بنا اليوم العمل على إعادة قراءة شعرها ودراسته موضوعيا وفنيا من جديد كونها شاعرة تركت أثرها الواضح على طبيعة القصيدة العربية، وغيرت من شكلها المعهود، وقد جاءت هذه الدراسة التي نضعها بين دفتي القارئ الكريم محاولة جادة من قبل المؤلف كريم خالد البهادلي، في رسم صورة للشاعرة نازك الملائكة من خلال تتبعه لمسيرتها الشعرية والوقوف عند بعض منعطفاتها الزاخرة بالعطاء والإبداع وقد كُتبت عنها دراسات ورسائل جامعية كثيرة في جامعات عربية وغربية، وقد سبق للمؤلف أن قدم عدة دراسات منفصلة كلٍ على حدة لبعض رموز الحداثة الشعرية، منهم السيّاب، والملائكة، وجبران خليل جبران، وإنه بصدد تحضير دراسات أخرى عن عبد الوهاب ألبياتي، وبلند الحيدري، وغيرهم. وقد تناول الكتاب بالدراسة والتحليل والنقد سبع محاور مع مقدمة ضافية في تجربة الشاعرة الملائكة جاءت على النحو الآتي : المقدمة / سيرة وحياة وذكريات / نازك الملائكة عرابة القصيدة الحديثة / مظاهر الاغتراب في الشعر النسائي/ الاغتراب في شعر نازك الملائكة / الصورة الشعرية عند نازك/ نازك الملائكة وشعراء التجديد/ ثنائية الحياة والموت عند نازك /.
وقد صدر لها خلال مسيرتها سبع مجموعات شعرية هي على التوالي : عاشقة الليل - 1947/ شظايا ورماد - 1949 / قرارة الموجه - 1957 / شجرة القمر- 1968 / مأساة الحياة وأغنية للإنسان - 1970/ يغير ألوانه البحر- 1977/ للصلاة والثورة - 1978. ومن ثم طبعت لها الأعمال الكاملة " مجلدان" دار العودة - بيروت 1979. ونازك إلى جانب كونها شاعرة رائدة، فإنها ناقدة مميزة ولها أيضا محاولات في القصة القصيرة وقد صدر لها من مؤلفاتها: قضايا الشعر المعاصر - 1962/ الصومعة والشرفة الحمراء - 1965/ التجزيئية في المجتمع العربي - 1974/ سايكولوجية الشعر - 1992 / الشمس التي وراء القمة - 1997 قصص قصيرة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.