الصين تدعو لاتخاذ إجراءات ملموسة لدفع حل الدولتين ووقف إطلاق النار بغزة    من هم «بنو معروف» المؤمنون بعودة «الحاكم بأمر الله»؟!    أول رواية كتبها نجيب محفوظ وعمره 16 سنة!    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    انتخابات مجلس الشيوخ.. الآليات والضوابط المنظمة لتصويت المصريين فى الخارج    "الزراعة" تنفيذ 286 ندوة إرشادية والتعامل مع 5300 شكوى للمزارعين    وزارة التموين تنتهى من صرف مقررات شهر يوليو 2025 للبقالين    ميناء سفاجا ركيزة أساسية في الممر التجاري الإقليمي الجديد    عبدالغفار التحول الرقمي ركيزة أساسية لتطوير المنظومة الصحية    وزير الإسكان يُصدر قرارًا بإزالة 89 حالة تعد ومخالفة بناء بمدينة الشروق    قبول دفعة جديدة من الأطباء البشريين الحاصلين على الماجستير والدكتوراه للعمل كضباط مكلفين بالقوات المسلحة    تنسيق الجامعات.. تفاصيل الدراسة ببرنامج الهندسة الإنشائية ب"هندسة حلوان"    إدارة الطوارئ في ولاية هاواي الأمريكية: إغلاق جميع المواني التجارية بسبب تسونامي    محمد السادس: مستعدون لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    تحليل جديد: رسوم ترامب الجمركية سترفع نفقات المصانع الأمريكية بنسبة 4.5%    الخارجية الأمريكية: قمنا بتقييم عواقب العقوبات الجديدة ضد روسيا علينا    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    لم نؤلف اللائحة.. ثروت سويلم يرد على انتقاد عضو الزمالك    إصابة طفل نتيجة هجوم كلب في مدينة الشيخ زايد    انخفاض تدريجي في الحرارة.. والأرصاد تحذر من شبورة ورياح نشطة    جدول امتحانات الشهادة الإعداية 2025 الدور الثاني في محافظة البحيرة    البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب «جنوب شرق الحمد»    التصريح بدفن جثة طفل لقى مصرعه غرقا بإحدى الترع بمركز سوهاج    حفل جماهيري حاشد بالشرقية لدعم مرشح حزب الجبهة بالشرقية    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    فقد الوعي بشكل جزئي، آخر تطورات الحالة الصحية للفنان لطفي لبيب    عزاء شقيق المخرج خالد جلال في الحامدية الشاذلية اليوم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    قافلة طبية توقع الكشف على 1586 مواطنا في "المستعمرة الشرقية" بالدقهلية (صور)    محافظ الدقهلية:1586 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية المستعمرة الشرقية بلقاس    فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية للقبول بكلية الهندسة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    الخارجية الباكستانية تعلن عن مساعدات إنسانية طارئة لقطاع غزة    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    التفاصيل الكاملة لسيدة تدعي أنها "ابنة مبارك" واتهمت مشاهير بجرائم خطيرة    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نازك الملائكة.. ومسار التغيير
نشر في صوت البلد يوم 15 - 03 - 2017

في تاريخ أدبنا الحديث كثير من الشخصيات الموهوبة، ومنها نازك الملائكة شاعرة شديدة التميز، احتلت مكانتها في المشهد الإبداعي العراقي - العربي بالعديد من الأعمال الشعرية والنقدية والقصصية الفارقة. ومع ذلك فالمعلومات المتصلة باهتماماتها وخصالها غنية في الحقيقة، وتكفي لتكوين صورة واضحة عنها كانسان. فإذا أضفنا ما يمكن أن يهدينا إليها شعرها وكتاباتها تصبح الصورة النهائية لها كانسان شاعرة كاتبة أقرب ما تكون إلى الوضوح، أو على الأقل واضحة إلى حد ما. واستطاعت على مدى تجربتها تتدرج بشعرها على طريق التنوع في الموضوع والأصالة وأن تحقق لنفسها مكانة مرموقة بين شعراء جيلها الشيوخ والشباب على السواء. وتكشف القراءة الأولى لبعض قصائدها عن شاعرة متأملة في الحياة والطبيعة والكائنات جميعا. كما تكشف عن شاعرة مرهفة الحس، محبة لوطنها إلى درجة العشق، ومجمل شعرها يدور حول موضوعات بعينها مثل : الحنين للوطن والغيرة عليه، الطبيعة، التعاطف مع الإنسان، واقع المرأة وما جرى لها. وفي كل هذه الموضوعات وغيرها تبدو صاحبة رؤية حزينة متشائمة إلى حد ما، فنراها في مجموعة من الخصائص تتصل بمفهوم الملائكة لوظيفة الشاعرة وطبيعة الشعر كما تتصل بميلها إلى التأمل وشجنها وتفكيرها في قضية الموت وشعورها بالغربة وعاطفتها الفياضة نحو الإنسان والحيوان وحبها للطبيعة. وهي بما إجادة به قريحتها امتداد للمنظومة الشعرية العربية. وفي كلتا الحالتين تشعر أيضاً أنها شاعرة أصيلة غير مقلدة، منفتحة على التراث الشعري العالمي، عبر مدارسه وأساليبه في تناول الأفكار والموضوعات.
وقد عرضنا فيما سبق لأهم جوانب شخصية الشاعرة، ولعنا لمسنا في هذه الشخصية ريادتها في مجال الشعر وتفوقها في مجال الأدب. وما نحب ان نؤكده في ختام هذا التقديم أن الملائكة شاعرة بالدرجة الأولى، تفوقت على كثيرين من شعراء جيلها إن لم تكن هي نفسها من أهم شعراء جيلها. وما نحسب هذه الصفات سوى ضوء يسير على تلك الشخصية الفريدة الجديرة بالدراسة والاحتفال وإعادة النظر في موقعها من التراث الشعري الحديث.
وهذا ما عمل عليه الكاتب الصحفي كريم خالد البهادلي في كتابة الجديد " نازك الملائكة دراسة ونصوص " الصادر عن دار أقلام للطباعة والنشر ببغداد - 2017 بواقع 216 صفحة قطع متوسط الذي كشف لنا فيه المؤلف بالرصد والتحليل والنقد عن جانب مهم من مسيرة نازك الملائكة الأدبية الزاخرة بالإبداع والتجديد، وهذه ليست بالترجمة الخالصة لحياة نازك الملائكة 1923 - 2007 ولا هي بالدراسة النقدية الخالصة لشعرها، ولكنها الشيئان معاً، وإذا صح أن كان بين الشعراء من قام موضوع فنه بمعزل عن حياته، فإن نازك الملائكة من ذلك القطب المقابل والطرف النقيض فالفن هنا كل لا يتجزأ ولعل المرأة - الإنسان والشاعرة لم يمتزجان في أحد أمتزجهما في نازك، فلن نعرفها حق معرفتنا إلا إذا تأملنا في شعرها، ولن نقدر الشاعرة قدرها ونفهم ما تقول على وجه الدقة إلا إذا اطلعنا على حياتها ووقفنا على أخبارها، هذا جانب من جوانب أخرى أكثر حيوية، تأتي بالدرجة الأساس التي شكلت شخصيتها الإنسانية، وعمقت من تجربتها الشعرية، وبلورت رؤيتها النقدية وقد سبق إن جاءت رياح التغيير على المنطقة بفعل القوانين الموضوعية، واستجابة لكل العوامل الحضارية والفكرية والفنية ونتيجة الإرهاصات التي شهدها العالم في العقد الرابع من القرن العشرين، حيث ظهرت على الساحة العربية، ومنها العراق بعض الحركات الفنية والأدبية والفكرية التي لم تقتصر على نوع معين من الإبداع، ففي أوربا الغربية كانت هناك الحداثة تتجلى كظاهرة ملفتة للأنظار شملت كل نواحي الفنون والأجناس الأدبية، ومنها الشعر بطبيعة الحال، حيث كان الشعر العربي أسير القوالب القديمة في بناء القصيدة والذي يعود إلى مئات السنين وكان لقاء الشعر الغربي بالشعر العربي يشكل بحد ذاته منعطفا كبيراً وحدثاً مهماً في تاريخ الأدب العربي، وما هو مهم على وجه الخصوص إذ إنه في الوقت الذي كانت فيه أوربا الغربية تعيش الحداثة وتشهد انتشار الشعر الحديث، الذي تمثل في استيعابه واستجابته لقضايا الإنسان وويلات الحرب وما تركته من تداعيات وأثار انعكس ذلك كله على طبيعة الآداب والفنون، إذ كانت القصيدة العربية تعيش بداية ثورة شعرية هي وليدة للمتغيرات والتلاقح الفكري والأدبي بين الغرب والشرق حينذاك، ففي منتصف الأربعينيات من القرن العشرين ولد الشعر الحر، حينما بدأ العراقيون الجدد فجأة بعد نبذهم للتقاليد الشعرية القديمة المحكومة بالقوالب العروضية الخليلية في كتابة القصيدة، نجد أنه لم يكن من السهل الانفصال عن القالب الشعري العربي القديم في بناءه الهندسي المتوارث أو التخلي عنه كلية، وفي بداية الحركة الشعرية الجديدة نحج رواد الحداثة الشعرية في كتابة قصائد رائعة بعد إن كانت الملائكة قد عرفت على نطاق واسع في الأوساط الأدبية والشعرية في الوطن العربي، فإنها عُرفت كشاعرة، ولكن أكثر من هذا، عُرفت بأنها أحد أبرز الشعراء المجددين للقصيدة الحديثة ويعتقد الكثير من النقاد إن نازك هي أول من كتبت الشعر الحر وتعتبر قصيدتها اللافتة " الكوليرا " التي كتبت في نهاية عام 1946، وقصيدة السياب " هل كان حباً " والتي كتبت بعد ذلك بقليل، من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي على الإطلاق.
وقد بدأت الملائكة في كتابة القصيدة في فترة زمنية جاءت متزامنة مع ما كتبه السيّاب وزميلين لهما هما : الشاعران عبد الوهاب ألبياتي وشاذل طاقة، اللذان خرجا بالقصيدة نحو آفاق رحبة، على الرغم مما كتب شعراء عرب كثر وفي أزمان مختلفة سابقة من محاولات فردية تقترب من روح الحداثة والتجديد من حيث الشكل والمضمون في بناء القصيدة الحديثة التي أخذت بعدما نفضت الحرب العالمية الثانية أوزارها تستمد موضوعاتها من قضية الإنسان المعاصر وما يعصف به من مشاكل جمة، وما كان يطمح إليه من تغير نحو حياة مستقرة تتطلع إلى الحرية والاستقلال، لايمكن التقليل من شأنها، إلا أنها لم تشكل يومئذ ظاهرة فنية عامة كالتي حققها الشعراء العراقيون، ومنها شاعرتنا التي نترجم لها، إذا تُعد الشاعرة والناقدة الملائكة منعطف كبير في بُنية القصيدة الحديثة، لما لها من بصمة جلية على مسار الحركة الشعرية والنقدية عبر كتابها " قضايا الشعر المعاصر" الذي أحدث دويا كبيرا في الأوساط الأدبية يومئذ على مستوى المشهد الأدبي العربي.
هذا وحريّ بنا اليوم العمل على إعادة قراءة شعرها ودراسته موضوعيا وفنيا من جديد كونها شاعرة تركت أثرها الواضح على طبيعة القصيدة العربية، وغيرت من شكلها المعهود، وقد جاءت هذه الدراسة التي نضعها بين دفتي القارئ الكريم محاولة جادة من قبل المؤلف كريم خالد البهادلي، في رسم صورة للشاعرة نازك الملائكة من خلال تتبعه لمسيرتها الشعرية والوقوف عند بعض منعطفاتها الزاخرة بالعطاء والإبداع وقد كُتبت عنها دراسات ورسائل جامعية كثيرة في جامعات عربية وغربية، وقد سبق للمؤلف أن قدم عدة دراسات منفصلة كلٍ على حدة لبعض رموز الحداثة الشعرية، منهم السيّاب، والملائكة، وجبران خليل جبران، وإنه بصدد تحضير دراسات أخرى عن عبد الوهاب ألبياتي، وبلند الحيدري، وغيرهم. وقد تناول الكتاب بالدراسة والتحليل والنقد سبع محاور مع مقدمة ضافية في تجربة الشاعرة الملائكة جاءت على النحو الآتي : المقدمة / سيرة وحياة وذكريات / نازك الملائكة عرابة القصيدة الحديثة / مظاهر الاغتراب في الشعر النسائي/ الاغتراب في شعر نازك الملائكة / الصورة الشعرية عند نازك/ نازك الملائكة وشعراء التجديد/ ثنائية الحياة والموت عند نازك /.
وقد صدر لها خلال مسيرتها سبع مجموعات شعرية هي على التوالي : عاشقة الليل - 1947/ شظايا ورماد - 1949 / قرارة الموجه - 1957 / شجرة القمر- 1968 / مأساة الحياة وأغنية للإنسان - 1970/ يغير ألوانه البحر- 1977/ للصلاة والثورة - 1978. ومن ثم طبعت لها الأعمال الكاملة " مجلدان" دار العودة - بيروت 1979. ونازك إلى جانب كونها شاعرة رائدة، فإنها ناقدة مميزة ولها أيضا محاولات في القصة القصيرة وقد صدر لها من مؤلفاتها: قضايا الشعر المعاصر - 1962/ الصومعة والشرفة الحمراء - 1965/ التجزيئية في المجتمع العربي - 1974/ سايكولوجية الشعر - 1992 / الشمس التي وراء القمة - 1997 قصص قصيرة .
في تاريخ أدبنا الحديث كثير من الشخصيات الموهوبة، ومنها نازك الملائكة شاعرة شديدة التميز، احتلت مكانتها في المشهد الإبداعي العراقي - العربي بالعديد من الأعمال الشعرية والنقدية والقصصية الفارقة. ومع ذلك فالمعلومات المتصلة باهتماماتها وخصالها غنية في الحقيقة، وتكفي لتكوين صورة واضحة عنها كانسان. فإذا أضفنا ما يمكن أن يهدينا إليها شعرها وكتاباتها تصبح الصورة النهائية لها كانسان شاعرة كاتبة أقرب ما تكون إلى الوضوح، أو على الأقل واضحة إلى حد ما. واستطاعت على مدى تجربتها تتدرج بشعرها على طريق التنوع في الموضوع والأصالة وأن تحقق لنفسها مكانة مرموقة بين شعراء جيلها الشيوخ والشباب على السواء. وتكشف القراءة الأولى لبعض قصائدها عن شاعرة متأملة في الحياة والطبيعة والكائنات جميعا. كما تكشف عن شاعرة مرهفة الحس، محبة لوطنها إلى درجة العشق، ومجمل شعرها يدور حول موضوعات بعينها مثل : الحنين للوطن والغيرة عليه، الطبيعة، التعاطف مع الإنسان، واقع المرأة وما جرى لها. وفي كل هذه الموضوعات وغيرها تبدو صاحبة رؤية حزينة متشائمة إلى حد ما، فنراها في مجموعة من الخصائص تتصل بمفهوم الملائكة لوظيفة الشاعرة وطبيعة الشعر كما تتصل بميلها إلى التأمل وشجنها وتفكيرها في قضية الموت وشعورها بالغربة وعاطفتها الفياضة نحو الإنسان والحيوان وحبها للطبيعة. وهي بما إجادة به قريحتها امتداد للمنظومة الشعرية العربية. وفي كلتا الحالتين تشعر أيضاً أنها شاعرة أصيلة غير مقلدة، منفتحة على التراث الشعري العالمي، عبر مدارسه وأساليبه في تناول الأفكار والموضوعات.
وقد عرضنا فيما سبق لأهم جوانب شخصية الشاعرة، ولعنا لمسنا في هذه الشخصية ريادتها في مجال الشعر وتفوقها في مجال الأدب. وما نحب ان نؤكده في ختام هذا التقديم أن الملائكة شاعرة بالدرجة الأولى، تفوقت على كثيرين من شعراء جيلها إن لم تكن هي نفسها من أهم شعراء جيلها. وما نحسب هذه الصفات سوى ضوء يسير على تلك الشخصية الفريدة الجديرة بالدراسة والاحتفال وإعادة النظر في موقعها من التراث الشعري الحديث.
وهذا ما عمل عليه الكاتب الصحفي كريم خالد البهادلي في كتابة الجديد " نازك الملائكة دراسة ونصوص " الصادر عن دار أقلام للطباعة والنشر ببغداد - 2017 بواقع 216 صفحة قطع متوسط الذي كشف لنا فيه المؤلف بالرصد والتحليل والنقد عن جانب مهم من مسيرة نازك الملائكة الأدبية الزاخرة بالإبداع والتجديد، وهذه ليست بالترجمة الخالصة لحياة نازك الملائكة 1923 - 2007 ولا هي بالدراسة النقدية الخالصة لشعرها، ولكنها الشيئان معاً، وإذا صح أن كان بين الشعراء من قام موضوع فنه بمعزل عن حياته، فإن نازك الملائكة من ذلك القطب المقابل والطرف النقيض فالفن هنا كل لا يتجزأ ولعل المرأة - الإنسان والشاعرة لم يمتزجان في أحد أمتزجهما في نازك، فلن نعرفها حق معرفتنا إلا إذا تأملنا في شعرها، ولن نقدر الشاعرة قدرها ونفهم ما تقول على وجه الدقة إلا إذا اطلعنا على حياتها ووقفنا على أخبارها، هذا جانب من جوانب أخرى أكثر حيوية، تأتي بالدرجة الأساس التي شكلت شخصيتها الإنسانية، وعمقت من تجربتها الشعرية، وبلورت رؤيتها النقدية وقد سبق إن جاءت رياح التغيير على المنطقة بفعل القوانين الموضوعية، واستجابة لكل العوامل الحضارية والفكرية والفنية ونتيجة الإرهاصات التي شهدها العالم في العقد الرابع من القرن العشرين، حيث ظهرت على الساحة العربية، ومنها العراق بعض الحركات الفنية والأدبية والفكرية التي لم تقتصر على نوع معين من الإبداع، ففي أوربا الغربية كانت هناك الحداثة تتجلى كظاهرة ملفتة للأنظار شملت كل نواحي الفنون والأجناس الأدبية، ومنها الشعر بطبيعة الحال، حيث كان الشعر العربي أسير القوالب القديمة في بناء القصيدة والذي يعود إلى مئات السنين وكان لقاء الشعر الغربي بالشعر العربي يشكل بحد ذاته منعطفا كبيراً وحدثاً مهماً في تاريخ الأدب العربي، وما هو مهم على وجه الخصوص إذ إنه في الوقت الذي كانت فيه أوربا الغربية تعيش الحداثة وتشهد انتشار الشعر الحديث، الذي تمثل في استيعابه واستجابته لقضايا الإنسان وويلات الحرب وما تركته من تداعيات وأثار انعكس ذلك كله على طبيعة الآداب والفنون، إذ كانت القصيدة العربية تعيش بداية ثورة شعرية هي وليدة للمتغيرات والتلاقح الفكري والأدبي بين الغرب والشرق حينذاك، ففي منتصف الأربعينيات من القرن العشرين ولد الشعر الحر، حينما بدأ العراقيون الجدد فجأة بعد نبذهم للتقاليد الشعرية القديمة المحكومة بالقوالب العروضية الخليلية في كتابة القصيدة، نجد أنه لم يكن من السهل الانفصال عن القالب الشعري العربي القديم في بناءه الهندسي المتوارث أو التخلي عنه كلية، وفي بداية الحركة الشعرية الجديدة نحج رواد الحداثة الشعرية في كتابة قصائد رائعة بعد إن كانت الملائكة قد عرفت على نطاق واسع في الأوساط الأدبية والشعرية في الوطن العربي، فإنها عُرفت كشاعرة، ولكن أكثر من هذا، عُرفت بأنها أحد أبرز الشعراء المجددين للقصيدة الحديثة ويعتقد الكثير من النقاد إن نازك هي أول من كتبت الشعر الحر وتعتبر قصيدتها اللافتة " الكوليرا " التي كتبت في نهاية عام 1946، وقصيدة السياب " هل كان حباً " والتي كتبت بعد ذلك بقليل، من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي على الإطلاق.
وقد بدأت الملائكة في كتابة القصيدة في فترة زمنية جاءت متزامنة مع ما كتبه السيّاب وزميلين لهما هما : الشاعران عبد الوهاب ألبياتي وشاذل طاقة، اللذان خرجا بالقصيدة نحو آفاق رحبة، على الرغم مما كتب شعراء عرب كثر وفي أزمان مختلفة سابقة من محاولات فردية تقترب من روح الحداثة والتجديد من حيث الشكل والمضمون في بناء القصيدة الحديثة التي أخذت بعدما نفضت الحرب العالمية الثانية أوزارها تستمد موضوعاتها من قضية الإنسان المعاصر وما يعصف به من مشاكل جمة، وما كان يطمح إليه من تغير نحو حياة مستقرة تتطلع إلى الحرية والاستقلال، لايمكن التقليل من شأنها، إلا أنها لم تشكل يومئذ ظاهرة فنية عامة كالتي حققها الشعراء العراقيون، ومنها شاعرتنا التي نترجم لها، إذا تُعد الشاعرة والناقدة الملائكة منعطف كبير في بُنية القصيدة الحديثة، لما لها من بصمة جلية على مسار الحركة الشعرية والنقدية عبر كتابها " قضايا الشعر المعاصر" الذي أحدث دويا كبيرا في الأوساط الأدبية يومئذ على مستوى المشهد الأدبي العربي.
هذا وحريّ بنا اليوم العمل على إعادة قراءة شعرها ودراسته موضوعيا وفنيا من جديد كونها شاعرة تركت أثرها الواضح على طبيعة القصيدة العربية، وغيرت من شكلها المعهود، وقد جاءت هذه الدراسة التي نضعها بين دفتي القارئ الكريم محاولة جادة من قبل المؤلف كريم خالد البهادلي، في رسم صورة للشاعرة نازك الملائكة من خلال تتبعه لمسيرتها الشعرية والوقوف عند بعض منعطفاتها الزاخرة بالعطاء والإبداع وقد كُتبت عنها دراسات ورسائل جامعية كثيرة في جامعات عربية وغربية، وقد سبق للمؤلف أن قدم عدة دراسات منفصلة كلٍ على حدة لبعض رموز الحداثة الشعرية، منهم السيّاب، والملائكة، وجبران خليل جبران، وإنه بصدد تحضير دراسات أخرى عن عبد الوهاب ألبياتي، وبلند الحيدري، وغيرهم. وقد تناول الكتاب بالدراسة والتحليل والنقد سبع محاور مع مقدمة ضافية في تجربة الشاعرة الملائكة جاءت على النحو الآتي : المقدمة / سيرة وحياة وذكريات / نازك الملائكة عرابة القصيدة الحديثة / مظاهر الاغتراب في الشعر النسائي/ الاغتراب في شعر نازك الملائكة / الصورة الشعرية عند نازك/ نازك الملائكة وشعراء التجديد/ ثنائية الحياة والموت عند نازك /.
وقد صدر لها خلال مسيرتها سبع مجموعات شعرية هي على التوالي : عاشقة الليل - 1947/ شظايا ورماد - 1949 / قرارة الموجه - 1957 / شجرة القمر- 1968 / مأساة الحياة وأغنية للإنسان - 1970/ يغير ألوانه البحر- 1977/ للصلاة والثورة - 1978. ومن ثم طبعت لها الأعمال الكاملة " مجلدان" دار العودة - بيروت 1979. ونازك إلى جانب كونها شاعرة رائدة، فإنها ناقدة مميزة ولها أيضا محاولات في القصة القصيرة وقد صدر لها من مؤلفاتها: قضايا الشعر المعاصر - 1962/ الصومعة والشرفة الحمراء - 1965/ التجزيئية في المجتمع العربي - 1974/ سايكولوجية الشعر - 1992 / الشمس التي وراء القمة - 1997 قصص قصيرة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.