مدبولي: الاعتماد الكامل لمصر على نهر النيل يجعلنا نعتبره قضية حياة أو موت    وزير الري: مصر تستورد 40 مليار متر مكعب من المياه في صورة أغذية وحبوب.. ونعمل أكبر محطات تحلية بالعالم    دعمًا لذوي الهمم بسوهاج.. إطلاق مشروعين رائدين بالشراكة مع وزارة العمل وجهاز شؤون البيئة    مدبولي: تطوير وسط البلد للحفاظ على طابعها التاريخي والمعماري ونرحب بالقطاع الخاص    البحيرة تنفذ 10 مشروعات تعليمية بتكلفة 300 مليون جنيه في ذكرى عيدها القومي    رئيس الوزراء: الانتقال من الدعم العيني للنقدي تدريجيًا.. والتطبيق في محافظة واحدة كمرحلة أولى    مصر تلزم شركات البترول الأجنبية بخمسة تعليمات لتقنين أوضاعها الضريبية (خاص)    جماعة الحوثي تعلن ضرب هدف حساس في يافا ومطار رامون بإسرائيل    جوناثان ديفيد يقود هجوم يوفنتوس ضد دورتموند في دوري أبطال أوروبا    وزير الخارجية يُتابع التحضيرات الجارية للنسخة الخامسة لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة    اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة: أي اعتداء على أسطول الصمود جريمة كبرى    قدوس يقود تشكيل توتنهام أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    23 سبتمبر ..فيفا يُخطر بيراميدز بموعد مواجهة الأهلي السعودي    «بينها زيادة الاشتراكات وقبول 200 عضوية جديدة».. «عمومية عادية» للأوليمبي لبحث 8 بنود رئيسية    الإعدام ل4 أشخاص والسجن للمتهمة الخامسة في قضية مخدرات وقتل ضابط بالأقصر    الإعدام ل4 متهمين لاتهامهم بمقاومة السلطات وحيازة مخدرات فى الأقصر    إصابة شقيقين بطلق نارى فى مشاجرة بقرية السكساكة في طما بسوهاج    شن حملات تفتيشية على المستشفيات للوقوف على التخلص الآمن من المخلفات في مرسى مطروح    ما حكم تزييف الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    اجتماع أمنى إسرائيلى فى "الكرياه" وسط استمرار العمليات العسكرية بغزة    أكرم حسني يوجه رسالة مؤثرة لابنته :«أحلى يوم في حياتي يوم ما شوفتك»    في وداع سليمان شفيق    عمرو عبدالله يقدم ماستر كلاس عن فلسفة السينوغرافيا في مهرجان الإسكندرية المسرحي (صور)    أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي «حرام شرعًا».. ويدخل تحت بند الغش والخداع    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    الصحة: توفير لقاح الإنفلونزا الموسمية مجانًا للفرق الطبية    الشيخ خالد الجندى: أبو هريرة كان أكثر الصحابة رواية للسنة النبوية    شاهد تخريج الدفعة 7 من المدرسة القرآنية فى سوهاج    "حياة كريمة" تنظم قافلة طبية شاملة لخدمة أهالي القنطرة غرب بالإسماعيلية    افتتاح المؤتمر السابع للشراكة من أجل المبادرات الدولية للقاحات (PIVI) فى القاهرة    رابط الاستعلام عن مخالفات المرور وطرق سدادها إلكترونيًا    طريقة تجديد بطاقة الرقم القومي إلكترونيًا 2025    أمل غريب تكتب: المخابرات العامة المصرية حصن الأمن القومي والعربى    رئيس هيئة النيابة الإدارية يلتقي معاوني النيابة الجدد    أم كلثوم على مسرح العرائس بساقية الصاوي.. وهذه شروط الحضور    إيقاف حركة القطارات الصيفية على خط القاهرة – مرسى مطروح    برشلونة يعلن مواجهة خيتافي على ملعب يوهان كرويف    8 صور ترصد استقبال زوجه وأبناء حسام حسن له بعد مباراة بوركينا فاسو    هتوفرلك في ساندويتشات المدرسة، طريقة عمل الجبن المثلثات    البنك الأهلي المصري يحتفل بتخريج دفعة جديدة من الحاصلين على منح دراسية بمدينة زويل    انتبه.. تحديث iOS 26 يضعف بطارية موبايلك الآيفون.. وأبل ترد: أمر طبيعى    تشكيل الهلال المتوقع أمام الدحيل في دوري أبطال آسيا    وزير الدفاع الإسرائيلي: سندمر غزة إذا لم تسلم حماس سلاحها وتطلق سراح المحتجزين    وزيرة الخارجية البريطانية: الهجوم الإسرائيلي على غزة متهور    الأرصاد: انخفاض طفيف فى درجات الحرارة.. وبدء الخريف رسميا الإثنين المقبل    وزير التعليم: المناهج الجديدة متناسبة مع عقلية الطالب.. ولأول مرة هذا العام اشترك المعلمون في وضع المناهج    مهرجان الجونة يكرم منة شلبي بجائزة الإنجاز الإبداعي في دورته الثامنة    بالصور.. محافظ أسوان يتفقد مدارس فى كوم أمبو    أمين الفتوى: الشكر ليس مجرد قول باللسان بل عمل بالقلب والجوارح    مصر تتسلم جائزة الآغا خان العالمية للعمارة عن مشروع إحياء إسنا التاريخية    "أحدهم سيرحل".. شوبير يكشف تفاصيل جلسة مصارحة لاعبي الأهلي بسبب العقود    99.1% لفني صحي طنطا.. نتيجة تنسيق الثانوية التجارية 3 سنوات كاملة    الغلق لمدة أسبوع كامل.. بدء تطوير نفق السمك بشبين الكوم -صور    نائبة وزير الصحة: استراتيجية لدمج "القابلات" تدريجيًا في منظومة الولادة الطبيعية    بلدية غزة: اقتراب موسم الأمطار يهدد بتفاقم الكارثة الإنسانية بالمدينة    ارتفاع أسعار الخضروات اليوم بأسواق الإسكندرية.. الطماطم ب15 جنيها للكيلو    كامل الوزير: حددنا 28 صناعة وفرصة واعدة لجذب الاستثمارات لتعميق التصنيع المحلي وسد احتياجات السوق    إبراهيم صلاح: فيريرا كسب ثقة جماهير الزمالك بعد التوقف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يَسْألُونَكَ عن التَّعْلِيْمِ
نشر في صوت البلد يوم 09 - 03 - 2017

هل لا يزال طلابنا بالمدارس المصرية المتطورة هم أؤلئك الزغاليل الذين تغنوا في فيلم غزل البنات ؟ يطيرون ويتمايلون من غير أجنحة ، أنا تحديداً لا أظن . وهل معلمونا الأماجد الذين أعلنوا من قبل إضرابهم وأحجموا عن اعتصاماتهم المؤقتة يعلمون أنهم يمتهنون مهنة طالما تغنى بها عميد الأدب العربي التنويري والنهضوي طه حسين ؟. أنا لا أظن أيضاً . أما السيد وزير التعليم فقلبي معه لا حيلة له ولا وطاقة وربما لا صبر لديه من الأساس في أن يقرأ سطوري تلك لا هو ولا غيره ، في ظل ثقافة استمرأت الخروج إلى ميدان التحرير معلنين عن حقوق ومتخلية عن واجباتها.
لقد بدأ العام الدراسي الجديد منذ أسابيع منصرمة ، باستثناء الوزير الذي يبدو بالفعل أكثر تميزا عن سابقيه الدكتور طارق شوقي ، نجد بعض قيادات الوزارة وخبراء التربية المنتمين كرها للوزارة أؤلئك الذين لا يزالون يعيشون في مناخ القرون الوسطى والمعلمون أنفسهم يعلمون أن تعليمهم هذا لن يصنع خيراً للوطن ، لأنهم شاركوا مع النظامين السياسيين السابقين والفاسدين في تعميق الجهل وضعف الوعي الثقافي لدى أبنائنا على مر عقود ثلاثة ويزيد ، ورغم هذه المؤامرة غير الناجحة استطاع الشباب أن يثقف نفسه بعيداً عن تقارير المسئولين وخبراء الورق المتكدس حتى تمكن من إسقاط نظام مبارك وقهر أنظمة التعليم السائدة.
ويظل السؤال الحائر يدق رأسي منذ سنين ، بل وازدادت حدته بعد انتفاضة يناير الشعبية وثورة يونيو : متى سينهض النظام التعليمي في بلادي ؟ فأنا لا أصدق مؤتمرات التطوير التي يعقدها أساطين التربية والتعليم ، وأصبحت مثل اللقاءات الخيرية التي تنظمها جامعة الدول العربية والنتيجة صفر ، وأصبحت أتيقن من أن مناهج التعليم في مصر تسعى منذ عشرات السنين باتت تكرس لثقافة التخلف وتسهم في التبشير بمصطلحات مثل الإبداع والتطوير والتقويم الشامل والمداخل المتكاملة ، وتقبع تحت تلك التوصيفات الرنانة عقم التفكير التأليفي ، والاختيار القمعي للنصوص الأدبية التي تفرض كرهاً على طلابنا.
ورغم حالة الغياب تلك فالحضور الاجتماعي والسياسي لطلابنا بميدان التحرير وقت الثورة كان واقعاً مشهوداً دونما تزييف أو تحريف أو تصحيف.
لذا فينبغي على المؤسسة التعليمية أقصد المدرسة والجامعة أن تستنهض عزيمتها أيام كان على رأس قيادتها أمثال العميد طه حسين النهضوي التنويري، فتغير مناهجها تغييرا كاملا لا أن تطورها بما يتواكب وعقول طلابها لا بما يتناسب فقط مع المتغيرات الخارجية فنحن رأينا جميعا أن الذين خرجوا مستشهدين في سبيل إعلاء مصر وإسقاط نظام فاسد ومؤبد لم يستندوا في مشروعهم التطهيري على مناهج المدرسة أو الجامعة لأنهما باختصار كفيلتان لإسقاط الثورة نفسها بغير مبالغة.
والغريب بل والمدهش أن المعلمين وهم ينددون بإسقاط بعض قياداتهم وهم أعلم بأمور دنياهم ولست أنا ، وزيادة رواتبهم لم يتقدموا بمثل هذه المطالب وقت الثورة ولم يتقدموا بها قبلها أيضاً ، والسبب معروف أن مناهج التعليم التي يقومون بتوصيلها كرجل البريد لطلابهم صبغت عقولهم هم أيضاً بالتأخير عن المشهد الاجتماعي والحضور المعاش ، لذا فقد استفاقوا أخيراً ، ولعلهم استفاقوا على مغبة المناهج الرتيبة التي لا تزال تتعامل مع اللغة على أنها جماد وليس كائن حي أو كما وسمتها وقمت بتوصيفها منذ فترة بأنها رموز صامتة تحولت إلى أصوات تركض كالخيول.
وطالما قمعت تفكيري الذي يستميل خلط الدين بأمور الحياة ، فكم تعجبت حينما رأيت وقرأت وشاهدت وربما سمعت أيضاً دونما أن أدري مجموعة من الفتاوى التي تتناول ظاهرة إضراب المعلمين عن العمل مطالبين بتحقيق بعض من أحلامهم الوظيفية ، ومنها من يعد هذا التصرف يدخل تحت قاعدة الحرابة ، ومنهم من يعد ذلك فعلاً يستوجب التوبة ، ومنهم من أعلن أن هذا الإضراب هو تمرد على الحاكمية في الأرض.
وكم أنت فريد يا وطني بأهله وعلمائه ، أليس من الأحرى أن يتناول علماؤنا بالدرس والفتيا موضوع الفساد التعليمي طوال ثلاثين عاماً؟ وأليس جدير بنا أن نعلن احتجاجنا على مناهج تكرس للطائفية والتمييز والعنصرية وتدعو إلى ممارسة صنوف الاضطهاد على الآخر المختلف معنا عقائديا وفكرياً؟ .
إن حال التعليم في مصر كحال الوطن في بعض أوقاته العصيبة والعصية على التأويل والتفسير ، ولو أن الوطن استطاع أن يتحرر من سطوة القمع السلطوي على يد نظام مبارك ورجال أمنه البائد ، فإن التعليم لم يصله قطار الثورة والتصحيح بعد ، فل إنه لا يزال يواصل مسلسل سقوطه المعرفي والعلمي وأصبح مؤسسة لا تسعى إلى تخريج نخبة تقود البلاد نحو الازدهار، لذا فقد قرر مستخدميه النزوع عنه ، والالتجاء إلى مصادر تثقيفية ذاتية أخرى تحقق تقدماً ملموساً دون قيود المعرفة التي تفرضها عليهم الثقافة التعليمية الرسمية.
ومنذ سنوات ليست بالبعيدة كنت أشارك مع مجموعة من الخبراء وأساتذتي في تطوير مناهج اللغة العربية بمراحل تعليمنا المختلفة، وكنت على وعي بأن ما أصنعه وقتها عبث واستمناء تربوي سيذهب مع الريح ، أما اليوم فالتطوير لفظة أصبحت نادرة في زمن تعليمي قصر المعرفة على الاختبار، واقتصر على الاختيار: إما أن ترفع رايتك البيضاء وتسلم عقلك لمناهجه دونما تأويل والمصير محتوم جاهل وفاسد وشبه إنسان، أو تقتنص الفرصة فتقفز على المعرفة المؤسسية وتهرع نحو بناء ذاتك ذاتياً وبجهود ذاتية مطلقة، والمصير ورد تفتح بحدائق مصر ثورة وتطهيراً ومعرفة إليكترونية وبسالة في عرض قضية الوطن بغير تراجع أو مساومة.
والحديث عن هموم التعليم حديث مستدام لا ينتهي، إلا بانتهاء الحياة على وجه الأرض، وبات من الرتابة وعدم الجدوى وقلة الحيلة أيضا الحديث بمرارة ووجع عن خطورة وأهمية العملية التعليمية ، وضرورة الاهتمام بالمخرج والعائد التعليمي ، لأن التعليم أصبح استثماراً بشرياً أهم وأخطر من الاستثمارات الاقتصادية والمالية في مجتمع المعرفة الحالي.
وأمر عجيب أن تظل مصر ومجموعة كبيرة من دراويش الكرة فيها يحتفلون ليل نهار بالمعارك الكروية دون وعي بأن المدرجات خاوية اللهم سوى من حفنة مدعوين لمشاهدة مباراة باهتة ضعيفة المستوى أيضا ، ورغم ذلك يغفل الملايين من المصريين المؤتمرات التعليمية الحقيقية وليست الديكورية ( نسبة إلى الديكور ) في مناقشة البعد الكوني للهموم التعليمية المشتركة مثل الإبداع والابتكار والتفوق في مجالي العلوم والرياضيات ، بالإضافة إلى نهضة الأمم بلغاتها الأصلية والمحافظة على هوية اللغات القومية لكل بلد. أما نحن فالأمور والظواهر التعليمية مازالت مختلفة ، فالتسرب التعليمي في ازدياد خطير ، والمحافظون لا يزالون يعلقون تجديد عقود المعلمين على محو أمية المواطنين في عصر أطلق عليه عصر الانفجار المعرفي أو مجتمع المعرفة، ونحن لازلنا نناقش مشكلة الأمية.
ولو أننا صادقنا القول والفعل مع أنفسنا لأعلنا أن التعليم حق أصيل في بنية الهوية المصرية والعربية، وهذا الإعلان يتطلب جهوداً كبيرة ومستمرة في الارتقاء بمستوى المعلم والطالب والمدرسة والسياسات التعليمية نفسها، وجعل المعلم وطالب وولي الأمر أقصد الآباء والأمهات شركاء في صناعة القرار التعليمي ، لا جعلهم مجرد كيانات صماء تتلقى الأوامر نصياً دون مناقشة أو مشاركة أو حق الاستفسار عن لماذا هذا الأمر؟ ، ولماذا لا يكون غيره صحيحاً. ؟
وليت وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي عندنا في المحروسة أن ترسخ بعقول أبنائنا حقوق حرية الاختلاف الفكري ، وأن توضح حقيقة وجود مسافات اجتماعية وثقافية بين أفراد الشعب، وهذه المساحة من شأنها أن يقابلها تقبل للآخر والمختلف والمتباين والمتمايز في الرأي والفكر والاتجاه، وإذا حدث هذا فلا ولن تسمع عن فتنة طائفية ، أو تشاجر بالسباب والأيدي تحت قبة البرلمان، أو وسط المشجعين بالملعب.
وليت وزارة التربية والتعليم تعي أهمية وضرورة تنمية مهارات التفكير الابتكاري ، ولتدرك أن التفكير ليس موهبة لا تقبل التعلم، بل إن الدور الرئيس لمناهج التعليم هو إكساب الطلاب والتلاميذ مهارات التفكير الناقد والإبداعي والابتكاري، لا جعلهم ممتصين للمعرفة والمعلومات.
إن أهم ما يميز العالم المدرسي العالمي هذه الأيام هو المعرفة، وتعني تعلم لتكون، ولتشارك الجميع، والابتعاد النهائي عن ثقافة النص التي لا تخرج عن صفحات يدرسها الطالب ليؤدي اختباراً فيها، بل يمتد ويتسع ليصير مجتمعاً معرفيا يتمركز حول التفكير وانتقال أثره في معاملاتنا وحياتنا المجتمعية وسلوكياتنا اليومية.
مدرس المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية
كلية التربية جامعة المنيا
[email protected]
هل لا يزال طلابنا بالمدارس المصرية المتطورة هم أؤلئك الزغاليل الذين تغنوا في فيلم غزل البنات ؟ يطيرون ويتمايلون من غير أجنحة ، أنا تحديداً لا أظن . وهل معلمونا الأماجد الذين أعلنوا من قبل إضرابهم وأحجموا عن اعتصاماتهم المؤقتة يعلمون أنهم يمتهنون مهنة طالما تغنى بها عميد الأدب العربي التنويري والنهضوي طه حسين ؟. أنا لا أظن أيضاً . أما السيد وزير التعليم فقلبي معه لا حيلة له ولا وطاقة وربما لا صبر لديه من الأساس في أن يقرأ سطوري تلك لا هو ولا غيره ، في ظل ثقافة استمرأت الخروج إلى ميدان التحرير معلنين عن حقوق ومتخلية عن واجباتها.
لقد بدأ العام الدراسي الجديد منذ أسابيع منصرمة ، باستثناء الوزير الذي يبدو بالفعل أكثر تميزا عن سابقيه الدكتور طارق شوقي ، نجد بعض قيادات الوزارة وخبراء التربية المنتمين كرها للوزارة أؤلئك الذين لا يزالون يعيشون في مناخ القرون الوسطى والمعلمون أنفسهم يعلمون أن تعليمهم هذا لن يصنع خيراً للوطن ، لأنهم شاركوا مع النظامين السياسيين السابقين والفاسدين في تعميق الجهل وضعف الوعي الثقافي لدى أبنائنا على مر عقود ثلاثة ويزيد ، ورغم هذه المؤامرة غير الناجحة استطاع الشباب أن يثقف نفسه بعيداً عن تقارير المسئولين وخبراء الورق المتكدس حتى تمكن من إسقاط نظام مبارك وقهر أنظمة التعليم السائدة.
ويظل السؤال الحائر يدق رأسي منذ سنين ، بل وازدادت حدته بعد انتفاضة يناير الشعبية وثورة يونيو : متى سينهض النظام التعليمي في بلادي ؟ فأنا لا أصدق مؤتمرات التطوير التي يعقدها أساطين التربية والتعليم ، وأصبحت مثل اللقاءات الخيرية التي تنظمها جامعة الدول العربية والنتيجة صفر ، وأصبحت أتيقن من أن مناهج التعليم في مصر تسعى منذ عشرات السنين باتت تكرس لثقافة التخلف وتسهم في التبشير بمصطلحات مثل الإبداع والتطوير والتقويم الشامل والمداخل المتكاملة ، وتقبع تحت تلك التوصيفات الرنانة عقم التفكير التأليفي ، والاختيار القمعي للنصوص الأدبية التي تفرض كرهاً على طلابنا.
ورغم حالة الغياب تلك فالحضور الاجتماعي والسياسي لطلابنا بميدان التحرير وقت الثورة كان واقعاً مشهوداً دونما تزييف أو تحريف أو تصحيف.
لذا فينبغي على المؤسسة التعليمية أقصد المدرسة والجامعة أن تستنهض عزيمتها أيام كان على رأس قيادتها أمثال العميد طه حسين النهضوي التنويري، فتغير مناهجها تغييرا كاملا لا أن تطورها بما يتواكب وعقول طلابها لا بما يتناسب فقط مع المتغيرات الخارجية فنحن رأينا جميعا أن الذين خرجوا مستشهدين في سبيل إعلاء مصر وإسقاط نظام فاسد ومؤبد لم يستندوا في مشروعهم التطهيري على مناهج المدرسة أو الجامعة لأنهما باختصار كفيلتان لإسقاط الثورة نفسها بغير مبالغة.
والغريب بل والمدهش أن المعلمين وهم ينددون بإسقاط بعض قياداتهم وهم أعلم بأمور دنياهم ولست أنا ، وزيادة رواتبهم لم يتقدموا بمثل هذه المطالب وقت الثورة ولم يتقدموا بها قبلها أيضاً ، والسبب معروف أن مناهج التعليم التي يقومون بتوصيلها كرجل البريد لطلابهم صبغت عقولهم هم أيضاً بالتأخير عن المشهد الاجتماعي والحضور المعاش ، لذا فقد استفاقوا أخيراً ، ولعلهم استفاقوا على مغبة المناهج الرتيبة التي لا تزال تتعامل مع اللغة على أنها جماد وليس كائن حي أو كما وسمتها وقمت بتوصيفها منذ فترة بأنها رموز صامتة تحولت إلى أصوات تركض كالخيول.
وطالما قمعت تفكيري الذي يستميل خلط الدين بأمور الحياة ، فكم تعجبت حينما رأيت وقرأت وشاهدت وربما سمعت أيضاً دونما أن أدري مجموعة من الفتاوى التي تتناول ظاهرة إضراب المعلمين عن العمل مطالبين بتحقيق بعض من أحلامهم الوظيفية ، ومنها من يعد هذا التصرف يدخل تحت قاعدة الحرابة ، ومنهم من يعد ذلك فعلاً يستوجب التوبة ، ومنهم من أعلن أن هذا الإضراب هو تمرد على الحاكمية في الأرض.
وكم أنت فريد يا وطني بأهله وعلمائه ، أليس من الأحرى أن يتناول علماؤنا بالدرس والفتيا موضوع الفساد التعليمي طوال ثلاثين عاماً؟ وأليس جدير بنا أن نعلن احتجاجنا على مناهج تكرس للطائفية والتمييز والعنصرية وتدعو إلى ممارسة صنوف الاضطهاد على الآخر المختلف معنا عقائديا وفكرياً؟ .
إن حال التعليم في مصر كحال الوطن في بعض أوقاته العصيبة والعصية على التأويل والتفسير ، ولو أن الوطن استطاع أن يتحرر من سطوة القمع السلطوي على يد نظام مبارك ورجال أمنه البائد ، فإن التعليم لم يصله قطار الثورة والتصحيح بعد ، فل إنه لا يزال يواصل مسلسل سقوطه المعرفي والعلمي وأصبح مؤسسة لا تسعى إلى تخريج نخبة تقود البلاد نحو الازدهار، لذا فقد قرر مستخدميه النزوع عنه ، والالتجاء إلى مصادر تثقيفية ذاتية أخرى تحقق تقدماً ملموساً دون قيود المعرفة التي تفرضها عليهم الثقافة التعليمية الرسمية.
ومنذ سنوات ليست بالبعيدة كنت أشارك مع مجموعة من الخبراء وأساتذتي في تطوير مناهج اللغة العربية بمراحل تعليمنا المختلفة، وكنت على وعي بأن ما أصنعه وقتها عبث واستمناء تربوي سيذهب مع الريح ، أما اليوم فالتطوير لفظة أصبحت نادرة في زمن تعليمي قصر المعرفة على الاختبار، واقتصر على الاختيار: إما أن ترفع رايتك البيضاء وتسلم عقلك لمناهجه دونما تأويل والمصير محتوم جاهل وفاسد وشبه إنسان، أو تقتنص الفرصة فتقفز على المعرفة المؤسسية وتهرع نحو بناء ذاتك ذاتياً وبجهود ذاتية مطلقة، والمصير ورد تفتح بحدائق مصر ثورة وتطهيراً ومعرفة إليكترونية وبسالة في عرض قضية الوطن بغير تراجع أو مساومة.
والحديث عن هموم التعليم حديث مستدام لا ينتهي، إلا بانتهاء الحياة على وجه الأرض، وبات من الرتابة وعدم الجدوى وقلة الحيلة أيضا الحديث بمرارة ووجع عن خطورة وأهمية العملية التعليمية ، وضرورة الاهتمام بالمخرج والعائد التعليمي ، لأن التعليم أصبح استثماراً بشرياً أهم وأخطر من الاستثمارات الاقتصادية والمالية في مجتمع المعرفة الحالي.
وأمر عجيب أن تظل مصر ومجموعة كبيرة من دراويش الكرة فيها يحتفلون ليل نهار بالمعارك الكروية دون وعي بأن المدرجات خاوية اللهم سوى من حفنة مدعوين لمشاهدة مباراة باهتة ضعيفة المستوى أيضا ، ورغم ذلك يغفل الملايين من المصريين المؤتمرات التعليمية الحقيقية وليست الديكورية ( نسبة إلى الديكور ) في مناقشة البعد الكوني للهموم التعليمية المشتركة مثل الإبداع والابتكار والتفوق في مجالي العلوم والرياضيات ، بالإضافة إلى نهضة الأمم بلغاتها الأصلية والمحافظة على هوية اللغات القومية لكل بلد. أما نحن فالأمور والظواهر التعليمية مازالت مختلفة ، فالتسرب التعليمي في ازدياد خطير ، والمحافظون لا يزالون يعلقون تجديد عقود المعلمين على محو أمية المواطنين في عصر أطلق عليه عصر الانفجار المعرفي أو مجتمع المعرفة، ونحن لازلنا نناقش مشكلة الأمية.
ولو أننا صادقنا القول والفعل مع أنفسنا لأعلنا أن التعليم حق أصيل في بنية الهوية المصرية والعربية، وهذا الإعلان يتطلب جهوداً كبيرة ومستمرة في الارتقاء بمستوى المعلم والطالب والمدرسة والسياسات التعليمية نفسها، وجعل المعلم وطالب وولي الأمر أقصد الآباء والأمهات شركاء في صناعة القرار التعليمي ، لا جعلهم مجرد كيانات صماء تتلقى الأوامر نصياً دون مناقشة أو مشاركة أو حق الاستفسار عن لماذا هذا الأمر؟ ، ولماذا لا يكون غيره صحيحاً. ؟
وليت وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي عندنا في المحروسة أن ترسخ بعقول أبنائنا حقوق حرية الاختلاف الفكري ، وأن توضح حقيقة وجود مسافات اجتماعية وثقافية بين أفراد الشعب، وهذه المساحة من شأنها أن يقابلها تقبل للآخر والمختلف والمتباين والمتمايز في الرأي والفكر والاتجاه، وإذا حدث هذا فلا ولن تسمع عن فتنة طائفية ، أو تشاجر بالسباب والأيدي تحت قبة البرلمان، أو وسط المشجعين بالملعب.
وليت وزارة التربية والتعليم تعي أهمية وضرورة تنمية مهارات التفكير الابتكاري ، ولتدرك أن التفكير ليس موهبة لا تقبل التعلم، بل إن الدور الرئيس لمناهج التعليم هو إكساب الطلاب والتلاميذ مهارات التفكير الناقد والإبداعي والابتكاري، لا جعلهم ممتصين للمعرفة والمعلومات.
إن أهم ما يميز العالم المدرسي العالمي هذه الأيام هو المعرفة، وتعني تعلم لتكون، ولتشارك الجميع، والابتعاد النهائي عن ثقافة النص التي لا تخرج عن صفحات يدرسها الطالب ليؤدي اختباراً فيها، بل يمتد ويتسع ليصير مجتمعاً معرفيا يتمركز حول التفكير وانتقال أثره في معاملاتنا وحياتنا المجتمعية وسلوكياتنا اليومية.
مدرس المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية
كلية التربية جامعة المنيا
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.