بدء التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ بسفارات مصر بالسعودية والكويت والأردن    انتخابات الشيوخ 2025.. توافد لافت ورسائل دعم للدولة المصرية خلال تصويت المصريين بالسعودية    توقيع بروتوكول تعاون بين الجمارك والغرفة التجارية بالقاهرة لتيسير الإجراءات الجمركية    استشهاد 23 فلسطينيا في قصف إسرائيلي متواصل على غزة    الدفاع الروسية: اعتراض وتدمير 112 طائرة مسيرة أوكرانية    مواعيد مباريات السبت 2 أغسطس 2025.. البدري ضد كهربا وافتتاح أمم إفريقيا للمحليين    مواعيد مباريات اليوم السبت 2- 8- 2025 والقنوات الناقلة    ماسكيرانو: نحلم باستمرار ميسي مع إنتر ميامي.. والقرار بيده    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    الرئيس البرازيلي: نستعد للرد على الرسوم الجمركية الأمريكية    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    مصطفى عبده يكتب: خيانة مكتملة الأركان    ذات يوم.. 02 أغسطس 1990.. اتصالات هاتفية بالرئيس مبارك والملكين فهد وحسين لإبلاغهم بمفاجأة احتلال العراق للكويت ومحاولات الاتصال بصدام حسين تفشل بحجة «التليفون بعيد عنه»    أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم    الهيئة الوطنية للانتخابات: سفراء مصر بالخارج يدعمون التصويت    استقرار أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم 2 أغسطس 2025    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    يحيى عطية الله يعود إلى الوداد بعد موافقة سوتشي الروسي    «مياه الإسكندرية» تنهي استعداداتها لتأمين انتخابات مجلس الشيوخ    الطقس اليوم السبت 2-8-2025.. أجواء حارة ورطبة نهارًا على أغلب الأنحاء    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    أخبار مصر: مفاجأة بمنزل البلوجر أم مكة، وفاة غامضة لعم أنغام، ترامب يهدد بوتين ب"النووي"، مأساة في زفة عريس بكفر الشيخ    وفاة عم أنغام .. وشقيقه: الوفاة طبيعية ولا توجد شبهة جنائية    القاهرة الإخبارية تعرض تقريرا عن مجلس الشيوخ.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    حملة «100 يوم صحة» تقدم 26.7 مليون خدمة طبية مجانية خلال 17 يوما    جنين تم تجميده عام 1994.. ولادة أكبر طفل في العالم    أسعار السبائك الذهبية اليوم السبت 2-8-2025 بعد الارتفاع القياسي العالمي    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    "تيسلا" مطالبة ب 242 مليون دولار كتعويض عن حادث مميت    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم السبت 2-8-2025    سعر الأرز الشعير والأبيض اليوم السبت 2-8-2025 في أسواق الشرقية    الأجهزة الأمنية تداهم منزل البلوجر «أم مكة» في شبرا الخيمة وتتحفظ على معدات التصوير    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. قائمة الكليات المتاحة لعلمي علوم ورياضة ومؤشرات الحد الأدنى    جريمة تهز سيوة.. مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة وإصابة ابنهم    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    تشيع جنازة عريس لحق بعروسه بعد ساعات من وفاتها بكفر الشيخ    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    إصابة 5 عمال في مشاجرة بسوهاج لتنافس على الزبائن    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يَسْألُونَكَ عن التَّعْلِيْمِ
نشر في صوت البلد يوم 09 - 03 - 2017

هل لا يزال طلابنا بالمدارس المصرية المتطورة هم أؤلئك الزغاليل الذين تغنوا في فيلم غزل البنات ؟ يطيرون ويتمايلون من غير أجنحة ، أنا تحديداً لا أظن . وهل معلمونا الأماجد الذين أعلنوا من قبل إضرابهم وأحجموا عن اعتصاماتهم المؤقتة يعلمون أنهم يمتهنون مهنة طالما تغنى بها عميد الأدب العربي التنويري والنهضوي طه حسين ؟. أنا لا أظن أيضاً . أما السيد وزير التعليم فقلبي معه لا حيلة له ولا وطاقة وربما لا صبر لديه من الأساس في أن يقرأ سطوري تلك لا هو ولا غيره ، في ظل ثقافة استمرأت الخروج إلى ميدان التحرير معلنين عن حقوق ومتخلية عن واجباتها.
لقد بدأ العام الدراسي الجديد منذ أسابيع منصرمة ، باستثناء الوزير الذي يبدو بالفعل أكثر تميزا عن سابقيه الدكتور طارق شوقي ، نجد بعض قيادات الوزارة وخبراء التربية المنتمين كرها للوزارة أؤلئك الذين لا يزالون يعيشون في مناخ القرون الوسطى والمعلمون أنفسهم يعلمون أن تعليمهم هذا لن يصنع خيراً للوطن ، لأنهم شاركوا مع النظامين السياسيين السابقين والفاسدين في تعميق الجهل وضعف الوعي الثقافي لدى أبنائنا على مر عقود ثلاثة ويزيد ، ورغم هذه المؤامرة غير الناجحة استطاع الشباب أن يثقف نفسه بعيداً عن تقارير المسئولين وخبراء الورق المتكدس حتى تمكن من إسقاط نظام مبارك وقهر أنظمة التعليم السائدة.
ويظل السؤال الحائر يدق رأسي منذ سنين ، بل وازدادت حدته بعد انتفاضة يناير الشعبية وثورة يونيو : متى سينهض النظام التعليمي في بلادي ؟ فأنا لا أصدق مؤتمرات التطوير التي يعقدها أساطين التربية والتعليم ، وأصبحت مثل اللقاءات الخيرية التي تنظمها جامعة الدول العربية والنتيجة صفر ، وأصبحت أتيقن من أن مناهج التعليم في مصر تسعى منذ عشرات السنين باتت تكرس لثقافة التخلف وتسهم في التبشير بمصطلحات مثل الإبداع والتطوير والتقويم الشامل والمداخل المتكاملة ، وتقبع تحت تلك التوصيفات الرنانة عقم التفكير التأليفي ، والاختيار القمعي للنصوص الأدبية التي تفرض كرهاً على طلابنا.
ورغم حالة الغياب تلك فالحضور الاجتماعي والسياسي لطلابنا بميدان التحرير وقت الثورة كان واقعاً مشهوداً دونما تزييف أو تحريف أو تصحيف.
لذا فينبغي على المؤسسة التعليمية أقصد المدرسة والجامعة أن تستنهض عزيمتها أيام كان على رأس قيادتها أمثال العميد طه حسين النهضوي التنويري، فتغير مناهجها تغييرا كاملا لا أن تطورها بما يتواكب وعقول طلابها لا بما يتناسب فقط مع المتغيرات الخارجية فنحن رأينا جميعا أن الذين خرجوا مستشهدين في سبيل إعلاء مصر وإسقاط نظام فاسد ومؤبد لم يستندوا في مشروعهم التطهيري على مناهج المدرسة أو الجامعة لأنهما باختصار كفيلتان لإسقاط الثورة نفسها بغير مبالغة.
والغريب بل والمدهش أن المعلمين وهم ينددون بإسقاط بعض قياداتهم وهم أعلم بأمور دنياهم ولست أنا ، وزيادة رواتبهم لم يتقدموا بمثل هذه المطالب وقت الثورة ولم يتقدموا بها قبلها أيضاً ، والسبب معروف أن مناهج التعليم التي يقومون بتوصيلها كرجل البريد لطلابهم صبغت عقولهم هم أيضاً بالتأخير عن المشهد الاجتماعي والحضور المعاش ، لذا فقد استفاقوا أخيراً ، ولعلهم استفاقوا على مغبة المناهج الرتيبة التي لا تزال تتعامل مع اللغة على أنها جماد وليس كائن حي أو كما وسمتها وقمت بتوصيفها منذ فترة بأنها رموز صامتة تحولت إلى أصوات تركض كالخيول.
وطالما قمعت تفكيري الذي يستميل خلط الدين بأمور الحياة ، فكم تعجبت حينما رأيت وقرأت وشاهدت وربما سمعت أيضاً دونما أن أدري مجموعة من الفتاوى التي تتناول ظاهرة إضراب المعلمين عن العمل مطالبين بتحقيق بعض من أحلامهم الوظيفية ، ومنها من يعد هذا التصرف يدخل تحت قاعدة الحرابة ، ومنهم من يعد ذلك فعلاً يستوجب التوبة ، ومنهم من أعلن أن هذا الإضراب هو تمرد على الحاكمية في الأرض.
وكم أنت فريد يا وطني بأهله وعلمائه ، أليس من الأحرى أن يتناول علماؤنا بالدرس والفتيا موضوع الفساد التعليمي طوال ثلاثين عاماً؟ وأليس جدير بنا أن نعلن احتجاجنا على مناهج تكرس للطائفية والتمييز والعنصرية وتدعو إلى ممارسة صنوف الاضطهاد على الآخر المختلف معنا عقائديا وفكرياً؟ .
إن حال التعليم في مصر كحال الوطن في بعض أوقاته العصيبة والعصية على التأويل والتفسير ، ولو أن الوطن استطاع أن يتحرر من سطوة القمع السلطوي على يد نظام مبارك ورجال أمنه البائد ، فإن التعليم لم يصله قطار الثورة والتصحيح بعد ، فل إنه لا يزال يواصل مسلسل سقوطه المعرفي والعلمي وأصبح مؤسسة لا تسعى إلى تخريج نخبة تقود البلاد نحو الازدهار، لذا فقد قرر مستخدميه النزوع عنه ، والالتجاء إلى مصادر تثقيفية ذاتية أخرى تحقق تقدماً ملموساً دون قيود المعرفة التي تفرضها عليهم الثقافة التعليمية الرسمية.
ومنذ سنوات ليست بالبعيدة كنت أشارك مع مجموعة من الخبراء وأساتذتي في تطوير مناهج اللغة العربية بمراحل تعليمنا المختلفة، وكنت على وعي بأن ما أصنعه وقتها عبث واستمناء تربوي سيذهب مع الريح ، أما اليوم فالتطوير لفظة أصبحت نادرة في زمن تعليمي قصر المعرفة على الاختبار، واقتصر على الاختيار: إما أن ترفع رايتك البيضاء وتسلم عقلك لمناهجه دونما تأويل والمصير محتوم جاهل وفاسد وشبه إنسان، أو تقتنص الفرصة فتقفز على المعرفة المؤسسية وتهرع نحو بناء ذاتك ذاتياً وبجهود ذاتية مطلقة، والمصير ورد تفتح بحدائق مصر ثورة وتطهيراً ومعرفة إليكترونية وبسالة في عرض قضية الوطن بغير تراجع أو مساومة.
والحديث عن هموم التعليم حديث مستدام لا ينتهي، إلا بانتهاء الحياة على وجه الأرض، وبات من الرتابة وعدم الجدوى وقلة الحيلة أيضا الحديث بمرارة ووجع عن خطورة وأهمية العملية التعليمية ، وضرورة الاهتمام بالمخرج والعائد التعليمي ، لأن التعليم أصبح استثماراً بشرياً أهم وأخطر من الاستثمارات الاقتصادية والمالية في مجتمع المعرفة الحالي.
وأمر عجيب أن تظل مصر ومجموعة كبيرة من دراويش الكرة فيها يحتفلون ليل نهار بالمعارك الكروية دون وعي بأن المدرجات خاوية اللهم سوى من حفنة مدعوين لمشاهدة مباراة باهتة ضعيفة المستوى أيضا ، ورغم ذلك يغفل الملايين من المصريين المؤتمرات التعليمية الحقيقية وليست الديكورية ( نسبة إلى الديكور ) في مناقشة البعد الكوني للهموم التعليمية المشتركة مثل الإبداع والابتكار والتفوق في مجالي العلوم والرياضيات ، بالإضافة إلى نهضة الأمم بلغاتها الأصلية والمحافظة على هوية اللغات القومية لكل بلد. أما نحن فالأمور والظواهر التعليمية مازالت مختلفة ، فالتسرب التعليمي في ازدياد خطير ، والمحافظون لا يزالون يعلقون تجديد عقود المعلمين على محو أمية المواطنين في عصر أطلق عليه عصر الانفجار المعرفي أو مجتمع المعرفة، ونحن لازلنا نناقش مشكلة الأمية.
ولو أننا صادقنا القول والفعل مع أنفسنا لأعلنا أن التعليم حق أصيل في بنية الهوية المصرية والعربية، وهذا الإعلان يتطلب جهوداً كبيرة ومستمرة في الارتقاء بمستوى المعلم والطالب والمدرسة والسياسات التعليمية نفسها، وجعل المعلم وطالب وولي الأمر أقصد الآباء والأمهات شركاء في صناعة القرار التعليمي ، لا جعلهم مجرد كيانات صماء تتلقى الأوامر نصياً دون مناقشة أو مشاركة أو حق الاستفسار عن لماذا هذا الأمر؟ ، ولماذا لا يكون غيره صحيحاً. ؟
وليت وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي عندنا في المحروسة أن ترسخ بعقول أبنائنا حقوق حرية الاختلاف الفكري ، وأن توضح حقيقة وجود مسافات اجتماعية وثقافية بين أفراد الشعب، وهذه المساحة من شأنها أن يقابلها تقبل للآخر والمختلف والمتباين والمتمايز في الرأي والفكر والاتجاه، وإذا حدث هذا فلا ولن تسمع عن فتنة طائفية ، أو تشاجر بالسباب والأيدي تحت قبة البرلمان، أو وسط المشجعين بالملعب.
وليت وزارة التربية والتعليم تعي أهمية وضرورة تنمية مهارات التفكير الابتكاري ، ولتدرك أن التفكير ليس موهبة لا تقبل التعلم، بل إن الدور الرئيس لمناهج التعليم هو إكساب الطلاب والتلاميذ مهارات التفكير الناقد والإبداعي والابتكاري، لا جعلهم ممتصين للمعرفة والمعلومات.
إن أهم ما يميز العالم المدرسي العالمي هذه الأيام هو المعرفة، وتعني تعلم لتكون، ولتشارك الجميع، والابتعاد النهائي عن ثقافة النص التي لا تخرج عن صفحات يدرسها الطالب ليؤدي اختباراً فيها، بل يمتد ويتسع ليصير مجتمعاً معرفيا يتمركز حول التفكير وانتقال أثره في معاملاتنا وحياتنا المجتمعية وسلوكياتنا اليومية.
مدرس المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية
كلية التربية جامعة المنيا
[email protected]
هل لا يزال طلابنا بالمدارس المصرية المتطورة هم أؤلئك الزغاليل الذين تغنوا في فيلم غزل البنات ؟ يطيرون ويتمايلون من غير أجنحة ، أنا تحديداً لا أظن . وهل معلمونا الأماجد الذين أعلنوا من قبل إضرابهم وأحجموا عن اعتصاماتهم المؤقتة يعلمون أنهم يمتهنون مهنة طالما تغنى بها عميد الأدب العربي التنويري والنهضوي طه حسين ؟. أنا لا أظن أيضاً . أما السيد وزير التعليم فقلبي معه لا حيلة له ولا وطاقة وربما لا صبر لديه من الأساس في أن يقرأ سطوري تلك لا هو ولا غيره ، في ظل ثقافة استمرأت الخروج إلى ميدان التحرير معلنين عن حقوق ومتخلية عن واجباتها.
لقد بدأ العام الدراسي الجديد منذ أسابيع منصرمة ، باستثناء الوزير الذي يبدو بالفعل أكثر تميزا عن سابقيه الدكتور طارق شوقي ، نجد بعض قيادات الوزارة وخبراء التربية المنتمين كرها للوزارة أؤلئك الذين لا يزالون يعيشون في مناخ القرون الوسطى والمعلمون أنفسهم يعلمون أن تعليمهم هذا لن يصنع خيراً للوطن ، لأنهم شاركوا مع النظامين السياسيين السابقين والفاسدين في تعميق الجهل وضعف الوعي الثقافي لدى أبنائنا على مر عقود ثلاثة ويزيد ، ورغم هذه المؤامرة غير الناجحة استطاع الشباب أن يثقف نفسه بعيداً عن تقارير المسئولين وخبراء الورق المتكدس حتى تمكن من إسقاط نظام مبارك وقهر أنظمة التعليم السائدة.
ويظل السؤال الحائر يدق رأسي منذ سنين ، بل وازدادت حدته بعد انتفاضة يناير الشعبية وثورة يونيو : متى سينهض النظام التعليمي في بلادي ؟ فأنا لا أصدق مؤتمرات التطوير التي يعقدها أساطين التربية والتعليم ، وأصبحت مثل اللقاءات الخيرية التي تنظمها جامعة الدول العربية والنتيجة صفر ، وأصبحت أتيقن من أن مناهج التعليم في مصر تسعى منذ عشرات السنين باتت تكرس لثقافة التخلف وتسهم في التبشير بمصطلحات مثل الإبداع والتطوير والتقويم الشامل والمداخل المتكاملة ، وتقبع تحت تلك التوصيفات الرنانة عقم التفكير التأليفي ، والاختيار القمعي للنصوص الأدبية التي تفرض كرهاً على طلابنا.
ورغم حالة الغياب تلك فالحضور الاجتماعي والسياسي لطلابنا بميدان التحرير وقت الثورة كان واقعاً مشهوداً دونما تزييف أو تحريف أو تصحيف.
لذا فينبغي على المؤسسة التعليمية أقصد المدرسة والجامعة أن تستنهض عزيمتها أيام كان على رأس قيادتها أمثال العميد طه حسين النهضوي التنويري، فتغير مناهجها تغييرا كاملا لا أن تطورها بما يتواكب وعقول طلابها لا بما يتناسب فقط مع المتغيرات الخارجية فنحن رأينا جميعا أن الذين خرجوا مستشهدين في سبيل إعلاء مصر وإسقاط نظام فاسد ومؤبد لم يستندوا في مشروعهم التطهيري على مناهج المدرسة أو الجامعة لأنهما باختصار كفيلتان لإسقاط الثورة نفسها بغير مبالغة.
والغريب بل والمدهش أن المعلمين وهم ينددون بإسقاط بعض قياداتهم وهم أعلم بأمور دنياهم ولست أنا ، وزيادة رواتبهم لم يتقدموا بمثل هذه المطالب وقت الثورة ولم يتقدموا بها قبلها أيضاً ، والسبب معروف أن مناهج التعليم التي يقومون بتوصيلها كرجل البريد لطلابهم صبغت عقولهم هم أيضاً بالتأخير عن المشهد الاجتماعي والحضور المعاش ، لذا فقد استفاقوا أخيراً ، ولعلهم استفاقوا على مغبة المناهج الرتيبة التي لا تزال تتعامل مع اللغة على أنها جماد وليس كائن حي أو كما وسمتها وقمت بتوصيفها منذ فترة بأنها رموز صامتة تحولت إلى أصوات تركض كالخيول.
وطالما قمعت تفكيري الذي يستميل خلط الدين بأمور الحياة ، فكم تعجبت حينما رأيت وقرأت وشاهدت وربما سمعت أيضاً دونما أن أدري مجموعة من الفتاوى التي تتناول ظاهرة إضراب المعلمين عن العمل مطالبين بتحقيق بعض من أحلامهم الوظيفية ، ومنها من يعد هذا التصرف يدخل تحت قاعدة الحرابة ، ومنهم من يعد ذلك فعلاً يستوجب التوبة ، ومنهم من أعلن أن هذا الإضراب هو تمرد على الحاكمية في الأرض.
وكم أنت فريد يا وطني بأهله وعلمائه ، أليس من الأحرى أن يتناول علماؤنا بالدرس والفتيا موضوع الفساد التعليمي طوال ثلاثين عاماً؟ وأليس جدير بنا أن نعلن احتجاجنا على مناهج تكرس للطائفية والتمييز والعنصرية وتدعو إلى ممارسة صنوف الاضطهاد على الآخر المختلف معنا عقائديا وفكرياً؟ .
إن حال التعليم في مصر كحال الوطن في بعض أوقاته العصيبة والعصية على التأويل والتفسير ، ولو أن الوطن استطاع أن يتحرر من سطوة القمع السلطوي على يد نظام مبارك ورجال أمنه البائد ، فإن التعليم لم يصله قطار الثورة والتصحيح بعد ، فل إنه لا يزال يواصل مسلسل سقوطه المعرفي والعلمي وأصبح مؤسسة لا تسعى إلى تخريج نخبة تقود البلاد نحو الازدهار، لذا فقد قرر مستخدميه النزوع عنه ، والالتجاء إلى مصادر تثقيفية ذاتية أخرى تحقق تقدماً ملموساً دون قيود المعرفة التي تفرضها عليهم الثقافة التعليمية الرسمية.
ومنذ سنوات ليست بالبعيدة كنت أشارك مع مجموعة من الخبراء وأساتذتي في تطوير مناهج اللغة العربية بمراحل تعليمنا المختلفة، وكنت على وعي بأن ما أصنعه وقتها عبث واستمناء تربوي سيذهب مع الريح ، أما اليوم فالتطوير لفظة أصبحت نادرة في زمن تعليمي قصر المعرفة على الاختبار، واقتصر على الاختيار: إما أن ترفع رايتك البيضاء وتسلم عقلك لمناهجه دونما تأويل والمصير محتوم جاهل وفاسد وشبه إنسان، أو تقتنص الفرصة فتقفز على المعرفة المؤسسية وتهرع نحو بناء ذاتك ذاتياً وبجهود ذاتية مطلقة، والمصير ورد تفتح بحدائق مصر ثورة وتطهيراً ومعرفة إليكترونية وبسالة في عرض قضية الوطن بغير تراجع أو مساومة.
والحديث عن هموم التعليم حديث مستدام لا ينتهي، إلا بانتهاء الحياة على وجه الأرض، وبات من الرتابة وعدم الجدوى وقلة الحيلة أيضا الحديث بمرارة ووجع عن خطورة وأهمية العملية التعليمية ، وضرورة الاهتمام بالمخرج والعائد التعليمي ، لأن التعليم أصبح استثماراً بشرياً أهم وأخطر من الاستثمارات الاقتصادية والمالية في مجتمع المعرفة الحالي.
وأمر عجيب أن تظل مصر ومجموعة كبيرة من دراويش الكرة فيها يحتفلون ليل نهار بالمعارك الكروية دون وعي بأن المدرجات خاوية اللهم سوى من حفنة مدعوين لمشاهدة مباراة باهتة ضعيفة المستوى أيضا ، ورغم ذلك يغفل الملايين من المصريين المؤتمرات التعليمية الحقيقية وليست الديكورية ( نسبة إلى الديكور ) في مناقشة البعد الكوني للهموم التعليمية المشتركة مثل الإبداع والابتكار والتفوق في مجالي العلوم والرياضيات ، بالإضافة إلى نهضة الأمم بلغاتها الأصلية والمحافظة على هوية اللغات القومية لكل بلد. أما نحن فالأمور والظواهر التعليمية مازالت مختلفة ، فالتسرب التعليمي في ازدياد خطير ، والمحافظون لا يزالون يعلقون تجديد عقود المعلمين على محو أمية المواطنين في عصر أطلق عليه عصر الانفجار المعرفي أو مجتمع المعرفة، ونحن لازلنا نناقش مشكلة الأمية.
ولو أننا صادقنا القول والفعل مع أنفسنا لأعلنا أن التعليم حق أصيل في بنية الهوية المصرية والعربية، وهذا الإعلان يتطلب جهوداً كبيرة ومستمرة في الارتقاء بمستوى المعلم والطالب والمدرسة والسياسات التعليمية نفسها، وجعل المعلم وطالب وولي الأمر أقصد الآباء والأمهات شركاء في صناعة القرار التعليمي ، لا جعلهم مجرد كيانات صماء تتلقى الأوامر نصياً دون مناقشة أو مشاركة أو حق الاستفسار عن لماذا هذا الأمر؟ ، ولماذا لا يكون غيره صحيحاً. ؟
وليت وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي عندنا في المحروسة أن ترسخ بعقول أبنائنا حقوق حرية الاختلاف الفكري ، وأن توضح حقيقة وجود مسافات اجتماعية وثقافية بين أفراد الشعب، وهذه المساحة من شأنها أن يقابلها تقبل للآخر والمختلف والمتباين والمتمايز في الرأي والفكر والاتجاه، وإذا حدث هذا فلا ولن تسمع عن فتنة طائفية ، أو تشاجر بالسباب والأيدي تحت قبة البرلمان، أو وسط المشجعين بالملعب.
وليت وزارة التربية والتعليم تعي أهمية وضرورة تنمية مهارات التفكير الابتكاري ، ولتدرك أن التفكير ليس موهبة لا تقبل التعلم، بل إن الدور الرئيس لمناهج التعليم هو إكساب الطلاب والتلاميذ مهارات التفكير الناقد والإبداعي والابتكاري، لا جعلهم ممتصين للمعرفة والمعلومات.
إن أهم ما يميز العالم المدرسي العالمي هذه الأيام هو المعرفة، وتعني تعلم لتكون، ولتشارك الجميع، والابتعاد النهائي عن ثقافة النص التي لا تخرج عن صفحات يدرسها الطالب ليؤدي اختباراً فيها، بل يمتد ويتسع ليصير مجتمعاً معرفيا يتمركز حول التفكير وانتقال أثره في معاملاتنا وحياتنا المجتمعية وسلوكياتنا اليومية.
مدرس المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية
كلية التربية جامعة المنيا
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.