أقل من شهرين وتنتهي الدراسة بالمدارس والجامعات المصرية ، وبلغة لا يعرفها سوى متخصصي الجودة والريادة التعليمية في دول العالم المتحضر جاء وقت قياس العائد التعليمي ، وهو أشبه بعملية كشف حساب لما أنفق على التعليم من مال وجهد بشري وما آل إلت إليه هذه المنظومة العجيبة في مصر . وحديث التعليم هذا بات مكروراً ومملاً سواء لدى الكاتي المهموم بالقضية ذاتها والقارئ الذي حاله أصبح كحال الشارع المصري مضطرب ومؤجل للنهوض حتى إشعار آخر ، والمأساة التي يعاني منها التعليم بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أنه أصبح رد فعل لإحداثيات المشهد السياسي وما تفرضه عله من لغط وجدل عقيم ، فطوال ثلاثين عاماً مضت هي فترة حكم مبارك بنظمه التعليمية الموالية للركود العقلي بات التعليم يدجج لثقافة النقل وإغفال دور العقل ، وأصبحت المنظومة ملكاً مشاعاً للفساد الإداري والمالي والتعليمي مع كامل الاعتذار لكلمة تعليم . أما بعد الثورة فبدلاً من أن يقوم التعليم متمثلاً في عناصر محددة مثل الوزارة والمسئولين والمناهج والمعلم والمتعلم والمجتمع المدني بدوره في استنهاض هذه البلاد والعباد ، تفرغ لقضايا وهمية لا تعني أحداً ، مثل هل نحذف الأجزاء التي تشير إلى عصر مبارك أم نبقي على الإنجازات فيه ؟ رغم أن أكبر إنجازات مبارك لا نزال نعاني من ويلاتها والمجلس العسكري وحكومة الإنقاذ لا يزالا في غفلة مستدامة عنها مثل أكذوبة المدارس الدولية التي تعصف باستقرار مصر وهويتها وأيديولوجيتها المميزة لها وهي الطبيعة العربية والإسلامية . وأكبر إنجازات مبارك التعليمية هي تطوير كليات التربية عن طريق المؤتمرات العبثية ، أو الحقائب التعليمية الورقية التي تشبه الإعراب التقديري في النحو ، تلك الكليات التي هي شريك رسمي في قتل المتظاهرين في جمعة الغضب تحديداً . ولعل القارئ يندهش لهذه الحقيقة المرَّةِ ، لكن كليات التربية في مصر كانت اليد الخفية في قتل وسحل وسحق المتظاهرين ربما دون قصد أو استهداف لذلك الأمر . فمنذ شهر تقريباً وقبل أن يتخلى فضيلة مفتي الديار المسئولية عن مهام منصبه ويكتفي بالاستجابة للدعوات الشخصية لزيارة القدس الإسرائيلي أقر في خطبة الجمعة بمسجد فاضل بمدينة السادس من أكتوبر بضرورة محو أمية كل مجند بالأمن المركزي ، بحيث إذا جند الشاب لمدة ثلاثة سنوات يكون من بينها عام ونصف، لمحو أمية المجند وإعطائه حصة من القرآن يوميا، لكى نستطيع التفاهم معهم فيفهمونا، مشيرا إلى أنه من الواجب على كل الجهات ومؤسسات المجتمع المدنى وجمعياته أن يعملوا على محو الأمية. وهنا يكمن سوء الحقيقة ، حيث إن كليات التربية منذ عقود أخذت على عاتقها نظرياً مهمة تنوير هؤلاء المجندين وغيرهم ممن لا يعرفون القراءة والكتابة عبء محو أميتهم ، ورأينا تحشييد الآلاف من طلاب شعب التعليم الابتدائي بهذه الكليات وتدريبهم ومن ثم خروجهم إلى الفئة المستهدفة لمحو أميتهم ولكن يبدو أن النية لم تكن خالصة حينما تم التعاون بين الهيئة القومية لتعليم الكبار وبين كليات التربية بشأن تنفيذ هذا الغرض . وخير دليل على فساد مشروع محو الأمية هذا هو ما قام به جنود الأمن المركزي خلال أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير وما تلتها من أحداث مجلس الوزراء وشارع محمد محمود مروراً بأحداث ماسبيرو .فهؤلاء المجندون أخذوا أوامر صريحة بسحق وسحل أي متظاهر دونما معرفة أسباب ذلك اللهم سوى بعض المعلومات التي شاهدنا في فيلم عاطف الطيب البرئ ، حينما أعطى الضابط وقتها كان الممثل محمود عبد العزيز أوامره للمجندين بضرب المتظاهرين من طلاب الجامعة لأنهم يكدرون الأمن العام ويسعون لقلب نظام الحكم . فلو خلصت النية لدى كليات التربية لكان المسئولون عن إدارتها أكثر وعياً بخطورة المشهد ، فكانوا ساعتها حريصين لمتابعة محو أمية المجندين وأفراد الأمن المركزي ولقاموا بالتعاون مع المتخصصين في ميدان تعليم الكبار بتنفيذ أحدث الطرائق العملية في محو أمية أؤلئك المحرومين من نعمة المعرفة حتى لا يقادوا كالإبل نحو الماء والمرعى دونما هدف أو رؤية .لذا فمن حق المتظاهرين أن يتهموا كليات التربية في مصر بقتل وسحق المتظاهرين لأنهم شاركوا في تغييب وعي أفراد وجنود الأمن المركزي . وكان لابد لهؤلاء الطلاب المشاركين في عملية وبرنامج محو الأمية أن يعوا جيداً بما يقومون به من مهمة وطنية في المقام الأول ، لا لغرض الحصول على درجات جامعية أو تقدير في التربية العملية أو إرضاء للأستاذ المشارك في قتل المتظاهرين دون قصد مباشر ، فكان عليهم إتقان مهمتهم ورعاية هؤلاء المحرومين من القراءة والكتابة ، وأنهم يقمون بعمل مشرف وقومي وهو فرض عين عليهم لا فرض كفاية ، لكنهم كما أساتذتهم في غفلة عن حاضر ومستقبل هذا الوطن . هذا بالنسبة للجامعة ، أما ما قبل التعليم الجامعي فالأمة لا تزال في خطر يعصف بها وبمقدراتها البشرية ، فكم من العجب أن تتبارى المدارس الأجنبية في مصر في الإعداد لحفلات نهاية العام ، وكأنهم إما أنهم مغيبون تماماً عما يحدث في بر مصر ، أم أنهم قد استشعروا دوراً تعليمياً يستحق أن يختتم بحفل غنائي كبير . وهذه طامة أخرى تضاف إلى مثالبهم التي اعتدنا عليهم ، فأنا مثلاً لا أظن أن متعلماً واحداً من هذه المدارس يستطيع التحدث باللغة الفصيحة لمدة دقائق معدوات دونما لغط أو لحن لغوي ، وأشك أن طالباً هرب من جحيم المدارس الحكومية الضالة بحثاً عن مناخ تعليمي أشبه بالبورصة أو لعب القمار لأنه بالفعل التعليم في المدارس الدولية مراهنة ومقامرة بمستقبل أبنائنا ونحو نساهم في تحطيمهم اجتماعياً لأننا نبعدهم عن قصد عن المشاركة في هموم هذا الشعب ومطامحه المشروعة . وكم عجبت حينما علمت أن عدداً من المدارس الدولية تستعد لإجراء بروفات عملية لبعض الفقرات الفنية التي ستعرض في حفلاتها الختامية ، فهذه المدارس تضحك على أولياء الأمور بجعل حفنة أو جوقة من التلاميذ يرددون كلمات باللغات الأجنبية إيهاماً لآبائهم وأمهاتهم بأنهم استطاعوا إجادة اللغة قراءة وكتابة ، مع أن الرائي والقاصي والداني يقف على واقع أكثر مرارة بأن تلك المدارس لا تعترف بالاختبارات الشهرية ، وهذا بالقطع مفاده أنها لا تريد الاصطدام بمستوى التلاميذ الحقيقي أمام أولياء الأمور الذين يدفعون أموالهم وهم لا فطنون لحقيقة ما يجري بعقول وأذهان وأفئدة أبنائهم . كم كنت أتمنى أن تظهر لنا تلك المدارس التي تميزت عن غيرها من مدارس الوزارة التي تعاني الإضرابات والاعتصامات بمجلة إبداعية أو بملف شامل يعكس إنجازات وأنشطة الطلاب المعرفية والمهارية ، ومدى مشاركتهم في نهضة بلادهم ، كم كنت أتمنى أننا لو تخلينا قليلاً عن أغنية عبد الحليم حافظ الشهيرة ضحك ولعب وجد وحب ليحل محلها عمل يذكر ونشاط يرى بالعين بدلاً من شهور دراسية أشبه بالمقامرة ، وحفل ختامي