مدرسة إسنا الثانوية الصناعية تحصد المركز الأول على الأقصر في التأسيس العسكري (صور)    رئيس «هيئة ضمان جودة التعليم»: ثقافة الجودة ليست موجودة ونحتاج آلية لتحديث المناهج    محافظ كفرالشيخ يشهد الاحتفالات بعيد القيامة المجيد بكنيسة مارمينا والبابا كيرلس    8 معلومات عن مركز البيانات الحوسبة السحابية الحكومية P1    خبراء عن ارتفاع البورصة اليوم: صعود قصير الأجل    صرف مرتبات شهر مايو 2024.. اعرف مرتبك بعد الزيادات الجديدة و جدول الحد الأدنى للأجور الجديد    تفخيخ المخلفات في المنازل، جريمة جديدة لجيش الاحتلال داخل غزة    أحمد ياسر ريان يقود هجوم سيراميكا كليوباترا أمام فاركو بالدوري المصري    رقم سلبي يثير مخاوف برشلونة قبل مواجهة فالنسيا في الدوري الإسباني    أنشيلوتي يفوز بجائزة مدرب شهر أبريل في الليجا    حملات مكبرة على أفران الخبز البلدي والسياحي بالجيزة (صور)    إخلاء سبيل المتهمين فى قضية تسرب مادة الكلور بنادى الترسانة    وكيل تعليم دمياط يتفقد سير امتحانات المستوى الرفيع بمدرسة اللغات الرسمية    السكة الحديد تعلن جدول تشغيل قطارات مطروح الصيفية بدءا من أول يونيو    «خنقتها لحد ما ماتت في إيدي».. المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع تفجر مفاجأة    رئيس قضايا الدولة ينظم حفلا لتوزيع جوائز وقف الفنجري    ردود أفعال واسعة بعد فوزه بالبوكر العربية.. باسم خندقجي: حين تكسر الكتابة قيود الأسر    خالد جلال يشهد عرض «السمسمية» على المسرح العائم    جدول عروض اليوم الخامس من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    تحت شعار «غذاء صحي وآمن لكل مواطن».. «الصحة» تفتتح المؤتمر السنوي الثالث لمعهد التغذية    الإصابة قد تظهر بعد سنوات.. طبيب يكشف علاقة كورونا بالقاتل الثاني على مستوى العالم (فيديو)    بدون بيض أو زبدة.. طريقة عمل بسكويت العجوة في الخلاط    الكشف على 1270 حالة في قافلة طبية لجامعة الزقازيق بمركز مشتول السوق    تحذير قبل قبض المرتب.. عمليات احتيال شائعة في أجهزة الصراف الآلي    مشجع محلاوي يدعم الفريق بالجيتار قبل مباراة لافيينا    كرة اليد، جدول مباريات منتخب مصر في أولمبياد باريس    بث مباشر مباراة غزل المحلة ولافيينا (1-1) بدوري المحرتفين "مرحلة الصعود" (لحظة بلحظة) | استراحة    برلماني: زيارة أمير الكويت للقاهرة غدا يعزز التعاون بين البلدين و يدعم أمن واستقرار المنطقة    الصين تشارك بتسعِة أجنحة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب ال33    هنا الزاهد بصحبة هشام ماجد داخل الجيم.. وتعلق: "فاصل من التمارين العنيفة"    هل حبوب القمح يجب فيها الزكاة ومتى بلغ النصاب؟ الأزهر للفتوى يجيب    بيت الزكاة والصدقات يطلق 115 شاحنة ضمن القافلة السابعة لحملة أغيثوا غزة    مصرع 42 شخصا إثر انهيار سد في كينيا    برلماني: افتتاح السيسي مركز البيانات والحوسبة السحابية انطلاقة في التحول الرقمي    ب600 مليون جنيه، هيرميس تعلن إتمام الإصدار الخامس لطرح سندات قصيرة الأجل    رئيس جامعة أسيوط: استراتيجية 2024-2029 تركز على الابتكار وريادة الأعمال    تنظيم ندوة عن أحكام قانون العمل ب مطاحن الأصدقاء في أبنوب    صحتك تهمنا .. حملة توعية ب جامعة عين شمس    النشرة الدينية .. أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة .. "خريجي الأزهر" و"مؤسسة أبو العينين" تكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين    أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة.. سهلة وبسيطة    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    علوم حلوان تناقش دور البحث العلمي في تلبية احتياجات المجتمع الصناعي    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    مقترح برلماني بدعم كليات الذكاء الاصطناعي بالجامعات الحكومية    تجليات الفرح والتراث: مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم 2024 في مصر    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    الصين فى طريقها لاستضافة السوبر السعودى    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    تراجع أسعار الذهب عالميا وسط تبدد أمال خفض الفائدة    حالة وفاة و16 مصاباً. أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين بصحراوي المنيا    شبانة: لهذه الأسباب.. الزمالك يحتاج للتتويج بالكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيمفونية لونية وتجريد مغامر في تجربة التشكيلي العراقي محمد سوادي
نشر في صوت البلد يوم 05 - 12 - 2016

ابن الشمس لا يستطيع الابتعاد كثيرا عن مصدر الإلهام والإشراق، هكذا هو ابن الناصرية ومعابد الشمس الأولى في أوروك وأريدو الفنان التشكيلي محمد سوادي يسعى بجد ودأب كي يضفي شروقا متميزا على سطوح لوحاته فيها الكثير من الثيم والإيقاعات والمفردات المتداخلة والمساحات اللونية التجريدية من خلال التعامل بشكل متميز في ترويض المساحات بلونية متناغمة في تجربة مغايرة، تعتمد التجريب التكويني اللوني البعيد عن تشخيص الواقع بشكل مباشر.
فهو أحد التشكيليين المغامرين القلائل الباحثين عن قيمة التجريد اللوني المطلق في فضاء الحداثة اللونية المعبرة عن روح المعنى التي تكمن في خاصية كونه ملوّناً يعرف كيف يطوع العلاقة القائمة على أسلوب تحديد التكوين التشكيلي بواسطة خطة لونية لا خطية.
فاللون وحده هو نقطة الارتكاز الأساسية في فنه، إذ يعتمد في تشكيله اللوني على مدى أو مركز معين في اللوحة، يكثف فيه إيقاعاته اللونية بحيث تتداخل الطبقات اللونية فيما بينها ضمن مركزية الفكرة.
فهو يحوّل كل ما يجول بخاطره إلى فيض من الألوان المتداخلة والمتجاورة بقصدية ليست عفوية، بل تختزن نكهة من مزاج عراقي شرقي يشع بسطوع لوني متأثرا بقوة حرارة الشمس التي تعطي معنى حقيقيا لمعنى اللون، لذلك فهو يحاول أن يؤسس لمدرسة لونية متميزة تفجر إمكانيات اللون التعبيرية من خلال خلق توازن تجريدي بين العلاقة الشكلية والتعبيرية الباطنية.
إن غاية الفن عند محمد سوادي تأتي من أدلة روحية، وما هو كفنان إلا وسيط يحمل رسالة جمالية مهتديا برسالة تأملية تقترب من مذاق صوفي، في التأمل بما تحويه الطبيعة من عوالم جمالية لا تعثر عليها إلاّ عين المتأمل، فيعيد صياغتها وفق ذائقته الفنية بعيدا عن الأشكال الهندسية، بل يبني حلمه الأسطوري محاولا الإمساك بما لا يمسك -قدر الإمكان- وقد كان له ذلك.
وهكذا نجد تحولاً من طريقة التركيز لإظهار البريق اللوني، إلى تقنية استخدام الأجواء التي توحي بالعطاء اللوني، الذي يتحوّل أحياناً إلى صيغة تشكيلية لها علاقة بالفن التجريدي غير المتطرف في عفويته وحداثته، ليصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر، بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون التلقائي بعفوية اللحظة الإبداعية فكل لمسة لونية في اللوحة هي كشف وإيحاء.
فإيقاع اللون يتكاثف ليشكل سمفونية تحاول أن تجمع أزمنه متفاوتة في لحظة واحدة من خلال هارمونية بصرية تعيد رسم معالم الواقع وفق رؤية فلسفية، تحمل الجوهر لتحيله إلى ما ورائية قصدية تتناغم بين الصفاء الروحي والتأمل العقلي، إنه يحاول أن يلملم اللحظات الهاربة الأكثر إشراقا ليخلق المتعة، حيث تتداخل الذاكرة على شكل استرجاعات حلمية مشحونة بطاقات لونية متفجرة تختصر المسافة بين الحلم والواقع، في عوالم مستعارة تعيد للمشاهد نوعا من البهجة المدهشة لتفرّد الفنان في تعامله مع اللون وفي أسلوبيته.
إن الفنان في جهده الإبداعي يحاول أن يعطي مفاهيم وتصورات ورؤية معاصرة للفن، بما يعني العودة إلى الذات التي قادته إلى البحث في وجعه الروحي القلق فلم يجد غير تلك الصوفية اللونية لإملاء شعور الإحباط والانتكاسة وإعادتها إلى بهرجة لونيه فرحة لكنها موجعة في ذات الوقت، مسكون بعوالمه الداخلية أولا، وبالعالم الطبيعي الذي يواجهه في دوامة البحث للامساك بالحقيقة الوجودية المعمقة فإن لم يستطع فلا بأس من التعلق في أطرافها فهو لا يتحدث عن النهائية أو التمامية في العمل الفني بل إنه يجاهد للوصول إلى مفاتيح تفكك أو تقرّب من الوصول بخلق منهج كياني متفرد يتوسل بنهج أهل المعرفة الروحية والاقتراحات الصوفية للتأويل.
من هنا يظهر لنا هذا البعد في عدم تجاوز الأفق غير المنظور في اللوحة، إنه يحاول أن يبدع قراءة معمقة للوصول إلى إشارات سردية لا متناهية من فيض يأتي من سرمدية الوجود، إنه صوت باطني يتجلى في عيون الرائي مثل ظلال تتمخض بالتفجر الروحي لإثمار الخصب اللوني في جسد اللوحة، ليفصح شاء أم أبى عن مكنون الذات ويحفز طاقة التفكير لدى المتلقي، إذ لا تقتصر المعرفة على ما هو مألوف من المثيرات الشكلية المباشرة بل يتطلب الأمر استثارة أفق التفكير والانتباه إلى ما قد يغفل من معطيات الواقع في تنمية قدرات التخيل لتجاوز محدودية هذه المعطيات.
يقول الفنان بول كيلي في هذا الشأن “إن العين تتحرك بسأم عندما تتأمل ما تعودت علية من الأشكال” ومن هنا تبرز قدرة الفنان محمد سوادي في إرساء قدرة الإبداع للوصول إلى الإثراء الروحي عبر الخلط المبدع بين التجريد الواقع وما يعتمر بروحة من عشق إلهامي-ذاتي لخلق نمط جديد من الخصوصية في استغلال طاقة اللون غير المحدودة للتعبير في مساحات تجريدية تزخر بإيحاءات متكيفة مع الامتداد البصري بين المرئي واللامرئي الكامن في عمق العمل الفني. فهو إذن يحاول دائما أن يجري حوارا بين الكتلة اللونية والمشاهد.
ولأن الفنان ككائن من نوع خاص، لا يهمه في آخر الأمر إلا الوصول بدعوته من أجل كون مليء بالقيم الجمالية النبيلة، مختطا لنفسه منهجا وأسلوبا متفردا وبعيدا عن التقليد لخلق ظاهرة لونية عراقية التميز عالمية الاتساع، فألوانه المبهرة الحامية تعكس جرأة الفنان في قصدية خلق تناقض صارخ بين الضوء والظل وحرية اللمسة التجريدية التي تجعل انبثاق تألق الضوء من داخل المادة، إنه يملك حساسية مفرطة تجاه الواقع وجوهر الأشياء عبر تجريدية تفاجئ المشاهد بزخم الإيحاءات لتكثيف الامتداد البصري متخذا من هارموني الألوان قناعا للوصول إلى العمق مبتعدا عن الرمز المكشوف وكل مظاهر التشخيص عبر دلالات غير محدودة في الخيال الإبداعي.
إن أعمال الفنان محمد سوادي ستبقى دائما تثير الجدل بقدرتها اللونية على إيقاظ المشاعر ومنح المشاهد فرحا تأمليا ومتعة الغوص في تأويل اللون، ليكلم الصامت في روحه. ويبقى التميز في الإبداع هو جوهر الخلود الدائم في تاريخ الفن.
......
كاتب من العراق مقيم في لندن
ابن الشمس لا يستطيع الابتعاد كثيرا عن مصدر الإلهام والإشراق، هكذا هو ابن الناصرية ومعابد الشمس الأولى في أوروك وأريدو الفنان التشكيلي محمد سوادي يسعى بجد ودأب كي يضفي شروقا متميزا على سطوح لوحاته فيها الكثير من الثيم والإيقاعات والمفردات المتداخلة والمساحات اللونية التجريدية من خلال التعامل بشكل متميز في ترويض المساحات بلونية متناغمة في تجربة مغايرة، تعتمد التجريب التكويني اللوني البعيد عن تشخيص الواقع بشكل مباشر.
فهو أحد التشكيليين المغامرين القلائل الباحثين عن قيمة التجريد اللوني المطلق في فضاء الحداثة اللونية المعبرة عن روح المعنى التي تكمن في خاصية كونه ملوّناً يعرف كيف يطوع العلاقة القائمة على أسلوب تحديد التكوين التشكيلي بواسطة خطة لونية لا خطية.
فاللون وحده هو نقطة الارتكاز الأساسية في فنه، إذ يعتمد في تشكيله اللوني على مدى أو مركز معين في اللوحة، يكثف فيه إيقاعاته اللونية بحيث تتداخل الطبقات اللونية فيما بينها ضمن مركزية الفكرة.
فهو يحوّل كل ما يجول بخاطره إلى فيض من الألوان المتداخلة والمتجاورة بقصدية ليست عفوية، بل تختزن نكهة من مزاج عراقي شرقي يشع بسطوع لوني متأثرا بقوة حرارة الشمس التي تعطي معنى حقيقيا لمعنى اللون، لذلك فهو يحاول أن يؤسس لمدرسة لونية متميزة تفجر إمكانيات اللون التعبيرية من خلال خلق توازن تجريدي بين العلاقة الشكلية والتعبيرية الباطنية.
إن غاية الفن عند محمد سوادي تأتي من أدلة روحية، وما هو كفنان إلا وسيط يحمل رسالة جمالية مهتديا برسالة تأملية تقترب من مذاق صوفي، في التأمل بما تحويه الطبيعة من عوالم جمالية لا تعثر عليها إلاّ عين المتأمل، فيعيد صياغتها وفق ذائقته الفنية بعيدا عن الأشكال الهندسية، بل يبني حلمه الأسطوري محاولا الإمساك بما لا يمسك -قدر الإمكان- وقد كان له ذلك.
وهكذا نجد تحولاً من طريقة التركيز لإظهار البريق اللوني، إلى تقنية استخدام الأجواء التي توحي بالعطاء اللوني، الذي يتحوّل أحياناً إلى صيغة تشكيلية لها علاقة بالفن التجريدي غير المتطرف في عفويته وحداثته، ليصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر، بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون التلقائي بعفوية اللحظة الإبداعية فكل لمسة لونية في اللوحة هي كشف وإيحاء.
فإيقاع اللون يتكاثف ليشكل سمفونية تحاول أن تجمع أزمنه متفاوتة في لحظة واحدة من خلال هارمونية بصرية تعيد رسم معالم الواقع وفق رؤية فلسفية، تحمل الجوهر لتحيله إلى ما ورائية قصدية تتناغم بين الصفاء الروحي والتأمل العقلي، إنه يحاول أن يلملم اللحظات الهاربة الأكثر إشراقا ليخلق المتعة، حيث تتداخل الذاكرة على شكل استرجاعات حلمية مشحونة بطاقات لونية متفجرة تختصر المسافة بين الحلم والواقع، في عوالم مستعارة تعيد للمشاهد نوعا من البهجة المدهشة لتفرّد الفنان في تعامله مع اللون وفي أسلوبيته.
إن الفنان في جهده الإبداعي يحاول أن يعطي مفاهيم وتصورات ورؤية معاصرة للفن، بما يعني العودة إلى الذات التي قادته إلى البحث في وجعه الروحي القلق فلم يجد غير تلك الصوفية اللونية لإملاء شعور الإحباط والانتكاسة وإعادتها إلى بهرجة لونيه فرحة لكنها موجعة في ذات الوقت، مسكون بعوالمه الداخلية أولا، وبالعالم الطبيعي الذي يواجهه في دوامة البحث للامساك بالحقيقة الوجودية المعمقة فإن لم يستطع فلا بأس من التعلق في أطرافها فهو لا يتحدث عن النهائية أو التمامية في العمل الفني بل إنه يجاهد للوصول إلى مفاتيح تفكك أو تقرّب من الوصول بخلق منهج كياني متفرد يتوسل بنهج أهل المعرفة الروحية والاقتراحات الصوفية للتأويل.
من هنا يظهر لنا هذا البعد في عدم تجاوز الأفق غير المنظور في اللوحة، إنه يحاول أن يبدع قراءة معمقة للوصول إلى إشارات سردية لا متناهية من فيض يأتي من سرمدية الوجود، إنه صوت باطني يتجلى في عيون الرائي مثل ظلال تتمخض بالتفجر الروحي لإثمار الخصب اللوني في جسد اللوحة، ليفصح شاء أم أبى عن مكنون الذات ويحفز طاقة التفكير لدى المتلقي، إذ لا تقتصر المعرفة على ما هو مألوف من المثيرات الشكلية المباشرة بل يتطلب الأمر استثارة أفق التفكير والانتباه إلى ما قد يغفل من معطيات الواقع في تنمية قدرات التخيل لتجاوز محدودية هذه المعطيات.
يقول الفنان بول كيلي في هذا الشأن “إن العين تتحرك بسأم عندما تتأمل ما تعودت علية من الأشكال” ومن هنا تبرز قدرة الفنان محمد سوادي في إرساء قدرة الإبداع للوصول إلى الإثراء الروحي عبر الخلط المبدع بين التجريد الواقع وما يعتمر بروحة من عشق إلهامي-ذاتي لخلق نمط جديد من الخصوصية في استغلال طاقة اللون غير المحدودة للتعبير في مساحات تجريدية تزخر بإيحاءات متكيفة مع الامتداد البصري بين المرئي واللامرئي الكامن في عمق العمل الفني. فهو إذن يحاول دائما أن يجري حوارا بين الكتلة اللونية والمشاهد.
ولأن الفنان ككائن من نوع خاص، لا يهمه في آخر الأمر إلا الوصول بدعوته من أجل كون مليء بالقيم الجمالية النبيلة، مختطا لنفسه منهجا وأسلوبا متفردا وبعيدا عن التقليد لخلق ظاهرة لونية عراقية التميز عالمية الاتساع، فألوانه المبهرة الحامية تعكس جرأة الفنان في قصدية خلق تناقض صارخ بين الضوء والظل وحرية اللمسة التجريدية التي تجعل انبثاق تألق الضوء من داخل المادة، إنه يملك حساسية مفرطة تجاه الواقع وجوهر الأشياء عبر تجريدية تفاجئ المشاهد بزخم الإيحاءات لتكثيف الامتداد البصري متخذا من هارموني الألوان قناعا للوصول إلى العمق مبتعدا عن الرمز المكشوف وكل مظاهر التشخيص عبر دلالات غير محدودة في الخيال الإبداعي.
إن أعمال الفنان محمد سوادي ستبقى دائما تثير الجدل بقدرتها اللونية على إيقاظ المشاعر ومنح المشاهد فرحا تأمليا ومتعة الغوص في تأويل اللون، ليكلم الصامت في روحه. ويبقى التميز في الإبداع هو جوهر الخلود الدائم في تاريخ الفن.
......
كاتب من العراق مقيم في لندن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.