وزيرة التضامن تتفقد إدارة بولاق الاجتماعية.. وتطمئن على الخدمات المقدمة للمواطنين    جولة ميدانية لنائب محافظ مطروح بقرية أم الرخم لرصد احتياجات الأهالي ورفع مستوى الخدمات    اتصالات النواب: لا صحة لفرض رسوم على استقبال المكالمات.. وما يتردد أكاذيب هدفها الإحباط    حكومة غزة: أي نزوح للجنوب شبه مستحيل والعجز في الإيواء 96%    منظمة التعاون الإسلامي: إعلان المجاعة في غزة جريمة حرب تستدعي تحركا دوليا عاجلا    ميرتس يدعو إلى انتخاب امرأة لمنصب رئيس جمهورية ألمانيا في عام 2027    التعادل يحسم مواجهة الاتحاد والبنك الأهلي في الدوري    نجم الزمالك السابق: خوان ألفينا مازال لديه الكثير    النيابة بالمنيا تتلقى طلبا للإفراج عن والدة أطفال دلجا الستة المتوفين    مروان حامد ضيف شرف مهرجان بردية السينمائي في دورته الثانية    "عدت".. مفاجأة في تطورات الحالة الصحية لأنغام    تعليق مفاجئ من والد حسام حبيب بعد عودة نجله لشيرين    كفرالدوار تفتتح أول عيادة أسرية متخصصة لعلاج السمنة بمختلف المراحل العمرية    بطولة على القضبان.. حكاية عامل أنقذ شابًا من الموت ونال تكريم محافظ بني سويف    تعليم القاهرة تفتح باب التحويلات المدرسية مرة أخرى لمدة أسبوع    وزير الاتصالات يشهد إطلاق منظومة الكشف المبكر عن سرطان الثدي باستخدام الذكاء الاصطناعي بمستشفى بهية    بشرى سارة.. تسليم 30 عقد عمل لمجموعة من الشباب بالقليوبية    د.محمد لطفى رئيس الإذاعة: توجيه الرئيس برقمنة المحتوى جاء فى وقته    أحمد خالد صالح: «ما تراه ليس كما يبدو» يحمل رؤية فلسفية عميقة    وكيل وزارة الأوقاف: المولد النبوي فرصة للاقتداء بأخلاق وتعاليم النبي    هل يجوز نقل الموتى من مدفن لاخر؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يحرم استخدام ملابس المتوفى أو الاحتفاظ بها للذكرى؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    الجالية المصرية في النمسا ترفض محاولات الضغوط الخارجية على مصر.. صور    دراسة: ارتفاع استهلاك الملح يسبب التهاب الدماغ ويزيد ضغط الدم    وزير المالية: مصر تمتلك الأدوات والقدرات الكفيلة بمساندة وتعزيز صادراتها الطبية وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني    شبانة معاتبا شيكابالا: "الأساطير لا تفشى الأسرار ومكانتك اكبر من ذلك"    مؤتمر فيريرا: نتعامل مع ضيق الوقت.. وسأكون قلقا في هذه الحالة    أفضل أدعية تعجيل الزواج.. تعرف عليها    نجم مارسيليا يعود إلى اهتمامات إيه سي ميلان    قطع مياه الشرب عن عدة مناطق في أسوان (الموعد والسبب)    هل يحق للمطلقة رجعيًا الميراث من زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    الجالية المصرية في فرنسا: المصريون بالخارج متمسكون بهويتهم ويفتخرون بوطنهم    «الإقليمي للدراسات»: قوات «اليونيفيل» شاهد دولي ويجب استمرار وجودها في الجنوب اللبناني    «إنكار المجاعة أبشع تعبير عن نزع الإنسانية».. «أونروا»: الوضع في غزة جحيم بكل أشكاله    «شلاتين» تستهدف رفع إنتاج الذهب إلى 6 أطنان خلال 5 سنوات    جامعة حلوان تكرّم خريجي BIS بتنظيم رفيع المستوى من شركة دعم الخدمات التعليمية    مراسل "الساعة 6": المتحدة تهتم بأذواق الشباب فى حفلات مهرجان العلمين    «تنظيم الاتصالات» يصدر نتائج استطلاع الرأي لمستخدمي المحمول والإنترنت| تفاصيل    هيفاء وهبي تشعل مسرح فوروم دي بيروت بحفل كامل العدد | صور    النيابة العامة تطالب المواطنين الإبلاغ الفوري عن أي وقائع للتعدي على الحيوانات    الغائبة الحاضرة.. CNN: ميلانيا ترامب بعيدة عن الأنظار رغم تأثيرها الواضح    «ماس في فيشة».. حريق في فيلا الفنان محمد صبحي والحماية المدنية تسيطر عليه (تفاصيل)    النادي لم يتمكن من تسجيله.. جوهرة برشلونة يرفض الرحيل في الصيف    الجوازات تنهي إجراءات المرضى وكبار السن في دقائق.. صور    وزير الدفاع يلتقي عددًا من مقاتلي المنطقة الغربية العسكرية    الاحتلال يستهدف منتظري المساعدات والطواقم الطبية    وزير الصحة يبحث خطط شركة "أكديما" للتوسع في الصناعات الدوائية والتصدير    ضبط محطتين وقود لتصرفهم في 12 ألف لتر سولار خلال حملة تموينية بالبحيرة    انتشال جثمان طفلة من تحت أنقاض منزل منهار في سمنود    الخوف من بيع الشقة.. جريمة هزت أبو كبير ضحيتها فنان شعبي على يد نجله    بعد تدخل وزير الرياضة.. جدل قانوني وتنظيمي يحيط الأهلي بعد التتويج بكأس السوبر السعودي    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق ملتقى دهب واستمرار مهرجان مسرح الطفل وأوركسترا مصر الوطني يصل شرق الدلتا    رئيس حزب الإصلاح والنهضة يكشف تفاصيل مخطط الجماعة الإرهابية لاستهداف سفارات مصر    وظائف بنك القاهرة 2025.. اعرف التخصصات المطلوبة وأهم الشروط    وزارة الصحة تعلن قرارا مهما بشأن صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية    التنكيل بالضفة... حملات اعتقالات واقتحامات إسرائيلية واسعة فى الضفة الغربية    "مباراة عادية".. المصري هيثم حسن يتحدث عن مواجهة ريال مدريد في الدوري الإسباني    تراجع أسعار الدواجن والطيور الحية اليوم الأحد فى أسواق الإسماعيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفورجاك.. فتى بوهيميا الذي أبهر بالعالم الجديد فأبهَره
نشر في صوت البلد يوم 13 - 10 - 2016

في نهايات القرن التاسع عشر، وبَعد أن عَمّت شهرة دفورجاك أرجاء أوروبا على أنه موسيقار التشيك الأبرز، وصلت أصداء هذه الشهرة الى الولايات المتحدة الاميركية ومؤسساتها الفنية التي كانت تستقطب كل ما هو جديد ومتميز من الأفكار والمواهب، وقررت إحداها دَعوته لإحياء مجموعة حفلات موسيقية بقيادته ويعزف خلالها بَعضاً مِن مؤلفاته التي أبهرهم سماعها وذيوع صيت مؤلفها.
رَحّب دفورجاك بالفكرة واستجاب لها وقرر السفر الى أميركا ليكتشف هذا العالم الجديد الذي لطالما سَمِع عنه لكنه لم يره، ومِن هنا بدأت قصة سمفونيته التاسعة والتي أسماها "العالم الجديد" التي تعَد اليوم واحدة من أروع وأشهر السمفونيات في تاريخ الموسيقى العالمية.
ولأن أعمال دفورجاك وحياته لا يمكن اختزالها بمقالة واحدة، لذا إرتأيت أن تكون هذا المقالة عن جوهَرته الأبرز وقطعته الفنية الأغلى وهي "سيمفونية العالم الجديد"، والتي خطرت له فكرة تأليفها أثناء وجوده هناك مُخلداً بها هذا الزيارة وهذا العالم بعد أن بَهَره وأذهَله بكل صوره وتناقضاته وإيجابياته وسلبياته.
تبدأ الحَركة الأولى بجُملة هادِئة حَزينة قاتمة نوعاً ما تعزفها الوَتريات ثم الهَوائيات، ربما أراد دفورجاك مِن خِلالها أن يَصِف مَشاعِر الحُزن التي كانت تخالِجه في بداية رحلته بسَبب فراق الأهل والوطن.
ولكن فجأة يتفجر اللحن يُرافقه قرع الطبول تمهيداً لدخول لحن الحركة الرئيسي، والذي تؤديه الهوائيات بمرافقة موسيقى مرتعشة من الوتريات، ومن ثم تشارك الأوركسترا بأكمَلها في عزفه، وهو لحن يمتاز بالسُرعة والإندفاع كأنه يُخاطب العالم الجديد قائلِاً "أنا قادم إليك ومبحر باتجاهك" لأكتشفك وأسبُر أغوارَك وأؤلف عَنك سيمفونية سَتتحَدّث عَنها البشرية جيلاً بَعد جيل.
ثم فجأة يظهر لحن تشيكي ريفي الطابع يعزفه الفلوت بمصاحبة الوتريات يستمر سريعاً مندفعاً ثم يهدأ فجأة كما بدأ، حيث يعود اللحن الرئيسي ويبدأ بالصعود وصولاً الى نهاية الحركة، ليخبرنا بوصول دفورجاك الى أرض العالم الجديد.
الحركة الثانية؛ وصفها دفورجاك نفسه بالأسطورة، وتبدأ بلحن أداجيو هاديء كان سَبب شُهرة السيمفونية، وبات اليوم أسطوريا بالفعل لذيوع صيته، لحِن فيه الكثير مِن الشَجَن ويُعبر عَن مَشاعر الشوق والحَنين لوطنه بوهيميا، وقد إختار الهوائيات والهورن تحديداً لكونه آلة التشيك الفلكلورية الشهيرة لتبدأ عزفه مع مشاركة لاحِقة للوتريات، ولم يَنسى أن يَستحضر أجواء ريف بوهيميا وطبيعته الخلابة عِبر لحن شعبي فلكلوري تشيكي زيّن به وسَط الحَركة، ليَعود بَعدها لتكرار جملة الحركة الاولى الرئيسية، ربما كي يذكر نفسه بأن لا يَنجَرف كثيراً في مَشاعر الحَنين، ثم ليُنهي الحَركة بلحن الأداجيو سالف الذكر عَن طريق الهوائيات طبعاً، والتي كان لها القدَح المُعَلى في هذه الحَركة.
أما الحَركة الثالثة فتبدأ بتنويعات نغمية شبيهة بالسيمفونية التاسعة لبتهوفن، ولها قصة تحتاج وحدها لمَقالة مُطولة للحَديث عَنها، فقد استلهم دفورجاك موسيقاها مِن الموسيقى الشعبية الأميركية، وأرادها معبرة عن أميركا من خلال موسيقى سكانها الأصليين مِن الهنود الحُمر والمُهاجرين السود الأوائل الذي تم إستقدامهم للعَمل في أميركا، والذين تأسّسَت أميركا وبنيَت على أكتافهم.
إذ يَقول دفورجاك بأن هذه الموسيقى جَذبته ولفتت إنتباهَه فور وصوله الى أميركا، وقرر أن يَسبر أغوارها ويتعَلم عَنها قدر استطاعته، وفعلاً حاول خلال وجوده هناك التواصُل مَع السُكان الأصليين والسود، وزار مَناطقهم وتجَمّعاتهم وحَضَر احتفالاتهم واستمَع لموسيقاهم، ثم خرَج مِنها بالحان أعاد صياغتها وتوزيعها أوركسترالياً بجُمل موسيقية جَميلة قام بضمها في هذه الحَركة، أبرزها ذلك المقطع الذي استلهمه مِن لحن أغنية زنجية هي "ترفقي أيتها العربة".
الحركة بشكل عام سَردية، وتعطي انطباعاً بأجواء مفرحة، كأنها تصف احتفالات السكان الأصليين من الهنود في غاباتهم، والسود في قراهم، وهم يرقصون ويغنون، وقبل الختام نعود لنستمع الى لحن الحركة الأولى الرئيسي الذي تنتهي به الحركة على غرار سابقاتها.
عام 1893 أراد دفورجاك العودة الى بلاده لتمضية عطلة الصيف مع عائلته، إلا أن ظروف عمله وعدم اكتمال سمفونيته التاسعة، بالإضافة لإصرار أصدقائه وهم أميركان من أصول تشيكية على بقائه لزيارتهم حيث يعيشون بأحضان الطبيعة الريفية بمنطقة إيوفا ذات الغالبية من ذوي الأصول التشيكية، كلها أمور شجعته على البقاء لزيارة المنطقة والإستمتاع بأجوائها التي ذكرته بالأجواء التي نشأ فيها بالتشيك، ودفعته لاستدعاء عائلته من التشيك الى نيويورك، ثم استقل معهم القطار الذي تخترق سكته الحديدية مدن أميركا وحقولها التي أثارت إعجابه وبهرته بطبيعتها وتطورها، وفوجيء عند وصوله بأهالي المنطقة وقد تهيأوا لاستقباله بتجهيز بيانو وأورغن وهورن، وهو ما ألهمه تأليف الحركة الرابعة للسيمفونية وإنجازها لترى النور ولتشع بطيف أنغامها ليس فقط على العالم الجديد الذي وصفته وخلدته، حيث عزفت أول مرة في 16 ديسمبر/كانون الأول 1893، بل وعلى كل العالم الى يومنا هذا.
في هذه الحركة سعى دفورجاك لتجسيد انطباعاته وأحاسيسه التي عاشها خلال رحلته الى هذه المنطقة ورحلته الى أميركا وعالمها الجديد عموماً واختزالها فيها. هي الأشهر من حركات سمفونياته الأربع، ويبدؤها بلحن هادر قوي يسيطر على جميع أجزائها مفعم بالطاقة والحيوية، ربما أراد أن يعبر من خلاله عن اندفاع القطار الذي جال به مدن أميركا المختلفة واطلع على تطورها وعمرانها.
تبدأ الوتريات بعزف اللحن بقوة ممهدة دخول أقوى للهوائيات والإيقاع، ثم يختفي اللحن ليحل محله لحن هاديء جميل يعزفه الكلارينيت المنفرد بمصاحبة الوتريات، يتبعه مقطع من ثلاث نغمات متنوعة، ليعيدنا دفورجاك بعدها شيئاً فشيئاً الى لحن البداية، ويتبعه بمقاطع قصيرة من الحركات الثلاث الاولى فيما يشبه الشريط السينمائي القصير، يستذكر فيه محطات رحلته الى العالم الجديد، لكنه هنا موسيقي ويختزل حركات السيمفونية الأربع بلحظات، ولينهي الحركة والسيمفونية بلحن حماسي إنتصاري يليق بقصتها وببنائها الموسيقي الدرامي.
في نهايات القرن التاسع عشر، وبَعد أن عَمّت شهرة دفورجاك أرجاء أوروبا على أنه موسيقار التشيك الأبرز، وصلت أصداء هذه الشهرة الى الولايات المتحدة الاميركية ومؤسساتها الفنية التي كانت تستقطب كل ما هو جديد ومتميز من الأفكار والمواهب، وقررت إحداها دَعوته لإحياء مجموعة حفلات موسيقية بقيادته ويعزف خلالها بَعضاً مِن مؤلفاته التي أبهرهم سماعها وذيوع صيت مؤلفها.
رَحّب دفورجاك بالفكرة واستجاب لها وقرر السفر الى أميركا ليكتشف هذا العالم الجديد الذي لطالما سَمِع عنه لكنه لم يره، ومِن هنا بدأت قصة سمفونيته التاسعة والتي أسماها "العالم الجديد" التي تعَد اليوم واحدة من أروع وأشهر السمفونيات في تاريخ الموسيقى العالمية.
ولأن أعمال دفورجاك وحياته لا يمكن اختزالها بمقالة واحدة، لذا إرتأيت أن تكون هذا المقالة عن جوهَرته الأبرز وقطعته الفنية الأغلى وهي "سيمفونية العالم الجديد"، والتي خطرت له فكرة تأليفها أثناء وجوده هناك مُخلداً بها هذا الزيارة وهذا العالم بعد أن بَهَره وأذهَله بكل صوره وتناقضاته وإيجابياته وسلبياته.
تبدأ الحَركة الأولى بجُملة هادِئة حَزينة قاتمة نوعاً ما تعزفها الوَتريات ثم الهَوائيات، ربما أراد دفورجاك مِن خِلالها أن يَصِف مَشاعِر الحُزن التي كانت تخالِجه في بداية رحلته بسَبب فراق الأهل والوطن.
ولكن فجأة يتفجر اللحن يُرافقه قرع الطبول تمهيداً لدخول لحن الحركة الرئيسي، والذي تؤديه الهوائيات بمرافقة موسيقى مرتعشة من الوتريات، ومن ثم تشارك الأوركسترا بأكمَلها في عزفه، وهو لحن يمتاز بالسُرعة والإندفاع كأنه يُخاطب العالم الجديد قائلِاً "أنا قادم إليك ومبحر باتجاهك" لأكتشفك وأسبُر أغوارَك وأؤلف عَنك سيمفونية سَتتحَدّث عَنها البشرية جيلاً بَعد جيل.
ثم فجأة يظهر لحن تشيكي ريفي الطابع يعزفه الفلوت بمصاحبة الوتريات يستمر سريعاً مندفعاً ثم يهدأ فجأة كما بدأ، حيث يعود اللحن الرئيسي ويبدأ بالصعود وصولاً الى نهاية الحركة، ليخبرنا بوصول دفورجاك الى أرض العالم الجديد.
الحركة الثانية؛ وصفها دفورجاك نفسه بالأسطورة، وتبدأ بلحن أداجيو هاديء كان سَبب شُهرة السيمفونية، وبات اليوم أسطوريا بالفعل لذيوع صيته، لحِن فيه الكثير مِن الشَجَن ويُعبر عَن مَشاعر الشوق والحَنين لوطنه بوهيميا، وقد إختار الهوائيات والهورن تحديداً لكونه آلة التشيك الفلكلورية الشهيرة لتبدأ عزفه مع مشاركة لاحِقة للوتريات، ولم يَنسى أن يَستحضر أجواء ريف بوهيميا وطبيعته الخلابة عِبر لحن شعبي فلكلوري تشيكي زيّن به وسَط الحَركة، ليَعود بَعدها لتكرار جملة الحركة الاولى الرئيسية، ربما كي يذكر نفسه بأن لا يَنجَرف كثيراً في مَشاعر الحَنين، ثم ليُنهي الحَركة بلحن الأداجيو سالف الذكر عَن طريق الهوائيات طبعاً، والتي كان لها القدَح المُعَلى في هذه الحَركة.
أما الحَركة الثالثة فتبدأ بتنويعات نغمية شبيهة بالسيمفونية التاسعة لبتهوفن، ولها قصة تحتاج وحدها لمَقالة مُطولة للحَديث عَنها، فقد استلهم دفورجاك موسيقاها مِن الموسيقى الشعبية الأميركية، وأرادها معبرة عن أميركا من خلال موسيقى سكانها الأصليين مِن الهنود الحُمر والمُهاجرين السود الأوائل الذي تم إستقدامهم للعَمل في أميركا، والذين تأسّسَت أميركا وبنيَت على أكتافهم.
إذ يَقول دفورجاك بأن هذه الموسيقى جَذبته ولفتت إنتباهَه فور وصوله الى أميركا، وقرر أن يَسبر أغوارها ويتعَلم عَنها قدر استطاعته، وفعلاً حاول خلال وجوده هناك التواصُل مَع السُكان الأصليين والسود، وزار مَناطقهم وتجَمّعاتهم وحَضَر احتفالاتهم واستمَع لموسيقاهم، ثم خرَج مِنها بالحان أعاد صياغتها وتوزيعها أوركسترالياً بجُمل موسيقية جَميلة قام بضمها في هذه الحَركة، أبرزها ذلك المقطع الذي استلهمه مِن لحن أغنية زنجية هي "ترفقي أيتها العربة".
الحركة بشكل عام سَردية، وتعطي انطباعاً بأجواء مفرحة، كأنها تصف احتفالات السكان الأصليين من الهنود في غاباتهم، والسود في قراهم، وهم يرقصون ويغنون، وقبل الختام نعود لنستمع الى لحن الحركة الأولى الرئيسي الذي تنتهي به الحركة على غرار سابقاتها.
عام 1893 أراد دفورجاك العودة الى بلاده لتمضية عطلة الصيف مع عائلته، إلا أن ظروف عمله وعدم اكتمال سمفونيته التاسعة، بالإضافة لإصرار أصدقائه وهم أميركان من أصول تشيكية على بقائه لزيارتهم حيث يعيشون بأحضان الطبيعة الريفية بمنطقة إيوفا ذات الغالبية من ذوي الأصول التشيكية، كلها أمور شجعته على البقاء لزيارة المنطقة والإستمتاع بأجوائها التي ذكرته بالأجواء التي نشأ فيها بالتشيك، ودفعته لاستدعاء عائلته من التشيك الى نيويورك، ثم استقل معهم القطار الذي تخترق سكته الحديدية مدن أميركا وحقولها التي أثارت إعجابه وبهرته بطبيعتها وتطورها، وفوجيء عند وصوله بأهالي المنطقة وقد تهيأوا لاستقباله بتجهيز بيانو وأورغن وهورن، وهو ما ألهمه تأليف الحركة الرابعة للسيمفونية وإنجازها لترى النور ولتشع بطيف أنغامها ليس فقط على العالم الجديد الذي وصفته وخلدته، حيث عزفت أول مرة في 16 ديسمبر/كانون الأول 1893، بل وعلى كل العالم الى يومنا هذا.
في هذه الحركة سعى دفورجاك لتجسيد انطباعاته وأحاسيسه التي عاشها خلال رحلته الى هذه المنطقة ورحلته الى أميركا وعالمها الجديد عموماً واختزالها فيها. هي الأشهر من حركات سمفونياته الأربع، ويبدؤها بلحن هادر قوي يسيطر على جميع أجزائها مفعم بالطاقة والحيوية، ربما أراد أن يعبر من خلاله عن اندفاع القطار الذي جال به مدن أميركا المختلفة واطلع على تطورها وعمرانها.
تبدأ الوتريات بعزف اللحن بقوة ممهدة دخول أقوى للهوائيات والإيقاع، ثم يختفي اللحن ليحل محله لحن هاديء جميل يعزفه الكلارينيت المنفرد بمصاحبة الوتريات، يتبعه مقطع من ثلاث نغمات متنوعة، ليعيدنا دفورجاك بعدها شيئاً فشيئاً الى لحن البداية، ويتبعه بمقاطع قصيرة من الحركات الثلاث الاولى فيما يشبه الشريط السينمائي القصير، يستذكر فيه محطات رحلته الى العالم الجديد، لكنه هنا موسيقي ويختزل حركات السيمفونية الأربع بلحظات، ولينهي الحركة والسيمفونية بلحن حماسي إنتصاري يليق بقصتها وببنائها الموسيقي الدرامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.