اسعار الفراخ البيضا والبلدى اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى بورصة الدواجن.    دمشق.. سوريا والاتحاد الأوروبي يطلقان يوم حوار مع المجتمع المدني    فيديو.. طفل بغزة يصرخ بسبب غرق خيامهم بالأمطار: خدنا يا الله وريحنا    التفاصيل الكاملة لحادث انقلاب حافلة رحلات في إسنا بالأقصر: وفاة مشرفة وطالبة وإصابة 24 آخرين    محمد عبد العزيز عن رفضه إعادة تقديم الأعمال القديمة: صدمت من تحويل فيلم عظيم لمسلسل ساذج!    الموقف الطبي لرباعي الأهلي بعد إصابتهم في المنتخب    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    تأجيل محاكمة 56 متهمًا بخلية التجمع    استجابة لما نشرناه امس..الخارجية المصرية تنقذ عشرات الشباب من المنصورة بعد احتجازهم بجزيرة بين تركيا واليونان    حكم مباراة الزمالك وزيسكو الزامبي في الكونفدرالية    للأمهات، اكتشفي كيف تؤثر مشاعرك على سلوك أطفالك دون أن تشعري    المتحف المصرى بالتحرير يحتفل بمرور 123 عاما على افتتاحه    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    موجة برد قوية تضرب مصر الأسبوع الحالي وتحذر الأرصاد المواطنين    قناة السويس تشهد عبور 38 سفينة بحمولات 1.7 مليون طن    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    عروض فنية وإبداعية للأطفال في ختام مشروع أهل مصر بالإسماعيلية    انطلاق الأسبوع التدريبي ال 15 بقطاع التدريب وبمركز سقارة غدًا    قافلة تنموية شاملة من جامعة القاهرة لقرية أم خنان بالحوامدية    مؤتمر جماهيري حاشد ل«حماة الوطن» بالدقهلية لدعم مرشحه في النواب 2025 | فيديو    الموسيقار هاني مهنا يتعرض لأزمة صحية    المدير التنفيذي للهيئة: التأمين الصحي الشامل يغطي أكثر من 5 ملايين مواطن    محافظ الجيزة يُطلق المهرجان الرياضي الأول للكيانات الشبابية    سفير فلسطين بالنمسا: هدنة غزة هشة.. وإسرائيل قتلت 260 فلسطينيًا منذ بدء وقف النار    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    التعليم العالى تقرر إلغاء زيادة رسوم الخدمات لطلاب المعاهد الفنية.. تفاصيل    مواجهات حاسمة في جدول مباريات اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    بتكوين تمحو معظم مكاسب 2025 وتهبط دون 95 ألف دولار    وزيرة التنمية المحلية تفتتح أول مجزر متنقل في مصر بطاقة 100 رأس يوميا    رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات يجتمع بشركات جمع ونقل مخلفات المجازر بالقاهرة    الأعلى للثقافة: اعتماد الحجز الإلكتروني الحصري للمتحف المصري الكبير بدءًا من 1 ديسمبر    كانافارو مدرب أوزبكستان: منع خطورة محمد صلاح مهمة مستحيلة    «التخطيط» تطبق التصويت الإلكتروني في انتخابات مجلس إدارة نادي هليوبوليس    «الزراعة»: إصدار 429 ترخيص تشغيل لمشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    لو مريض سكر.. كيف تنظم مواعيد دواءك ووجباتك؟    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    حارس لايبزيج: محمد صلاح أبرز لاعبي ليفربول في تاريخه الحديث.. والجماهير تعشقه لهذا السبب    ترامب يلغي الرسوم الجمركية على اللحم البقري والقهوة والفواكه الاستوائية    درجات الحرارة على المدن والعواصم بمحافظات الجمهورية اليوم السبت    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    كولومبيا تشتري طائرات مقاتلة من السويد بأكثر من 4 مليارات دولار    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    حبس عصابة استدرجت صاحب شركة واستولت على أمواله بالقاهرة    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية العالم وحسب.. للكندي إكزافييه دولان
نشر في صوت البلد يوم 02 - 10 - 2016

قد يخطر لأحدنا عند مشاهدة فيلم ك «أوتيلّو» للأمريكي أورسون ويلز، المأخوذ عن مسرحيّة شكسبير المعروفة، بأنّ النَّص المسرحي العظيم إنّما كُتب أساسا للسينما وليس للمسرح، ليكون فيلما لا ليؤدى على الخشبة، إنّه بنسخته السينمائية بلغ مستوى جماليا في نقل الحكاية يصعب أن تصل إليه المسرحية.
لكن بمشاهدة الفيلم الأخير للكندي الشاب إكزافييه دولان، «نهاية العالم وحسب»، المأخوذ عن مسرحية بالعنوان نفسه للفرنسي جان لوك لاغارس، قد يخطر لأحدنا تعديلٌ طفيف على ما سبق ذكره، وهو أنّ التصوير السينمائي للنص المسرحي هو غالبا الأجمل، من دون أن يكون النصّ بالضرورة عظيما، أي من دون أن نصعد بمستوى الأمثلة إلى شكسبير وويلز.
للأعمال السينمائية المنقولة عن النص المسرحي، وليس عن المسرحية، أسلوب سينمائي خاص، «جانْر» خاص أهم ميزاته هي محدودية المكان والزمان، وهي شروطٌ مسرحيّة، وكذلك الاعتماد أساسا على الحوارات، كون السيناريو مأخوذ من نصّ هو أساسا مجموعة حوارات. فلا تجول الكاميرا كثيرا ولا يكون الأساس في أن تحصل الأحداث، بل في أن تُحكى. فالحدث هو الحكي هنا، هو الحوار، أو ما يمكن أن يحصل ضمن الحوار، حدثٌ يأتي في سياق الحديث، أمّا الجماليات البصريّة فتكون غالبا في مَشاهد شبه ثابتة، وهذا الفيلم غنيّ بها.
يأتي الفيلم كإنجاز جديد لدولان (27 عاما) بعد أفلامه «قتلت أمّي» و «علاقات الحب المتخيَّلة» و «لورنس في كل الأحوال» «توم في المزرعة» و «مومي»، وجميعها بديعة، وقد نالت جوائز عدّة. أما فيلمه المعروض في الصالات الفرنسية هذه الأيام فقد نال أهم ثاني جائزة في مهرجان كان الأخير، وهي «الجائزة الكبرى»، أعلى ما ناله دولان في سيرته الفيلميّة، وقد نال «مومي» جائزة «لجنة التحكيم» قبل عامين، ما قد يبدو تدرّجا إلى السعفة الذهبية في السنوات المقبلة.
الفيلم الذي مثّلت فيه مجموعة من أفضل الممثلين في فرنسا، ناتالي باي بدور الأم، فانسان كاسل بدور الأخ وماريون كوتيار بدور زوجته، ليا سيدو بدور الأخت، وغاسبار أوليول بدور لْوي العائد إلى عائلته بعد غياب 12 عاما ليخبرهم بأنّه مريض وسيموت قريبا.
الشخصية الرئيسية اسمها لْوي، كاتب، يعود إلى عائلته في بيتها الريفي، ليعلن لأفرادها موته القريب، يعود بعد انقطاع عنهم لاثني عشر عاما. من اللحظة الأولى لوصوله تتضح التعقيدات في حياتهم، العلاقات بين أفراد العائلة متوتّرة والصّراخ يعمّ البيت، بالكاد يسلّمون عليه حين يصل، علاقته جيّدة مع أخته وإن بديا غريبين عن بعضهما، فقد كانت طفلة حين غادر البيت. علاقته باردة مع أمّه وسيّئة مع أخيه ورسمية مع زوجة أخيه. هذا التوتّر بينهم وبين بعضهم من ناحية، وبينهم وبينه من ناحية ثانية صعّب عليه المهمة التي جاء من أجلها، لا قبل التحضير للغداء ولا أثناءه ولا على الطاولة ولا أثناء شرب القهوة بعدها استطاع إخبارهم باقتراب موته.
في الفيلم عالمان منفصلان، عالمه الذاتي السوداوي الكارثي المترقّب لرد فعل أهله حين يخبرهم بمرضه وموته، وعالم واقعي خارجي يسمعه ويراه في بيت أهله، يملأه التوتر والصراخ وهو ما منع لْوي من البوح بعالمه الذاتي فيفتح العالمين على بعضهما، فبقي المُشاهد طوال الفيلم على الحد الفاصل بين العالمين. لم يتصالح العالمان ولم يحك لْوي ما جاء لحكيه، يبدأ الفيلم كما ينتهي، لكل من هؤلاء، لوي من ناحية والباقي من الناحية الثانية، عالمه المنفصل عن الآخر، تماما كما كان دائما، خلال الأعوام الاثني عشر من غيابه، إلا أنّه، بحضوره، وضع العالمين على طاولة واحدة وفي غرفة واحدة، فبان أكثر تنافرُهما، ما جعله يقرّر أخيرا العودة من حيث أتى، كأنّه لم يأت.
وإن قُدّم لْوي كالشخصية الأساسية إلا أنّه كان الأقل أداء وكلاما، كان المتلّقي لأداء وكلام الآخرين. هو الذي كان المُشاهدُ ينتظره أن يتكلّم، أن يردّ أو يقول شيئا وتحديدا ما جاء إليهم ليقوله، هو، لوي، الأقل كلاما بين الجميع.
الحوارات كانت في مواضيع عاديّة، حوار أفراد عائلة بينهم مشاكلهم ومزاحهم كذلك، على طاولة الغداء، طوال الفيلم كانت كذلك، إلا أن وتيرتها تختلف، التوتّر فيها يتصاعد تدريجيا إلى أن يقترب الفيلم من نهايته، حيث يصطدم الأخوان، لسبب تافه، مشكلة لا مبرّر لها سوى عصبيّة أخيه الكبير، وهي عصبيّة كانت ظاهرة من بداية الفيلم، حيث لم يسلّم على أخيه العائد بعد انقطاع، واستمرت في ردوده وأحاديثه مع زوجته وأمه وأخته، ثم تعنيفه لأخيه، لفظيا وجسديا، وإجباره على الرحيل، والأخير كل ما يفكّر به كان كيفية مفاتحتهم بما جاء لأجله.
يكمل إكزافييه دولان في فيلمه ما تناوله سابقا في العلاقات العائليّة، في تعقيداتها وتأثير ذلك على الفرد فيها. لكن لم يحوِ الفيلم أي حدث، من الدقائق الأولى للفيلم حيث قدّم نصٌّ افتتاحي، كما في أي مسرحية تقدّم الحكاية للجمهور، أي البرولوغ، سمعناه بصوت المخرج دولان بأسلوب «الفويس أوفر»، كخلفية لمَشاهد تصوّر عودة لْوي بالطائرة إلى أهله، من هذه الدقائق إلى نهاية الفيلم لم يحصل ما يمكن تسميته بالحدث، فكان الفيلم كلّه حوارات، وكانت جذّابة. الحدث الذي يمكن أن ينتظره أي مُشاهد هو تحديدا اللحظة التي يخبر فيها لْوي أهلَه بموته القريب، ورد فعلهم، وخاصة تفاعل رد الفعل هذا مع الصراخ وتوتّر العلاقات بينهم جميعا وبين بعضهم، وبينهم وبينه. الحدث، إن كان، سيكون هذا وحسب. لكن النَّص المسرحي والسينمائي الذي كتبه دولان نفسه، ابتعد عن المتوقَّع، وصعد في الحوارات لتكون هي الحدث، لتكون أشد تأثيرا من لحظة إخبارهم، ليكون الأساس هنا لا الموضوع، أي لا تفاعل الشخصيات مع بعضها لحظة الإخبار، بل الذات، أي المشاعر الخاصة التي تموج في ذات لْوي، عالمه الذي يعيش فيه والذي يعرف أنّه سينتهي قريبا. فيختار أن يترك أهلَه بحالهم ويعود إلى حياته أو ما تبقى منها، من دون أن يشارك خبر موته أقربَ الناس إليه.
ولأنّ الحديث عن نصّ مسرحي، أو تصوير سينمائي لهذا النَّص، فبعض ما يتميز به المسرح سيحضر هنا، إضافة إلى ما ذُكر أعلاه من شروط مكانية وزمانية والحوارات، هنالك التصاعد الحتمي في التوتّر الكامن في الحوارات، وهنالك أساسا الملامح، الاعتماد على التعابير الوجهيّة كمرافق أساسي لحوار، أو للصمت. والصّمت هنا كان فعلا جزءا من الحوار، والصّور المقرّبة الكثيرة في الفيلم، على الملامح وعلى اليدين وغيرها، وتصويرها كلّها ضمن جماليات الإضاءة والظلال والألوان، أضافت توتّرا على التوتّر، وضغطا على الضغط بين الشخصيات، ضغط يحكمه الحوار كما يحكمه المكان المغلق الذي تتصارخ فيه الشخصيات. والصمت ذاته تفاعلَ مرارا مع الموسيقى، الضجة في الفيلم، تفاعل وانقطاع لواحد واستمرار لآخر، الضجة والموسيقى والحوار والصمت، تعامل معها دولان بمنطق المونتاج، كم يتعامل أي سينمائي أوتور، أي مؤلّف، مع الصّورة.
الحديث عن الفيلم لا ينتهي، هو من أفضل ما أنتجته السينما الفرنسية مؤخرا وهو الأفضل في مسيرة دولان الفيلميّة، وهو فيلم فرنسي/كندي، لكنّه الفيلم الفرنسي تماما الأوّل بالنسبة لدولان، اللهجة فرنسية في وقت كانت اللهجة في أفلامه السابقة كيبيكيهة/كنديّة، الممثلون جميعا فرنسيون، والنَّص المسرحي فرنسي، والاحتفاء به كذلك فرنسي.
إن أكمل إكزافييه دولان على المنوال ذاته ستأتي أعوام يسهل فيها القول بأنّه السينمائي الأفضل من بين الأحياء، الرّهافة في أفلامه ستساعده على ذلك، وكذلك إصراره على أن يكون مؤلّفا لها، يكتبها ويخرجها ويمثّل فيها ويجاور بين الأفكار والجماليات وينال جوائز في المهرجانات التي يتواجد فيها.
قد يخطر لأحدنا عند مشاهدة فيلم ك «أوتيلّو» للأمريكي أورسون ويلز، المأخوذ عن مسرحيّة شكسبير المعروفة، بأنّ النَّص المسرحي العظيم إنّما كُتب أساسا للسينما وليس للمسرح، ليكون فيلما لا ليؤدى على الخشبة، إنّه بنسخته السينمائية بلغ مستوى جماليا في نقل الحكاية يصعب أن تصل إليه المسرحية.
لكن بمشاهدة الفيلم الأخير للكندي الشاب إكزافييه دولان، «نهاية العالم وحسب»، المأخوذ عن مسرحية بالعنوان نفسه للفرنسي جان لوك لاغارس، قد يخطر لأحدنا تعديلٌ طفيف على ما سبق ذكره، وهو أنّ التصوير السينمائي للنص المسرحي هو غالبا الأجمل، من دون أن يكون النصّ بالضرورة عظيما، أي من دون أن نصعد بمستوى الأمثلة إلى شكسبير وويلز.
للأعمال السينمائية المنقولة عن النص المسرحي، وليس عن المسرحية، أسلوب سينمائي خاص، «جانْر» خاص أهم ميزاته هي محدودية المكان والزمان، وهي شروطٌ مسرحيّة، وكذلك الاعتماد أساسا على الحوارات، كون السيناريو مأخوذ من نصّ هو أساسا مجموعة حوارات. فلا تجول الكاميرا كثيرا ولا يكون الأساس في أن تحصل الأحداث، بل في أن تُحكى. فالحدث هو الحكي هنا، هو الحوار، أو ما يمكن أن يحصل ضمن الحوار، حدثٌ يأتي في سياق الحديث، أمّا الجماليات البصريّة فتكون غالبا في مَشاهد شبه ثابتة، وهذا الفيلم غنيّ بها.
يأتي الفيلم كإنجاز جديد لدولان (27 عاما) بعد أفلامه «قتلت أمّي» و «علاقات الحب المتخيَّلة» و «لورنس في كل الأحوال» «توم في المزرعة» و «مومي»، وجميعها بديعة، وقد نالت جوائز عدّة. أما فيلمه المعروض في الصالات الفرنسية هذه الأيام فقد نال أهم ثاني جائزة في مهرجان كان الأخير، وهي «الجائزة الكبرى»، أعلى ما ناله دولان في سيرته الفيلميّة، وقد نال «مومي» جائزة «لجنة التحكيم» قبل عامين، ما قد يبدو تدرّجا إلى السعفة الذهبية في السنوات المقبلة.
الفيلم الذي مثّلت فيه مجموعة من أفضل الممثلين في فرنسا، ناتالي باي بدور الأم، فانسان كاسل بدور الأخ وماريون كوتيار بدور زوجته، ليا سيدو بدور الأخت، وغاسبار أوليول بدور لْوي العائد إلى عائلته بعد غياب 12 عاما ليخبرهم بأنّه مريض وسيموت قريبا.
الشخصية الرئيسية اسمها لْوي، كاتب، يعود إلى عائلته في بيتها الريفي، ليعلن لأفرادها موته القريب، يعود بعد انقطاع عنهم لاثني عشر عاما. من اللحظة الأولى لوصوله تتضح التعقيدات في حياتهم، العلاقات بين أفراد العائلة متوتّرة والصّراخ يعمّ البيت، بالكاد يسلّمون عليه حين يصل، علاقته جيّدة مع أخته وإن بديا غريبين عن بعضهما، فقد كانت طفلة حين غادر البيت. علاقته باردة مع أمّه وسيّئة مع أخيه ورسمية مع زوجة أخيه. هذا التوتّر بينهم وبين بعضهم من ناحية، وبينهم وبينه من ناحية ثانية صعّب عليه المهمة التي جاء من أجلها، لا قبل التحضير للغداء ولا أثناءه ولا على الطاولة ولا أثناء شرب القهوة بعدها استطاع إخبارهم باقتراب موته.
في الفيلم عالمان منفصلان، عالمه الذاتي السوداوي الكارثي المترقّب لرد فعل أهله حين يخبرهم بمرضه وموته، وعالم واقعي خارجي يسمعه ويراه في بيت أهله، يملأه التوتر والصراخ وهو ما منع لْوي من البوح بعالمه الذاتي فيفتح العالمين على بعضهما، فبقي المُشاهد طوال الفيلم على الحد الفاصل بين العالمين. لم يتصالح العالمان ولم يحك لْوي ما جاء لحكيه، يبدأ الفيلم كما ينتهي، لكل من هؤلاء، لوي من ناحية والباقي من الناحية الثانية، عالمه المنفصل عن الآخر، تماما كما كان دائما، خلال الأعوام الاثني عشر من غيابه، إلا أنّه، بحضوره، وضع العالمين على طاولة واحدة وفي غرفة واحدة، فبان أكثر تنافرُهما، ما جعله يقرّر أخيرا العودة من حيث أتى، كأنّه لم يأت.
وإن قُدّم لْوي كالشخصية الأساسية إلا أنّه كان الأقل أداء وكلاما، كان المتلّقي لأداء وكلام الآخرين. هو الذي كان المُشاهدُ ينتظره أن يتكلّم، أن يردّ أو يقول شيئا وتحديدا ما جاء إليهم ليقوله، هو، لوي، الأقل كلاما بين الجميع.
الحوارات كانت في مواضيع عاديّة، حوار أفراد عائلة بينهم مشاكلهم ومزاحهم كذلك، على طاولة الغداء، طوال الفيلم كانت كذلك، إلا أن وتيرتها تختلف، التوتّر فيها يتصاعد تدريجيا إلى أن يقترب الفيلم من نهايته، حيث يصطدم الأخوان، لسبب تافه، مشكلة لا مبرّر لها سوى عصبيّة أخيه الكبير، وهي عصبيّة كانت ظاهرة من بداية الفيلم، حيث لم يسلّم على أخيه العائد بعد انقطاع، واستمرت في ردوده وأحاديثه مع زوجته وأمه وأخته، ثم تعنيفه لأخيه، لفظيا وجسديا، وإجباره على الرحيل، والأخير كل ما يفكّر به كان كيفية مفاتحتهم بما جاء لأجله.
يكمل إكزافييه دولان في فيلمه ما تناوله سابقا في العلاقات العائليّة، في تعقيداتها وتأثير ذلك على الفرد فيها. لكن لم يحوِ الفيلم أي حدث، من الدقائق الأولى للفيلم حيث قدّم نصٌّ افتتاحي، كما في أي مسرحية تقدّم الحكاية للجمهور، أي البرولوغ، سمعناه بصوت المخرج دولان بأسلوب «الفويس أوفر»، كخلفية لمَشاهد تصوّر عودة لْوي بالطائرة إلى أهله، من هذه الدقائق إلى نهاية الفيلم لم يحصل ما يمكن تسميته بالحدث، فكان الفيلم كلّه حوارات، وكانت جذّابة. الحدث الذي يمكن أن ينتظره أي مُشاهد هو تحديدا اللحظة التي يخبر فيها لْوي أهلَه بموته القريب، ورد فعلهم، وخاصة تفاعل رد الفعل هذا مع الصراخ وتوتّر العلاقات بينهم جميعا وبين بعضهم، وبينهم وبينه. الحدث، إن كان، سيكون هذا وحسب. لكن النَّص المسرحي والسينمائي الذي كتبه دولان نفسه، ابتعد عن المتوقَّع، وصعد في الحوارات لتكون هي الحدث، لتكون أشد تأثيرا من لحظة إخبارهم، ليكون الأساس هنا لا الموضوع، أي لا تفاعل الشخصيات مع بعضها لحظة الإخبار، بل الذات، أي المشاعر الخاصة التي تموج في ذات لْوي، عالمه الذي يعيش فيه والذي يعرف أنّه سينتهي قريبا. فيختار أن يترك أهلَه بحالهم ويعود إلى حياته أو ما تبقى منها، من دون أن يشارك خبر موته أقربَ الناس إليه.
ولأنّ الحديث عن نصّ مسرحي، أو تصوير سينمائي لهذا النَّص، فبعض ما يتميز به المسرح سيحضر هنا، إضافة إلى ما ذُكر أعلاه من شروط مكانية وزمانية والحوارات، هنالك التصاعد الحتمي في التوتّر الكامن في الحوارات، وهنالك أساسا الملامح، الاعتماد على التعابير الوجهيّة كمرافق أساسي لحوار، أو للصمت. والصّمت هنا كان فعلا جزءا من الحوار، والصّور المقرّبة الكثيرة في الفيلم، على الملامح وعلى اليدين وغيرها، وتصويرها كلّها ضمن جماليات الإضاءة والظلال والألوان، أضافت توتّرا على التوتّر، وضغطا على الضغط بين الشخصيات، ضغط يحكمه الحوار كما يحكمه المكان المغلق الذي تتصارخ فيه الشخصيات. والصمت ذاته تفاعلَ مرارا مع الموسيقى، الضجة في الفيلم، تفاعل وانقطاع لواحد واستمرار لآخر، الضجة والموسيقى والحوار والصمت، تعامل معها دولان بمنطق المونتاج، كم يتعامل أي سينمائي أوتور، أي مؤلّف، مع الصّورة.
الحديث عن الفيلم لا ينتهي، هو من أفضل ما أنتجته السينما الفرنسية مؤخرا وهو الأفضل في مسيرة دولان الفيلميّة، وهو فيلم فرنسي/كندي، لكنّه الفيلم الفرنسي تماما الأوّل بالنسبة لدولان، اللهجة فرنسية في وقت كانت اللهجة في أفلامه السابقة كيبيكيهة/كنديّة، الممثلون جميعا فرنسيون، والنَّص المسرحي فرنسي، والاحتفاء به كذلك فرنسي.
إن أكمل إكزافييه دولان على المنوال ذاته ستأتي أعوام يسهل فيها القول بأنّه السينمائي الأفضل من بين الأحياء، الرّهافة في أفلامه ستساعده على ذلك، وكذلك إصراره على أن يكون مؤلّفا لها، يكتبها ويخرجها ويمثّل فيها ويجاور بين الأفكار والجماليات وينال جوائز في المهرجانات التي يتواجد فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.