فجرت قضية حبس أحد صحفيي اليوم السابع خمسة عشر عاماً، سيلا جديداًِ من المشكلات التي تؤرق جيل الصحفيين الشباب بأسره، تلك المشاكل التي تبدأ بالقيد في نقابة الصحفيين، مروراً بتدني مستوي الأجور، فضلاً عن المشكلة التي باتت أساسية وهي حرية تداول المعلومات والحبس في قضايا النشر ، وذلك لتأمين مستقبل شباب الصحفيين. تلك هي الأربعة قضايا الرئيسية التي تشغل أذهان شيوخ المهنة في الوسط الصحفي وتؤرق بال شبابها حيث اختفاء المعايير المهنية الموضوعية والاحتكام إلي الأهواء في مسألة القيد وتخطي القانون في كثير من الأحيان التقينا شيوخ المهنة ونقابيين قدامي لنتعرف علي رؤيتهم في كيفية تلافي هذه المشكلات المزمنة. عبده مباشر - الكاتب الصحفي بالأهرام، وشغل منصب وكيل النقابة في نهاية الثمانينيات وعضوية مجلسها منذ نهاية السبعينيات ، أكد أن قانون النقابة ليس عقبة فهو "أجمل قانون" و"أجمل دستور"، لذلك لابد أن تكون الأولوية لشباب الصحفيين في الأساس وحمايتهم، وتوفير فرص عمل حقيقية لهم. لأن: "المؤسسات الصحفية الآن تهدر طاقات شبابها من الصحفيين، ولا تعطيهم حقوقهم ويظل الشاب يعمل بالسنوات دون تعيين، ودور النقابة الآن وهي تمثل قوة ضغط، أن تضع حدا لهذه الأوضاع، وتدافع عن مصالح هؤلاء الصحفيين الذي يعتبرون في أهم فترة حيوية في عمرهم المهني، فحمدي السيد نقيب الأطباء علي سبيل المثال يطالب بتخفيض أعداد المقبولين في كليات الطب كل عام، بحيث يجد كل الخريجين فرصة عمل، وفي الوقت نفسه تتاح لهم الفرصة لتلقي التعليم والتدريب بشكل يؤهلهم لممارسة عملهم ونحن لدينا العديد من كليات وأقسام الإعلام، ولا توجد سوي فرص عمل تقدر بالعشرات، فإذا أرادوا الاستمرار في هذا الطريق فليركزوا علي أقسام العلاقات العامة والتليفزيون، أما الصحافة فوضعها مختلف. الأولوية الثانية التي يراها "مباشر" ضرورة إنهاء عصر الصحافة الحكومية أو المسماة القومية، لأن : الصحافة في مصر تم تفريغها من الصحافة حين تم تأميمها، ولابد أن تعود الملكية الخاصة للصحف مرة أخري، وتتاح الحرية للجميع لإصدار صحف، صحيح قد يشوب الأمر في البداية بعض الفوضي والعشوائية، لكن مع الوقت يقوم الجمهور بفرز الإصدارات، والبقاء والاستمرار سيكونان للأصلح والأجود. و ركز مباشر علي فكرة استقلال النقابة عن الدعم الحكومي، وبالتالي الاستقلال المهني للصحفيين، وأضاف: في الوقت الحالي، الحكومة هي التي توفر بدلات التدريب وبدل التكنولوجيا، وهي مبالغ كبيرة، ومن المفترض أن تقوم النقابة بتوفير مصادر دخل خاصة، علي رأسها استغلال الأدوار الثلاثة في النقابة من خلال تأجيرها لوكالات الأنباء ومكاتب الصحف الأجنبية. حسين عبد الرازق عضو مجلس نقابة الصحفيين في فترة الثمانينيات - كان له رأي مختلف، حيث وضع قضية الأجور في المقدمة، يليها إلغاء الحبس في قضايا النشر. قائلا : هناك مشكلة تتعلق بالحد الأدني للأجور، وضرورة وجود لائحة أو عقد عمل جماعي بين النقابة والمؤسسات الصحفية "القومية والحزبية والخاصة"، ويتم تحديد الحد الأدني علي ضوء الأبحاث والدراسات الاقتصادية، ويكون هناك توصيف مرن للوظائف بحيث لا تزيد علي خمسة مثلا، وهي: محرر، محرر أول سكرتير تحرير، نائب رئيس تحرير، وأخيرًا رئيس تحرير. الشق الثاني يتعلق بتقريب الفوارق بين الحدين الأدني والأقصي، فالصحف المصرية - والكلام لعبد الرازق - تشهد فروقا غير إنسانية في الأجور والرواتب، ففي كل دول العالم يكون الفرق بين الحدين بنسبة 1 إلي 6 و1 إلي 10 أو 1 إلي 18 أما لدينا فنتخطي ذلك بكثير، فنجد رئيس التحرير قد يصل أجره في الشهر إلي مليون جنيه، وصحفي آخر في نفس المؤسسة لا يزيد أجره علي 700 جنيه، كل ذلك يخلق أحقادًا ونزاعات وصراعات. يؤكد عبد الرازق أن زيادة دخول الصحفيين لا تتحقق برجاءات أو وساطات، لكن لابد لمجلس النقابة أن يتحرك بدعم من الجمعية العمومية والاتفاق علي حل يتم إقراره من جميع الأطراف.ويري ضرورة الدخول في تفاوض جديد من أجل بإلغاء الحبس في قضايا النشر. ويقول: كان هناك مشروع قانون أعدته النقابة في عهد إبراهيم نافع لم ير النور، والحكومة ألغت الحبس في مواد قليلة وتركته في 21 مادة، والمطلوب الآن حشد وممارسة ضغوط ليس فقط من قبل الصحفيين بل يجب أن يتم توسيع نطاق القضية لتكون مجتمعية، فالقوانين التي نطالب بإلغائها قد تطبق علي أستاذ جامعة أو أي مواطن آخر نشر رأيا في إحدي الصحف، فهذه المعركة لا تخص نقابة الصحفيين فقط، وإنما لابد أن يشارك بها كل منظمات المجتمع المدني المعنية بالحقوق والحريات. ورغم اعتقاده بأهمية تغيير قانون النقابة، فإن عبد الرازق يري أن هناك مخاوف من الإقدام علي هذه الخطوة، ففي وقت سابق، في عهد فيليب جلاب عندما كان سكرتيرا عامًا للنقابة، بدأنا بالفعل إعداد مشروع قانون جديد، لكننا توقفنا بعد أن راودتنا مخاوف وقلق من أننا إذا عرضنا القانون علي مجلس الشعب سنحصل علي قانون أسوأ، وتكون النتيجة سلبية، وأعتقد أن هذا الخوف مازال مستمرا، فالحريات منظومة عامة، فما الأمارة التي بسببها تمنح الحكومة استثناء للصحفيين؟ الكاتب الصحفي صلاح منتصر - الذي كان مرشحا سابقا علي منصب نقيب الصحفيين - يري ضرورة إيلاء العناية لحماية الصحفيين الشباب، خاصة في ظل حرية إصدار صحف في الوقت الحالي، مؤكدا أنه : يتكرر كثيرا أن يقوم أحدهم بإصدار صحيفة خاصة، ولا يلبث أن يخسر ولا يحقق نجاحا، أو أن يكون قد حقق الغرض الذي أنشأ من أجله الصحيفة، فيغلقها ويتخلص من الصحفيين. ويري منتصر أن المشروع الذي تقدم به د. أحمد النجار حول الأجور، يصعب تنفيذه لأن الموارد التي يعتمد عليها، صعب الحصول عليها، كأن تتنازل الضرائب عن ضريبة الدمغة والمؤسسات الصحفية لم تتقبله، وهناك مشروع تقدم به مكرم لكن المشكلة أن بعض المؤسسات القومية التي يطلق عليها مؤسسات الجنوب مثل دار المعارف والهلال وغيرهما لا تستطيع الالتزام به. رجائي الميرغني - عضو مجلس النقابة سابقًا ومرشح سابق لمنصب نقيب الصحفيين - حدد الأولويات التي يجب أن تلتفت إليها النقابة خلال الدورة الحالية في ثلاث نقاط، الأولي هي إعادة هيكلة أجور الصحفيين من خلال إحياء مشروع هيكلة الأجور الذي اعتمدته النقابة المكلفة بتقديم الاقتراحات الخاصة بإلغاء المواد السالبة للحرية في جرائم النشر وثالثا: تشكيل لجنة من مجلس النقابة والجمعية العمومية لمراجعة موقف موارد النقابة وتنشيط عملية الالتزام بدفع النسبة المئوية من الإعلانات وتحريك مشروع القانون الذي أعدته اللجنة القانونية لتعديل قانون الدمغة الصحفية بما يعظم موارد النقابة. أوضح الميرغني أن التضرر الأول الذي قدمه د. أحمد النجار منذ عام 2001 مر بمشوار طويل إلي أن اعتمدته الجمعية العمومية عام 2006 في المؤتمر العام الرابع للنقابة، لكن بعد أن تولي مكرم محمد أحمد النقابة عام 2007 وفي أول اجتماع مع مجلسه قال إنه غير ملزم بما تم فيه في الفترة السابقة علي توليه النقابة، وقال إنه لا يعلم شيئا عن مشروع لائحة هيكل الأجور، رغم أن المجلس الأعلي للصحافة تسلمه وتمت مناقشته بحضور رءوساء مجالس إدارات الصحف القومية، وتم تشكيل لجنة برئاسة د. علي لطفي لوضع مقترحات تلائم الأوضاع الاقتصادية لكل المؤسسات الصحفية في أواخر دورة جلال عارف. وعن إمكانية تطبيق هذا المشروع في الوقت الحالي، يري الميرغني أنه بالطبع خلال هذه الفترة - ثلاث سنوات - تغيرت الأوضاع، وبالتالي فلابد من رفع قيم الأجور عن تلك التي كانت مطروحة، لكن يمكن التوصل إلي حلول فإذا تقاعس النقيب أو المجلس، فلابد أن تمارس الجمعية العمومية قوة ضغط عليهم. وحول إلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، وما يرد عليه من ضرورة محاسبة المخالفين لميثاق الشرف الصحفي أولا، يري الميرغني أنه : "لا يوجد التزام ولا توجد محاسبة، ولابد أن تكون هناك لجنة دائمة في النقابة تستقبل الشكاوي والمقترحات، وهذه اللجنة كانت موجودة بالفعل في أواخر عهد جلال عارف، لكن إلغاها مكرم لاحقا، وقد تلقيت عرضا من إحدي المؤسسات الصحفية لإنشاء مرصد يتابع الصحف والمجلات والمخالفات التي ترتكبها، ويقدم تقارير بها سواء بشكل يومي أو أسبوعي، فلا يجوز أبدا أن تنتظر النقابة أن يتقدم أحدهم بشكوي حتي تتحرك. وبصفته السابقة كرئيس للجنة القيد يري الميرغني أن هناك تخبطا واضحا في سياسات القيد، وهناك شروط مفروضة الآن لا علاقة لها بشروط القيد الواردة في القانون. كخوض الاختبارات في اللغة والكمبيوتر، والمعلومات العامة صحيح هي ضرورة لكن لابد أن تكون في سياق قانوني، ونحن بذلك نحرم الأجيال الجديدة من الانضمام لنقابة تضمن حقوقهم.