حبس عاطل بتهمة التحرش بسيدة قعيدة أثناء معاينتها شقة للايجار بمدينة نصر    " سلبيات الأميّة الرقمية وتحديات الواقع ومتطلبات سوق العمل ".. بقلم / أ.د.أحلام الحسن ..رئيس القسم الثقافي.. إستشاري إدارة أعمال وإدارة موارد بشرية    الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة تفتح ملف العدالة والتعويضات نحو مقاربة شاملة لإنصاف أفريقيا    بكام البلطى النهارده....... اسعار الأسماك اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    استقرار أسعار الدولار اليوم السبت 13 ديسمبر 2025    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    مصدر طبي فلسطيني: سقوط شهيد بنيران جيش الاحتلال في جباليا    محكمة بوليفية تأمر بسجن الرئيس السابق لويس آرسي 5 أشهر    أونروا: 6 آلاف شاحنة مساعدات عالقة على أبواب غزة والشتاء يفاقم معاناة النازحين    الطقس اليوم .. انخفاض بالحرارة وامطار متفاوته و الصغري بالقاهرة 14 دراجة    حبس عاطل بتهمة قتل والدته داخل كافيه في مدينة نصر    "يا ولاد صلّوا على النبي".. عم صلاح يوزّع البلّيلة مجانًا كل جمعة أمام الشجرة الباكية بمقام الشيخ نصر الدين بقنا    تشويه الأجنة وضعف العظام.. 5 مخاطر كارثية تسببها مشروبات الدايت الغازية    موعد مباراة برشلونة وأوساسونا في الدوري الإسباني والقناة الناقلة    بث مباشر.. السعودية تحت 23 ضد العراق تحت 23 – قصة كبيرة في كأس الخليج تحت 23 – نصف النهائي    استمرار مبادرة «كلنا واحد» لتوفير السلع الأساسية بأسعار مخفضة حتى هذا الموعد    منهم الأيتام وأبناء المطلقة، أطفال يحق لهم الحصول على معاش شهرى    محاكمة 7 متهمين بخلية تهريب العملة بالتجمع الأول.. بعد قليل    اليوم.. نظر دعوى للإفراج عن هدير عبدالرازق بعد شهرين ونصف من الحبس    إفتتاح مؤسسة إيناس الجندي الخيرية بالإسماعيلية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    اسعار الحديد اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    المشاركون في ماراثون الأهرامات يلتقطون الصور التذكارية في المنطقة التاريخية    رئيس وزراء تايلاند يتعهد بمواصلة العمليات العسكرية ضد كمبوديا رغم حديث عن وقف لإطلاق النار    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 13 ديسمبر 2025    سقوط شبكة أعمال منافية للآداب بتهمة استغلال ناد صحي لممارسة الرذيلة بالشروق    حياة كريمة.. 3 قوافل طبية مجانية ضمن المبادرة الرئاسية فى سوهاج    ناصيف زيتون يتألق في حفله بقطر بنيو لوك جديد (فيديو)    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تجدد استهداف المناطق الشرقية لمدينة غزة    ترامب: الضربات الجوية على أهداف في فنزويلا ستبدأ قريبًا    زيادة متوقعة في إنتاج اللحوم الحمراء بمصر إلى 600 ألف طن نهاية العام الجاري    أذان الفجر اليوم السبت13 ديسمبر 2025.. دعاء مستحب بعد أداء الصلاة    بريطانيا تهدد الجنائية بقطع التمويل إذا صدرت مذكرة توقيف ضد نتنياهو    دمج وتمكين.. الشباب ذوي التنوع العصبي يدخلون سوق العمل الرقمي بمصر    بدأ العد التنازلي.. دور العرض تستقبل أفلام رأس السنة    تدريب واقتراب وعطش.. هكذا استعدت منى زكي ل«الست»    بين مصر ودبي والسعودية.. خريطة حفلات رأس السنة    د.هبة مصطفى: مصر تمتلك قدرات كبيرة لدعم أبحاث الأمراض المُعدية| حوار    مصرع شخص وإصابة 7 آخرين فى حادث تصادم بزراعى البحيرة    ياسمين عبد العزيز: كان نفسي أبقى مخرجة إعلانات.. وصلاة الفجر مصدر تفاؤلي    هشام نصر: سنرسل خطابا لرئيس الجمهورية لشرح أبعاد أرض أكتوبر    سلوى بكر ل العاشرة: أسعى دائما للبحث في جذور الهوية المصرية المتفردة    أكرم القصاص: الشتاء والقصف يضاعفان معاناة غزة.. وإسرائيل تناور لتفادي الضغوط    الأهلي يتراجع عن صفقة النعيمات بعد إصابته بالرباط الصليبي    إصابة 3 أشخاص إثر تصادم دراجة نارية بالرصيف عند مدخل بلقاس في الدقهلية    ياسمين عبد العزيز: أرفض القهر ولا أحب المرأة الضعيفة    قرار هام بشأن العثور على جثة عامل بأكتوبر    ننشر نتيجة إنتخابات نادي محافظة الفيوم.. صور    محمود عباس يُطلع وزير خارجية إيطاليا على التطورات بغزة والضفة    محافظ الدقهلية يهنئ الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم من أبناء المحافظة    تعيين الأستاذ الدكتور محمد غازي الدسوقي مديرًا للمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية    كأس العرب - مجرشي: لا توجد مباراة سهلة في البطولة.. وعلينا القتال أمام الأردن    أحمد حسن: بيراميدز لم يترك حمدي دعما للمنتخبات الوطنية.. وهذا ردي على "الجهابذة"    إشادة شعبية بافتتاح غرفة عمليات الرمد بمجمع الأقصر الطبي    عمرو أديب ينتقد إخفاق منتخب مصر: مفيش جدية لإصلاح المنظومة الرياضية.. ولما نتنيل في إفريقيا هيمشوا حسام حسن    الإسعافات الأولية لنقص السكر في الدم    غلق مزلقان مغاغة في المنيا غدا لهذا السبب    هشام طلعت مصطفى يرصد 10 ملايين جنيه دعمًا لبرنامج دولة التلاوة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زها حديد أيقونة معمارية خالدة سبقت عصرها
نشر في صوت البلد يوم 02 - 05 - 2016

يقول المعماري البريطاني بيير غوف: "إنها أعظم أمرأة معمارية ليس في الزمن الحالي فحسب، ربما على مدار التاريخ كله". فمنذُ طفولتها وهي تهوى اللعب بالأشياء وقولبة الأشكال بما يناسب مزاجها ونظرتها الثلاثية لكل ما يحيط بها في هذا العالم، وكما تقول عنها جوليا بيتون جونز - رئيسة سيربينتاين غاليري في لندن – "لديها أسلوب ساحر، سواء كان أسلوبا ترسمهُ أو تلبسهُ أو أسلوبا تعيشهُ، لديها رؤية شاملة لكل الأشياء".
منذُ ولادتها في بغداد عام 1950 من عائلة عراقية عريقة، فوالدها السياسي العراقي المعروف "محمد حديد" الوزير السابق في العهد الجمهوري الأول. فتحت زها حديد عينيها على زمنين كبيرين الماضي والحاضر، فالماضي الذي يتجسد بحضارة عريقة تمتد جذورها لسبعة الآف سنة وتضم أيقونات معمارية خالدة كالجنائن البابلية المعلقة جنوب بغداد أو عمارة مئذنة الملوية شمال بغداد التي شيدت في الزمن العباسي، والزمن الحاضر الذي تسارعت وتيرة النمو فيه خصوصا بعد الانفتاح الكبير الذي شهدتهُ بغداد في أوساط الخمسينيات من القرن المنصرم، حيث كان تلاقي كبير ما بين الزمنين.
في تلك الحقبة المليئة بأرث التقاليد والتطلع والنمو السريع نحو المدنية الحديثة التي كانت تبحث عنها بغداد نشأت طفلة فضولية لا تتوقف عن طرح الأسئلة على والدتها طيلة النهار، وما أن يأتي والدها من العمل حتى تعاود طرح الأسئلة عليه لإشباع رغبتها في اكتشاف العالم. وكانت تقول عن ذلك "لقد اعتدت التجوال في الأرجاء طوال اليوم أطرح الأسئلة حتى تكون والدتي قد اكتفت من أسئلتي وما أن يأتي والدي حتى أعاود طرح أسئلتي عليه دون أن يضجر مني".
وأعتقد أن تلك أولى أشارات النبوغ والتفرد لديها حيث كانت تشغلها كل الأشياء التي تحيط بها لذلك تولد في داخلها الأسئلة لمعرفة ماهيتها وطبيعتها، ومن الأسباب التي ساعدت في نبوغها أبواها اللذان أسهما في رفد هذا التطلع بما يحتاج لهُ، أيضا من الأسباب الأخرى، أنها نمت في بيئة ومدينة كانت تُعد من أفضل عواصم الشرق الأوسط في النمو والتطور والريادة الثقافية والأدبية مع وجود البُعد الحضاري والحكومة الرشيدة آنذاك.
تقول زها حديد عن تلك الحقبة "نشأنا وسط تلك الأحداث، حيث كان اهتمام بالتعليم وأيضا اهتمام بالعمارة، باعتقادي عشنا زمنا مثيرا، نظر الى الهندسة المعمارية كوسيلة تستطيع بغداد من خلالها بناء هوية جديدة". تلك الحقبة شهدت جلب العديد من المعماريين العالميين من أمثال: فرانك لويد واين، وآالفار آلتو، لو كوربوزييه، وولتر جروبيوس. وقد شيد الأخير مبنى برج جامعة بغداد الشهير، كل ذلك شكل مصدر إلهام لهذه الطفلة وهي تجوب برفقة والديها مدينة بغداد وتشاهد من سطح بيتها هذه الأشكال وهي تتوزع وتتناثر على مسار نهر دجلة الخالد، الحرية والإيمان الذي وهبها والداها لها جعلها وهي في الثامنة والتاسعة من عمرها تبدأ بتشكيل وترتيب أثاث البيت وفق رؤيتها الساحرة للأشياء، لتقوم بترتيب غرفة عمتها وإحدى أقربائها. لذلك في سنتها الحادية عشرة تقول "إني أدركت طريقي لأكون معمارية".
غادرت زها حديد العراق لتدرس في الجامعة الأميركية في بيروت، وقد تخرجت منها سنة 1971 من قسم الرياضيات، وفي سنة 1972 وصلت لندن في الوقت الذي كانت تعاني منهُ هذه العاصمة من أزمة في الرؤى والأفكار المعمارية، وأنضمت الى "ذا أي أي" وهو "اتحاد معماريي لندن" الذي كان يُعد المكان الملهم الذي تنطلق منهُ الأفكار الجديدة والأكثر تطرفا في العالم من حيث الرؤى المعمارية للطلابها وأساتذتها، بدأت حياتها الدراسية في هذا المكان الذي كان يبحث عن بديل للتصاميم التي كانت تُعد مملة وتخلو من الإبداع، ليتم استبدالها وإيجاد حلول لتصاميم معمارية أكثر إلهاما وابتكارا، لذلك بدأ طلبة هذا المعهد بالتجريب.
كانت "زها حديد" رائدة التجريب، ولكنها اشتغلت على أفكارها وبمفردها فبينما ذهبت مجموعة من الطلاب لأقامة مزرعة في ويلز، وآخرون انشغلوا بتصميم باص بطريقة مبتكرة، أخذت زها تبحث عن طريقها بطرق أبواب الهيئات التدريسية لتظفر بمساندت أستاذها إيليا زنكلس ورم الذي قال عنها "منذَ الوهلة الأولى أدركت أن زها ستكون اسما يدون في تاريخ العمارة". وهما اللذان وجهاها نحو أعمال الفنان الروسي كازيمير ماليفيتش، وحركات السوبرماتية الروسية.
كانت هذه الرسوم والأعمال الفنية التي تتخذ من الأشكال الهندسية (كالمربع، والدائرة، والسمتقيم، والمستطيل وغيرها) أهم عناصر البناء في أعمال الفنان الروسي كازيمير ماليفيتش التي شكلت مصدر الهام للطريق المعماري الذي اتخذته زها فيما بعد، فظهرت أعمالها أقرب الى اللاواقع فيها شيء من الغرابة لأنها تعتمد الأسلوب التركيبي بأبعاد ثلاثية تبدو وكأنها الواح وأشكال هندسية قد شقت الأرض لتعانق الفضاء بجمالية رائعة، لم يكن الذوق العام في ثقافة المعمار قد اعتاد عليها. يقول عنها أستاذها (أيلي) زها رسامة بارعة وأنا حزين لأنها لم تعد ترسم كثيرا كما كانت".
إن أحد أسباب رفض بعض الشركات والمؤسسات من جعل تصاميم زها الحديد الفوز في تنفيذ المشاريع المطروحة، هو تلك النظرة القاصرة التي أعتقدتها بعض هذه المؤسسات وبعض النقاد من أن تصاميم زها غير قابلة للتنفيذ بسبب خروجها عن البناء المألوف واعتمادها على أسلوب البناء غير المنتظم الذي يعتمد على الحديد في التحمل والشد، واعتماد تصاميمها على الفضاءات السابحة بعيدا عن تأثير الجاذبية الأرضية، وهذا يعد جرأة ومغامرة في التصميم والبناء، بحيث شبّه عدد من النقاد تصاميمها بالسفن الفضائية السابحة.
ومع مرور الزمن برهنت زها أن تصاميمها قابلة للتنفيذ ونجد ذلك في محطة الحريق في المانيا ومتحف العلوم في شمال المانيا وجسر الجناح في أسبانيا وجسر الشيخ زايد في أبوظبي وهناك تصميم لدائر الأوبرة في دبي قيد التنفيذ الذي سيكون من أجمل التصاميم في العالم وغيرها من التصاميم العملاقة.
إن اكثر النقاد المعماريين يعدون زها حديد بأنها مهندسة معمارية سبقت عصرها بسنوات كثيرة وتكاد تكون لهذه اللحظة أعظم امرأة دخلت في مجال الهندسة المعمارية الذي كان حصرا على الرجال، فالناظر الى تصاميمها تعتريه الدهشة والانبهار من قدرة هذه المرأة من جعل مواد صلدة وليس فيها روح جمالية كالحديد والزجاج والإسمنت لتقوم بتحويله الى أجسام تكوينية وجمالية سابحة في الفضاء بعيدا عن قوانين الفيزياء والرياضيات المعروفة، فهي تقدم لنا درسا بليغا في قدرة الإنسان المبدع والمبتكر من خلق أشياء وأشكال تكوينية تتجاوز مخيلة الإنسان الذي أعتاد أن يرى الأشياء برتابة مكررة ليس فيها شيء خارج حدود المألوف.
إنها تبتكر الحدود غير المألوفة ولتعود بعد سنوات لتجتاز تلك الحدود الى معالم وأشكال فيها حس بصري وجمالي حاد وآخاذ للبصر والمخيلة الى أسئلة جديدة يطلقها عشاق فنها وطلابها وأساتذة الفن المعماري إلى أى مدى من الدهشة والابتكار تريد أن تصل بنا هذه الفنانة الرائعة، لقد خطفها الموت ولا يزال في فكرها ومخيلتها وقلبها المزيد من التصاميم والمشاريع العملاقة، رحلت زها وبقيت أعمالها خالدة تخبر الأجيال القادمة عن عبقرية وأيقونة معمارية من الصعب تكرارها.
يقول المعماري البريطاني بيير غوف: "إنها أعظم أمرأة معمارية ليس في الزمن الحالي فحسب، ربما على مدار التاريخ كله". فمنذُ طفولتها وهي تهوى اللعب بالأشياء وقولبة الأشكال بما يناسب مزاجها ونظرتها الثلاثية لكل ما يحيط بها في هذا العالم، وكما تقول عنها جوليا بيتون جونز - رئيسة سيربينتاين غاليري في لندن – "لديها أسلوب ساحر، سواء كان أسلوبا ترسمهُ أو تلبسهُ أو أسلوبا تعيشهُ، لديها رؤية شاملة لكل الأشياء".
منذُ ولادتها في بغداد عام 1950 من عائلة عراقية عريقة، فوالدها السياسي العراقي المعروف "محمد حديد" الوزير السابق في العهد الجمهوري الأول. فتحت زها حديد عينيها على زمنين كبيرين الماضي والحاضر، فالماضي الذي يتجسد بحضارة عريقة تمتد جذورها لسبعة الآف سنة وتضم أيقونات معمارية خالدة كالجنائن البابلية المعلقة جنوب بغداد أو عمارة مئذنة الملوية شمال بغداد التي شيدت في الزمن العباسي، والزمن الحاضر الذي تسارعت وتيرة النمو فيه خصوصا بعد الانفتاح الكبير الذي شهدتهُ بغداد في أوساط الخمسينيات من القرن المنصرم، حيث كان تلاقي كبير ما بين الزمنين.
في تلك الحقبة المليئة بأرث التقاليد والتطلع والنمو السريع نحو المدنية الحديثة التي كانت تبحث عنها بغداد نشأت طفلة فضولية لا تتوقف عن طرح الأسئلة على والدتها طيلة النهار، وما أن يأتي والدها من العمل حتى تعاود طرح الأسئلة عليه لإشباع رغبتها في اكتشاف العالم. وكانت تقول عن ذلك "لقد اعتدت التجوال في الأرجاء طوال اليوم أطرح الأسئلة حتى تكون والدتي قد اكتفت من أسئلتي وما أن يأتي والدي حتى أعاود طرح أسئلتي عليه دون أن يضجر مني".
وأعتقد أن تلك أولى أشارات النبوغ والتفرد لديها حيث كانت تشغلها كل الأشياء التي تحيط بها لذلك تولد في داخلها الأسئلة لمعرفة ماهيتها وطبيعتها، ومن الأسباب التي ساعدت في نبوغها أبواها اللذان أسهما في رفد هذا التطلع بما يحتاج لهُ، أيضا من الأسباب الأخرى، أنها نمت في بيئة ومدينة كانت تُعد من أفضل عواصم الشرق الأوسط في النمو والتطور والريادة الثقافية والأدبية مع وجود البُعد الحضاري والحكومة الرشيدة آنذاك.
تقول زها حديد عن تلك الحقبة "نشأنا وسط تلك الأحداث، حيث كان اهتمام بالتعليم وأيضا اهتمام بالعمارة، باعتقادي عشنا زمنا مثيرا، نظر الى الهندسة المعمارية كوسيلة تستطيع بغداد من خلالها بناء هوية جديدة". تلك الحقبة شهدت جلب العديد من المعماريين العالميين من أمثال: فرانك لويد واين، وآالفار آلتو، لو كوربوزييه، وولتر جروبيوس. وقد شيد الأخير مبنى برج جامعة بغداد الشهير، كل ذلك شكل مصدر إلهام لهذه الطفلة وهي تجوب برفقة والديها مدينة بغداد وتشاهد من سطح بيتها هذه الأشكال وهي تتوزع وتتناثر على مسار نهر دجلة الخالد، الحرية والإيمان الذي وهبها والداها لها جعلها وهي في الثامنة والتاسعة من عمرها تبدأ بتشكيل وترتيب أثاث البيت وفق رؤيتها الساحرة للأشياء، لتقوم بترتيب غرفة عمتها وإحدى أقربائها. لذلك في سنتها الحادية عشرة تقول "إني أدركت طريقي لأكون معمارية".
غادرت زها حديد العراق لتدرس في الجامعة الأميركية في بيروت، وقد تخرجت منها سنة 1971 من قسم الرياضيات، وفي سنة 1972 وصلت لندن في الوقت الذي كانت تعاني منهُ هذه العاصمة من أزمة في الرؤى والأفكار المعمارية، وأنضمت الى "ذا أي أي" وهو "اتحاد معماريي لندن" الذي كان يُعد المكان الملهم الذي تنطلق منهُ الأفكار الجديدة والأكثر تطرفا في العالم من حيث الرؤى المعمارية للطلابها وأساتذتها، بدأت حياتها الدراسية في هذا المكان الذي كان يبحث عن بديل للتصاميم التي كانت تُعد مملة وتخلو من الإبداع، ليتم استبدالها وإيجاد حلول لتصاميم معمارية أكثر إلهاما وابتكارا، لذلك بدأ طلبة هذا المعهد بالتجريب.
كانت "زها حديد" رائدة التجريب، ولكنها اشتغلت على أفكارها وبمفردها فبينما ذهبت مجموعة من الطلاب لأقامة مزرعة في ويلز، وآخرون انشغلوا بتصميم باص بطريقة مبتكرة، أخذت زها تبحث عن طريقها بطرق أبواب الهيئات التدريسية لتظفر بمساندت أستاذها إيليا زنكلس ورم الذي قال عنها "منذَ الوهلة الأولى أدركت أن زها ستكون اسما يدون في تاريخ العمارة". وهما اللذان وجهاها نحو أعمال الفنان الروسي كازيمير ماليفيتش، وحركات السوبرماتية الروسية.
كانت هذه الرسوم والأعمال الفنية التي تتخذ من الأشكال الهندسية (كالمربع، والدائرة، والسمتقيم، والمستطيل وغيرها) أهم عناصر البناء في أعمال الفنان الروسي كازيمير ماليفيتش التي شكلت مصدر الهام للطريق المعماري الذي اتخذته زها فيما بعد، فظهرت أعمالها أقرب الى اللاواقع فيها شيء من الغرابة لأنها تعتمد الأسلوب التركيبي بأبعاد ثلاثية تبدو وكأنها الواح وأشكال هندسية قد شقت الأرض لتعانق الفضاء بجمالية رائعة، لم يكن الذوق العام في ثقافة المعمار قد اعتاد عليها. يقول عنها أستاذها (أيلي) زها رسامة بارعة وأنا حزين لأنها لم تعد ترسم كثيرا كما كانت".
إن أحد أسباب رفض بعض الشركات والمؤسسات من جعل تصاميم زها الحديد الفوز في تنفيذ المشاريع المطروحة، هو تلك النظرة القاصرة التي أعتقدتها بعض هذه المؤسسات وبعض النقاد من أن تصاميم زها غير قابلة للتنفيذ بسبب خروجها عن البناء المألوف واعتمادها على أسلوب البناء غير المنتظم الذي يعتمد على الحديد في التحمل والشد، واعتماد تصاميمها على الفضاءات السابحة بعيدا عن تأثير الجاذبية الأرضية، وهذا يعد جرأة ومغامرة في التصميم والبناء، بحيث شبّه عدد من النقاد تصاميمها بالسفن الفضائية السابحة.
ومع مرور الزمن برهنت زها أن تصاميمها قابلة للتنفيذ ونجد ذلك في محطة الحريق في المانيا ومتحف العلوم في شمال المانيا وجسر الجناح في أسبانيا وجسر الشيخ زايد في أبوظبي وهناك تصميم لدائر الأوبرة في دبي قيد التنفيذ الذي سيكون من أجمل التصاميم في العالم وغيرها من التصاميم العملاقة.
إن اكثر النقاد المعماريين يعدون زها حديد بأنها مهندسة معمارية سبقت عصرها بسنوات كثيرة وتكاد تكون لهذه اللحظة أعظم امرأة دخلت في مجال الهندسة المعمارية الذي كان حصرا على الرجال، فالناظر الى تصاميمها تعتريه الدهشة والانبهار من قدرة هذه المرأة من جعل مواد صلدة وليس فيها روح جمالية كالحديد والزجاج والإسمنت لتقوم بتحويله الى أجسام تكوينية وجمالية سابحة في الفضاء بعيدا عن قوانين الفيزياء والرياضيات المعروفة، فهي تقدم لنا درسا بليغا في قدرة الإنسان المبدع والمبتكر من خلق أشياء وأشكال تكوينية تتجاوز مخيلة الإنسان الذي أعتاد أن يرى الأشياء برتابة مكررة ليس فيها شيء خارج حدود المألوف.
إنها تبتكر الحدود غير المألوفة ولتعود بعد سنوات لتجتاز تلك الحدود الى معالم وأشكال فيها حس بصري وجمالي حاد وآخاذ للبصر والمخيلة الى أسئلة جديدة يطلقها عشاق فنها وطلابها وأساتذة الفن المعماري إلى أى مدى من الدهشة والابتكار تريد أن تصل بنا هذه الفنانة الرائعة، لقد خطفها الموت ولا يزال في فكرها ومخيلتها وقلبها المزيد من التصاميم والمشاريع العملاقة، رحلت زها وبقيت أعمالها خالدة تخبر الأجيال القادمة عن عبقرية وأيقونة معمارية من الصعب تكرارها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.