إن الحياة دائما في تغير مستمر؛ لذا فعلينا أن نستمتع بالأشياء التي تأتي إلينا في حياتنا. إننا لا نعتبر سوي حرس مؤقت لأشياء كثيرة أثناء مرورها في حياتنا. هل ينتابك إحساس بأن وجود شخص معين في المساحة ذاتها التي توجد أنت بها؟.. يسبب لك انقباضًا ويدفع جسدك للتوتر؟.. تري كم من نوعية تلك العلاقات في حياة كل واحدٍ منا؟.. كم من الأشخاص لنا معهم صلة، من أي نوعٍ كانت، لكن أرواحنا ترفض وجودهم في حياتنا؟.. كم من الأشخاص يثقلون علينا بحضورهم؟.. ولماذا يضطر الإنسان من الأساس إلي التعامل مع أشخاص لا يود معرفتهم أصلاً؟.. هل هي الحياة العصرية بكل مفرداتها التي تفرض نفسها علينا؟.. وكيف يمكن لإنسان في عصرنا الحالي أن يعيش دون "كراكيب" في روحه؟ مما لا شك فيه، أن مثل هذه المواقف تتكرر في حياتنا يوميا، لكننا نتجاهلها، في محاولة منا لتمرير الحدث بلا اي أثار، لكن يستمر الإحساس بالثقل يحيط بنا ويسلبنا الطاقة. هذا ما تؤكده الكاتبة الأمريكية كارين كينج ستون في كتابها "عبودية الكراكيب"، الصادر عن دار شرقيات، ومن ترجمة مروة هاشم. وهذا العنوان اختارته المترجمة لأنه من وجهة نظرها أنسب وأصدق عنوان يعبر عن مضمون وفكرة الكتاب، وقراءة السطور الأولي منه، توضح للقارئ أن المقصود ليس العبادة بمعناها الحرفي، ولكن مدي تحكم وسيطرة فكرة الاحتفاظ بالكراكيب والأشياء علي الإنسان مما يجعله مسلوب الإرادة. وفي هذا الكتاب تركز الباحثة علي الكراكيب بالجملة، الكراكيب المنزلية، كراكيب المكتب، والأهم الكراكيب النفسية، أو كما تسميها الكاتبة "كراكيب الروح"، التي يندرج تحتها عدد الأشخاص الذين نحتفظ بهم في حياتنا، ويثقلون ذاكرتنا، وفي واقع الأمر هم ليسوا أكثر من عوائق تسبب لنا إحساسا بالثقل والجمود. وتركز الكاتبة علي استخدام طريقة "الفينج شوي" الصينية، وهذه العبارة تعني "الرياح والهواء"، وتقوم هذه الفلسفة علي التركيز علي إيجاد التناغم بين الطاقة الكونية وطاقة الإنسان الداخلية، ومما يعيق تدفق هذه الطاقة وتفاعلها، وجود الكراكيب المادية والروحية التي تسد الطرق علي الإنسان وتمنعه من الرؤية بوضوح. عدة أسباب منها: الخوف، وعدم الثقة بأن الحياة ستمنحه الأفضل، والرغبة في تقليد الآخرين، وأيضا البخل.. إنها أحاسيس تدفع الشخص إلي تكديس الأشياء والأشخاص في حياته، خوفًا من الغد، وربما خوفًا من الوحدة أيضا. وفي مراهقتي، أذكر إحدي الصديقات التي كان في بيتهم غرفة كبيرة يطلقون عليها "غرفة الكراكيب"، غرفة معترف بها رسميا عندهم إذ يلقون فيها كل ما لا يحتاجون إليه، لكنها مع مرور الوقت تحولت إلي غرفة متضخمة ومرعبة، يستحيل العثور علي أي شيء مفيد فيها.. مثل هذه الغرف تتفاوت في وجودها عند العديد من الأشخاص، لكنها موجودة في النتيجة، وبأشكال مختلفة، قد تكون في درج المكتب الذي نجهل ما فيه، أو دولاب ملابس قديمة، أو حقائب مليئة بأوراق وأغراض بالية لن نستخدمها في أي حال من الأحوال. إن تفريغ المكان وإعادة خلق مساحات رحبة تسمح بدخول أشياء جديدة علي حياتنا، هو الغاية الأولي من هذا الكتاب، خاصة حين تؤكد الكاتبة علي فكرتها بالقول: "إن الحياة دائما في تغيير مستمر؛ لذا عليك أن تستمتع بالأشياء التي تأتي إليك في حياتك.. إنك لا تعتبر سوي حرس مؤقت لأشياء كثيرة أثناء مرورها في حياتك".