رفع كفاءة محيط الكنائس بالجيزة وتكثيف الخدمات خلال احتفالات عيد الميلاد    4 وزراء يتحدثون عن «معركة الوعى».. أدوار متكاملة لبناء الإنسان وحماية الدولة    انخفاض أسعار الذهب والفضة بعد زيادة متطلبات التداول العالمية    إعلام إسرائيلي: المصادقة على مخطط لبناء 509 وحدات استيطانية جديدة بالخليل    تشكيل الهلال أمام الخلود في الدوري السعودي    نقابة الإعلاميين تلغي تصريح مزاولة المهنة لمقدم برامج بسبب جريمة مخلة بالشرف    ضبط عامل أطلق أعيرة نارية احتفالًا بفوز مرشح فى انتخابات قنا    مصطفى عمار ل الستات: صحف ومواقع المتحدة تلتزم بالأكواد الأخلاقية والمهنية    كاريكاتير اليوم السابع يحيى ذكرى ميلاد كوكب الشرق أم كلثوم    قمار النت فى الأرياف    خالد الجندي: الله يُكلم كل عبد بلغته يوم القيامة.. فيديو    الإفتاء: إن التهنئة بالعام الجديد جائزة شرعًا    وزير الصحة يتابع تنفيذ خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد المجيد    وزير الصحة يتابع تنفيذ خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة    وكيل صحة الدقهلية يكشف ل"فيتو" خطة تأمين احتفالات رأس السنة وخريطة العيادات المتنقلة    تشكيل أمم إفريقيا - 9 تبديلات على الجزائر.. ونسوي يقود هجوم غينيا الاستوائية    خروج 69 ألفا من إسرائيل خلال 2025.. إحصاء للاحتلال يكشف التفاصيل    بشرى سارة لأهالي أبو المطامير: بدء تنفيذ مستشفي مركزي على مساحة 5 أفدنة    المحكمة العربية للتحكيم تطلق ملتقى الوعي الوطني لشباب الصعيد    جامعة العاصمة تنظم الاحتفالية السابعة للبحث العلمي لعام 2025    محافظ القليوبية يبحث إجراءات تحويل قرية القلج وتوابعها بمركز الخانكة إلى مدينة مستقلة    الحكم على 60 معلمًا بمدرسة بالقليوبية بتهمة ارتكاب مخالفات مالية وإدارية    محافظ المنيا يوجه برفع درجة الاستعداد لاستقبال أعياد رأس السنة وعيد الميلاد المجيد    إنجازات التجديف في 2025، ميدالية عالمية ومناصب دولية وإنجازات قارية    بيت الزكاة والصدقات يعلن دخول القافلة الإغاثية 13 لغزة عبر منفذ رفح فجر اليوم    محافظ المنيا يتابع تقرير قطاع مديرية الطرق والنقل لعام 2025    رئيس جامعة المنوفية يتابع امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية العلوم    مستشفى إبشواي المركزي بالفيوم يطلق مبادرة "المضاد الحيوي ليس حلا"    عاجل- مجلس الوزراء يوافق على تخصيص قطع أراضٍ للبيع بالدولار لشركات محلية وأجنبية    تعرف على سعر الدولار مقابل الجنيه فى البنوك    ذات يوم 31 ديسمبر 1915.. السلطان حسين كامل يستقبل الطالب طه حسين.. اتهامات لخطيب الجمعة بالكفر لإساءة استخدامه سورة "عبس وتولى" نفاقا للسلطان الذى قابل "الأعمى"    حصاد 2025| ألعاب صالات الزمالك تخرج بخفي حنين.. والطائرة تحفظ ماء الوجه    أبرز إيرادات دور العرض السينمائية أمس الثلاثاء    بنهاية 2025.. الاحتلال يسيطر على نحو 55% من مساحة غزة ويدمر 90% من البنية العمرانية في القطاع    تصعيد إسرائيلي شمال غزة يدفع العائلات الفلسطينية للنزوح من الحي الشعبي    مدبولي يوجه بسرعة الانتهاء من الأعمال المتبقية بمشروعات «حياة كريمة»    اجتماع مفاجئ بين الرئيس السيسي والقائد العام للقوات المسلحة    ننشر آخر تطورات سعر الذهب اليوم الأربعاء 31 ديسمبر .. عيار 24 ب6668 جنيها    محمود عباس: الدولة الفلسطينية المستقلة حقيقة حتمية وغزة ستعود إلى حضن الشرعية الوطنية    حصاد 2025| منتخب مصر يتأهل للمونديال ويتألق في أمم أفريقيا.. ووداع كأس العرب النقطة السلبية    وزارة الصحة: صرف الألبان العلاجية للمصابين بأمراض التمثيل الغذائى بالمجان    أمم إفريقيا - كاف يقرر تغريم قائد بوركينا فاسو بسبب تصريحاته ضد الحكام    «حافظ على نفسك»    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بحلول العام الميلادي الجديد    نور النبوى ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى على Watch it اليوم    المركز القومي للمسرح يطلق مبادرة 2026.. عام الفنانين المعاصرين    الإثنين.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مهرجان المسرح العربي    استهدف أمريكيين أصليين وخط مياه.. تفاصيل فيتو ترامب الأول بالولاية الثانية    القنوات المجانية الناقلة لمباراة الجزائر وغينيا الاستوائية في أمم أفريقيا    الأرصاد: طقس شديد البرودة صباحًا ومائل للدفء نهارًا    إصابة 8 عاملات في حادث انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي القاهرة–الإسكندرية بالبحيرة    رابط التقديم للطلاب في المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2026/2027.. يبدأ غدا    ضبط 150 كيلو لحوم وأحشاء غير صالحة للاستهلاك الآدمي ببنها    الرقابة المالية تقر تجديد وقيد 4 وكلاء مؤسسين بالأنشطة المالية غير المصرفية    عضو اتحاد الكرة: هاني أبوريدة أخرج أفضل نسخة من حسام حسن في أمم إفريقيا بالمغرب    محافظ أسيوط: عام 2025 شهد تقديم أكثر من 14 مليون خدمة طبية للمواطنين بالمحافظة    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصوص مهرجان فاس من قبضة الموت إلى ضمة الحياة
نشر في صوت البلد يوم 06 - 04 - 2016

اثنان وعشرون شاعرا عربيا يجتمعون في دارة الشعر المغربي برئاسة الشاعرة فاطمة بوهراكة، من خلال أحد إصدارات الدارة بمناسبة انعقاد مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري.
وقد اختارت بوهراكة عنوان "نصوص على عتبات مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري" ليكون اسما لهذا الكتاب الذي يوثق لبعض مشاركات الشعراء الذين حضروا هذه الدورة، رغم اعتذار أو عدم حضور بعضهم، إلا أن شعرهم قد ناب عنهم بالحضور في ذلك الكتاب الذي تُرجمت قصائده ال 22 إلى اللغة الإسبانية، عن طريق المترجمة المغربية ميساء بونو.
تنوعت القصائد بين طول وقصر، وفصحى وعامية، وعمودية وتفعيلية ونثر، وأنثوية وذكورية، لتكون جميعها مرايا لحال ومستوى راهن القصيدة العربية المعاصرة.
تقول الشاعرة العراقية خالدة خليل (التي حملت الدورة السادسة للمهرجان اسمها) في قصيدة بعنوان "معلقة عند تخوم الحب":
هاتِ الكأس
واشربي نخب كوارثنا القادمة
ولك أن تلتفي بملاءة هزائمك
خذيني
فما جدوى جناح يتيم
وحفيف تأمل
وتلامس خليل في قصيدتها الهم العراقي بخاصة والعربي المعاصر بعامة قائلة:
وانثري فوقي شقائق القلق
وانت تعمديني بالدعة يا أعاصير الخراب!
خذوني
ما دامت عين البغي عوراء
ولا تسألوني
عن جنود خوف
كيف حاصرتني
خذوني
فما قبضة الموت أقسى
من ضمة الحياة
لم ترتب فاطمة بوهراكة قصائد الديوان أو أسماء الشعراء ترتيبا معجميا أو قاموسيا، ولكنها ذكرت أن "ترتيب النصوص حسب مبادرة الشاعرة في إرسالها لنا".
أما الشاعر السعودي د. أحمد قران الزهراني فيقول في قصيدته "لا تجرح الماء" (على تفعيلة المتقارب)، وهو عنوان يحمل اسم ديوانه الأخير:
كتبت لها في المساء مواقيت للسحر
أن علميني الصلاةَ على الماء
ضمي ترابَ يديَّ إلى راحتيك
لكي تستعيدي تقاسيم وجهي
لنكتشف في نهاية قصيدته أن العشيقة - سواء كانت الأنثى أو الوطن أو الأنثى/الوطن - ما هي إلا ضدان .. شحٌّ وجود. ومن هنا يأتي هذا الجدل الشعري الذي يتصاعد في القصيدة.
ومن الكويت تأتي الشاعرة الجوهرة القويضي عبر "سلسلة حروف" تجسد بها رمادية العالم، فحدود المكان سواد يعيد صياغة عالم رمادي اللون.
ومن فلسطين تتساءل الشاعرة د. نعيمة حسن "أنا من؟" من خلال بحر الكامل قائلة:
أنا من أكون؟ سألتَني ولطالما ** علمتُ ظلَّك كيف يأتي مُرغما
ولطالما أسَّست فيكَ ممالكي ** وصحبتني ظلا شريدا أبكما
الآن أرسم صرختي بأناملي ** وأشيد زلزال الحقيقة مرسما
وكأنها تتساءل عن كينونتنا جميعا بعد توالي الهزائم والخراب الذي يعم وطننا العربي منذ ضياع فلسطين وحتى الآن، وفي تأويل آخر تتساءل عن كينونة الأنثى التي تصرخ في وجه الرجل كي يحررها من قيوده التي كبلها بها على مدى القرون السابقة، محذرة إياه بقولها:
لن تشرب الكأسَ القديمة مرةً ** أخرى فقد ماتت خرافات الدمى
ومن سلطنة عمان يأتي صوت الشاعرة د. سعيدة بنت خاطر الفارسي عبر قصيدتها "اقتناص" التي تتضح فيها بنية الصراع للفوز بالجوهرة التي تنجح بالفعل في اقتناصها، وتقول:
بين سمائين أكمن لاقتناصها
الصائدون كثر
وهي تمعن في التمنع والاختباء
ومن خلال أفعال المضارعة: (أعصر، أرجُّ، ألمس، أقطف، يساقط، يتهيأ، يتشكل، يكتمل، ..) تنجح الشاعرة في اقتناص جوهرتها لتغلق بذلك صراعا مريرا مع الوجود والحياة والزمن، وتترك لنا باب التأويل والتفسير مفتوحا على مصراعيه حول هذه الجوهرة التي اقتنصتها الشاعرة.
الشاعر د. يحيى عمارة من المغرب لا يزال يملك القدرة على الحلم والتفاؤل وتغيير ترتيب الأشياء وفقا لرؤيته قائلا:
لا تقلقوا
فأنا من سلالة روح
تطير وشاحا مع الريح
عند الخريف
كي أرتب قلب الشجر
كي أغير مجرى الحجر
كي أعانق حلم البشر
ليؤكد بذلك على أن الإنسان مهما واجهته الظروف والمحن والأعاصير والهزائم فإنه قادر على صناعة النصر ومرافقة التفاؤل ومعانقة أحلام البشر.
أما الشاعرة المغربية أمينة المريني فهي تهرِّب في دمها عشقا، وتعانق في قصيدتها "خروج" أحوال الصوفية، وخاصة الحلاج، وتتخذ من الأضداد والمفارقات بوحا شعريا رهيفا:
أعيش متى متُّ
وللحلاج ما يهوى
حبيب عنده الموتُ
وإلى بوح صوفي آخر في قصيدة "فكر لي فأنا لا أفهم" للشاعر المغربي د. أحمد مفدي المحشور في زاوية الوجد، والمتسلل مخفيا في غيمة إسراء، ومنها إلى قصيدة "لا يا أستاذ" للشاعر الجزائري عمار مرياش الذي يعترف أنه حين يضيق الشاعر أحيانا تكبر في عينيه الذات، ونجد في قصيدته حوارا بين تلميذ أو تلميذة وأستاذها موضحة له قولها:
أنت تعلمني الأسماء فأنسى
أرني الأشياء ودعني أتعلم
لينقض بذلك البيت المعروف لأحمد شوقي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا
هنا المعلم (أو الأستاذ) عند مرياش في موقف مغاير حيث يتلقى الرفض ثم النصيحة من تلاميذه:
لا يا أستاذ
أنت تطالبني بالحفظ
وإني أحفظ كالببغاء ولا أفهم
أما في قصيدة "شهوة بقطعة ونصف" للشاعر المغربي د. عبدالرحيم أبوصفاء، فيبرز التناص الديني في قوله:
رأس يشرب بحرَه
يتبرزخ فيه نصان لا يبغيان
وكأن النص بحر يشربه الرأس، وكم كان الفعل "يتبرزخ" جميلا ومعبرا في هذا المكان، وهو فعل مشتق من كلمة "البرزخ" التي تعني الفترة الزمنية ما بعد الموت وحتى يوم القيامة، وفقا للتصور الإسلامي.
أما الشاعر الإماراتي د. طلال الجنيبي فقصيدته "زماني" قصيدة عمودية من بحر الوافر، ولكنه نثرها على هيئة الشكل التفعيلي، وبها نوع من التحليق الذي يفضي إلى الأمان، وإلى وطن توضأ من شعاع، وهي رؤية شعرية تخالف ما وجدناه عند بعض شعرائنا في هذا الكتاب من توتر وهموم وأحزان ومصائب وسواد وصور الموت المنتشرة في كل مكان والشعور بعدم الأمان.
وأعتقد أن الرؤية نفسها لدى الشاعرة المغربية د. ثريا ماجدولين حيث يطير الشاعر إلى غده العسلي يحمل قميص المحبة تفاحةً لأميرته المشتهاة، ولنعيد القراءة من أول القصيدة لنجد أن:
ثمة شاعر
ينفض ذاكرته على حاشية النهر
يبدّل حاضرا أنهكته الثقوب
بجناحي فراشة.
فالأمل موجود والفرح موجود والغد العسلي يتمدد أمام الشاعر، وشتان بين هذا التعبير وتلك الرؤية، وما لاحظناه عند الشاعر السعودي عبدالوهاب العريض والتي تحمل عنوان "انكسارات يومية" حيث لا يزال الباب موصدا والنوافذ تحرك غبارها بالسكون.
بينما يحلق الشاعر العراقي أديب جلكي في عالم العشق السرمدي فلا خلاص منه نهائيا، بل إن الأرض والسماء تبكيان عندما تسقط الأوراق الصفراء أثناء مداهمة الخريف لجنان الحب والعشق، وهو يقدم لنا قصيدته "ينبوع العشق" على شكل رباعيات غزلية يقول في إحداها:
يا ذات الشعر الذهبي
وأجمل القدود
شفتاك ينبوع عشق
متى سنغرف منه
خمر الخلود؟
وتذكرني قصيدة "شهد العمر" للشاعر المغربي د. جمال بوطيب بالموشحات الأندلسية وخاصة في قوله:
حلقة في الورى
حبها ما أرى
حبها إن سرى
في أواني الكرى
يحتسى دمعه
أما الشاعر المغربي عبدالكريم الوزاني فقد أهدى مشاركته الى الشاعرة العراقية خالدة خليل قائلا في بعض أبياته من بحر الطويل:
عراقية الأعطاف سومارية الهوى ** تسابيحها بالشفع يحلو به الوتر
فحطت على فاس مجرةَ رحلها ** كما حطّ في دير القساوسة الدير
كأن ضياء النجم حول محيطه ** تحاشى مداريه التسلسل والدَّوْر
وأنا أدرك تماما أن ما ورد في الكتاب ما هو إلا قصائد قصيرة، أو مقتطقات من قصائد، غير أن قطرة البحر في تحليلها قد تدل على البحر.
اثنان وعشرون شاعرا عربيا يجتمعون في دارة الشعر المغربي برئاسة الشاعرة فاطمة بوهراكة، من خلال أحد إصدارات الدارة بمناسبة انعقاد مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري.
وقد اختارت بوهراكة عنوان "نصوص على عتبات مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري" ليكون اسما لهذا الكتاب الذي يوثق لبعض مشاركات الشعراء الذين حضروا هذه الدورة، رغم اعتذار أو عدم حضور بعضهم، إلا أن شعرهم قد ناب عنهم بالحضور في ذلك الكتاب الذي تُرجمت قصائده ال 22 إلى اللغة الإسبانية، عن طريق المترجمة المغربية ميساء بونو.
تنوعت القصائد بين طول وقصر، وفصحى وعامية، وعمودية وتفعيلية ونثر، وأنثوية وذكورية، لتكون جميعها مرايا لحال ومستوى راهن القصيدة العربية المعاصرة.
تقول الشاعرة العراقية خالدة خليل (التي حملت الدورة السادسة للمهرجان اسمها) في قصيدة بعنوان "معلقة عند تخوم الحب":
هاتِ الكأس
واشربي نخب كوارثنا القادمة
ولك أن تلتفي بملاءة هزائمك
خذيني
فما جدوى جناح يتيم
وحفيف تأمل
وتلامس خليل في قصيدتها الهم العراقي بخاصة والعربي المعاصر بعامة قائلة:
وانثري فوقي شقائق القلق
وانت تعمديني بالدعة يا أعاصير الخراب!
خذوني
ما دامت عين البغي عوراء
ولا تسألوني
عن جنود خوف
كيف حاصرتني
خذوني
فما قبضة الموت أقسى
من ضمة الحياة
لم ترتب فاطمة بوهراكة قصائد الديوان أو أسماء الشعراء ترتيبا معجميا أو قاموسيا، ولكنها ذكرت أن "ترتيب النصوص حسب مبادرة الشاعرة في إرسالها لنا".
أما الشاعر السعودي د. أحمد قران الزهراني فيقول في قصيدته "لا تجرح الماء" (على تفعيلة المتقارب)، وهو عنوان يحمل اسم ديوانه الأخير:
كتبت لها في المساء مواقيت للسحر
أن علميني الصلاةَ على الماء
ضمي ترابَ يديَّ إلى راحتيك
لكي تستعيدي تقاسيم وجهي
لنكتشف في نهاية قصيدته أن العشيقة - سواء كانت الأنثى أو الوطن أو الأنثى/الوطن - ما هي إلا ضدان .. شحٌّ وجود. ومن هنا يأتي هذا الجدل الشعري الذي يتصاعد في القصيدة.
ومن الكويت تأتي الشاعرة الجوهرة القويضي عبر "سلسلة حروف" تجسد بها رمادية العالم، فحدود المكان سواد يعيد صياغة عالم رمادي اللون.
ومن فلسطين تتساءل الشاعرة د. نعيمة حسن "أنا من؟" من خلال بحر الكامل قائلة:
أنا من أكون؟ سألتَني ولطالما ** علمتُ ظلَّك كيف يأتي مُرغما
ولطالما أسَّست فيكَ ممالكي ** وصحبتني ظلا شريدا أبكما
الآن أرسم صرختي بأناملي ** وأشيد زلزال الحقيقة مرسما
وكأنها تتساءل عن كينونتنا جميعا بعد توالي الهزائم والخراب الذي يعم وطننا العربي منذ ضياع فلسطين وحتى الآن، وفي تأويل آخر تتساءل عن كينونة الأنثى التي تصرخ في وجه الرجل كي يحررها من قيوده التي كبلها بها على مدى القرون السابقة، محذرة إياه بقولها:
لن تشرب الكأسَ القديمة مرةً ** أخرى فقد ماتت خرافات الدمى
ومن سلطنة عمان يأتي صوت الشاعرة د. سعيدة بنت خاطر الفارسي عبر قصيدتها "اقتناص" التي تتضح فيها بنية الصراع للفوز بالجوهرة التي تنجح بالفعل في اقتناصها، وتقول:
بين سمائين أكمن لاقتناصها
الصائدون كثر
وهي تمعن في التمنع والاختباء
ومن خلال أفعال المضارعة: (أعصر، أرجُّ، ألمس، أقطف، يساقط، يتهيأ، يتشكل، يكتمل، ..) تنجح الشاعرة في اقتناص جوهرتها لتغلق بذلك صراعا مريرا مع الوجود والحياة والزمن، وتترك لنا باب التأويل والتفسير مفتوحا على مصراعيه حول هذه الجوهرة التي اقتنصتها الشاعرة.
الشاعر د. يحيى عمارة من المغرب لا يزال يملك القدرة على الحلم والتفاؤل وتغيير ترتيب الأشياء وفقا لرؤيته قائلا:
لا تقلقوا
فأنا من سلالة روح
تطير وشاحا مع الريح
عند الخريف
كي أرتب قلب الشجر
كي أغير مجرى الحجر
كي أعانق حلم البشر
ليؤكد بذلك على أن الإنسان مهما واجهته الظروف والمحن والأعاصير والهزائم فإنه قادر على صناعة النصر ومرافقة التفاؤل ومعانقة أحلام البشر.
أما الشاعرة المغربية أمينة المريني فهي تهرِّب في دمها عشقا، وتعانق في قصيدتها "خروج" أحوال الصوفية، وخاصة الحلاج، وتتخذ من الأضداد والمفارقات بوحا شعريا رهيفا:
أعيش متى متُّ
وللحلاج ما يهوى
حبيب عنده الموتُ
وإلى بوح صوفي آخر في قصيدة "فكر لي فأنا لا أفهم" للشاعر المغربي د. أحمد مفدي المحشور في زاوية الوجد، والمتسلل مخفيا في غيمة إسراء، ومنها إلى قصيدة "لا يا أستاذ" للشاعر الجزائري عمار مرياش الذي يعترف أنه حين يضيق الشاعر أحيانا تكبر في عينيه الذات، ونجد في قصيدته حوارا بين تلميذ أو تلميذة وأستاذها موضحة له قولها:
أنت تعلمني الأسماء فأنسى
أرني الأشياء ودعني أتعلم
لينقض بذلك البيت المعروف لأحمد شوقي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا
هنا المعلم (أو الأستاذ) عند مرياش في موقف مغاير حيث يتلقى الرفض ثم النصيحة من تلاميذه:
لا يا أستاذ
أنت تطالبني بالحفظ
وإني أحفظ كالببغاء ولا أفهم
أما في قصيدة "شهوة بقطعة ونصف" للشاعر المغربي د. عبدالرحيم أبوصفاء، فيبرز التناص الديني في قوله:
رأس يشرب بحرَه
يتبرزخ فيه نصان لا يبغيان
وكأن النص بحر يشربه الرأس، وكم كان الفعل "يتبرزخ" جميلا ومعبرا في هذا المكان، وهو فعل مشتق من كلمة "البرزخ" التي تعني الفترة الزمنية ما بعد الموت وحتى يوم القيامة، وفقا للتصور الإسلامي.
أما الشاعر الإماراتي د. طلال الجنيبي فقصيدته "زماني" قصيدة عمودية من بحر الوافر، ولكنه نثرها على هيئة الشكل التفعيلي، وبها نوع من التحليق الذي يفضي إلى الأمان، وإلى وطن توضأ من شعاع، وهي رؤية شعرية تخالف ما وجدناه عند بعض شعرائنا في هذا الكتاب من توتر وهموم وأحزان ومصائب وسواد وصور الموت المنتشرة في كل مكان والشعور بعدم الأمان.
وأعتقد أن الرؤية نفسها لدى الشاعرة المغربية د. ثريا ماجدولين حيث يطير الشاعر إلى غده العسلي يحمل قميص المحبة تفاحةً لأميرته المشتهاة، ولنعيد القراءة من أول القصيدة لنجد أن:
ثمة شاعر
ينفض ذاكرته على حاشية النهر
يبدّل حاضرا أنهكته الثقوب
بجناحي فراشة.
فالأمل موجود والفرح موجود والغد العسلي يتمدد أمام الشاعر، وشتان بين هذا التعبير وتلك الرؤية، وما لاحظناه عند الشاعر السعودي عبدالوهاب العريض والتي تحمل عنوان "انكسارات يومية" حيث لا يزال الباب موصدا والنوافذ تحرك غبارها بالسكون.
بينما يحلق الشاعر العراقي أديب جلكي في عالم العشق السرمدي فلا خلاص منه نهائيا، بل إن الأرض والسماء تبكيان عندما تسقط الأوراق الصفراء أثناء مداهمة الخريف لجنان الحب والعشق، وهو يقدم لنا قصيدته "ينبوع العشق" على شكل رباعيات غزلية يقول في إحداها:
يا ذات الشعر الذهبي
وأجمل القدود
شفتاك ينبوع عشق
متى سنغرف منه
خمر الخلود؟
وتذكرني قصيدة "شهد العمر" للشاعر المغربي د. جمال بوطيب بالموشحات الأندلسية وخاصة في قوله:
حلقة في الورى
حبها ما أرى
حبها إن سرى
في أواني الكرى
يحتسى دمعه
أما الشاعر المغربي عبدالكريم الوزاني فقد أهدى مشاركته الى الشاعرة العراقية خالدة خليل قائلا في بعض أبياته من بحر الطويل:
عراقية الأعطاف سومارية الهوى ** تسابيحها بالشفع يحلو به الوتر
فحطت على فاس مجرةَ رحلها ** كما حطّ في دير القساوسة الدير
كأن ضياء النجم حول محيطه ** تحاشى مداريه التسلسل والدَّوْر
وأنا أدرك تماما أن ما ورد في الكتاب ما هو إلا قصائد قصيرة، أو مقتطقات من قصائد، غير أن قطرة البحر في تحليلها قد تدل على البحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.