عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل    ممنوع حيازة أو تخزين الذهب.. قرارات نارية من لجنة الطوارئ الاقتصادية بالسودان والشعبة ترد    ترامب: قد أدعو بوتين لحضور كأس العالم 2026 في الولايات المتحدة    ليس بطلًا.. بل «مجرم حرب»    كندا تتراجع عن الرسوم الجمركية العقابية على السلع الأمريكية    ترامب: الوضع الراهن في غزة يجب أن ينتهي    بوين يقود هجوم وست هام ضد تشيلسي في الدوري الإنجليزي الممتاز    مسرح UArena يستعد لاستقبال حفل ويجز بعد قليل فى مهرجان العلمين    إسلام عفيفى يكتب: الصفقات المرفوضة وتحالفات الضرورة    سِباق مع الزمن    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    تفاصيل مران الزمالك استعدادًا لمواجهة فاركو.. تدريبات استشفائية للأساسين    مدرب توتنهام: لا مكان لمن لا يريد ارتداء شعارنا    التعادل السلبي يحسم مباراة السكة الحديد مع الترسانة في دوري المحترفين    خسارة سيدات الطائرة أمام صاحب الأرض ببطولة العالم بتايلاند    كرة طائرة - منتخب مصر يخسر أمام تايلاند في افتتاح بطولة العالم سيدات    غلق 3 منشآت غذائية في حملة للطب الوقائي بكفر الشيخ (صور)    خسائر فادحة.. حريق هائل يلتهم مخازن أخشاب بالإسماعيلية والحماية المدنية تحاول السيطرة    رواية مختلقة.. وزارة الداخلية تكشف حقيقة تعدي شخص على جارته    موقف بطولي على قضبان السكة الحديد.. إنقاذ شاب من الموت تحت عجلات القطار بمزلقان الغمراوي ببني سويف    الإيجار القديم والبكالوريا والأحزاب.. وزير الشؤون النيابية يوضح مواقف الحكومة    افتتاح كلية البنات فرع جامعة الأزهر فى مطروح    حسام حبيب ينفي عودته ل شيرين عبد الوهاب: "شائعات هقاضي اللي طلعها"    الوادي الجديد تطلق منصة إلكترونية للترويج السياحي والحرف اليدوية    صراع الخير والشر في عرض مدينة الأحلام بالمهرجان الختامي لشرائح ونوادي مسرح الطفل    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    الماتشا تخفض الكوليسترول الضار - حقيقة أم خرافة؟    لغة لا تساوى وزنها علفًا    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    «حماة الوطن» ينظم حلقة نقاشية حول تعديل قانون الرياضة    بعد مداهمة وكر التسول.. حملات مكثفة لغلق فتحات الكباري بالجيزة| صور    محمود فوزي: الحكومة جادة في تطبيق قانون الإيجار القديم وحماية الفئات الضعيفة    المجاعة تهدد نصف مليون في غزة.. كيف يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل؟    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    «التنظيم والإدارة» يعلن توقف الامتحانات بمركز تقييم القدرات.. لهذا السبب    نجاح عملية دقيقة لاستئصال ورم بالمخ وقاع الجمجمة بمستشفى العامرية العام بالإسكندرية    عميد طب القصر العيني يتابع جاهزية البنية التحتية استعدادًا لانطلاق العام الدراسي    لمرضى السكري - اعتاد على تناول زبدة الفول السوداني في هذا التوقيت    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    "درويش" يحقق قفزة كبيرة ويتخطى 20 مليون جنيه في 9 أيام    الكشف الطبى على 276 مريضا من أهالى قرى البنجر فى قافلة مجانية بالإسكندرية    رئيس جهاز القرى السياحية يلتقي البابا تواضروس الثاني بالعلمين (صور)    المقاومة العراقية تطالب بالانسحاب الحقيقي للقوات الأمريكية من العراق    بالأرقام.. الأمن الاقتصادي يضبط آلاف القضايا خلال 24 ساعة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    وزير الثقافة يستقبل وفد الموهوبين ببرنامج «اكتشاف الأبطال» من قرى «حياة كريمة»    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    الاقتصاد المصرى يتعافى    الداخلية تكشف تفاصيل اقتحام منزل والتعدي على أسرة بالغربية    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصوص مهرجان فاس من قبضة الموت إلى ضمة الحياة
نشر في صوت البلد يوم 06 - 04 - 2016

اثنان وعشرون شاعرا عربيا يجتمعون في دارة الشعر المغربي برئاسة الشاعرة فاطمة بوهراكة، من خلال أحد إصدارات الدارة بمناسبة انعقاد مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري.
وقد اختارت بوهراكة عنوان "نصوص على عتبات مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري" ليكون اسما لهذا الكتاب الذي يوثق لبعض مشاركات الشعراء الذين حضروا هذه الدورة، رغم اعتذار أو عدم حضور بعضهم، إلا أن شعرهم قد ناب عنهم بالحضور في ذلك الكتاب الذي تُرجمت قصائده ال 22 إلى اللغة الإسبانية، عن طريق المترجمة المغربية ميساء بونو.
تنوعت القصائد بين طول وقصر، وفصحى وعامية، وعمودية وتفعيلية ونثر، وأنثوية وذكورية، لتكون جميعها مرايا لحال ومستوى راهن القصيدة العربية المعاصرة.
تقول الشاعرة العراقية خالدة خليل (التي حملت الدورة السادسة للمهرجان اسمها) في قصيدة بعنوان "معلقة عند تخوم الحب":
هاتِ الكأس
واشربي نخب كوارثنا القادمة
ولك أن تلتفي بملاءة هزائمك
خذيني
فما جدوى جناح يتيم
وحفيف تأمل
وتلامس خليل في قصيدتها الهم العراقي بخاصة والعربي المعاصر بعامة قائلة:
وانثري فوقي شقائق القلق
وانت تعمديني بالدعة يا أعاصير الخراب!
خذوني
ما دامت عين البغي عوراء
ولا تسألوني
عن جنود خوف
كيف حاصرتني
خذوني
فما قبضة الموت أقسى
من ضمة الحياة
لم ترتب فاطمة بوهراكة قصائد الديوان أو أسماء الشعراء ترتيبا معجميا أو قاموسيا، ولكنها ذكرت أن "ترتيب النصوص حسب مبادرة الشاعرة في إرسالها لنا".
أما الشاعر السعودي د. أحمد قران الزهراني فيقول في قصيدته "لا تجرح الماء" (على تفعيلة المتقارب)، وهو عنوان يحمل اسم ديوانه الأخير:
كتبت لها في المساء مواقيت للسحر
أن علميني الصلاةَ على الماء
ضمي ترابَ يديَّ إلى راحتيك
لكي تستعيدي تقاسيم وجهي
لنكتشف في نهاية قصيدته أن العشيقة - سواء كانت الأنثى أو الوطن أو الأنثى/الوطن - ما هي إلا ضدان .. شحٌّ وجود. ومن هنا يأتي هذا الجدل الشعري الذي يتصاعد في القصيدة.
ومن الكويت تأتي الشاعرة الجوهرة القويضي عبر "سلسلة حروف" تجسد بها رمادية العالم، فحدود المكان سواد يعيد صياغة عالم رمادي اللون.
ومن فلسطين تتساءل الشاعرة د. نعيمة حسن "أنا من؟" من خلال بحر الكامل قائلة:
أنا من أكون؟ سألتَني ولطالما ** علمتُ ظلَّك كيف يأتي مُرغما
ولطالما أسَّست فيكَ ممالكي ** وصحبتني ظلا شريدا أبكما
الآن أرسم صرختي بأناملي ** وأشيد زلزال الحقيقة مرسما
وكأنها تتساءل عن كينونتنا جميعا بعد توالي الهزائم والخراب الذي يعم وطننا العربي منذ ضياع فلسطين وحتى الآن، وفي تأويل آخر تتساءل عن كينونة الأنثى التي تصرخ في وجه الرجل كي يحررها من قيوده التي كبلها بها على مدى القرون السابقة، محذرة إياه بقولها:
لن تشرب الكأسَ القديمة مرةً ** أخرى فقد ماتت خرافات الدمى
ومن سلطنة عمان يأتي صوت الشاعرة د. سعيدة بنت خاطر الفارسي عبر قصيدتها "اقتناص" التي تتضح فيها بنية الصراع للفوز بالجوهرة التي تنجح بالفعل في اقتناصها، وتقول:
بين سمائين أكمن لاقتناصها
الصائدون كثر
وهي تمعن في التمنع والاختباء
ومن خلال أفعال المضارعة: (أعصر، أرجُّ، ألمس، أقطف، يساقط، يتهيأ، يتشكل، يكتمل، ..) تنجح الشاعرة في اقتناص جوهرتها لتغلق بذلك صراعا مريرا مع الوجود والحياة والزمن، وتترك لنا باب التأويل والتفسير مفتوحا على مصراعيه حول هذه الجوهرة التي اقتنصتها الشاعرة.
الشاعر د. يحيى عمارة من المغرب لا يزال يملك القدرة على الحلم والتفاؤل وتغيير ترتيب الأشياء وفقا لرؤيته قائلا:
لا تقلقوا
فأنا من سلالة روح
تطير وشاحا مع الريح
عند الخريف
كي أرتب قلب الشجر
كي أغير مجرى الحجر
كي أعانق حلم البشر
ليؤكد بذلك على أن الإنسان مهما واجهته الظروف والمحن والأعاصير والهزائم فإنه قادر على صناعة النصر ومرافقة التفاؤل ومعانقة أحلام البشر.
أما الشاعرة المغربية أمينة المريني فهي تهرِّب في دمها عشقا، وتعانق في قصيدتها "خروج" أحوال الصوفية، وخاصة الحلاج، وتتخذ من الأضداد والمفارقات بوحا شعريا رهيفا:
أعيش متى متُّ
وللحلاج ما يهوى
حبيب عنده الموتُ
وإلى بوح صوفي آخر في قصيدة "فكر لي فأنا لا أفهم" للشاعر المغربي د. أحمد مفدي المحشور في زاوية الوجد، والمتسلل مخفيا في غيمة إسراء، ومنها إلى قصيدة "لا يا أستاذ" للشاعر الجزائري عمار مرياش الذي يعترف أنه حين يضيق الشاعر أحيانا تكبر في عينيه الذات، ونجد في قصيدته حوارا بين تلميذ أو تلميذة وأستاذها موضحة له قولها:
أنت تعلمني الأسماء فأنسى
أرني الأشياء ودعني أتعلم
لينقض بذلك البيت المعروف لأحمد شوقي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا
هنا المعلم (أو الأستاذ) عند مرياش في موقف مغاير حيث يتلقى الرفض ثم النصيحة من تلاميذه:
لا يا أستاذ
أنت تطالبني بالحفظ
وإني أحفظ كالببغاء ولا أفهم
أما في قصيدة "شهوة بقطعة ونصف" للشاعر المغربي د. عبدالرحيم أبوصفاء، فيبرز التناص الديني في قوله:
رأس يشرب بحرَه
يتبرزخ فيه نصان لا يبغيان
وكأن النص بحر يشربه الرأس، وكم كان الفعل "يتبرزخ" جميلا ومعبرا في هذا المكان، وهو فعل مشتق من كلمة "البرزخ" التي تعني الفترة الزمنية ما بعد الموت وحتى يوم القيامة، وفقا للتصور الإسلامي.
أما الشاعر الإماراتي د. طلال الجنيبي فقصيدته "زماني" قصيدة عمودية من بحر الوافر، ولكنه نثرها على هيئة الشكل التفعيلي، وبها نوع من التحليق الذي يفضي إلى الأمان، وإلى وطن توضأ من شعاع، وهي رؤية شعرية تخالف ما وجدناه عند بعض شعرائنا في هذا الكتاب من توتر وهموم وأحزان ومصائب وسواد وصور الموت المنتشرة في كل مكان والشعور بعدم الأمان.
وأعتقد أن الرؤية نفسها لدى الشاعرة المغربية د. ثريا ماجدولين حيث يطير الشاعر إلى غده العسلي يحمل قميص المحبة تفاحةً لأميرته المشتهاة، ولنعيد القراءة من أول القصيدة لنجد أن:
ثمة شاعر
ينفض ذاكرته على حاشية النهر
يبدّل حاضرا أنهكته الثقوب
بجناحي فراشة.
فالأمل موجود والفرح موجود والغد العسلي يتمدد أمام الشاعر، وشتان بين هذا التعبير وتلك الرؤية، وما لاحظناه عند الشاعر السعودي عبدالوهاب العريض والتي تحمل عنوان "انكسارات يومية" حيث لا يزال الباب موصدا والنوافذ تحرك غبارها بالسكون.
بينما يحلق الشاعر العراقي أديب جلكي في عالم العشق السرمدي فلا خلاص منه نهائيا، بل إن الأرض والسماء تبكيان عندما تسقط الأوراق الصفراء أثناء مداهمة الخريف لجنان الحب والعشق، وهو يقدم لنا قصيدته "ينبوع العشق" على شكل رباعيات غزلية يقول في إحداها:
يا ذات الشعر الذهبي
وأجمل القدود
شفتاك ينبوع عشق
متى سنغرف منه
خمر الخلود؟
وتذكرني قصيدة "شهد العمر" للشاعر المغربي د. جمال بوطيب بالموشحات الأندلسية وخاصة في قوله:
حلقة في الورى
حبها ما أرى
حبها إن سرى
في أواني الكرى
يحتسى دمعه
أما الشاعر المغربي عبدالكريم الوزاني فقد أهدى مشاركته الى الشاعرة العراقية خالدة خليل قائلا في بعض أبياته من بحر الطويل:
عراقية الأعطاف سومارية الهوى ** تسابيحها بالشفع يحلو به الوتر
فحطت على فاس مجرةَ رحلها ** كما حطّ في دير القساوسة الدير
كأن ضياء النجم حول محيطه ** تحاشى مداريه التسلسل والدَّوْر
وأنا أدرك تماما أن ما ورد في الكتاب ما هو إلا قصائد قصيرة، أو مقتطقات من قصائد، غير أن قطرة البحر في تحليلها قد تدل على البحر.
اثنان وعشرون شاعرا عربيا يجتمعون في دارة الشعر المغربي برئاسة الشاعرة فاطمة بوهراكة، من خلال أحد إصدارات الدارة بمناسبة انعقاد مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري.
وقد اختارت بوهراكة عنوان "نصوص على عتبات مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري" ليكون اسما لهذا الكتاب الذي يوثق لبعض مشاركات الشعراء الذين حضروا هذه الدورة، رغم اعتذار أو عدم حضور بعضهم، إلا أن شعرهم قد ناب عنهم بالحضور في ذلك الكتاب الذي تُرجمت قصائده ال 22 إلى اللغة الإسبانية، عن طريق المترجمة المغربية ميساء بونو.
تنوعت القصائد بين طول وقصر، وفصحى وعامية، وعمودية وتفعيلية ونثر، وأنثوية وذكورية، لتكون جميعها مرايا لحال ومستوى راهن القصيدة العربية المعاصرة.
تقول الشاعرة العراقية خالدة خليل (التي حملت الدورة السادسة للمهرجان اسمها) في قصيدة بعنوان "معلقة عند تخوم الحب":
هاتِ الكأس
واشربي نخب كوارثنا القادمة
ولك أن تلتفي بملاءة هزائمك
خذيني
فما جدوى جناح يتيم
وحفيف تأمل
وتلامس خليل في قصيدتها الهم العراقي بخاصة والعربي المعاصر بعامة قائلة:
وانثري فوقي شقائق القلق
وانت تعمديني بالدعة يا أعاصير الخراب!
خذوني
ما دامت عين البغي عوراء
ولا تسألوني
عن جنود خوف
كيف حاصرتني
خذوني
فما قبضة الموت أقسى
من ضمة الحياة
لم ترتب فاطمة بوهراكة قصائد الديوان أو أسماء الشعراء ترتيبا معجميا أو قاموسيا، ولكنها ذكرت أن "ترتيب النصوص حسب مبادرة الشاعرة في إرسالها لنا".
أما الشاعر السعودي د. أحمد قران الزهراني فيقول في قصيدته "لا تجرح الماء" (على تفعيلة المتقارب)، وهو عنوان يحمل اسم ديوانه الأخير:
كتبت لها في المساء مواقيت للسحر
أن علميني الصلاةَ على الماء
ضمي ترابَ يديَّ إلى راحتيك
لكي تستعيدي تقاسيم وجهي
لنكتشف في نهاية قصيدته أن العشيقة - سواء كانت الأنثى أو الوطن أو الأنثى/الوطن - ما هي إلا ضدان .. شحٌّ وجود. ومن هنا يأتي هذا الجدل الشعري الذي يتصاعد في القصيدة.
ومن الكويت تأتي الشاعرة الجوهرة القويضي عبر "سلسلة حروف" تجسد بها رمادية العالم، فحدود المكان سواد يعيد صياغة عالم رمادي اللون.
ومن فلسطين تتساءل الشاعرة د. نعيمة حسن "أنا من؟" من خلال بحر الكامل قائلة:
أنا من أكون؟ سألتَني ولطالما ** علمتُ ظلَّك كيف يأتي مُرغما
ولطالما أسَّست فيكَ ممالكي ** وصحبتني ظلا شريدا أبكما
الآن أرسم صرختي بأناملي ** وأشيد زلزال الحقيقة مرسما
وكأنها تتساءل عن كينونتنا جميعا بعد توالي الهزائم والخراب الذي يعم وطننا العربي منذ ضياع فلسطين وحتى الآن، وفي تأويل آخر تتساءل عن كينونة الأنثى التي تصرخ في وجه الرجل كي يحررها من قيوده التي كبلها بها على مدى القرون السابقة، محذرة إياه بقولها:
لن تشرب الكأسَ القديمة مرةً ** أخرى فقد ماتت خرافات الدمى
ومن سلطنة عمان يأتي صوت الشاعرة د. سعيدة بنت خاطر الفارسي عبر قصيدتها "اقتناص" التي تتضح فيها بنية الصراع للفوز بالجوهرة التي تنجح بالفعل في اقتناصها، وتقول:
بين سمائين أكمن لاقتناصها
الصائدون كثر
وهي تمعن في التمنع والاختباء
ومن خلال أفعال المضارعة: (أعصر، أرجُّ، ألمس، أقطف، يساقط، يتهيأ، يتشكل، يكتمل، ..) تنجح الشاعرة في اقتناص جوهرتها لتغلق بذلك صراعا مريرا مع الوجود والحياة والزمن، وتترك لنا باب التأويل والتفسير مفتوحا على مصراعيه حول هذه الجوهرة التي اقتنصتها الشاعرة.
الشاعر د. يحيى عمارة من المغرب لا يزال يملك القدرة على الحلم والتفاؤل وتغيير ترتيب الأشياء وفقا لرؤيته قائلا:
لا تقلقوا
فأنا من سلالة روح
تطير وشاحا مع الريح
عند الخريف
كي أرتب قلب الشجر
كي أغير مجرى الحجر
كي أعانق حلم البشر
ليؤكد بذلك على أن الإنسان مهما واجهته الظروف والمحن والأعاصير والهزائم فإنه قادر على صناعة النصر ومرافقة التفاؤل ومعانقة أحلام البشر.
أما الشاعرة المغربية أمينة المريني فهي تهرِّب في دمها عشقا، وتعانق في قصيدتها "خروج" أحوال الصوفية، وخاصة الحلاج، وتتخذ من الأضداد والمفارقات بوحا شعريا رهيفا:
أعيش متى متُّ
وللحلاج ما يهوى
حبيب عنده الموتُ
وإلى بوح صوفي آخر في قصيدة "فكر لي فأنا لا أفهم" للشاعر المغربي د. أحمد مفدي المحشور في زاوية الوجد، والمتسلل مخفيا في غيمة إسراء، ومنها إلى قصيدة "لا يا أستاذ" للشاعر الجزائري عمار مرياش الذي يعترف أنه حين يضيق الشاعر أحيانا تكبر في عينيه الذات، ونجد في قصيدته حوارا بين تلميذ أو تلميذة وأستاذها موضحة له قولها:
أنت تعلمني الأسماء فأنسى
أرني الأشياء ودعني أتعلم
لينقض بذلك البيت المعروف لأحمد شوقي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا
هنا المعلم (أو الأستاذ) عند مرياش في موقف مغاير حيث يتلقى الرفض ثم النصيحة من تلاميذه:
لا يا أستاذ
أنت تطالبني بالحفظ
وإني أحفظ كالببغاء ولا أفهم
أما في قصيدة "شهوة بقطعة ونصف" للشاعر المغربي د. عبدالرحيم أبوصفاء، فيبرز التناص الديني في قوله:
رأس يشرب بحرَه
يتبرزخ فيه نصان لا يبغيان
وكأن النص بحر يشربه الرأس، وكم كان الفعل "يتبرزخ" جميلا ومعبرا في هذا المكان، وهو فعل مشتق من كلمة "البرزخ" التي تعني الفترة الزمنية ما بعد الموت وحتى يوم القيامة، وفقا للتصور الإسلامي.
أما الشاعر الإماراتي د. طلال الجنيبي فقصيدته "زماني" قصيدة عمودية من بحر الوافر، ولكنه نثرها على هيئة الشكل التفعيلي، وبها نوع من التحليق الذي يفضي إلى الأمان، وإلى وطن توضأ من شعاع، وهي رؤية شعرية تخالف ما وجدناه عند بعض شعرائنا في هذا الكتاب من توتر وهموم وأحزان ومصائب وسواد وصور الموت المنتشرة في كل مكان والشعور بعدم الأمان.
وأعتقد أن الرؤية نفسها لدى الشاعرة المغربية د. ثريا ماجدولين حيث يطير الشاعر إلى غده العسلي يحمل قميص المحبة تفاحةً لأميرته المشتهاة، ولنعيد القراءة من أول القصيدة لنجد أن:
ثمة شاعر
ينفض ذاكرته على حاشية النهر
يبدّل حاضرا أنهكته الثقوب
بجناحي فراشة.
فالأمل موجود والفرح موجود والغد العسلي يتمدد أمام الشاعر، وشتان بين هذا التعبير وتلك الرؤية، وما لاحظناه عند الشاعر السعودي عبدالوهاب العريض والتي تحمل عنوان "انكسارات يومية" حيث لا يزال الباب موصدا والنوافذ تحرك غبارها بالسكون.
بينما يحلق الشاعر العراقي أديب جلكي في عالم العشق السرمدي فلا خلاص منه نهائيا، بل إن الأرض والسماء تبكيان عندما تسقط الأوراق الصفراء أثناء مداهمة الخريف لجنان الحب والعشق، وهو يقدم لنا قصيدته "ينبوع العشق" على شكل رباعيات غزلية يقول في إحداها:
يا ذات الشعر الذهبي
وأجمل القدود
شفتاك ينبوع عشق
متى سنغرف منه
خمر الخلود؟
وتذكرني قصيدة "شهد العمر" للشاعر المغربي د. جمال بوطيب بالموشحات الأندلسية وخاصة في قوله:
حلقة في الورى
حبها ما أرى
حبها إن سرى
في أواني الكرى
يحتسى دمعه
أما الشاعر المغربي عبدالكريم الوزاني فقد أهدى مشاركته الى الشاعرة العراقية خالدة خليل قائلا في بعض أبياته من بحر الطويل:
عراقية الأعطاف سومارية الهوى ** تسابيحها بالشفع يحلو به الوتر
فحطت على فاس مجرةَ رحلها ** كما حطّ في دير القساوسة الدير
كأن ضياء النجم حول محيطه ** تحاشى مداريه التسلسل والدَّوْر
وأنا أدرك تماما أن ما ورد في الكتاب ما هو إلا قصائد قصيرة، أو مقتطقات من قصائد، غير أن قطرة البحر في تحليلها قد تدل على البحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.