قطع المياه 6 ساعات ببعض مناطق الجيزة لتحويل خط رئيسي    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    جوتيريش:نصف مليون شخص بغزة محاصرون في مجاعة    ضبط 50 محلًا بدون ترخيص وتنفيذ 40 حكمًا قضائيًا بحملة أمنية بالفيوم    لمحبي الآكلات الجديدة.. حضري «الفاصوليا البيضاء» على الطريقة التونسية (الخطوات والمكونات)    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    جامعة أسوان تهنئ البروفيسور مجدي يعقوب لتكريمه من جمعية القلب الأمريكية    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    بورسعيد.. أجمل شاطئ وأرخص مصيف| كيف كانت الحياة في المدينة الباسلة عام 1960؟    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    الأمم المتحدة تعلن المجاعة رسميًا.. ماذا يحدث في غزة؟    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    أسوان يستضيف بلدية المحلة في الجولة الأولى بدوري المحترفين    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    في ظهوره الأول مع تشيلسي، إستيفاو ويليان يدخل التاريخ في الدوري الإنجليزي (فيديو)    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب موقف بلاده من إسرائيل    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصوص مهرجان فاس من قبضة الموت إلى ضمة الحياة
نشر في صوت البلد يوم 06 - 04 - 2016

اثنان وعشرون شاعرا عربيا يجتمعون في دارة الشعر المغربي برئاسة الشاعرة فاطمة بوهراكة، من خلال أحد إصدارات الدارة بمناسبة انعقاد مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري.
وقد اختارت بوهراكة عنوان "نصوص على عتبات مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري" ليكون اسما لهذا الكتاب الذي يوثق لبعض مشاركات الشعراء الذين حضروا هذه الدورة، رغم اعتذار أو عدم حضور بعضهم، إلا أن شعرهم قد ناب عنهم بالحضور في ذلك الكتاب الذي تُرجمت قصائده ال 22 إلى اللغة الإسبانية، عن طريق المترجمة المغربية ميساء بونو.
تنوعت القصائد بين طول وقصر، وفصحى وعامية، وعمودية وتفعيلية ونثر، وأنثوية وذكورية، لتكون جميعها مرايا لحال ومستوى راهن القصيدة العربية المعاصرة.
تقول الشاعرة العراقية خالدة خليل (التي حملت الدورة السادسة للمهرجان اسمها) في قصيدة بعنوان "معلقة عند تخوم الحب":
هاتِ الكأس
واشربي نخب كوارثنا القادمة
ولك أن تلتفي بملاءة هزائمك
خذيني
فما جدوى جناح يتيم
وحفيف تأمل
وتلامس خليل في قصيدتها الهم العراقي بخاصة والعربي المعاصر بعامة قائلة:
وانثري فوقي شقائق القلق
وانت تعمديني بالدعة يا أعاصير الخراب!
خذوني
ما دامت عين البغي عوراء
ولا تسألوني
عن جنود خوف
كيف حاصرتني
خذوني
فما قبضة الموت أقسى
من ضمة الحياة
لم ترتب فاطمة بوهراكة قصائد الديوان أو أسماء الشعراء ترتيبا معجميا أو قاموسيا، ولكنها ذكرت أن "ترتيب النصوص حسب مبادرة الشاعرة في إرسالها لنا".
أما الشاعر السعودي د. أحمد قران الزهراني فيقول في قصيدته "لا تجرح الماء" (على تفعيلة المتقارب)، وهو عنوان يحمل اسم ديوانه الأخير:
كتبت لها في المساء مواقيت للسحر
أن علميني الصلاةَ على الماء
ضمي ترابَ يديَّ إلى راحتيك
لكي تستعيدي تقاسيم وجهي
لنكتشف في نهاية قصيدته أن العشيقة - سواء كانت الأنثى أو الوطن أو الأنثى/الوطن - ما هي إلا ضدان .. شحٌّ وجود. ومن هنا يأتي هذا الجدل الشعري الذي يتصاعد في القصيدة.
ومن الكويت تأتي الشاعرة الجوهرة القويضي عبر "سلسلة حروف" تجسد بها رمادية العالم، فحدود المكان سواد يعيد صياغة عالم رمادي اللون.
ومن فلسطين تتساءل الشاعرة د. نعيمة حسن "أنا من؟" من خلال بحر الكامل قائلة:
أنا من أكون؟ سألتَني ولطالما ** علمتُ ظلَّك كيف يأتي مُرغما
ولطالما أسَّست فيكَ ممالكي ** وصحبتني ظلا شريدا أبكما
الآن أرسم صرختي بأناملي ** وأشيد زلزال الحقيقة مرسما
وكأنها تتساءل عن كينونتنا جميعا بعد توالي الهزائم والخراب الذي يعم وطننا العربي منذ ضياع فلسطين وحتى الآن، وفي تأويل آخر تتساءل عن كينونة الأنثى التي تصرخ في وجه الرجل كي يحررها من قيوده التي كبلها بها على مدى القرون السابقة، محذرة إياه بقولها:
لن تشرب الكأسَ القديمة مرةً ** أخرى فقد ماتت خرافات الدمى
ومن سلطنة عمان يأتي صوت الشاعرة د. سعيدة بنت خاطر الفارسي عبر قصيدتها "اقتناص" التي تتضح فيها بنية الصراع للفوز بالجوهرة التي تنجح بالفعل في اقتناصها، وتقول:
بين سمائين أكمن لاقتناصها
الصائدون كثر
وهي تمعن في التمنع والاختباء
ومن خلال أفعال المضارعة: (أعصر، أرجُّ، ألمس، أقطف، يساقط، يتهيأ، يتشكل، يكتمل، ..) تنجح الشاعرة في اقتناص جوهرتها لتغلق بذلك صراعا مريرا مع الوجود والحياة والزمن، وتترك لنا باب التأويل والتفسير مفتوحا على مصراعيه حول هذه الجوهرة التي اقتنصتها الشاعرة.
الشاعر د. يحيى عمارة من المغرب لا يزال يملك القدرة على الحلم والتفاؤل وتغيير ترتيب الأشياء وفقا لرؤيته قائلا:
لا تقلقوا
فأنا من سلالة روح
تطير وشاحا مع الريح
عند الخريف
كي أرتب قلب الشجر
كي أغير مجرى الحجر
كي أعانق حلم البشر
ليؤكد بذلك على أن الإنسان مهما واجهته الظروف والمحن والأعاصير والهزائم فإنه قادر على صناعة النصر ومرافقة التفاؤل ومعانقة أحلام البشر.
أما الشاعرة المغربية أمينة المريني فهي تهرِّب في دمها عشقا، وتعانق في قصيدتها "خروج" أحوال الصوفية، وخاصة الحلاج، وتتخذ من الأضداد والمفارقات بوحا شعريا رهيفا:
أعيش متى متُّ
وللحلاج ما يهوى
حبيب عنده الموتُ
وإلى بوح صوفي آخر في قصيدة "فكر لي فأنا لا أفهم" للشاعر المغربي د. أحمد مفدي المحشور في زاوية الوجد، والمتسلل مخفيا في غيمة إسراء، ومنها إلى قصيدة "لا يا أستاذ" للشاعر الجزائري عمار مرياش الذي يعترف أنه حين يضيق الشاعر أحيانا تكبر في عينيه الذات، ونجد في قصيدته حوارا بين تلميذ أو تلميذة وأستاذها موضحة له قولها:
أنت تعلمني الأسماء فأنسى
أرني الأشياء ودعني أتعلم
لينقض بذلك البيت المعروف لأحمد شوقي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا
هنا المعلم (أو الأستاذ) عند مرياش في موقف مغاير حيث يتلقى الرفض ثم النصيحة من تلاميذه:
لا يا أستاذ
أنت تطالبني بالحفظ
وإني أحفظ كالببغاء ولا أفهم
أما في قصيدة "شهوة بقطعة ونصف" للشاعر المغربي د. عبدالرحيم أبوصفاء، فيبرز التناص الديني في قوله:
رأس يشرب بحرَه
يتبرزخ فيه نصان لا يبغيان
وكأن النص بحر يشربه الرأس، وكم كان الفعل "يتبرزخ" جميلا ومعبرا في هذا المكان، وهو فعل مشتق من كلمة "البرزخ" التي تعني الفترة الزمنية ما بعد الموت وحتى يوم القيامة، وفقا للتصور الإسلامي.
أما الشاعر الإماراتي د. طلال الجنيبي فقصيدته "زماني" قصيدة عمودية من بحر الوافر، ولكنه نثرها على هيئة الشكل التفعيلي، وبها نوع من التحليق الذي يفضي إلى الأمان، وإلى وطن توضأ من شعاع، وهي رؤية شعرية تخالف ما وجدناه عند بعض شعرائنا في هذا الكتاب من توتر وهموم وأحزان ومصائب وسواد وصور الموت المنتشرة في كل مكان والشعور بعدم الأمان.
وأعتقد أن الرؤية نفسها لدى الشاعرة المغربية د. ثريا ماجدولين حيث يطير الشاعر إلى غده العسلي يحمل قميص المحبة تفاحةً لأميرته المشتهاة، ولنعيد القراءة من أول القصيدة لنجد أن:
ثمة شاعر
ينفض ذاكرته على حاشية النهر
يبدّل حاضرا أنهكته الثقوب
بجناحي فراشة.
فالأمل موجود والفرح موجود والغد العسلي يتمدد أمام الشاعر، وشتان بين هذا التعبير وتلك الرؤية، وما لاحظناه عند الشاعر السعودي عبدالوهاب العريض والتي تحمل عنوان "انكسارات يومية" حيث لا يزال الباب موصدا والنوافذ تحرك غبارها بالسكون.
بينما يحلق الشاعر العراقي أديب جلكي في عالم العشق السرمدي فلا خلاص منه نهائيا، بل إن الأرض والسماء تبكيان عندما تسقط الأوراق الصفراء أثناء مداهمة الخريف لجنان الحب والعشق، وهو يقدم لنا قصيدته "ينبوع العشق" على شكل رباعيات غزلية يقول في إحداها:
يا ذات الشعر الذهبي
وأجمل القدود
شفتاك ينبوع عشق
متى سنغرف منه
خمر الخلود؟
وتذكرني قصيدة "شهد العمر" للشاعر المغربي د. جمال بوطيب بالموشحات الأندلسية وخاصة في قوله:
حلقة في الورى
حبها ما أرى
حبها إن سرى
في أواني الكرى
يحتسى دمعه
أما الشاعر المغربي عبدالكريم الوزاني فقد أهدى مشاركته الى الشاعرة العراقية خالدة خليل قائلا في بعض أبياته من بحر الطويل:
عراقية الأعطاف سومارية الهوى ** تسابيحها بالشفع يحلو به الوتر
فحطت على فاس مجرةَ رحلها ** كما حطّ في دير القساوسة الدير
كأن ضياء النجم حول محيطه ** تحاشى مداريه التسلسل والدَّوْر
وأنا أدرك تماما أن ما ورد في الكتاب ما هو إلا قصائد قصيرة، أو مقتطقات من قصائد، غير أن قطرة البحر في تحليلها قد تدل على البحر.
اثنان وعشرون شاعرا عربيا يجتمعون في دارة الشعر المغربي برئاسة الشاعرة فاطمة بوهراكة، من خلال أحد إصدارات الدارة بمناسبة انعقاد مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري.
وقد اختارت بوهراكة عنوان "نصوص على عتبات مهرجان فاس الدولي السادس للإبداع الشعري" ليكون اسما لهذا الكتاب الذي يوثق لبعض مشاركات الشعراء الذين حضروا هذه الدورة، رغم اعتذار أو عدم حضور بعضهم، إلا أن شعرهم قد ناب عنهم بالحضور في ذلك الكتاب الذي تُرجمت قصائده ال 22 إلى اللغة الإسبانية، عن طريق المترجمة المغربية ميساء بونو.
تنوعت القصائد بين طول وقصر، وفصحى وعامية، وعمودية وتفعيلية ونثر، وأنثوية وذكورية، لتكون جميعها مرايا لحال ومستوى راهن القصيدة العربية المعاصرة.
تقول الشاعرة العراقية خالدة خليل (التي حملت الدورة السادسة للمهرجان اسمها) في قصيدة بعنوان "معلقة عند تخوم الحب":
هاتِ الكأس
واشربي نخب كوارثنا القادمة
ولك أن تلتفي بملاءة هزائمك
خذيني
فما جدوى جناح يتيم
وحفيف تأمل
وتلامس خليل في قصيدتها الهم العراقي بخاصة والعربي المعاصر بعامة قائلة:
وانثري فوقي شقائق القلق
وانت تعمديني بالدعة يا أعاصير الخراب!
خذوني
ما دامت عين البغي عوراء
ولا تسألوني
عن جنود خوف
كيف حاصرتني
خذوني
فما قبضة الموت أقسى
من ضمة الحياة
لم ترتب فاطمة بوهراكة قصائد الديوان أو أسماء الشعراء ترتيبا معجميا أو قاموسيا، ولكنها ذكرت أن "ترتيب النصوص حسب مبادرة الشاعرة في إرسالها لنا".
أما الشاعر السعودي د. أحمد قران الزهراني فيقول في قصيدته "لا تجرح الماء" (على تفعيلة المتقارب)، وهو عنوان يحمل اسم ديوانه الأخير:
كتبت لها في المساء مواقيت للسحر
أن علميني الصلاةَ على الماء
ضمي ترابَ يديَّ إلى راحتيك
لكي تستعيدي تقاسيم وجهي
لنكتشف في نهاية قصيدته أن العشيقة - سواء كانت الأنثى أو الوطن أو الأنثى/الوطن - ما هي إلا ضدان .. شحٌّ وجود. ومن هنا يأتي هذا الجدل الشعري الذي يتصاعد في القصيدة.
ومن الكويت تأتي الشاعرة الجوهرة القويضي عبر "سلسلة حروف" تجسد بها رمادية العالم، فحدود المكان سواد يعيد صياغة عالم رمادي اللون.
ومن فلسطين تتساءل الشاعرة د. نعيمة حسن "أنا من؟" من خلال بحر الكامل قائلة:
أنا من أكون؟ سألتَني ولطالما ** علمتُ ظلَّك كيف يأتي مُرغما
ولطالما أسَّست فيكَ ممالكي ** وصحبتني ظلا شريدا أبكما
الآن أرسم صرختي بأناملي ** وأشيد زلزال الحقيقة مرسما
وكأنها تتساءل عن كينونتنا جميعا بعد توالي الهزائم والخراب الذي يعم وطننا العربي منذ ضياع فلسطين وحتى الآن، وفي تأويل آخر تتساءل عن كينونة الأنثى التي تصرخ في وجه الرجل كي يحررها من قيوده التي كبلها بها على مدى القرون السابقة، محذرة إياه بقولها:
لن تشرب الكأسَ القديمة مرةً ** أخرى فقد ماتت خرافات الدمى
ومن سلطنة عمان يأتي صوت الشاعرة د. سعيدة بنت خاطر الفارسي عبر قصيدتها "اقتناص" التي تتضح فيها بنية الصراع للفوز بالجوهرة التي تنجح بالفعل في اقتناصها، وتقول:
بين سمائين أكمن لاقتناصها
الصائدون كثر
وهي تمعن في التمنع والاختباء
ومن خلال أفعال المضارعة: (أعصر، أرجُّ، ألمس، أقطف، يساقط، يتهيأ، يتشكل، يكتمل، ..) تنجح الشاعرة في اقتناص جوهرتها لتغلق بذلك صراعا مريرا مع الوجود والحياة والزمن، وتترك لنا باب التأويل والتفسير مفتوحا على مصراعيه حول هذه الجوهرة التي اقتنصتها الشاعرة.
الشاعر د. يحيى عمارة من المغرب لا يزال يملك القدرة على الحلم والتفاؤل وتغيير ترتيب الأشياء وفقا لرؤيته قائلا:
لا تقلقوا
فأنا من سلالة روح
تطير وشاحا مع الريح
عند الخريف
كي أرتب قلب الشجر
كي أغير مجرى الحجر
كي أعانق حلم البشر
ليؤكد بذلك على أن الإنسان مهما واجهته الظروف والمحن والأعاصير والهزائم فإنه قادر على صناعة النصر ومرافقة التفاؤل ومعانقة أحلام البشر.
أما الشاعرة المغربية أمينة المريني فهي تهرِّب في دمها عشقا، وتعانق في قصيدتها "خروج" أحوال الصوفية، وخاصة الحلاج، وتتخذ من الأضداد والمفارقات بوحا شعريا رهيفا:
أعيش متى متُّ
وللحلاج ما يهوى
حبيب عنده الموتُ
وإلى بوح صوفي آخر في قصيدة "فكر لي فأنا لا أفهم" للشاعر المغربي د. أحمد مفدي المحشور في زاوية الوجد، والمتسلل مخفيا في غيمة إسراء، ومنها إلى قصيدة "لا يا أستاذ" للشاعر الجزائري عمار مرياش الذي يعترف أنه حين يضيق الشاعر أحيانا تكبر في عينيه الذات، ونجد في قصيدته حوارا بين تلميذ أو تلميذة وأستاذها موضحة له قولها:
أنت تعلمني الأسماء فأنسى
أرني الأشياء ودعني أتعلم
لينقض بذلك البيت المعروف لأحمد شوقي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا
هنا المعلم (أو الأستاذ) عند مرياش في موقف مغاير حيث يتلقى الرفض ثم النصيحة من تلاميذه:
لا يا أستاذ
أنت تطالبني بالحفظ
وإني أحفظ كالببغاء ولا أفهم
أما في قصيدة "شهوة بقطعة ونصف" للشاعر المغربي د. عبدالرحيم أبوصفاء، فيبرز التناص الديني في قوله:
رأس يشرب بحرَه
يتبرزخ فيه نصان لا يبغيان
وكأن النص بحر يشربه الرأس، وكم كان الفعل "يتبرزخ" جميلا ومعبرا في هذا المكان، وهو فعل مشتق من كلمة "البرزخ" التي تعني الفترة الزمنية ما بعد الموت وحتى يوم القيامة، وفقا للتصور الإسلامي.
أما الشاعر الإماراتي د. طلال الجنيبي فقصيدته "زماني" قصيدة عمودية من بحر الوافر، ولكنه نثرها على هيئة الشكل التفعيلي، وبها نوع من التحليق الذي يفضي إلى الأمان، وإلى وطن توضأ من شعاع، وهي رؤية شعرية تخالف ما وجدناه عند بعض شعرائنا في هذا الكتاب من توتر وهموم وأحزان ومصائب وسواد وصور الموت المنتشرة في كل مكان والشعور بعدم الأمان.
وأعتقد أن الرؤية نفسها لدى الشاعرة المغربية د. ثريا ماجدولين حيث يطير الشاعر إلى غده العسلي يحمل قميص المحبة تفاحةً لأميرته المشتهاة، ولنعيد القراءة من أول القصيدة لنجد أن:
ثمة شاعر
ينفض ذاكرته على حاشية النهر
يبدّل حاضرا أنهكته الثقوب
بجناحي فراشة.
فالأمل موجود والفرح موجود والغد العسلي يتمدد أمام الشاعر، وشتان بين هذا التعبير وتلك الرؤية، وما لاحظناه عند الشاعر السعودي عبدالوهاب العريض والتي تحمل عنوان "انكسارات يومية" حيث لا يزال الباب موصدا والنوافذ تحرك غبارها بالسكون.
بينما يحلق الشاعر العراقي أديب جلكي في عالم العشق السرمدي فلا خلاص منه نهائيا، بل إن الأرض والسماء تبكيان عندما تسقط الأوراق الصفراء أثناء مداهمة الخريف لجنان الحب والعشق، وهو يقدم لنا قصيدته "ينبوع العشق" على شكل رباعيات غزلية يقول في إحداها:
يا ذات الشعر الذهبي
وأجمل القدود
شفتاك ينبوع عشق
متى سنغرف منه
خمر الخلود؟
وتذكرني قصيدة "شهد العمر" للشاعر المغربي د. جمال بوطيب بالموشحات الأندلسية وخاصة في قوله:
حلقة في الورى
حبها ما أرى
حبها إن سرى
في أواني الكرى
يحتسى دمعه
أما الشاعر المغربي عبدالكريم الوزاني فقد أهدى مشاركته الى الشاعرة العراقية خالدة خليل قائلا في بعض أبياته من بحر الطويل:
عراقية الأعطاف سومارية الهوى ** تسابيحها بالشفع يحلو به الوتر
فحطت على فاس مجرةَ رحلها ** كما حطّ في دير القساوسة الدير
كأن ضياء النجم حول محيطه ** تحاشى مداريه التسلسل والدَّوْر
وأنا أدرك تماما أن ما ورد في الكتاب ما هو إلا قصائد قصيرة، أو مقتطقات من قصائد، غير أن قطرة البحر في تحليلها قد تدل على البحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.