أسعار الفاكهة بأسواق مطروح اليوم السبت 23-8-2025.. الكنتالوب ب20 جنيها    "اتحاد المقاولين" يطالب بوقف تصدير الأسمنت لإنقاذ قطاع المقاولات من التعثر    محافظ أسوان يتفقد مشروع مركز شباب النصراب والمركز التكنولوجى بالمحاميد    رئيس مدينة الأقصر يناقش مع رؤساء الأحياء ملفات تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين    61 شهيدا برصاص الاحتلال فى غزة خلال 24 ساعة.. وعدد الضحايا يرتفع ل62622    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    خبير علاقات دولية: إعلان المجاعة في غزة يكشف سياسة التجويع الإسرائيلية الممنهجة    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    رغم تبرئة ساحة ترامب جزئيا.. جارديان: تصريحات ماكسويل تفشل فى تهدئة مؤيديه    قدوس يقود تشكيل توتنهام ضد مانشستر سيتي بالدوري الإنجليزي    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    وزيرة التضامن: تتابع تداعيات حادث غرق عدد من الطلاب فى محافظة الإسكندرية    تعرف على حالة الطقس ودرجات الحرارة اليوم السبت 23-8-2025 فى الإسماعيلية    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    ظهر أحد طرفيها عاريا.. النيابة تحقق في مشاجرة بمدينة نصر    «شجاعة عم طارق»| السكة الحديد تستعد لتكريم عامل مزلقان أنقذ شابًا من دهس القطار    «الصحة»: 6 حالات وفاة وإصابة 24 آخرين في حادث غرق الطلاب بالإسكندرية    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    قافلة طبية مجانية لأكثر من 1050 مواطنًا بقرية عزاقة بمركز المنيا    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    لا دين ولا لغة عربية…التعليم الخاص تحول إلى كابوس لأولياء الأمور فى زمن الانقلاب    صراع الأجيال وتجديد الدماء    البابا تواضروس يترأس قداس تدشين كنيسة القديس مارمينا العجايبي بالإسكندرية    محافظ أسوان يتفقد سير العمل بوحدة صحة أسرة العوينية بإدفو (صور)    محافظ الجيزة يشدد علي التعامل الفوري مع أي متغيرات مكانية يتم رصدها واتخاذ الإجراءات القانونية    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    «متبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم    تفعيل المشاركة المجتمعية لتطوير وصيانة المدارس واستكمال التشجير بأسيوط    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    «صحح مفاهيمك».. مبادرة دعوية خارج المساجد بمشاركة 15 وزارة    ما أسباب استجابة الدعاء؟.. واعظة بالأزهر تجيب    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحيي ذكرى وفاة العالم الكبير الشيخ مصطفى المراغي    ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا    مستشفى الأهلى.. 6 لاعبين خارج الخدمة فى مباراة غزل المحلة بسبب الإصابة    ابنة سيد مكاوي عن عودة شيرين لحسام حبيب: فقدت تعاطفي معها    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    شباب في خدمة الوطن.. أندية التطوع والجوالة يعبرون رفح ويقدمون المساعدات لقطاع غزة    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    العمل والبيئة ينظمان دورة تدريبية حول الاستخدام الآمن لوسائط التبريد والتكييف بسوهاج    جامعة القاهرة تُطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    إصابة 3 أشخاص في حادث سير بوسط سيناء    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    موعد مباراة النصر ضد الأهلي اليوم في نهائي كأس السوبر السعودي والقنوات الناقلة    ملف يلا كورة.. خطة انتخابات الأهلي.. رسائل الزمالك.. واعتماد لجنة الحكام    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    ما هي اختصاصات مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري بقانون الرياضة بعد التصديق عليه؟    إرهاب الإخوان في ثلاجة القرارات الأمريكية.. لعبة المصالح فوق جرائم الجماعة    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العري ليس في التماثيل !
نشر في صوت البلد يوم 29 - 02 - 2016

أثارت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الأخيرة إلى إيطاليا، والإقدام على تغطية تماثيل متحف الكابيتول العارية موجة من التعليقات التي قد تصل أحيانا درجة السخط والتندر والفكاهة السوداء، وكلها تدور حول علاقة الفنّ بالأخلاق.
كانت التماثيل التي غطيت لآلهة أو محاربين عراة ولقد برّرت روما تغطيتها العري الذي في التماثيل بسعيها إلى احترام "الثقافة والحساسيّات الإيرانية". ونفت مصادر إيرانية أن تكون إيران طلبت تغطية التماثيل العارية وأنّ ذلك كان اجتهادا من روما.
من بين التماثيل التي أخفيت عن أنظار الرئيس روحاني تماثيل الآلهة "فينوس" آلهة الجمال سواء أكانت عارية تماما أو عارية الصدر فقط. وفينوس هي آلهة الحب والإغراء والجمال في الأسطورة الرومانية وهي التي تُسمّى في الأسطورة الإغريقية أفروديت.
وتجعل الأسطورة الرومانية "فينوس" أمّا لأرمافروديت وكوبيدون ويقال إنّها نشأت من دم "أورانيس" الذي اجترحه ابنه "كرونوس". وهي زوجة "فيلكان" الإله الحدّاد غير أنّها خانته مع أخيه "مارس" إله الحرب.
المهمّ أنّ لفينوس تاريخا ومجدا وهي كالبشر تحبّ وتخون وهي في عقول البشر مثال للجمال والجاذبية ولا يمكن أن يكون الجمال تامّا إلا إذا كانت تراه العين في جميع منابته وتتحسسه في جميع مواضعه ولا يمكن أن تكون الآلهة رمزا للجاذبية إلا إذا كانت بعريها جذابة. وحتّى يجسّد النحّاتون - وعلى مرّ العصور - هذه المعاني تخيروا لفينوس أجود أنواع الصخور ونحتوها نحتا تكاد الروح له أن تتشقق من الصخر الأصمّ ويكاد البصر يشكّ في روعة الخلق أيكون أمام خالق أم مخلوق.
العُري في الفنّ شيء والعري في الواقع شيء آخر. هذا ما رسّخه طيلة عقود الفنانون في أروبا بالأساس وفي إيطاليا خصوصا.
العُري في الفنّ يعني أشياء كثيرة أهمّها ثلاثة: الطبيعية والحرية والجمال. فيرى كثيرون وخصوصا الفلاسفة أنّ العري هو حالة طبيعية، إذ المخلوقات تظل على هيئة خَلْقها الجميلة ما عدا البشر الذين ولأسباب ثقافية دينية وأخلاقية يسترون من أبدانهم ما يمكن أن يعدّ في الأديان "سوءات".
اللباس في الأديان السماوية جميعها ستر للأعضاء التي يمكن أن تنادي الشهوات ولكنّ الفنّ بما هو تعبيرة ثقافية شيء آخر، إذ كشف لدى الآلهة ما يمكن أن يكون عنوانا لجمالها ورمزا لبهائها.
طلب الطبيعية يكون بنزع الثقافي الإضافي، فبالعري يعود الناس إلى أصولهم الطبيعية الصافية وبه يمكن أن يجدوا في كثير من مخلوقات الطبيعة ما يماثلهم، وفي الفنّ حين يرسم الجسم عاريا فإنّ الفنان يرغب في أن يرجع الناس من منفاهم الثقافي الديني والأخلاقي إلى طبيعتهم الأصلية.
والطبيعية لها صلة بنزعة إلى تحرير الجسد من غطاء الثقافي، ويرى أنّ الحرية الطبيعية ليس فيها أيّ اعتداء على الأخلاقي، وخصوصا إذا كان الأمر في الفنّ. حين ينزع الرّداء وتنزع الحجب الثقافية عن هذا الجسد التواق أبدا إلى أن يرى نفسه كما خلق يبدأ حسب الطبيعييّن رجوعا إلى الروح العارية إذ ليس الجسد إلا حجابا وسجنا للروح. نقترب ههنا من تعابير ثقافية كثيرة تعتبر الجسد حجابا وتسعى عبر كشفه أو حتى تعذيبه إلى تحرير الروح من عقالها الدنيوي.
الجسد الذي يخفى أو يكشف يكتسب في الفلسفة والفنون والآداب أبعادا رمزية، ويعني ذلك أنّه يفقد إحاليّته التي له وهو جسد مادي حيّ يراد أن تنزع عنه الأحاسيس الحية التي ترتبط برؤيته المباشرة في أوقات التواصل الذي تريده النفس الشهوانية، وأن يحشى بدلالات جديدة منها ما هو جمالي موجب ومنها ما هو رمزي سالب.
المشكل أنّ الوصول إلى هذا الوعي يتطلب لا تجريدا فكريا بل نزعا لكلّ ما تلبّس بأنفسنا من أفكار ومشاعر حول ذلك الجسد هناك ثقافات استطاعت أن تصل إلى هذه الدرجات المتقدّمة من تحويل المشكل إلى حلّ والحقيقي إلى رمزي ولكنّ ثقافات أخرى عجزت عن الوصول إلى ذلك ومات يحدث على مستوى الجماعات يحدث على مستوى الأفراد.
فمن يرى تمثالا عاريا في ساحة عمومية يمكن أن يراه خلقا فنيّا ويمكن أن يراه مثيرا لغرائز مكبوتة لا يعلمها إلاّ هو: الفرق في الناظر هل يرى التمثال تمثيلا أم يراه مثيرا. تهذيب الثقافة وتعويد الناس على أن يجردوا الأشياء وأن يأخذوا الفنّ للفنّ ما تزال طريقه طويلة وهذا أمر موكول إلى المدرسة وإلى المجتمع من قبل ومن بعد.
لم تطرح مسألة العري طرحا حقيقيا إلى يوم الناس في الثقافات المحافظة، ولم يطرح العري في الفن أيضا الطرح الثقافي الذي عليه أن يراعي معطيات الأخلاق والدين والمجتمع من ناحية ولكن يراعي أيضا مقتضيات الفنّ من أخرى.
الأجيال الجديدة لا تعرف كلمة صنم أكثر من معرفتها كلمة تمثال وهذا يدلّ على وعي بالفارق بين البعد الجمالي الذي في هذه التماثيل. البعد العقدي الذي تلبست به منذ القديم.
لا أحد يمكن أن يعود اليوم إلى عبادة الأصنام هذا كان في حياة البشر مرحلةً من تمثيل الآلهة قبل أن يتطوّر مفهوم المعبود من مجسّد في صنم إلى شيء ذهني مجرّد وفي تطوّر العقول لا يمكن أن يتراجع إدراك الناس من مرحلة تجريدية خُطاطية إلى مرحلة التمثيل بالمحسوس.
لذلك لا يمكن أن نرى أصناما بل نرى ما نراه مجسدا في مرمر أو شموع في رفيع الموادّ أو في بخسها: نراه تماثيل فنية لا أصناما وما دمنا قادرين على أن نقتل الشرك بالإله في أرواحنا بمجرّد أن نرى أصناما فنحن ومن باب أولى وأحرى قادرون على أن نقتل إيحائية العري في الأجسام العارية في التماثيل أو حتى في الفنون الأخرى
نحن نحتاج اليوم إلى منطق واقعي يتعامل فيه الثقافي الواسع مع العري بما هو فنّ وليس بما هو خدش للحياء، فهذان طرحان مختلفان؛ الفنّ لا يمكن أن يخدش الحياء إن كنّا نتقبّله على أنّه فنّ، أمّا إن كنّا نتقبّله على أنّه شيء يذكرنا بالواقعي فهذه درجة لا تدلّ على أنّا نجحنا في تربية الناس على الفنّ.
الفنّ ضرب من التمثيل والتعبير لا علاقة له بالتواصل اليومي بالكلام وأنا لا أفهم كيف نتقبّل أن يصوّر الشاعر الجاهلي أو حتى الإسلامي المرأة في أبهى حللها ويعريها ويرسمها عارية بالكلام ولا نتقبّل ذلك في الرسم أو في غيره من الفنون علما أنّ الكلام أقوى درجة في الإيهام وفي تقريبنا من الموصوف المعرّى من التجسيد بالتماثيل أو بالرسوم.
الفنّ لا خوف منه ولا هم يحزنون لم ينجب الفنّ في العالم إرهابا. مدرسة الفنّ هي مدرسة من مدارس الأخلاق والأدب ولا يمكن أن تكون بؤرة فساد. نحن البشر حين نتشرب من الفنّ لا يمكن أن نمارس الفساد ولا يمكن لفنّان أن يوصي الناس بأن يتقاتلوا في الفنّ.
الفنّ كان - ولا يزال - رمزا للحياة الجميلة لا يدخلها إلا بالحلم وليس الحلم حراما حتى وإن كان الحالم يقف أمام ثمثال عار للجمال والفتنة والإغراء أو للفحولة والرجولة.
إنّ إخفاء الإيطاليين التماثيل النسوية أو الرجالية وهي بثياب حوّاء وآدم، وحتى لو كان ذلك في باب ما ادّعي أنّه احترام للثقافات وهروبا من خدش الحياء، لن يكون خدمة لثقافتنا في تصوّر الآخر الإيطالي أو الأوروبي عموما. فنحن في تصوّره ضدّ العري في الفنّ وإنْ كنّا كذلك فنحن لا نميّز بين الفنّ والواقع بل نحن نهرب من عري ذواتنا.
حين تغمض عيناك عن عري تمثال فأنت تكره نفسك العارية، وحين يخفي ضيفك لوحة أو تمثالا فيه عري حين تزوره فاعلم أنّك ضيف ثقيل لأنّه في غيابك سيكشفه وسيزيح الظلمة عن قطعة فنية تصفو لها نفسه ويرى الجمال ينبعث منها. في هذه الحالة لن نكون مصدرا للجمال بل سببا لإخفاء الجمال.
..............
د. توفيق قريرة أستاذ جامعي من تونس
أثارت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الأخيرة إلى إيطاليا، والإقدام على تغطية تماثيل متحف الكابيتول العارية موجة من التعليقات التي قد تصل أحيانا درجة السخط والتندر والفكاهة السوداء، وكلها تدور حول علاقة الفنّ بالأخلاق.
كانت التماثيل التي غطيت لآلهة أو محاربين عراة ولقد برّرت روما تغطيتها العري الذي في التماثيل بسعيها إلى احترام "الثقافة والحساسيّات الإيرانية". ونفت مصادر إيرانية أن تكون إيران طلبت تغطية التماثيل العارية وأنّ ذلك كان اجتهادا من روما.
من بين التماثيل التي أخفيت عن أنظار الرئيس روحاني تماثيل الآلهة "فينوس" آلهة الجمال سواء أكانت عارية تماما أو عارية الصدر فقط. وفينوس هي آلهة الحب والإغراء والجمال في الأسطورة الرومانية وهي التي تُسمّى في الأسطورة الإغريقية أفروديت.
وتجعل الأسطورة الرومانية "فينوس" أمّا لأرمافروديت وكوبيدون ويقال إنّها نشأت من دم "أورانيس" الذي اجترحه ابنه "كرونوس". وهي زوجة "فيلكان" الإله الحدّاد غير أنّها خانته مع أخيه "مارس" إله الحرب.
المهمّ أنّ لفينوس تاريخا ومجدا وهي كالبشر تحبّ وتخون وهي في عقول البشر مثال للجمال والجاذبية ولا يمكن أن يكون الجمال تامّا إلا إذا كانت تراه العين في جميع منابته وتتحسسه في جميع مواضعه ولا يمكن أن تكون الآلهة رمزا للجاذبية إلا إذا كانت بعريها جذابة. وحتّى يجسّد النحّاتون - وعلى مرّ العصور - هذه المعاني تخيروا لفينوس أجود أنواع الصخور ونحتوها نحتا تكاد الروح له أن تتشقق من الصخر الأصمّ ويكاد البصر يشكّ في روعة الخلق أيكون أمام خالق أم مخلوق.
العُري في الفنّ شيء والعري في الواقع شيء آخر. هذا ما رسّخه طيلة عقود الفنانون في أروبا بالأساس وفي إيطاليا خصوصا.
العُري في الفنّ يعني أشياء كثيرة أهمّها ثلاثة: الطبيعية والحرية والجمال. فيرى كثيرون وخصوصا الفلاسفة أنّ العري هو حالة طبيعية، إذ المخلوقات تظل على هيئة خَلْقها الجميلة ما عدا البشر الذين ولأسباب ثقافية دينية وأخلاقية يسترون من أبدانهم ما يمكن أن يعدّ في الأديان "سوءات".
اللباس في الأديان السماوية جميعها ستر للأعضاء التي يمكن أن تنادي الشهوات ولكنّ الفنّ بما هو تعبيرة ثقافية شيء آخر، إذ كشف لدى الآلهة ما يمكن أن يكون عنوانا لجمالها ورمزا لبهائها.
طلب الطبيعية يكون بنزع الثقافي الإضافي، فبالعري يعود الناس إلى أصولهم الطبيعية الصافية وبه يمكن أن يجدوا في كثير من مخلوقات الطبيعة ما يماثلهم، وفي الفنّ حين يرسم الجسم عاريا فإنّ الفنان يرغب في أن يرجع الناس من منفاهم الثقافي الديني والأخلاقي إلى طبيعتهم الأصلية.
والطبيعية لها صلة بنزعة إلى تحرير الجسد من غطاء الثقافي، ويرى أنّ الحرية الطبيعية ليس فيها أيّ اعتداء على الأخلاقي، وخصوصا إذا كان الأمر في الفنّ. حين ينزع الرّداء وتنزع الحجب الثقافية عن هذا الجسد التواق أبدا إلى أن يرى نفسه كما خلق يبدأ حسب الطبيعييّن رجوعا إلى الروح العارية إذ ليس الجسد إلا حجابا وسجنا للروح. نقترب ههنا من تعابير ثقافية كثيرة تعتبر الجسد حجابا وتسعى عبر كشفه أو حتى تعذيبه إلى تحرير الروح من عقالها الدنيوي.
الجسد الذي يخفى أو يكشف يكتسب في الفلسفة والفنون والآداب أبعادا رمزية، ويعني ذلك أنّه يفقد إحاليّته التي له وهو جسد مادي حيّ يراد أن تنزع عنه الأحاسيس الحية التي ترتبط برؤيته المباشرة في أوقات التواصل الذي تريده النفس الشهوانية، وأن يحشى بدلالات جديدة منها ما هو جمالي موجب ومنها ما هو رمزي سالب.
المشكل أنّ الوصول إلى هذا الوعي يتطلب لا تجريدا فكريا بل نزعا لكلّ ما تلبّس بأنفسنا من أفكار ومشاعر حول ذلك الجسد هناك ثقافات استطاعت أن تصل إلى هذه الدرجات المتقدّمة من تحويل المشكل إلى حلّ والحقيقي إلى رمزي ولكنّ ثقافات أخرى عجزت عن الوصول إلى ذلك ومات يحدث على مستوى الجماعات يحدث على مستوى الأفراد.
فمن يرى تمثالا عاريا في ساحة عمومية يمكن أن يراه خلقا فنيّا ويمكن أن يراه مثيرا لغرائز مكبوتة لا يعلمها إلاّ هو: الفرق في الناظر هل يرى التمثال تمثيلا أم يراه مثيرا. تهذيب الثقافة وتعويد الناس على أن يجردوا الأشياء وأن يأخذوا الفنّ للفنّ ما تزال طريقه طويلة وهذا أمر موكول إلى المدرسة وإلى المجتمع من قبل ومن بعد.
لم تطرح مسألة العري طرحا حقيقيا إلى يوم الناس في الثقافات المحافظة، ولم يطرح العري في الفن أيضا الطرح الثقافي الذي عليه أن يراعي معطيات الأخلاق والدين والمجتمع من ناحية ولكن يراعي أيضا مقتضيات الفنّ من أخرى.
الأجيال الجديدة لا تعرف كلمة صنم أكثر من معرفتها كلمة تمثال وهذا يدلّ على وعي بالفارق بين البعد الجمالي الذي في هذه التماثيل. البعد العقدي الذي تلبست به منذ القديم.
لا أحد يمكن أن يعود اليوم إلى عبادة الأصنام هذا كان في حياة البشر مرحلةً من تمثيل الآلهة قبل أن يتطوّر مفهوم المعبود من مجسّد في صنم إلى شيء ذهني مجرّد وفي تطوّر العقول لا يمكن أن يتراجع إدراك الناس من مرحلة تجريدية خُطاطية إلى مرحلة التمثيل بالمحسوس.
لذلك لا يمكن أن نرى أصناما بل نرى ما نراه مجسدا في مرمر أو شموع في رفيع الموادّ أو في بخسها: نراه تماثيل فنية لا أصناما وما دمنا قادرين على أن نقتل الشرك بالإله في أرواحنا بمجرّد أن نرى أصناما فنحن ومن باب أولى وأحرى قادرون على أن نقتل إيحائية العري في الأجسام العارية في التماثيل أو حتى في الفنون الأخرى
نحن نحتاج اليوم إلى منطق واقعي يتعامل فيه الثقافي الواسع مع العري بما هو فنّ وليس بما هو خدش للحياء، فهذان طرحان مختلفان؛ الفنّ لا يمكن أن يخدش الحياء إن كنّا نتقبّله على أنّه فنّ، أمّا إن كنّا نتقبّله على أنّه شيء يذكرنا بالواقعي فهذه درجة لا تدلّ على أنّا نجحنا في تربية الناس على الفنّ.
الفنّ ضرب من التمثيل والتعبير لا علاقة له بالتواصل اليومي بالكلام وأنا لا أفهم كيف نتقبّل أن يصوّر الشاعر الجاهلي أو حتى الإسلامي المرأة في أبهى حللها ويعريها ويرسمها عارية بالكلام ولا نتقبّل ذلك في الرسم أو في غيره من الفنون علما أنّ الكلام أقوى درجة في الإيهام وفي تقريبنا من الموصوف المعرّى من التجسيد بالتماثيل أو بالرسوم.
الفنّ لا خوف منه ولا هم يحزنون لم ينجب الفنّ في العالم إرهابا. مدرسة الفنّ هي مدرسة من مدارس الأخلاق والأدب ولا يمكن أن تكون بؤرة فساد. نحن البشر حين نتشرب من الفنّ لا يمكن أن نمارس الفساد ولا يمكن لفنّان أن يوصي الناس بأن يتقاتلوا في الفنّ.
الفنّ كان - ولا يزال - رمزا للحياة الجميلة لا يدخلها إلا بالحلم وليس الحلم حراما حتى وإن كان الحالم يقف أمام ثمثال عار للجمال والفتنة والإغراء أو للفحولة والرجولة.
إنّ إخفاء الإيطاليين التماثيل النسوية أو الرجالية وهي بثياب حوّاء وآدم، وحتى لو كان ذلك في باب ما ادّعي أنّه احترام للثقافات وهروبا من خدش الحياء، لن يكون خدمة لثقافتنا في تصوّر الآخر الإيطالي أو الأوروبي عموما. فنحن في تصوّره ضدّ العري في الفنّ وإنْ كنّا كذلك فنحن لا نميّز بين الفنّ والواقع بل نحن نهرب من عري ذواتنا.
حين تغمض عيناك عن عري تمثال فأنت تكره نفسك العارية، وحين يخفي ضيفك لوحة أو تمثالا فيه عري حين تزوره فاعلم أنّك ضيف ثقيل لأنّه في غيابك سيكشفه وسيزيح الظلمة عن قطعة فنية تصفو لها نفسه ويرى الجمال ينبعث منها. في هذه الحالة لن نكون مصدرا للجمال بل سببا لإخفاء الجمال.
..............
د. توفيق قريرة أستاذ جامعي من تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.