اتهامات للحكومة بالفساد واهدار المال العام من خلال هوجة الخصخصة وبيع الشركات العامة وما أحاط بها من شبهات وما قيل عن حصول بعض المسئولين علي رشاوي وعمولات أثناء عمليات تقييم الأصول هذا ما طرحه عدد من نواب الشعب تحت قبة البرلمان خلال الفترة الماضية في استجواباتهم لرئيس الوزراء ووزراء الاستثمار والقوي العاملة والتنمية المحلية.. حيث أكد بعض النواب بأن اتجاه الحكومة وخضوعها لضغوط البنك وصندوق النقد الدوليين في تسريح وتيرة الخصخصة أدي إلي ضياع عشرات المليارات بالإضافة إلي ضرب القاعدة الصناعية للدولة وتفاقم أزمة البطالة مما يعد تهديدا للأمن القومي المصري. والاستجوابات التي عج بها البهو الفرعوني تركزت علي عدة نماذج صارخة لإهدار المال العام خلال صفقات فاضحة في شركات مدينة نصر للإسكان والتعمير وعمر أفندي وسيدي عبد الرحمن "ايجوت" وبيع فندقي الميريديان وشيراتون الغردقة حيث حرصت الحكومة خلال عقد هذه الصفقات المشبوهة علي الترويج لها من خلال حملات دعائية واسعة في وسائل الإعلام الرسمية لتغليل الرأي العام وإقناع الشعب بأنها ستبيع الشركات الخاسرة فقط بهدف دعم الشركات الاستراتيجية وبناء صروح صناعية جديدة وتوفير فرص عمل كما أكدت عدم المساس قطعيا بحقوق العمال وأن هناك خطوطا حمراء تحمي أصول الدولة!! إلا أن هذه التصريحات والتأكيدات ذابت كلها مع تيار الخصخصة الهادر الذي أطاح بكل ما في طريقه..فشركة مدينة نصر للإسكان والتعمير التي تأسست عام 1959 بهدف تعمير ضواحي مدينة نصر وأقطعتها الدولة علي هذا الأساس مئات الملايين من الأفدنة. ففي منتصف التسعينيات ومع بدء برنامج الخصخصة طرحت الدولة 65% من أسهمها في البورصة بالإضافة إلي 10% لاتحاد العاملين فتحولت من شركة تخضع لقانون قطاع الأعمال رقم 203 إلي شركة مساهمة تخضع للقانون رقم 159 إلا أن الدولة ظلت صاحبة الحصة الأكبر (35% ) مما أتاح لها الاستمرار في تشكيل إدارة الشركة ورسم سياساتها بينما تفرقت الحصة الباقية علي أفراد بحصص أقل. وحتي أواخر 2006 كان للشركة القابضة للتشييد والتعمير 25% ولاتحاد العاملين 10% مما يجعلهما معاً أكبر المساهمين (35%)وكانت هناك حركة دءوبة لتجميع أسهم الأفراد من البورصة بواسطة مجموعة من التحالفات للسيطرة علي اتخاذ القرار في الشركة، حيث اشترت شركة بيلتون كابيتال القابضة للاستثمارات بتاريخ 24 ديسمبر 2006 26.4% من الأسهم بمبلغ 464 مليون جنيه. تزامن ذلك مع رغبة جامحة من وزير الاستثمار لبيع الأصول العامة وتسابق العديد من رؤساء الشركات القابضة والتابعة لارضائه، وفي هذا الإطار بدأ الضغط لبيع جزء من حصة الشركة القابضة للتشييد والتعمير، فحذر الكثيرون دون جدوي من أن ذلك سيفقد الدولة السيطرة علي القرار الخاص بكنز الأراضي واضطر رئيس الشركة السابق طاهر المغربي إلي تقديم استقالته فتولي بدلا منه المهندس أحمد السيد الذي يرأس في الوقت نفسه الشركة القابضة للتشييد والتعمير. فيما وافقت الجمعية العامة للشركة القابضة للتشييد والتعمير برئاسة وزير الاستثمار علي بيع 10% من حصة الشركة القابضة وباع اتحاد العاملين 5% من أسهمه لتنخفض حصتهما معاً إلي 20% فقط، فأصبحت شركة بيلتون هي صاحبة الحصة الأكبر والمسيطرة علي مجلس الإدارة لأول مرة. وقرر المساهمون الجدد ضم المهندس أحمد السيد رئيس الشركة القابضة للتشييد والتعمير إلي عضوية مجلس إدارة شركة مدينة نصر ( التي أصبحت شركة خاصة) بصفته من ذوي الخبرة .ثم أصبح رئيساً لمجلس الإدارة مع مضاعفة راتبه وبدل انتقاله من مقره في مدينة نصر إلي مقر الشركة في الشارع المجاور. أما خصخصة فندق الميريديان عام 1993 فقد شابتها مخالفات خطيرة حيث تم عرض فندق الميريديان للبيع وتبلغ مساحته 21 ألف متر مربع في موقع رائع في أقصي الطرف الشمالي لجزيرة المنيل، وكان سعر المتر في هذا التوقيت حوالي 30 ألف جنيه، أي أن قيمة الأرض وحدها كانت تزيد علي 630 مليون جنيه مصري، ثم بيع الفندق إلي أمير سعودي بمبلغ 75 مليون دولار فقط وبالتقسيط، أي بنحو 40% من قيمة الأرض وحدها، فضلاً عن أن سعر بيع الفندق لا يتجاوز قيمة الأرباح الصافية للفندق في أربع سنوات وكذلك فندق شيراتون الغردقة، حيث تم بيعه لنفس المستثمر السعودي الذي اشتري الميريديان وتم اعطاؤه حق الانتفاع بالجبل والشارع في الغردقة والفندق الآن مغلق منذ فترة مما يعد اهداراً خطيراً للمال العام. ثم جاءت كارثة عمر أفندي التي بيعت مقابل 950 مليون جنيه وبشروط مجحفة حيث تم بيع 82 فرعاً تزيد قيمتها علي 2 مليار جنيه وكانت النسب كالآتي: الشركة القومية للتشييد والتعمير "إحدي الشركات القابضة التابعة لوزارة الاستثمار" بنسبة 10% من أسهم رأس المال وجميل عبد الرحمن محمد القنبيط "سعودي الجنسية" نسبة 20% من أسهم رأس المال ورياض عبد الرحمن محمد القنبيط سعودي الجنسية بنسبة 30% من أسهم رأس المال وشركة أنوال المتحدة للتجارة نسبة 10% من أسهم رأس المال. وقد خالف القنبيط بصفته رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة بالاشتراك مع باقي أعضاء مجلس الإدارة شروط ومواد عقد بيع وشراء نسبة 90% من أسهم رأس مال الشركة المؤرخ في 2006/11/2والمتضمن الزام المشترين بالمخالفة علي استمرار نشاط الشركة في الغرض الذي أنشئت من أجله وتطويرها والمحافظة علي حقوق العاملين. وقاموا بإعداد "ميزانيات" خلال الفترة من 2007/2/8 حتي 2009/3/31 اثبتوا فيها مخصصات دون أية مستندات تؤيدها ثلت في تخفيض قيمة بعض الأصول والمديونيات المستحقة للشركة علي الغير وزيادة بعض المصروفات والالتزامات علي الشركة مما ترتب عليه خسائر بلغت 532.5 مليون جنيه أي تزيد علي رأس مال الشركة!!ومن بين تلك الخسائر مبلغ 379 مليون جنيه خلال ال 6 أشهر الأولي من إدارة المشترين للشركة. وبعد 8 أشهر من المعارضة الشعبية والإعلامية الكبيرة لتنفيذ هذه الصفقة الفضائحية، تم توقيع عقد بيع شركة في 2 نوفمبر 2006 بمبلغ 590 مليون جنيه فقط بينما الأرض الفضاء التي حصل عليها المشتري كانت تقدر بحوالي 240 مليون جنيه. فيما أخفت الحكومة عقد البيع لمدة سنة كاملة وسط زفة إعلامية حكومية بأن المشتري الجديد لن يستطيع ان يبيع أي فرع بما فيها الفروع الأثرية ولن يغير النشاط وأن العائد السنوي للحكومة من هذه الصفقة حوالي 125 مليون جنيه كضرائب علي الأرباح الخيالية المتوقعة تحت قيادة المشتري السعودي فضلاً عن ثمن البيع، وتوقع هادي فهمي أن نصيب الشركة القابضة للتجارة من عشر الأرباح مع المشتري السعودي (لاحتفاظها ب10% من الأسهم) سيفوق ما تحصده الدولة من عمر افندي وهي في يد الدولة. ثم تمكنت عدة صحف معارضة ومستقلة من الحصول علي صورة منه لم تنفها الحكومة واعترف بصحتها المشتري السعودي واتضح أن البيع ليس حق انتفاع كما أشاعت الحكومة وكما أوصي النائب العام وإنما هو بيع كامل لأصول الشركة واسمها التجاري بما فيها الفروع الأثرية وذات القيمة الجمالية.. أي أن الحكومة باعت بأقل من 600 مليون جنيه فقط ما قيمته الرسمية حوالي 1300 مليون جنيه وقيمته الفعلية تزيد علي 2 مليار جنيه ولم يستقل وزير الاستثمار ولم تسقط الحكومة رغم هذه الفضيحة. وبدلاً من أن تحصد الدولة الأرباح كما أعلنت من قبل، أعلن المشتري ميزانية الأولي بخسائر 380 مليون جنية طالبا من الدولة أن تتحمل نصيبها في الخسارة أي 38 مليون جنيه ثم تضاعفت مطالباته إلي أن تجاوزت 130 مليون جنيه. شركة "إيجوث" من شركات قطاع الأعمال (الذي جيء به في عام 2005 ويتولي مهام البيع بسرعة مشهود بها ورغم ما أحاط بصفقاته من ملابسات "أرض سيدي عبد الرحمن- أرض ميدان التحرير- أرض العين السخنة" فإن أسهمه في ارتفاع لدي الدولة). تستحوذ شركة إيجوث علي مساحات كبيرة من الأراضي المتميزة التي منحتها لها الدولة بهدف بناء مشروعات سياحية " فنادق ومنتجعات" وتعتمد في أرباحها علي بيع هذه المشروعات أو إدارتها مباشرة أو من خلال خصخصة الإدارة. فقد وافقت الجمعية العامة للشركة القابضة للسياحة برئاسة وزير الاستثمار محمود محيي الدين علي بيع أرض سيدي عبد الرحمن المملوكة لشركة إيجوث (6.3 مليون متر مربع في موقع متميز علي الساحل الشمالي وعليها فندق سيدي عبد الرحمن التاريخي وعلي جانبه 16 فيللا) ورغم أن القرار شكليا منسوب للجمعية العامة فإن الفاعل الحقيقي هو وزير الاستثمار رئيس الجمعية العامة فهو الذي يعين أعضاءها ويعزلهم، هذا القرار أجبر الشركة علي بيع الأرض بدلاً من استثمارها كالمعتاد والفارق هو مال عام ذهب للمشترين بدلاً من أن يذهب لشركة "إيجوث".