بعد ظهور حركة كفاية وخروجها إلي الشارع ووقوفها ضد التوريث، ظهرت حركات كثيرة ومتعددة تطالب بالتغيير بعيداً عن الأحزاب السياسية الشرعية وكأن هذه الحركات الاحتجاجية أصبحت "موضة" سياسية يتسابق البعض علي الانضمام إليها ومنها علي سبيل المثال، الجمعية الوطنية للتغيير التي اسسها د. محمد غنيم ود. محمد البرادعي، وطلاب من أجل التغيير، وشباب 6 إبريل، وحركة شعبية من أجل التغيير، والتجمع اليساري من أجل التغيير، معا ستغير، ولم تخل هذه الحركات من السخرية فظهرت حموات من أجل التغير وهي حركات دمها خفيف.. ولو نظرنا علي الإنترنت إلي مواقع من أجل التغيير نجد أنها يصعب حصرها فهي كثيرة ومتعددة بسبب سهولة المعارضة من خلال الفيس بوك، ونادراً ما يحدث صدام بينها وبين الأمن حيث يخشي هؤلاء التصادم مع الأمن. ولكن ظهر مكمن الخطورة عندما بدأت تظهر جبهات أخري تدعم وتؤيد ترشيح "جمال مبارك" للمنصب الرئاسي مثل جبهة الائتلاف الشعبي لدعم "جمال مبارك" وجمال لكل المصريين، ومؤيدون وعايزينك، ولا للإخوان لا لنور، بعيداً عن شنبك.. مقابل الجبهات الأخري التي تطالب بالتغيير التي لم تصمت وخرجت جبهات أخري تحت عنوان "ما يحكمش" أو مصر كبيرة عليك فهل كل هذه التكتلات لا تهدد الأمن والسلام الاجتماعي للمجتمع؟ وهل الدولة مستعدة كعقلية سياسية لمواجهة تلك الجبهات أم سينتظر الكل حتي يعرف جبهات التغيير رايحة بمصر علي فين؟! يري د. رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات والابحاث أن هذه الجبهات لا تشكل خطورة علي الاستقطاب الشعبي ولا ينفي أن بعضها قد يكون جيداً وله هدف يسعي لتحقيقه ويسانده الكثيرون عن اقتناع بهذا الهدف، ولكنه يؤكد أن معظم هذه الجبهات تعمل وفق الهوي الأمريكي، ووفق سيناريو الفوضي الخلاقة الذي تسعي الولاياتالمتحدةالأمريكية إلي تحقيقه في مصر.. وهذه الجبهات تتمتع بالصوت العالي والصراخ والجري وراء سلبيات النظام وتضخيمها من أجل كشف عوراته لكسب مزيد من التأييد الشعبي لتظهر أمام الولاياتالمتحدة أنها الأقدر علي تنفيذ الأجندة الأمريكية، وهذا يحدث في مصر سواء كان لمصلحة أو لغير مصلحة للشعب المهم مصلحة هؤلاء أصحاب الصوت العالي. وفي تأكيد من د. رفعت علي أن هذه الجبهات تضغط وبشدة لتحويل مصر عن قرارها السياسي أو التأثر عليه خاصة في نهاية عصر مبارك أو خلال عامي الفتنة اللذين سيتم فيهما إجراء انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية فهذه جبهات سيئة النية والدور والهدف علي المستوي الاستراتيجي للدولة، خاصة أنها لا تلعب علي المستويات الأقل، ومع هنا يري أنها لن تستطيع تفسير شيء والتغيير يفرز الصالح من الطالح، والشعب المصري لديه درجة عالية من الذكاء برغم ظروفه الصعبة سواء السياسية أو الاقتصادية إلا أنه سيكشفهم ويعريهم أمام الذين اختاروهم ليكونوا دمية في أيديهم معتقدين أنهم يستطيعون قيام الدنيا وإقعادها. ويضيف ساخراً أن هؤلاء لا يعرفهم حتي بواب العمارة ولا يعرفون ماذا يريدون أو ماذا يفعلون؟ اهم فقط مجرد ظواهر صوتية وإعلامية وللأسف الدولة فيها حالة من الخلل والاضطراب بسبب قضية التوريث وتوجد قطاعات داخلها تؤجله وقطاعات أخري تعجل به والدولة غير قادرة علي استيعاب هذه القوي استيعاباً استراتيجيا بحضورها السياسي القوي، فتحاول أن تخلق جسراً حقيقياً مع حزب سياسي كبير .. لأن الأحزاب السياسية كثيراً منها تقلص وتحتاج إلي تنظيف من الداخل والبعض يئس من هذا فخرج منها وخلق نوعاً آخر من المعارضة ضد قيادات المعارضة التي ظلت هي الأخري في مكانها ثلاثين سنة. ويؤكد أبو العز الحريري القيادي اليساري أن هذه الحركات ما هي إلا لتنوع الآراء والرؤي الذي يؤدي إلي تفاعل وحراك سياسي عام يدور حول مصالح الشعب بعرض وجهات نظر مختلفة وسينشأ لهذه الحركات قادة ورموز يسعون لتحقيق أهدافهم بعدما زاد الوعي وانتشر بشكل عام عن طريق الفضائيات والانترنت .. فمثلا حركة 6 إبريل خرجت بعد إضراب عمال المحلة والمطالبة بتحسين أوضاع اقتصادية واجتماعية، ولكن كثرة الجماعات المؤيدة للنظام عليها بتبني أفكار عامة براقة وممارسات عكس التي تمارس. وهنا يحدث الفرز الطبيعي والحتمي ، لأن هذه التجمعات تسير عكس مصالح الشعب، ومجموعات الشباب التي يتم تجييشها لصالح "جمال مبارك" لن ينخدع فيها الشعب علي المدي الطويل، وستنكشف الخديعة وتنقلب إلي اتجاه إيجابي .. لأن الدولة لم تعد قائمة وموجودة إلا في طبقة مندمجة مع الطبقة الحاكمة علي مؤسسات الدولة، فكانت فكرة وجود سلطات بديلة أو موازية بزعامة طاغية، أو بمجموعة من الزعامات كما يظهر الآن حتي يكتمل دورهم ويكون موازياً للزعامة الرئيسية في رئاسة الجمهورية مع مجموعة من القوي السياسية لتكون بديلاً عن الطبقة المسيطرة التي تتعامل مع الفساد الذي أصبح يغطي أداء الحكومات. فالجبهات المطالبة بالتغيير هي التطور الطبيعي الذي يعبر عنه الضغط الشعبي لتصحيح الموقف تجاه العدالة وحقوق الإنسان كما حدث في قضية مقتل "خالد سعيد" وقضية العبارة التي راح ضحيتها ألف شهيد، وقضايا القطارات وأكياس الدم التي أعيدت المحاكمات فيها بعد انفجارات شعبية مثلت ضغط علي النظام. ويصف حمدي الكنيسي رئيس الإذاعة الأسبق وعضو مجلس الشعب السابقي جبهات التغيير بالألتراس السياسي، مع أن هذه الجبهات جديدة علي الشعب المصري وأيضا في الحياة السياسية لأنها نشأت بعيدة عن الأحزاب السياسية ولهذا لها وجهان وجه صحي إذا كانت نابعة عن الشعب بعيداً عن التدخلات والاجندات الخارجية وتعبر عن رغبة أكيدة لدي قطاعات من الشعب في المشاركة السياسية من خلال الدعوة لطرف وتأييده دون طرف آخر خاصة أن الشعب المصري كان بعيداً عن مثل هذه المواقف الإيجابية والحرص علي الاختيار الذي يريده، ويأمل في تحقيق مطالبة بتأكيد الديمقراطية، وهذا الجانب المقبول.. ولكنه حذر من الوجه الآخر لهذه الجبهات وهو المبالغة في الحشد ككل جبهة لمن نريد استقطابهم بطريقة انفعالية زائدة وغير سليمة وتعبر عن التعصب الذي يرفضه الآخر، ولا يري شيئاً إيجابياً والنتيجة التي يمكن أن تنتهي إليها هذه الظاهرة هي شدة التعصب وتحويل هذه الجبهات إلي ألتراس سياسي. ويرفض "الكنيسي" حشد الجبهات والتعصب لها حتي لا يكون الأسلوب والفكر الخاص بكل جبهة مطالبة بالتغيير أشبه بأسلوب فكر المتعصبين الذين ينضوون تحت لواء "الألتراس"، وهو العنف والتعصب والاستعداد للمواجهة العنيفة، فجبهات المطالبة بالتغيير ستولد ألتراس سياسياً، بل ألتراس شعبياً وسيكون أشد وأعنف وأخطر من الألتراس الكروي الذي نعاني منه في الملاعب .. والدولة غير منتبهة إلي تلك الجبهات وقد رأينا الأخطاء والخطايا التي قام بها الألتراس من جمهور الكورة داخل الملاعب .. والخوف كل الخوف إذا لم ننتبه إليه جميعاً سينتقل إلي الشوارع تحت مسميات أخري وهنا مكمن الخطورة علي أمن المجتمع وسلامه الاجتماعي، إذا استفحل التعصب والفكر المتشدد لدي كل أفراد الجبهات طالما لا يوجد مشروع قومي أو هدف يجمع هؤلاء المنتمين إلي تلك الجبهات الاحتجاجية .. فقد يحدث انفجار شعبي قد يتقاتل ضد بعضه يسبب تلك الجبهات. ويدافع "كريم الشاعر" عضو الجمعية الوطنية للتغيير عن هذه الجبهات التي تطالب بالتغيير ويري أنها أصبحت موجودة في الشارع ولن تتراجع حتي تحقق مطالبها رغم مشاكلها مع الأمن، ولكنه يعتقد أنها أحدي الطرق السياسية التي تضغط علي النظام عن طريق العمل بالتوحد والتواصل بعدما أصبحت المناداة بالتغيير عن طريق الأفراد لا تؤتي ثمارها، والأحزاب مكبلة بقوانين الطوارئ ولا تستطيع الفكاك منها .. وكانت طموحاتهم قبل ظهور حركة كفاية أن يخرج أحد للشارع ويطالب بالتغيير الذي كان لا ينادي به غير الأحزاب من خلال مؤتمراتها وجرائدها فقط، وليس في الشارع .. وفجأة خرجت حركة كفاية للشارع لتطالب بمنع التحديد والتوريث والمطالبة بالتغيير فنجحت في نزع الخوف من معظم الشعب خاصة الشباب الذي انطلق فجأة كالما رد علي صفحات الفيس بوك وحركة 6 إبريل وطالبوا بالتغيير الذي ينتظره الشعب كله ويتمناه. وعن تخفي البعض منهم وراء صفحات الفيس بوك يفسر "الشاعر" هذا التخفي بأنه لا يزال البعض غير مقتنع بالنزول إلي الشارع حيث يخاف من التهديدات الأمنية، لأنها عامل مؤثر بالفعل حيث يسود التعامل الأمني البطش والقمع والتنكيل بكل حركات المعارضة فهذا السبب وراء التخفي علي صفحات الفيس بوك بحجة أن الدولة لا تستطيع التعامل معهم بالحوار السياسي الهادف لأنهم سيطالبون بحقوق مشروعة وبذلك يتم إخراج النظام عندما لا يلبي هذه المطالب ولذلك يسهل علي النظام التعامل معهم من خلال فرق الكراتية المناهضة لأعمال العنف والشغب مع أنهم- علي حد قوله- مسالمون ويقفون وقفات اجتجاجية أو في مسيرة مسالمة لكن النظام لا يسمح لهم بذلك. ويؤكد اللواء وجيه العفيفي مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الأمور في مصر أصبحت تمثل نوعاً من الانقلاب الخطير وعدم الاستقرار السياسي والسعي لإحداث الفوضي العارمة داخل مصر بسبب إصرار الحكومة علي عدم تغيير الدستور والدخول في عمليات مرتبطة بالتوريث، ويراه عاراً حقيقياً علي النظام. ويري أيضا أن هذه الجبهات المطالبة بالتغيير هي أحدي العمليات الخفية التي تمارسها أمريكا وإسرائيل في السعي إلي زعزعة الاستقرار في مصر، وحدوث الفوضي العارمة داخل المجتمع .. مع محاولات إضعاف الأحزاب السياسية، وإيجاد أحزاب مسيسة ترتبط بالجوانب الديكورية التي لا تقدم بل ستؤخر لأنها في صورة ديمقراطية هيكلية.. وعدم وجود نظام واضح يرتبط بطبيعة الشعب، وعدم السعي إلي أن يكون رئيس الدولة والحكومات خادماً للشعب الذي يعاني من ويلات الخراب والدمار من سياسات الحكومات المتعاقبة. ويؤكد العفيفي أن النظام السياسي هو السبب في ظهور تلك الجبهات عندما ظهرت الجمعية الوطنية للتغيير التي تساند د. البرادعي، وبدأت تحرك المياه الراكدة فبدأت حملات التشكيك من جانب النظام والحكومة وكتاب السلطة سعيها لإجهاض تلك الجبهة برغم أن التغيير هو سنة الحياة .. مما جعل جبهات التغيير في زيادة مستمرة، وأيضا النظام لم يصمت فأنشأ جبهة أخري لدعم عملية ترشيح " جمال مبارك" وهذا يؤكد ويرسخ النفاق السياسي الذي لا يمثل الحقيقة الفعلية من الجانب العملي في عدم منع أي إنسان من الترشيح حتي لو كان "جمال مبارك" لكن تحت قاعدة متساوية، بعيدا عما يطلبه "ترزية القوانين"، التي تحاول وضع القوانين في محاولة لإبعاد كل إنسان شريف عن سدة الرئاسة بما فيها الأحزاب والتأثير عليها في خوض التجربة بنوع من الاعتبار والتقييم الموضوعي. وعلي الرغم من تأكيده أن منصب رئيس الجمهورية مهم وخطير، لكن يجب ألا ينسي المرشح أنه قادم هو وحكومته لخدمة الشعب.. وأن الاستقرار السياسي هو الذي يرتبط بوضع الأسس الموضوعية بعيداً عن أي قيود لمنصب رئاسة الجمهورية ثم لابد من السعي لتغيير الدستور، وإلغاء المواد المقيدة للحريات.. وعلي حسب قوله••فإن الدستور ليس قرآناً ولكنه في المقام الأول وضع لخدمة الشعب وحتي لا تنتشر الجبهات العديدة المطالبة بالتغيير والتي يراها مدعاة للفوضي. طالما لا يوجد الحوار الذي يراه الوحيد الذي يكشف العملاء والمنافقين الذين جاءوا علي لسان الإعلام الأمريكي لخدمة أهداف أمريكية، مستغلين أن مصر أصبحت عزبة أو تكية لمن يحكمها فأصبح الشعب يذوق الفقر المدقع وتحول إلي الاستجداء للمعونات الأمريكية بالرغم من كراهيته المطلقة لما تثيره الصهيونية العالمية، والأعمال الإسرائيلية المعربدة في المنطقة. ويتساءل اللواء وجيه العفيفي عن تحويل هذه الجبهات المختلفة والمتعددة؟ ويؤكد أن التحويلات الأجنبية قد تكون إحدي وسائل الدعم لهذه الجبهات لذلك يري أن الحوار الصادق بين الأحزاب المصرية وبين هذه الجبهات، ويؤكد أن هذا يقصد به حماية للحزب الوطني الجاثم علي صدورنا منذ ثلاثين عاماً مما كان السبب في وجود هذه المهاترات طالما لا يؤمن بالتغيير، وكأن مصر أصبحت عزبة أو تكية لقادة الحزب الوطني، ويمكن للحوار أن يكشف عن حقيقة تلك التحويلات وعدم وجود الشفافية أدي إلي ظهور الخلل السياسي، فظهرت الجبهة الشعبية لدعم وترشيح "جمال مبارك" وتساءل أيضا عن الدعم المالي الذي حصلت عليه تلك الجبهة؟ ولماذا لم يتم نزع الملصقات الخاصة بها مع أنها تخالف قوانين الترشيح؟ وهل إذا قام أحد الفرق الأخري من الجهات المضادة بلصق دعاية لمرشح ما ستتخذ الحكومة جميع الوسائل لمنع وتوزيع تلك الملصقات مما يزيد الجو العام احتقانا فوق احتقانه، وقد تري صراعاً بات وشيكا بين تلك الجبهات.