تركة ثقيلة ورثها أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني عن والده بسبب دعم وتمويل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين والذي وضع الدوحة في خانة العزلة السياسية والقطيعة الدبلوماسية من الدول العربية كجمهورية مصر، الأردن وسوريا ومن أقرب جاراتها في دول مجلس التعاون الخليجي السعودية، الإمارات، البحرين، ولكن بدلاً من أن يبذل الأمير الشاب محاولات حثيثة في ترميم علاقات قطر بدول المنطقة برسم مسار آخر للدبلوماسية مضى في ذات الطريق المرسوم له من قبل، حيث ظهر هذه الأيام بجولات ماكوكية متواصلة هنا وهناك في مسعى لتعزيز النفوذ القطري بمساندة حلفاء سابقين والبحث عن شركاء جدد لفك طوق العزلة الخليجية، غير آبه بقرار سحب دول الجوار لسفرائهم، وتجاهل الخلاف المصري، وشملت تلك الزيارات قطاع غزة، السودان، تونس، الأردن، فلسطين، وتكتسب تلك الزيارات أهمية كونها الأولى للأمير القطري منذ توليه الحكم، مما يعطي مؤشرات بأن الدوحة تبحث عن موطئ قدم في المنطقة ببناء علاقات مع دول المنطقة. ويقول د.محمد السعيد إدريس رئيس وحدة دراسات الخليج بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: أن زيارة أمير قطر إلى السودان أمر متوقع، خاصةً وأن جماعة الإخوان المسلمين صعدت إلى السلطة بقيادة الرئيس عمر البشير قبل 25 عاماً، وتابع: يبدو أن زيارات أمير قطر تهدف إلى كسر حاجز العزلة المفروضة عليها من جيرانها الخليجيين ومصر، وأكد أن قطر الحليف المقرب من الخرطوم، والتي هي في حاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر لإنهاء أزمات الاقتصاد المتراكمة بعد انفصال الجنوب واستحواذه على 70 في المائة من النفط، والذي تسبب في انخفاض قيمة الجنيه السوداني في السوق وارتفع التضخم، بالإضافة إلى أن الدوحة وعدت حكومة السودان بمساعدات تقدر بنحو مليار دولار لمساعدة تعزيز احتياطياتها من العملة الصعبة، وتمويل مشاريع زراعية وصناعية، ولكن لم يتم الكشف عن شروط هذه الأموال، ولفت إلى أن قطر تحاول توصيل رسائل إلى جيرانها في الخليج ومصر بأنها لن تهتم بمواقفهم السياسية نحو الدوحة، وستواصل دعمها للإخوان المسلمين، وبالتالي لن يتوقف نفوذ قطر وستعمل على تعزيز مواقعها السياسية والدبلوماسية في المنطقة. ويشير د. علي الصاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى توقف بعض البنوك الأوروبية والمصارف السعودية الكبرى عن التعامل مع السودان، وهو ما يعني عزلة الخرطوم وتقييد حركة الاقتصاد السوداني المتعطش للنقود لمواجهة التضخم، ويؤكد على أن البنوك التي جمدت تعاونها مع الخرطوم تعرضت لضغوط متزايدة من الولاياتالمتحدةالأمريكية، يعد استمرار فرض العقوبات الأمريكية لمدة تتجاوز سبعة عشر عاماً ضد السودان، ويقول الصاوي: أنه في ظل ما تشهده المنطقة من صراعات داخلية بعد ثورات الربيع العربي، أصبح التعامل التجاري "شحيحاً"، وجميع الدول في حاجة ماسة إلى المنح لإنقاذ اقتصادها المترهل، ولذلك فإنه من المتوقع أن تشهد المنطقة تقدماً سريعاً في العلاقات بين الدوحةوالخرطوم، لافتاً إلى أن قطر تحاول إيجاد موطئ قدم داخل السودان، خاصةً بعد أن استضافت المحادثات التي أقرت وثيقة الدوحة للسلام في دارفور عام 2011 بين الخرطوم وحملة السلاح في إقليم دارفور المضطرب غربي السودان، ورغم أن هذا الاتفاق لم يحقق السلام في دارفور، إلا أن الدور القطري آخذ في التصاعد، خاصةً وأن زيارة الأمير تميم للسودان هي الأولى منذ توليه الحكم وتعد من الزيارات النادرة لرؤساء الدول، نظراً لأن الرئيس السوداني عمر البشير مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. إنهاء الخلاف ومن جانبه أوضح د. حمدي عبد الرحمن الخبير السياسي بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية، أن أمير قطر أراد أن يطلق رسالة للعالم العربي يبرهن فيها على أنه لا يعبأ بالعقوبات السياسية التي خلفتها أزمة سحب سفراء عدد من دول الخليح، بخلاف الموقف المصري المتوتر مع الدوحة، رداً على دعم جماعة الإخوان المسلمين، والتدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، وعدم التوقيع على قانون تبادل المطلوبين أمنياً، وتابع: مؤخراً قام أمير قطر الشيخ تميم بزيارة مفاجئة وقصيرة إلى الأردن، ورغم أن الزيارة استغرقت يوماً واحداً إلا أنها تعكس أهمية سياسية لكلا الجانبين لا يمكن تجاهلها، نظراً لوجود علاقة فاترة بين الدوحةوعمان منذ تتويج الملك عبد الله عام 1999، بعد طرد قيادات حماس المقيمين في عمان، ولم ينجح تدخل قطر لإقناع الحكومة الأردنية لتغيير موقفها، موضحاً أن الزيارة تهدف إلى محاولات لإصلاح العلاقات السياسية بين البلدين، في وقت يُنظر للدوحة على أنها أصبحت منعزلة بشكل متزايد من قبل جيرانها الخليجيين بعد اندلاع نزاع سياسي مع المملكة السعودية والإماراتوالبحرين، ورفض أي من الأطراف وساطة لإنهاء الخلاف، بعد أن أصبحت قطر مركزاً لقادة الإخوان المسلمين الهاربين. ومن السابق لأوانه أن يزول الخلاف بسهولة بين الأردنوقطر بمجرد زيارة الأمير تميم إلى عمان، هذا من وجهة نظر د.جمال عبد الجواد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، الذي أكد أن الملك عبد الله يرفض تماماً جميع مساعي الوساطة القطرية للتعامل مع ملف حماس، على سبيل المثال عام 2012، قام ولي العهد آنذاك الأمير تميم بزيارة إلى عمان يرافقه خالد مشعل (حامل الجنسية الأردنية) رئيس المكتب السياسي لحماس، ورغم أن السلطات الأردنية سمحت لمشعل بزيارة الأردن في عدد من المناسبات، لكنها أيضاً رفضت إعادة فتح مكتب حركة حماس في عمان أو السماح للقادة الذين تم طردهم للانتقال والعيش هناك كما في السابق، ومن وقتها ظلت العلاقات بين قطروالأردن على حافة الهاوية، ويشير إلى أن الزيارة الأخيرة لم تتطرق إلى ملف حماس تماماً، نظراً لأن الدوحة تريد استعادة نشاطها الدبلوماسي بهدوء حذر، حرصاً على استمرار وتحسين علاقتها السياسية مع بعض الدول العربية، ومواجهة الأزمة المتصاعدة مع جيرانها الخليجيين ومصر، وتابع: الدوحة سوف تحسّن لهجتها الكلامية تجاه بعض الدول العربية مثل (الأردن، الكويت، السودان، الجزائر، تونس، وليبيا) من أجل البحث عن مواطئ قدم داخل القطر العربي، وحتى لا تكون منبوذة كثيراً من أنظمة هذه الدول، وأوضح أن زيارات الأمير تميم سوف تتواصل لإثبات أن الدوحة ليست معزولة، وأنه لا يزال يتمتع بأصدقاء في العالم العربي. بينما يرى د.جهاد عودة أستاذ العلاقات الدولية بجامعة حلوان، أن زيارة الأمير تميم إلى الأردن كان مخططاً لها في السابق قبل اندلاع النزاع الخليجي الأخير، ورغم أن عمان قد أعربت في وقت سابق عن استيائها من النزاع الخليجي الأخير، لكنها وقفت على الحياد، حتى تحافظ على بقاء العمال الأردنيين في دول الخليج بشكل آمن، وتابع: هناك توقعات بمساعي عربية لإنهاء العزلة السياسية لحركة حماس والانفتاح مجدداً على الأردن، خاصةً وأن حركة المقاومة تريد نقل مكتبها السياسي إلى العاصمة الأردنية (عمان)، وسيتم ذلك بضمانات قطرية، مقابل منح مالية لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المترهلة داخل الأردن، وأكد أن الملك عبد الله يعلم أنه لا يمكن المساومة على العلاقات القوية بين الأردن ودول الخليج الأخرى، وخاصةً المملكة العربية السعودية، ويرى الأمور بشكل مختلف بعيداً عن رؤية قطر وتركيا اللتين تدعمان قوى الإسلام السياسي، ولذلك لن تضحي عمان بالعلاقات الحيوية مع الرياضوالقاهرة في ضوء هذه الزيارة الأخيرة لأمير قطر، طالما أنه لا يأتي على حساب العلاقات الخاصة مع دول الخليج الأخرى. في سياق متصل ألمح د. معتز سلامة الخبير في الشأن اليمني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن السعودية لم تعد أقوى لاعب ذا تأثير كبير على الساحة اليمنية، ويمكن القول أن قطر تلعب حالياً دوراً سياسياً مهماً في اليمن، حيث نجحت في إقناع الحوثيين وفق مبادرة قطرية لإنهاء الحرب مع الدولة عام 2008، إلى أن عادت الحركة المسلحة في الظهور مجدداً بعد مغادرة علي عبد الله صالح لكرسي الحكم، ويشير إلى أن الثورات العربية التي بدأت في عام 2011 أعطت قطر فرصة ذهبية لدعم التيارات الإسلامية الموالية لها في الدول العربية، وتوفير الدعم المالي والإعلامي والسياسي بشكل مميز، ومن هذه التيارات المعارضة اليمنية التي تتآلف في معظمها من جماعة الإخوان المسلمين، حيث لم تجد الدوحة مانعاً من تبديل الولاءات من الحوثيين إلى جماعة الإخوان داخل اليمن، وأوضح أن الدوحة نجحت في اختراق الشئون السياسية اليمنية، وتجاهل كل القواعد المحددة سابقاً من العمل السياسي هناك، بجانب أنها أعطت نفسها القدرة على التأثير بشكل كبير وخطير داخل الشأن اليمني. وتعد الزيارة الأخيرة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الدوحة، مؤشراً على تدهور علاقة السعودية مع اليمن، بحسب د.مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حيث اعتبر دور قطر في اليمن بمثابة استنشاق الهواء، وحتى الآن لم يكتسب نفوذ الدوحة أهمية استثنائية في بعض الأحيان، لكن يبدو أنها عازمة في الحفاظ على تحالفها مع الإخوان المسلمين في اليمن، في أعقاب خلافات واضحة في الرأي مع جيرانها الخليجيين بشأن الأحداث الجارية في مصر، والتي أدت إلى سحب سفراء السعودية والبحرينوالإمارات من الدوحة، موضحاً أن الدوحة تمتلك علاقات واسعة مع (عائلة الأحمر)، أكبر قبلية في اليمن، فضلاً عن توسيع الدوحة لدائرة علاقاتها مع الإخوان وحلفائها في المناطق الوسطى اليمنية (بماحفظة تعز)، وفي الواقع، قطر تدعم مالياً التجمع اليمني للإصلاح الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين اليمنية، وهو ما يؤكد تراجع نفوذ السعودية داخل اليمن التقليدي منذ عقود. وفي ذات السياق يرى د.سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، إلى أن زيارة أمير قطر لدول المغرب العربي (تونسوالجزائر)، لا تخرج عن إطار دعم قطر لحكومة النهضة التونسية المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، وهو تأكيد على استمرار قطر نحو سياساتها الموالية للجماعة في المنطقة العربية، بجانب أن زيارة الجزائر ستكون لدعم الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة"، خاصةً وأن ترشح الرجل قسّم الشارع الجزائري إلى نصفين نصف يؤيده وآخر يناهض تجديد ولايته، خاصة وأن بلاده بحاجة إلى المال من أجل ولاية جديدة برؤية مختلفة اقتصادياً، وبالطبع الدوحة هي أبرز من يستطيع دعم هذه الدول بالمال، من أجل تعزيز النفوذ، موضحاً أن الشعوب العربية ترفض دائماً زيارات أمراء قطر، نظراً لأنها أخذت انطباعاً سلبياً حول سياسيات الدوحة نحو بلادها، ويؤكد أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية أن موقف قطر لا يتفق مع مصالح الجزائر في دمشق، كونها تريد إنقاذ النظام السوري، بينما تسعى الدوحة جاهدة لإسقاط الأسد، ولذلك كانت المعارضة الدبلوماسية بين الدولتين واضحة جداً، لاسيما داخل اللجنة المسئولة عن الحالة السورية في جامعة الدول العربية، لافتاً إلى أن الجزائر تشعر بالقلق حيال النشاط الإقليمي لقطر بدعمها لبعض الحركات الإسلامية في شمال أفريقيا، على سبيل المثال، في عام 2011 وفرت الإمارة القطرية الدعم المالي والدبلوماسي لحزب النهضة في تونس، بينما يختلف الأمر كثيراً في الجزائر، نظراً لوجود جماعات إسلامية أكثر تطرفاً، وفي حال دعم قطر لها ستؤدي حتماً إلى زعزعة استقرار الجزائر.