مازالت الحرب الأهلية السورية تخلِّف الكثير من الفظائع والجرائم الوحشية من قبل العصابات الإجرامية التي لا أحد يعلم انتماءها أو توجهها السياسي أو العسكري، وباستمرار تصور الكثير من وسائل الإعلام والمنظمات الدولية الرئيس السوري بشار الأسد بأنه مجرم القوس، وصحيح أنه المسؤول عن الجزء الأكبر من جرائم القتل والانتهاكات التي حدثت ومازالت تحدث، إلا أن اللعبة خرجت عن نطاق الرجل، وقاسمه في هذه الأزمات والأخطاء الكثيرة من التنظيمات المسلحة المتباينة المدعومة من جهات عربية ودولية، وجميعهم على قلب رجل واحد في سقوط سوريا وليس إسقاط الأسد. مع استمرار الحرب، كانت الصلة بين الجماعات المتمردة والجريمة المنظمة طويلة في الصراعات داخل الدول، وفي حرب أهلية مثل التي يعيشها الشعب السوري تعيش العصابات بعيداً عن القتال الدائر والصراع العسكري بين الطرفين، حيث تلجأ بشكل متزايد إلى الجريمة للحصول على الأموال والأسلحة ، حتى أصبحت ضريبة ثورية على جميع دول الربيع العربي أن تظهر العصابات وقت الفوضى والانفلات الأمني، حيث حدث ذلك في جميع دول الربيع العربي ومن قبلهم دولة العراق بعد الغزو الأمريكي، حيث رفع المسلحون في العراق شعار الحصول على الأموال من خلال عمليات ابتزاز ونهب وتخريب وخطف وتهريب، ومع استمرار المعارك السورية على نحو متزايد أكثر وأكثر مع انعدم القانون وباتت دمشق في السير على خطى بغداد. د.أميرة الشنواني أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة قالت: إن قتل الأسرى وغيرها من المسائل التي تواجهها الدولة السورية جريمة يعاقب عليها بالإعدام في جميع دول العالم ، ولكن الحرب الأهلية في سوريا جعلت جماعات المعارضة المتباينة تقوم بقتل الأسرى دون أي اعتبار لأي قانون أوشرع، نظراً لتجردهم من الإنسانية والإفلات من العقاب، وأكدت أن بعض هذه الجماعات المتمردة بعضها تابع للجيش السوري الحر، وغالباً ما يتم قتل الناس دون محاكمة، ولذلك استمر عدد القتلى في الارتفاع منذ بداية الانتفاضة السورية التي أوشكت على الدخول في عامها الثالث، وكون المعارضة المسلحة تسيطر على المدن والقرى وفقاً لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، فإن هذه الجماعات تأخذ الأسرى من الجيش السوري النظامي أو من يؤيدون بقاء بشار الأسد أو من يعاديهم بعيداً في هذه القرى لقتلهم كما زعم التقرير أيضاً أن الجماعات المتمردة ارتكبت انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي تصل إلى جرائم حرب، ومع انشغال الدولة بالحرب العسكرية الطاحنة هناك أفلت كثير من هؤلاء المتمردين من العقاب. ويرى د.مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن سوريا أصبحت بلداً ذات بيئة قتالية وجنائية، وعلى نحو متزايد ظهرت عصابات قطاع الطرق والخاطفون والقتلة بالسكان المدنيين، ورغم أنه في بداية الثورة السورية ساد السلوك الإجرامي داخل نظام وقوات الأسد ضد المتظاهرين، إلا أن النشاط الإجمالي في هذا الصدد بين أفراد المعارضة المسلحة ضد النظام السوري لا يقارن مع الفوضى الهائلة التي أحدثتها العصابات الإجرامية بالأسرى أو الموالين للأسد، لافتاً إلى أن مخاض الضمير نادر الظهور بين المجرمين بعد أن ظهروا في كثير من الفيديوهات على موقع التواصل "يوتيوب" بوحشية لا تدل على أنهم مسلمون أو يحاربون من أجل قضية التغيير أو إسقاط النظام الحاكم، لكن في نفس الوقت هناك مقاتلون معتدلون يتم تدريبهم في بعض الدول العربية بإشراف من الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومع ذلك هناك حوالي 20 ٪ من المعارضة المسلحة تتألف من المتطرفين وأصحاب الجنسيات المتعددة التي تقاتل في سوريا جنباً إلى جنب مع المعارضة، وهذا العدد يتزايد بسرعة طالما استمرت الأزمة دون حل سياسي أو عسكري. د. أيمن عبد الوهاب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يرى أن الجهاديين والمتطرفين هم الفئة الأكثر مدعاة للقلق داخل المعارضة السورية، مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، والتي تستخدم التكتيكات الإرهابية التي تهدف إلى إقامة دولة إسلامية في سوريا، وللأسف هذه الفئة القتالية تشكل قوة فعالة من المعركة على الأرض في سوريا، ويعتبرون من يقف ضدهم وضد مشروعهم كافر يستحق القتل، موضحاً أن جبهة النصرة أعلنت وجودها في دمشق لدعم الثورة في 23 يناير 2012، بقيادة أبو محمد جولاني، وتتكون من المتطرفين السنة ويبلغ عدد مقاتليها نحو أربعين ألف مقاتل محترف، وهدفها هو إعادة الإسلام والخلافة الإسلامية حتى لو كان بالتطرف أو القتل، كما أن جبهة النصرة تبنت الكثير من التفجيرات الانتحارية والهجمات على المدنيين التي تجسد القسوة من الحرب الأهلية السورية، لافتاً إلى أن عمليات إطلاق النار داخل سوريا تتجاوز دموية أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، حيث أن درجة العنف غير مسبوقة، وميل هذه التنظيمات المسلحة إلى القتل الجماعي (مقبرة) لا حدود لها، وتجاوزت حدود العقلانية، وهذا العنف يعيق أي اتفاق لوقف إطلاق النار، مع كل هذا الدم وحجم القتل على الأرض الذي منع وجود اتفاق لإنهاء الحرب أو وضع هدنة بين طرفي الصراع لحين التوصل إلى نتائج ملموسة في مؤتمر جنيف 2. ومن جانبه أكد د. جمال عبد الجواد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن الحضور القوي من قبل التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة في صفوف الثوار والمعارضة، سبب رئيسي لحجب المساعدات الدولية بطريقة آمنه إلى الثوار، ولذلك هناك مخاوف على نطاق واسع بين الحكومات الغربية التي أرسلت أسلحة إلى المتمردين من وقوعها في أيدي المتطرفين، أو أن يتم استخدام هذه الأسلحة في المنطقة لتي تستعد للانفجار بسبب الخصومات الطائفية، ورغم أن الأسلحة التي تأتي من قبل بعض الحكومات العربية والغربية للقوات المعتدلة في المعركة السورية ضد قوات الأسد لا تضاهي أو توازي ما يمتلكه الجيش السوري النظامي مما يجعل وجودهم في ساحة القتال أقل فعالية، إلا أن أمريكا تدرس إمكانية دعم المعارضة بمزيد من الأسلحة بشرط التأكد من عدم وقوعها في أيدي القوات المتطرفة، حيث من الممكن أن يحدث اقتتال بين أعضاء تنظيم القاعدة والمعارضة المعتدلة للحصول على هذه الأسلحة حتى وإن كانت خفيفة وغير مجدية لكنها مسألة نفسية بحتة داخل قيادات التنظيم ضد واشنطن، موضحاً أن الدول المجاورة لسوريا غارقة في أزمة اللاجئين، وشبكات الجريمة المنظمة بكافة أشكالها داخل هذه المخيمات، كما أن جماعات المعارضة السورية تعمل بحرية أكبر في مخيمات اللاجئين، ومؤخراً صدر تقرير من مكتب شؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة يؤكد أن مخيمات اللاجئين السوريين حلقات إجرامية منظمة تستخدم السرقة والجنس أو الابتزاز لتحقيق الأهداف المالية والسياسية أو ما يعرف باسم "جهاد النكاح"، كما أن العصابات الإجرامية التي خلفتها الحرب الأهلية تعمل في الخفاء لسرقة مواطني هذه المخيمات، وهناك أيضاً شبكات إجرامية تتعاون لإيذاء اللاجئين، وتشمل جرائمهم الدعارة دون السن القانونية للفتيات، والإتجار بالمخدرات، لكن يظل ظهور العصابات ضريبة الثورة التي دفعتها جميع دول الربيع العربي. وفي رأي د.جمال سلامة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الوضع على الأرض في سوريا يشكل تحدياً كبيراً ومعقداً وخطراً على العاملين في المجال الإنساني، وقد تم قطع الطرق الرئيسية ومنعت من وصول المساعدات الإنسانية بسبب القتال، فضلاً عن أن عمليات الخطف للمدنيين من الإناث تحديداً، واختطاف العاملين في المجال الإنساني تنمو بطريقة مقلقة، بجانب الاستيلاء على شاحنات المساعدات التي تذهب للحكومة السورية أو المعارضة المسلحة وكل منهم يعترض طريق الآخر، وغيرها من العوائق التي تعيق العمل الإنساني، وتابع ليس هذا فحسب بل هناك أيضاً نهب الماضي في سوريا، حيث يتم بشكل منهجي سرقة المناطق الأثرية، وذلك باستخدام المبيعات من الكنوز المسروقة لتمويل عمليات المعارضة العسكرية، حتى أصبح هدف المتمردين هو التحف السورية القديمة والآثار والذهب، والمقابر الرومانية والتماثيل وغيرها من أعمال الماضي، وهذا الهجوم الجاهلي من قبل المتمردين يؤدي إلى نهب وتدمير كنوز لا تقدر بثمن كما حدث سابقاً بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 في المتحف الأثري بالعاصمة بغداد، ونهب الوزارات العراقية. أما د.جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس فأشار إلى أن نهاية اللعبة لن تكون أبداً عند المتمردين المعتدلين، كون المصطلح أبعد ما يكون عن الواقع، وأيضاً الكلمة فضفاضة جداً ومفككة، والتي لم تعد تهدد نظام الأسد أو تسعى لإسقاطه، فالوجوه قد تبدو معتدلة في حربها من أجل التغيير لكن النوايا الحقيقية لا يعلمها سوى أصحابها، والجميع يدعي الاعتدال في الحرب، حتى أعضاء تنظيم القاعدة ومقاتلو جبهة النصرة لديهم مبررات في استخدام الوحشية في القتل أو عند معاقبة الأسرى .. مؤكداً أن النزاع السوري هو حقاً حالة ميؤس منها عند المجتمع العربي والدولي، وجميع اللاعبين ظهروا بأسوأ من المتوقع، وخرج من بينهم عصابات تمارس أنشطة إرهابية على المدنيين، وكل هدفهم جمع الأموال من المدنيين بأي طريقة من أجل شراء الأسلحة ومواصلة القتال، ومن المؤكد أن يظهر القادة أمام الكاميرات ويعلنوا تبرأهم من هذه الأعمال، رغم أنهم قد يكونون من مخططيها، وبالنظر إلى انقسام المعارضة فإن تعدد العصابات يؤكد أنهم يعملون لصالحهم.