"صوت البلد" خلال جولتها في الأسواق، حاولت رصد تداعيات الأزمة علي أطراف تلك التجارة. علي مدار ست ساعات كاملة قضيناها في سوق السيارات المستعملة بمدينة نصر.. التقينا سامي إبراهيم، تاجر سيارات من المحلة الكبري، فبدأ حديثه بالقول: نعيش أياما سوداء وبيوتنا اتخربت بسبب الخسائر التي أصابتنا علي مدار الأشهر الثلاثة الماضية، موضحا أنه توارث تجارة السيارات أبا عن جد، وخلال الثلاثين عاما التي قضاها في هذه التجارة لم يشهد مثل هذا الركود. وأضاف: بعد أن توقفت حركة البيع والشراء في مدينة المحلة لم أجد إلا التجول في الأسواق لتصريف مجموعة السيارات التي أتاجر فيها، خاصة بعد أن هبطت الأسعار بشكل مخيف، مؤكدا أن سعر إحدي السيارات دايو نوبيرا موديل 2004 انخفض 6000 جنيه في أقل من شهرين، ورغم أن السيارة "فابريكة" من الداخل والخارج إلا أن أحدا لم يقدم علي شرائها. وقال: هذه هي المرة السادسة التي أجيء فيها إلي سوق مدينة نصر في أقل من شهرين، ومن واقع المتابعة فإن حالة الركود تزداد يوما بعد الآخر، ولم أعد قادرا علي تحمل مصاريف السفر من المحلة إلي السوق، خاصة أنني أصطحب معي ثلاثة سائقين لقيادة السيارات. علي الرصيف يجلس عادل محمد، منتظرا التقاط أحد الزبائن. اقتربنا منه وسألناه عن موديل السيارة وحالتها والسعر المطلوب فيها فقال: هيونداي 99.. حالتها جيدة جدا.. بها جميع الكماليات والسعر النهائي 38500 جنيه، حاولنا التفاوض معه في السعر وأبلغناه أن أموالنا حاضرة فنظر إلينا بامتعاض وقال: السيارة بحالة المصنع وسعرها كان 40 ألف جنيه منذ أسبوعين فقط، وبهذا السعر 500.38 جنيه أكون خسران 1500 جنيه. وقد وجدناها فرصة للهروب من أمامه وقلنا له بلغة السوق: "ربنا يبارك لك فيها ويجعل سوقها أحسن منها". وأمام إحدي الكافتيريات المنتشرة بالسوق يجلس طارق أمين خلف سيارته ال"سكودا فيلشيا" موديل 97 سألناه عن السعر فقال: اتفرج يا بيه عن السيارة وبعدين اسأل علي السعر، ثم قام من مقعده وراح يعدد لنا مزايا السيارة.. بعد مفاوضات وشد وجذب أكد أن السعر النهائي لن يقل بأي حال من الأحوال عن 30 ألف جنيه.. وتركناه بدعوي أننا سنقوم بجولة في السوق للوقوف علي نوعية السيارات وأنواعها. وخلال جولتنا في السوق التقينا وائل البيجرمي ، تاجر، وسألناه عن أسباب حالة الركود التي تعاني منها تجارة السيارات فقال: عمليات البيع والشراء بدأت في التراجع منذ منتصف العام الماضي، وتحديدا منذ أن توقفت إدارات المرور عن تجديد تراخيص التاكسيات القديمة، وقد أدت هذه الخطوة إلي اتجاه البعض لشراء تلك السيارات وتحويلها إلي ملاكي، مما تسبب في ضعف الإقبال علي شراء السيارات ذات الموديلات الأعلي. ويضيف: لقد تسببت عمليات الإحلال والتغيير لسيارات التاكسي في إصابة أصحاب الملاكي القديمة بنوع من الذعر، خوفا من سريان تلك القرارات عليهم في المستقبل القريب، ومن ثم فقد اتجهوا إلي عرض سياراتهم للبيع، مما أدي إلي انخفاض أسعارها بشكل ملحوظ. جانب آخر من مشكلة تجارة السيارات يكشف عنه سمير توفيق، وكيل إحدي الماركات العالمية، قائلا: لقد أصبحنا قاب قوسين أو أدني من دخول السجن، حيث توقفت حركة البيع والشراء تماما بسبب الشائعات التي ترددت عن اتجاه الحكومة لإلغاء الجمارك المقررة علي السيارات المستوردة، مشيرا إلي أن الجميع فضلوا التوقف عن الشراء لحين الإعلان عن الأسعار الجديدة، وبرغم تأكيد المهندس رشيد محمد رشيد: وزير التجارة والصناعة، أنه لا توجد نية لإلغاء جمارك السيارات في الوقت الراهن إلا أن تلك التصريحات لم تفلح في إعادة النشاط للسوق من جديد. وأضاف توفيق: أن الأزمة بلغت ذورتها في أعقاب توقف البنوك الأجنبية عن تمويل شراء السيارات، مرجعا ذلك إلي تخوف مسئولي البنوك من تعثر العملاء في السداد، وانتقال الأزمة العالمية إلي السوق المصرية، خاصة أن القروض المتعثرة كانت سببا رئيسيا في انهيار البنوك الأمريكية والأوروبية، مشيرا إلي أن الانهيار الحاد الذي ضرب البورصة المصرية خلال الشهور الماضية كان سببا رئيسيا في تفاقم أزمة سوق السيارات. وأوضح "توفيق" أن معظم الوكلاء والمستوردين كانوا يضاربون في البورصة وحققوا خسائر فادحة بسبب التراجعات التي مرت بها سوق المال المصرية مؤخرا، ونظرا لأن معظم الأموال التي كانوا يضابرون بها عبارة عن قروض حصلوا عليها من البنوك فقد توقفوا عن السداد، مما دعا تلك البنوك إلي اتخاذ إجراءات الحجز علي المعارض التي يمتلكونها. وقال: للأسف الشديد كنت أحد هؤلاء الضحايا، وقد قمت بالعديد من المفاوضات مع البنك الذي أتعامل معه إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل والآن أصبحت مهددا بالسجن، خاصة أن قيمة المعرض لا تكفي لسداد الدين والفوائد المقررة عليه.. حسن سليمان، عضو شعبة تجارة السيارات باتحاد الغرف التجارية، قال: حالة الركود التي تعاني منها سوق السيارات الجديدة ترجع إلي وجود نقص في الأصناف التي يوجد عليها إقبال من جانب المستهلك، وذلك بسبب توقف الوكلاء والتجار عن الاستيراد، انتظارا لما ستتخذه الشركات الأجنبية من قرارات لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، موضحا أن البعض يري أن تلك الشركات ستسعي لتخفيض أسعار منتجاتها، كخطوة لتنشيط مبيعاتها في الداخل أو الخارج. وقال: في الوقت الذي كان ينتظر فيه البعض انخفاض الأسعار العالمية لتنشيط المبيعات في السوق المحلية فقد أدي ارتفاع أسعار العملات الأجنبية - مقابل الجنيه المصري - إلي زيادة حالة الركود، بسبب اتجاه المستوردين إلي رفع الأسعار علي المستهلك المحلي تماشيا مع زيادة سعر الصرف. وأضاف: لقد توقفت البنوك الأجنبية عن تمويل شراء السيارات، مما أدي إلي تفاقم حالة الركود التي تعاني منها سوق السيارات، وفي محاولة لإنقاذ الموقف التقينا المهندس رشيد محمد رشيد،وزير التجارة والصناعة، وطالبناه بعرض الأمر علي د. فاروق العقدة، محافظ البنك المركزي، وحصلنا علي وعد بدخول البنوك الحكومية في تمويل قروض السيارات، عوضا عن خروج البنوك الأجنبية، ومن المتوقع أن تعاود السوق نشاطها خلال الفترة القليلة المقبلة. من جانبه أكد د. عبد المنعم سعودي، رئيس اتحاد الصناعات الأسبق، ووكيل إحدي شركات اليابانية أن حركة البيع والشراء شبه متوقفة، بسبب تفاقم تداعيات الأزمة المالية علي الاقتصاديات العالمية، مشيرا إلي أن البعض يتصور خطأ أن تجار السيارات سيستمرون في تخفيض الأسعار لتنشيط عمليات البيع، وذلك أمر مستبعد، لأن الاستمرار في تخفيض الأسعار يعني البيع بأقل من السعر الذي اشتري به التاجر من المستورد . وقال: إن خفض الأسعار يكون في حدود هامش الربح الذي يحدده التاجر لنفسه، وفيما عدا ذلك فإنه يؤدي إلي تآكل رأس المال، الأمر الذي لايمكن حدوثه حتي لو توقفت عمليات البيع نهائياً، موضحا أن التخفيضات التي شهدتها بعض أنواع السيارات في الفترة الماضية جاءت علي حساب مصروفات التشغيل وأجور العمالة إلي جانب تخفيض جزء من هامش الأرباح. وأضاف: أن بعض المستوردين يقومون حاليا بإجراء مفاوضات مع بعض الشركات الصينية والكورية لتخفيض أسعارها، مقابل الاستغناء عن بعض المزايا مثل التكييف والباور ونوعية الجلود التي تصنع منها المقاعد، إلي جانب النزول بسعة المحرك لتخيفض قيمة الرسوم التي تحصلها الجمارك المصرية. وأوضح د. سعودي أن تراجع حركة السوق بهذا الشكل، يعود في جزء كبير منه إلي القرار الخاطئ الذي اتخذته البنوك بانسحابها من تمويل شراءالسيارات الجديدة.. مناشدًا محافظ البنك المركزي بالتدخل لتحفيز الجهاز المصرفي علي العودة للسوق حتي تعود لحيويتها.