يرى القيادي في الجماعة الإسلامية الدكتور ناجح إبراهيم، وهو المنظّر الأبرز للجماعات الإسلامية ومبادرة المراجعات الفكرية التي قامت بها «الجماعة الإسلامية» منذ التسعينات، أن مصر تشهد حالياً أسوأ فترة في تاريخ عنف الجماعات الجهادية والتكفيرية، مشيراً إلى ان هذا العنف يفوق ذاك الذي شهدته البلاد في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. ويشدد ابراهيم على ان الحل الامني لا يكفي لمواجهة هذه الجماعات المسلحة، وأن ثمة حاجة للتعامل مع عوامل عدّة تؤدي إلى نمو تلك التنظيمات المتشددة، وخصوصاً مواجهة الفكر التكفيري وحل الازمة السياسية في مصر. - كيف ترى إلى عودة ظهور جماعات العنف السياسي؟ هناك جماعتان تنتهجان الفكر التكفيري في مصر حالياً، وتسلكان طريق العنف، الأولى جماعة «أنصار بيت المقدس»، والثانية «كتائب الفرقان». «أنصار بيت المقدس» تُعَد الفرع المصري لتنظيم فلسطيني غزّاوي، وهي تتمركز فى سيناء وضواحيها، وقد دُشنت بعد «ثورة 25 يناير»، بعدما أصبحت حدود مصر شبه مفتوحة. تستخدم «أنصار بيت المقدس» أسلوب التفجيرات، وقد اعلنت مسؤوليتها عن تفجير مبنى المخابرات الحربية في الاسماعيلية، ومديرية الأمن فى جنوبسيناء، واستهداف موكب وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم في القاهرة. ويبدو أن هذا التنظيم يحسن استخدام المتفجرات، وهو يستهدف الجيش والشرطة فقط، كما أنه يكفّر كل الأجهزة الأمنية، ويشعر دائماً بأنه في حالة ثأر معها، ويرغب فى تدميرها. وقد وصل عدد عمليات هذا التنظيم حتى الآن إلى 220 عملية معظمها باستخدام الألغام والمتفجرات. أما التنظيم الثاني، «كتائب الفرقان»، فهو تنظيم مصري خالص، لا يتمركز فى سيناء، وانما في الدلتا والقاهرة الكبرى، ويستخدم صواريخ ال«آربى جي» والأسلحة الآلية، ولا يهمه استهداف الجيش والشرطة، بقدر ما يهتم بالأهداف التي تؤلم الحكومة، من قبيل استهدافه للمجرى الملاحي في قناة السويس باعتباره المورد الاقتصادي الأول للعملة الصعبة في مصر ومحطة الاتصالات الدولية في المعادي لقطع الاتصال بين مصر والعالم الخارجي فضلاً عن استهدافه لبعض الكنائس. - برأيك، ما سبب اتساع نطاق عمليات العنف، ووصولها الى قلب العاصمة؟ كل ما يجري اليوم كان متوقعاً، السبب الأول هو خلع الدكتور محمد مرسي. والسبب الثاني هو كثرة عدد الضحايا خلال فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة جراء الاستخدام المفرط للعنف. أما السبب الثالث فهو أن مصر عاشت في فوضى أمنية طوال قرابة أربع سنوات (بين 25 كانون الثاني العام2011 و30 حزيران العام 2013)، حيث انتشر السلاح في كل مكان، وخصوصاً في سيناء، بعد تهريبه من ليبيا. ويضاف إلى ذلك، انتشار فكر التكفير، واحتدام الصراع السياسي، وتغلل أفكار تنظيم «القاعدة» في مصر، وتشكيل افرع عدّة للتنظيم العالمي. - يميل البعض إلى الربط بين هذه العمليات الجهادية، وبين اجتماعات التنظيم الدولي لجماعة «الاخوان المسلمين»، كيف تنظر إلى ذلك؟ لا أعتقد أن «الاخوان» يتورطون فى مثل هذه العمليات، لأن من شأنها ان تقضي عليهم تماماً. ومع ذلك، فإن ثمة خطأ استراتيجياً وقع فيه «الاخوان» خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي، وبعدها خلال اعتصامي رابعة والنهضة، هو تحالفهم الاستراتيجي مع الجماعات التكفيرية المسلحة. قبل عزل مرسي كانت هناك خطة لجعل سيناء مثل منطقة بيشاور الباكستانية، وذلك بغرض استخدامها كقاعدة لانطلاق الحركات المسلحة التى تنتهج فكر التكفير باتجاه مناطق مختلفة بيت المقدس، مصر، وليبيا، وبلدان أخرى بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي. هذه المنظومة، وبتحالفها هذا، كانت ساذجة لأن الدولة المصرية لا يمكن أن تقبل بأي شكل من الأشكال ما تبتغيه تلك التنظيمات التكفيرية، وقد أخطأ مرسي حين تصور أن هؤلاء يستطيعون حمايته في يوم من الأيام. وبظنّي، فإنه لو بقي مرسي في الحكم، واستمر هذا التحالف، فإن الصدام كان حتمياً، خصوصاً أن تلك الجماعات قتلت فى عهد مرسي 17جندياً مصرياً فى سيناء، وخطفت سبعة آخرين وساومت عليهم الدولة. - هل تشهد مصر حالياً عودة إلى فترة العنف التي عرفتها في الثمانينيات والتسعينيات؟ ما تشهده مصر حالياً هو أسوأ فترات عنف الجماعات التكفيرية المسلحة، وهي تفوق ما عرفته البلاد خلال الثمانينيات والتسعينيات. فالفترات السابقة لم تشهد هذا الكم من العنف. - يتحدث البعض عن تورط عدد من قيادات جماعتي «الجهاد» و«الجماعة الاسلامية» المفرج عنهم خلال عهد مرسي في عمليات العنف الأخيرة. هل توافق على ذلك؟ لا أظن أن أحداً من قياديي جماعتي «الجهاد» و«الجماعة الاسلامية» متورط فى مثل هذه الأحداث، لأنهم أعقل من أن يستعيدوا تجربة راجعوها ودرسوها وعرفوا العواقب الوخيمة المترتبة عليها. يؤسفني القول أن أي ضابط في الشرطة أو الجيش يترك مؤسسته، ويتجه الى الجماعات الاسلامية المتشددة، ينحرف فكره الى الفكر التكفيري مباشرة، وذلك لقلة معلوماته في الفقة والدين، وهو بذلك يستغل خبراته العسكرية ويتجه الى التفجير، فَيجمع بين التكفير والتفجير . على سبيل المثال، فإن طارق عبدالعليم، الذي قتل الشيخ الذهبي، كان ضابط شرطة مفصولا، وهو الذي جرّ جماعة التكفير الى العنف بصحبة تاجر سلاح اسمه الشيخ محمود. وكذلك الحال، بالنسبة إلى ضابط الجيش المفصول المتهم بتفجير موكب وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم، فهذا الضابط سافر الى تنظيم «قاعدة»، وقام بتنفيذ جريمته عقب عودته مباشرة. - ما تقييمك للحل الامني الذي تتبعه الدولة في التعامل مع هذه الجماعات؟ الأهم من التعامل الأمني هو التعامل الفكري، فاليد التي تضغط على الزناد ليست مهمة، بقدر أهمية الفكر الذي يحرك هذه اليد. فكر التكفير أسوأ لوثة أصابت العقل الاسلامي، فهو الذي دمّر الخلافة الاسلامية، وقَتل سيدنا علي بن أبي طالب، وكان سببا في قتل الآلاف من المسلمين. هذا الفكر التكفيري ينشأ في ظل الصراعات السياسية، فحينما نشأ الصراع السياسي بين علي ومعاوية نشأ فكر التكفير، وكذلك حينما نشأ الصراع السياسي في مصر نشأ هذا الفكر. فكر التكفير يجعل أصحابه يستلبون موقع القاضي فيحكمون على الناس من دون وجه حق، ثم يستلبون موقع الدولة فينفذون هذا الحكم، ومن ثم يستلبون ألوهية الله وربوبيته، ويقولون «هذا في النار ..وهذا في الجنة». - وكيف تنظر إلى الحملة العسكرية التي تستهدف البؤر التكفيرية في سيناء؟ هذه الحملة نجحت الى حد كبير، فلولاها لشهدت مصر كلها سلسلة كبيرة من التفجيرات بالسيارات الملغومة. لا بد من الإقرار بأن هذه الحملة العسكرية منعت وصول هذا الخطر بقوة الى الدلتا والقاهرة، فالتكفيريون في سيناء يستطيعون تجهيز ألف سيارة مفخخة، وينزلون بها إلى مناطق أخرى في مصر. الحملة العسكرية دمّرت الكثير من الأماكن التي تحوي الألغام والأسلحة، وقد تم ضبط العديد من منفذي العمليات الارهابية فضلاً عن اغلاق الانفاق وضبط مصادر التمويل لهذه الجماعات داخل سيناء. - هل تستطيع قيادات جماعتي «الجهاد» و«الجماعة الاسلامية» السيطرة على هذه التنظيمات التكفيرية ؟ قيادات «الجماعة الاسلامية» وقيادات «الجهاد» تستطيع فقط السيطرة على التنظيمات التابعة لها. - ما الحل الأمثل من وجهة نظرك لانهاء صراع الدولة مع هذه التنظيمات؟ الوضع في مصر الآن يحتاج الى حلول سياسية من الممكن التوصل اليها من خلال الحوار، في موازاة الحلول الأمنية والفكرية، فمصر في أزمة كبيرة جداً، وبداية الحل تكمن في وقف اراقة الدماء من قبل جميع الأطراف. ولن تهدأ مصر حتى تهدأ الدماء. صحيح أن الدولة قطعت شوطا كبيراً في استرداد الأمن ، ولكن ليس بالامن وحده تقام الدول .