مما جعلهم يسعون لفهمها باعتبارها المفتاح للعالم العربي والإسلامي وكانت الرواية علي مدي العصور هي أفضل نوع أدبي ينقل تأثر الحضارات المتبادل بعضها البعض. كما تأثرت الأعمال الإبداعية في العالم، بأحداث 11 سبتمبر، فقد ظهر في إبداعاتنا، بعد ذلك التاريخ، ما يشير لهذا التأثر فمن بين هذه الاعمال رواية شيكاغو لعلاء الأسواني ورواية الحفيدة الأمريكية للروائية العراقية أنعام كجه جي ، والتي رشحت لجائزة البوكر عام 2009 ، هذا إلي جانب الأعمال الشعرية والقصة القصيرة، وينتمي هذا النوع من الروايات لما يسمي "بروايات المواجهة الحضارية" ويسميها آخرون روايات الغربة وروايات المنفي، وقد ظهر هذا النوع من الروايات في نهايات القرن الثامن عشر، فكتب رفاعة الطهطاوي روايته الشهيرة مغامرات تليماك متأثرا بما شاهده في باريس وإعجابه بالحضارة الغربية، واحس بالتناقض الصارخ بين بيئته والبيئة التي انتقل اليها، فأراد ان ينقل لابناء وطنه شيئا من هذه الحضارة والتي لم يقف منها موقف الرافض التام لمظاهرها السياسية والاجتماعية، وهو موقف اديب وفنان من فكر الآخر. وقد كان الموضوع الاثير لدي روائيي روايات المواجهة الحضارية، هو النموذج الغربي وكيفية تعاملنا معه، فهي مادة روائية مبرزة للصراع الحضاري، رأيناها عند توفيق الحكيم في "عصفور من الشرق" وجمعة حماد في "بدوي في أوروبا" يوسف ادريس في "فييا60" ثم في "نيويورك 80" اما الروايات التي استقدمت حضارة الغرب الي الشرق فمنها: "اصوات" لسليمان فياض و"مدن الملح" لعبد الرحمن منيف و"قنديل ام هاشم" ليحيي حقي وغيرها. وتسرد هذه الروايات تقبل الشرق للحضارة الغربية وما تمليه علي واقعنا من مستجدات يحملها بعض المتأثرين بها حيث يروي يوسف إدريس في نيويورك 80 موقف انتفاضة لهذه الحضارة مصدراً لها بالمومس وذلك يظهر صراع المواجهة قويا من البطل، أمام المرأة وهي البطل المضاد، ان صح التعبير، وقد انتفت عنها ملامح الأنوثة الشرقية، لانها ليست ذات طابع أمومي حنون أليف، ولا يتمتع بالحياء الأنثوي، فاستفز ذلك بطل الرواية، ووجه اليها خطابا يشف عن اشمئزاز.. معبراً خلاله عن الحضارة الغربية باغوائها ولذتها وانحطاطها وعلمها وعدم احتفائها بالمشاعر والاحاسيس، ومع ذلك لا يستطيع البطل إنكار دورها الايجابي، وهو تجسيد اطر الصراع الحضاري، واظهار الرغبة الخالصة للحاق بالآخر لتحقيق النهضة. وتأتي رواية الكاتبة العراقية انعام كجه جي: "الحفيدة الامريكية" لتطرح جانبا جديدا في ذلك الصراع الحضاري لم يتم طرحه من قبل، وهو عقد التشظي بين جد عراقي وحفيدة أمريكية، عبر أحداث تاريخية مريرة، تتصادم فيها القيم والمعاني بين جيلين، جيل عاني من أهوال الداخل، وجيل يعاني من تفكك الخارج، فتفرقت به السبل وغدا شعور الاغتراب ينبع من داخله، حتي وقع في ازدواجية المعايير واستمرت هذه الرواية واقعيتها من الأحداث الراهنة في الأراضي العراقية التي كان لها أكبر الأثر في إثراء الفكر الأدبي. أما شيكاغو للكاتب علاء الاسواني فهي تعرض أمريكا من وجهة نظر مخالفة للرواية السابقة، حيث لا تكابد شخصياته حنينا، بقدر ما هي ضحية لضغوط نفسية، وقمع نظام لا يحاول أن يتفهم التحولات الديمقراطية العميقة لعصرنا، ويتعامل مع شعبه علي أنه قطيع يمكن السيطرة عليه بالأجهزة الأمنية والكلاب البوليسية. تقدم الرواية لنا العوامل النفسية المكتنزة للشخصيات بأبعادها المختلفة، وتضعنا أمام صراعاتها المعلنة والمخفية، فالشخصيات شريحة من مثقفي المجتمع المصري، علي تنوع انتمائهم، وذلك خلال وجودهم في مدينة شيكاغو الأمريكية والتي تنتهي بصرخة للكتاب مفادها أن توجهاتنا الخاطئة توصل النهاية بنا إلي نهايات مأساوية. ومن هذا كان الأدب دائما سجالاً حافلاً يعرض مدي التأثير والتأثر بين الحضارات ونقل معاني الحياة الإنسانية للآخر في العديد من أشكال وفنون أدبية تحفل مجاله بالمواقف الحضارية بين الشرق والغرب لتعكس أضواءها علي الورق.