جعلته يحطم التابوهات ويتعاطي الأسرار في الغرف والجروبات والشات وتجمع الشتيتين بعد أن ظن كل الظن ألا تلاقيا. جذبت الشبكة العنكبوتية إليها الكل بلا تفرقة، فانتموا إليها دون الحاجة إلي الالتفاف حول علم لبلد واحد.. كأن العولمة شعار اتسع ليشمل الجميع لتنشأ علاقات متشابكة من خلال أحداث تستند إلي واقع غير منطقي ممتد جدا، ولكنه في حجم نافذة صغيرة.. الأدباء أيضا انضموا إلي هذا العالم الافتراضي، تأثروا به ونقلوه إلي إبداعهم حسب رؤاهم المتعددة. "في كل يوم جمعة" لإبراهيم عبد المجيد، و"رائحة حب الهال" لفدوي القاسم، و"حبيبي أون لاين" لأحمد كفافي، و" بنات الرياض" لرجاء الصانع.. الظاهرة شارك فيها أدباء من عدة أجيال، ومن مختلف الأقطار في وطننا العربي عبر تجارب حلقت في فضاء لا تمكن رؤيته، ومن المتوقع أن تتزايد في المستقبل، وشملت القصة والرواية وامتدت للشعر مثل: "علي الماسينجر" قصيدة سماح صادق في ديوانها "البنت البردانة في قلبي". وما يهمنا في هذا التحقيق هو السمات المشتركة لتلك الظاهرة التي من المتوقع أن تتنامي في المرحلة المقبلة. رأي إبراهيم عبد المجيد أن الواقع الافتراضي الذي تحدث عنه في روايته أكثر قدرة علي البوح، تتخلي فيه الشخصيات عن الكذب لتتسم بالصراحة والوضوح، بعيدا عن زيف الواقع والأكسسوارات التي يتقنع بها أفراده. وعن شيوع العامية في مثل هذه الكتابات أشار إلي عدم الخوف من ذلك، خاصة إذا كانت موظفة بشكل جيد في السرد، ولكونها أيضا ترتبط بشخوص عادية؛ وأخيرا: لأن العامية المصرية مفهومة في كل الأوطان العربية. أحمد كفافي، أوضح أن الشبكة العنكبوتية ليست - دائما- رمزا للهروب فقط، وإنما محاولة لنفي المكان. قال: كأنما خُلقت التكنولوجيا لتؤمن للناس علاقات بديلة بعد أن تعثروا في علاقاتهم الحقيقية، المريرة فعوضوها بعلاقات صناعية. ورأي أن استخدام اللغة الدارجة سيزداد في الأدب بدرجة غير مسبوقة، ويضيف: وجدتُ أنه لا مناص من استخدام العامية في العمل من أوله إلي آخره لأنه من المستحيل أن تقيم شات بالفصحي، ولأن روايتي عبارة عن سرد من خلال شات، وقد عمدت إلي أن يظهر الشات كأحد أبطال العمل. ويتنبأ كفافي بأن موضوع القصص والروايات في الفترة المقبلة سيتركز علي الجوانب الاجتماعية في مقابل انحسار الرواية السياسية والتاريخية وغيرها من الأنواع الأخري، لأن أغلب من يتعاملون مع النت ينصب اهتمامهم بوجه رئيس علي تلك الجوانب. سماح صادق، وصفت الأدب بالمرآة العاكسة لكل ما يحدث، وتحدثت عن تجربتها في إدارة أحد محال "الإنترنت كافيه"، وكيف كانت ثرية للدرجة التي جعلتها تكتب "يوميات فتاة سيبرية" ومنها اختارت تلك القصيدة التي تضمنها ديوانها الأول. أما الناقد الشاب عمر شهريار، فيقول: هناك العديد من التحولات التي طرأت وستطرأ علي الأدب من حيث الموضوعات أو التيمات، أو من حيث الطرائق والتقنيات الجمالية، ومن ثم فإن الاهتمام بالكتابة عن عالم الإنترنت الذي أخذ شكل الموضة لا يعد عيبا في حد ذاته، فالتجديد يمثل فرضا علي كل كاتب حتي لا يجد نفسه خارج التاريخ.. ويتساءل: هل الكتابات التي اتخذت من الواقع الافتراضي عالما لها استطاعت أن تنجز تجديدا بنيويا في الكتابة الأدبية؟ ويجيب: إن الأعمال التي تطرقت إلي ذلك، لم تستطع أن تنجز هذا التجديد، ولم تتمثل وتهضم، ومن ثم تعيد إنتاج الوعي العولمي، وما بعد الحداثي بشكل حقيقي، بل توقفت عند حدود إعادة إنتاج الوعي الأرسطي في شكله الأكثر قدما وفق مبدأ المحاكاة، وهي بذلك تغادر الوعي الجمالي الأكثر تقليدية. والأساس دائما هو: تجديد الوعي الجمالي والفلسفي، وليس مجرد القفز علي موضوعات تبدو جديدة يستخدم فيها نفس العقل القديم.