الطرح السادس.. المجتمعات العمرانية: تخصيص 72 قطعة باليوم الأول لقرعة أراضي مسكن    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    إصابة مهاجم تونس تهدد مشاركته أمام نيجيريا في كأس أمم أفريقيا    رئيس جامعة قناة السويس يُكرم الفائزين بجائزة الأداء المتميز لشهر نوفمبر 2025    البورصة المصرية توقّع بروتوكول تعاون مع جمعية مستثمري السادس من أكتوبر    فريق تحقيق ليبي يصل تركيا لمعاينة موقع تحطم طائرة رئيس أركان حكومة طرابلس    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    مجلس الوزراء يوافق على تغليظ العقوبات في قانون المُرور    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    الزراعة تحذر المواطنين من شراء اللحوم مجهولة المصدر والأسعار غير المنطقية    أول تحرك رسمي في واقعة تصوير ريهام عبدالغفور في إحدى السينمات    جامعة قناة السويس تعلن أسماء الفائزين بجائزة الأبحاث العلمية الموجهة لخدمة المجتمع    وفاة الفنان والمخرج الفلسطينى محمد بكرى بعد مسيرة فنية حافلة    الحكومة تضم أصول علاجية وإدارية لمنظومة التأمين الصحي الشامل    تشكيل أمم إفريقيا - بلاتي توري يقود وسط بوركينا.. ومهاجم ريال مدريد أساسي مع غينيا الاستوائية    خالد عبدالعزيز يترأس الاجتماع الختامي للجنة الرئيسية لتطوير الإعلام الإثنين المقبل    كوت ديفوار تواجه موزمبيق في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025.. التوقيت والتشكيل والقنوات الناقلة    تليجراف: عمر مرموش يقترب من مغادرة مانشستر سيتي في يناير    حكام مباريات الخميس في كأس عاصمة مصر.. هيثم عثمان لمباراة الزمالك وسموحة    غرفة عمليات الشعب الجمهوري تتابع جولة الإعادة بالدوائر الملغاة بانتخابات النواب    فوز 3 طلاب بجامعة أسيوط بمنحة للدراسة بجامعة كاستامونو بتركيا    بث مباشر.. الجزائر تبدأ مشوارها في كأس أمم إفريقيا 2025 بمواجهة نارية أمام السودان في افتتاح المجموعة الخامسة    جامعة أسوان تشارك في احتفالية عالمية لعرض أكبر لوحة أطفال مرسومة في العالم    وزير التعليم العالي يعلن أسماء (50) فائزًا بقرعة الحج    تشييع جثمان طارق الأمير من مسجد الرحمن الرحيم بحضور أحمد سعيد عبد الغنى    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    السكة الحديد: تطبيق التمييز السعري على تذاكر الطوارئ لقطارات الدرجة الثالثة المكيفة.. ومصدر: زيادة 25%    وفاة أصغر أبناء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب    سبق تداوله عام 2023.. كشفت ملابسات تداول فيديو تضمن ارتكاب شخص فعل فاضح أمام مدرسة ببولاق أبو العلا    حسام بدراوي يهاجم إماما في المسجد بسبب معلومات مغلوطة عن الحمل    190 عامًا من التشريع لرعاية الأطفال.. كيف تصدرت مصر حماية الطفولة عالميا؟    بالأعشاب والزيوت الطبيعية، علاج التهاب الحلق وتقوية مناعتك    رفع 46 سيارة ودراجة نارية متهالكة خلال حملات مكثفة بالمحافظات    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    أمم إفريقيا – مدافع السنغال: اللعب في البطولة ليس سهلا.. ونحن من ضمن المرشحين بشط    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    وزير الري: الدولة المصرية لن تتهاون في صون حقوقها المائية    راشفورد يعلنها صريحة: أريد البقاء في برشلونة    محمد بن راشد يعلن فوز الطبيب المصري نبيل صيدح بجائزة نوابغ العرب    لتشجيع الاستثمار في الذهب.. وزير البترول يشهد التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق مع آتون مايننج الكندية    كيف واجهت المدارس تحديات كثافات الفصول؟.. وزير التعليم يجيب    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    بدء اجتماع الحكومة الأسبوعى ويعقبه مؤتمر صحفي    بعد تعرضه لموقف خطر أثناء تصوير مسلسل الكينج.. محمد إمام: ربنا ستر    ميدو عادل يعود ب«نور في عالم البحور» على خشبة المسرح القومي للأطفال.. الخميس    وزير الصحة: قوة الأمم تقاس اليوم بعقولها المبدعة وقدراتها العلمية    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    دبابات الاحتلال الإسرائيلي وآلياته تطلق النار بكثافة صوب منطقة المواصي جنوب غزة    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    حريق هائل بمنطقة صناعية في تولا الروسية بعد هجوم أوكراني بمسيرات (فيديو)    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    ويتكر: المفاوضات حول أوكرانيا تبحث أربع وثائق ختامية رئيسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنابر الخاوية.. والشيخ كشك
نشر في اليوم السابع يوم 21 - 08 - 2008

حيرة الجمعة لا تزال تمد سلطانَهَا على منذ أن أغادرَ نومى إلى أن أتهيأ للصلاة: أى مكانٍ أذهب إليه؟ وما الكلام الذى سأتجرع مرارته اليوم، من فم لا يضبط كلامه، وخطيب لا يعرف واقعه، ولا يستطيع إيصال نافع مفيد فى أسلوب ميسور؟!! حيرة لاهية..ولستُ وحدى فى هذا الأمر، بل شمل داءُ الحيرة الناس: أين يحضرون خطبة الجمعة؟
توكلت على الله وقررت أنا وأولادى منذ فترة الصلاة فى أقرب مسجدٍ يُنْهِى الخطبة مبكرا، حتى أخلص من الاستماع إلى خطبة لا تؤثر ولا تغير ولا تعلم..فما هو إلا أن أؤدى فرض ربى، وأَخْرُج معافًى سليم القلب من ضغط الهم الذى يُمْسِكُ بى عندما أُصْغِى إلى خطباء هذه الأيام!
وبالأمس القريب صدر تقرير "رسمى" يؤكد مقاطعة 37% من المصريين لخطبة الجمعة.. وبلا شَكٍّ فإنّ ضَعْفَ ثقافة الدعاة، وعدم معايشتهم لمشاكل الجمهور، وانفصال الخطبة عن الواقع، وراء تفاقم الظاهرة..ولعلى لا أخطئ إذا قلت: إن الخطباء يتحملون المسئولية كاملةً فى تزايد أعداد مقاطعى خطب الجمعة، والذين ينتظرون فراغ الخطيب من كلامه ليقضوا الصلاة سِرَاعًا حتى يئوبوا إلى البيت!
وقد صدق الشيخ محمد الغزالى رحمه الله حين قال فى كتابه "هموم داعية": إن حقل الدعوة يضم "الْمُتَرَدِّية والنَّطِيحة"!! لذلك أصبحت صورة الخطيب مشوَّهة، وبالتبعية أصبحت خطبةُ الجمعة طقسًا دينيًّا مُمِلا، يخوض فى أمور بعيدةٍ أشدَّ البعد عن قضايا الناس. وهذا الكلام أيقظ فى القلب حنينه إلى جيل السبعينيات، حينما كان الناس يحتارون نعم، ولكن حيرتهم كانت لامتلاء الساحة بالكبار الكبار!!
فيتساءلون كل خميس: عند مَنْ يصلون؟! عند الشيخ كشك فى عين الحياة بدير الملاك، أم عند الشيخ الغزالى فى عمرو بن العاص، ثم فى مسجد النور، أم خلف الدكتور عبد الرشيد صقر بالمنيل، أم الشيخ عبد اللطيف مشتهرى بالجمعية الشرعية، أم الشيخ إبراهيم عزت فى مسجد أنس بن مالك فى المهندسين؟!
هذا غير كثير من الدعاة الكبار المتنقلين من مسجد إلى مسجد.. فكانت الخطبة مِنْبَرًا ثقافيا وتربويا، حتى لتكون بمثابة مؤتمر عالمى يتناول أحداث الأسبوع. فهذا الشيخ البليغ المفوه الشيخ كشك رحمه الله..كان أزهريًّا يملك ناصية البيان، ويحسن استخدام أدواته الخطابية فى حشد قلوب الآلاف حوله، مما أكسبه شعبية جعلته يتعرض لإغراءاتٍ كثيرةٍ من قِبَل السلطة، حتى دعاه السادات شخصيًّا عدة مرات للإفطار معه فى رمضان، فأَبَى، وصمد أمام محاولاتِ السادات الكثيرة لاستمالته، وظل مُحِبًّا لدعوته، قويًّا فى عزيمته التى لا تلين..حتى إنه يوم خرج من سجون عبد الناصر بعد سنوات الاعتقال والإهانة والتعذيب؛ بتهمة تحفيظ القرآن(!!) لم يسكن حتى صعد المنبر يوم الجمعة التالى له، صادحًا على أعواد منبره بصوته المتوهج ، مرددًا قول الشاعر:
وقد يجمع الله الشتيتَيْنِ بعدما يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أنْ لا تَلَاقِيَا!
كأنما كان السجن مِعْطَفًا يرتديه زمنًا، ثم رمى به إلى الأرض غير مبالٍ، وصعد منبره كما كان، قاصدًا ربه، محبا لأمته، مما جعل مسجدَهُ قِبلةَ الشباب، ومقصِدَ الشيوخ، فما أن تُطِلَّ شمس صباح الجمعة حتى يتوافَدَ الآلاف من الساعات الأولى إلى المسجد، ظامئين إلى صوت الشيخ وعلمه وأدبه، وتعليقاته الأسبوعية الصادعة بالحق على أحداث بلاده..حتى أن المسجد ضاق بزواره، فبُنِيَتْ أربعة أدوار وألحقت بالمسجد، ومع ذلك اكتظت الشوارع بالناس، وتراصوا بالآلاف فى وقدة الشمس يسمعون الشيخ لا يبالون بشىء من حر أو برد.
وسر هذا الأمر أن الشيخ كان ورعًا زاهدًا فى الدنيا، قويا فى الحق والصدع به، متواضعا مع الناس..وكان بجوار هذا كله مثقفا يقرأ الصحف والمجلات، ويطالع الأخبار يوميا، منفتحًا على الثقافات الأخرى، قارئًا فى الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلسفة، مُتَنَبِّهًا لما يغص به مجتمعه من قضايا ومشكلاتٍ وهمومٍ يُعَالِجُهَا ببيانه المشرق، وأسلوبِهِ المعروف، ولذلك عرف طريقه إلى قلوب الناس، واجتمع حوله القاصى والدانى.
وقد كان الشيخ مميزًا بالصدع بالحق الذى يراه، فقد هاجم الرؤساء والحكام بكل جرأة، وانتقد الأوضاع العربية والسياسية، فضجر منه الحكام والملوك، وتعرض للاعتقال أكثر من مرة.. وبعد اعتقاله الأخير فى سبتمبر 81، واغتيال السادات، خرج من السجن بعد عام، رافضًا كل الإملاءات والإغراءات، مكتفيًا بجلوسه فى بيته المتواضع، بعيدًا عن المهادنة والمراوغة. ولقد زرتُ هذا الرجل العظيم، ودخلت بيته بعد الإفراج عنه، ورأيت هذا الذى أعرض عن الدنيا، وزهد فى إغراءات الكبار، وأتعب الحكام والرؤساء، يعيش فى شقة متواضعة، ولا يملك صالة استقبال لكى يجلس فيها الضيوف الذين يزورونه..بل يجلس ضيوفه على "كنب" بلدى، ويرتدى جلبابًا من الكستور المحلاوى..
ومع هذه الحالِ الزاهدة، رفض الشيخ الكبير عرضًا من إحدى الدول العربية لتعيينه خطيبًا فى أحد المراكز الإسلامية فى أوربا مقابل 120 ألف جنيه شهريًّا، وكان مبلغًا ضخمًا أيامها..ولكنه أبى غير متردد كأنّ معنى المال سقط من قلبه! وملك حب مصر عليه فؤاده ؛ لأنه أراد العيش فيها كريمًا عزيزًا، ولو كان فى حال الفقر وقلة ذات اليد، راغبًا فيما عند الله..فنال الشيخ شَرَفَ الثناء الحسن، والخاتمة المباركة؛ إذ ماتَ ساجدًا لله رب العالمين. رحم الله الشيخ.. ورحم الله دعوتَه..ورحمنا مما نعانيه من أغلب خطباء هذه الأيام!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.