اتضح أن أمريكا تحاول هزّ أركان الشرق الأوسط وتمزيق العرب، بعد إصرارها الغريب على توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، وبصرف النظر عن تواجد الجماعات التكفيرية أو صعود التيار الإسلامي أو الليبرالي لسدة الحكم، لكن يظل عنصر مصلحة واشنطن هو صلب القضية ومغزى الدعم اللامحدود لمن يحقق هذه المصالح أو يزيد عليها.. بعد أن قاربت الثورة السورية على الدخول في عامها الثالث، وأنها تنمو في بعض الأحيان أضعف أو أقوى في الأماكن الواقعة تحت القصف بين الجيش النظامي والحر، إلا أن ضخامة الأحداث اليومية وتنوع أطراف الأزمة جعل معظم المراقبين غير مدركين لما سيؤول إليه المستقبل، كما أن محاولة فهم ما يحدث في المجتمعات العربية والإسلامية من ثورات وسقوط أنظمة جعل الخبراء حائرين، هل تريد أمريكا تمزيق العرب أم إقامة الديمقراطية في هذه المجتمعات حتى وإن كانت بطيئة ؟ د.جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس قال: إن التطورات السريعة في المنطقة تجعلنا نتأكد من أن واشنطن لا تريد سوى الهيمنة على المنطقة والدول الفاعلة أولاً وأهمها مصر وسوريا، وبعدها تتفرغ لدول الملكيات أو دول الخليج بأكملها، كما أن التطورات الحادثة في الشأن السوري ومحاولة تدخل أمريكا عسكرياً يؤكد أن نوايا تفكيك الجيوش العربية أمر قادم لا محالة، وأن ما يحدث اليوم يعد بمثابة حرب بالوكالة عن الجيش الأمريكي من جانب بعض الحركات الإسلامية المتشددة التي تدعمها أمريكا بالسلاح عن طريق غير مباشر، موضحاً أن الرئيس الأمريكي أوباما أراد استباحة مصر استراتيجياً بعد أن عقد صفقة مع جماعة الإخوان المسلمين وصعد بهم إلى سدة حكم البلاد لتنفيذ مخطط تصدير الثورة المصرية على الطريقة الإخوانية إلى العالم العربي، ومحاولة حل القضية الفلسطينية على أرض سيناء وضمان أمن إسرائيل، وغيرها من الصفقات التي عقدت سراً على حساب المصريين، لافتاً إلى أن مصر تحت الحكم الإخواني كانت نموذجاً للتجربة أمام صناع القرار في وكالات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، ولو نجحت تجربة الإخوان سيتم الانقلاب ضد النظام العربي ، بالإضافة إلى أن أمريكا كان لديها طموح الهيمنة والإخوان كانت تريد التمكين والخلافة. ومن جانبه أكد د. عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه منذ زمن طويل كانت هناك درجات متفاوتة من السرعة تتمثل في إمكانية صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة، كونها الجماعة الوحيدة الأكثر تواصلاً مع الشعب وقوة على الأرض، وتتمتع بدعم شعبي واسع بين الطبقات الدنيا من المجتمع، كما أنها حركة منظمة جيداً وتعرف جيداً كيف ومتى تمارس قوتها ضد السطلة، لكن خيال المصريين لم يكن يتوقع أبداً أن الإخوان ستصعد إلى السلطة بل إن الجماعة نفسها لم تكن تحلم بذلك، لكن كانت هناك دوائر غربية تتواصل مع التنظيم الإخواني بشأن هذه القضية، موضحاً أنه بعد عام من حكم الإخوان في مصر برعاية ودعم أمريكي كانت المفاجأة الكبرى التي حدثت وهي خروج المصريين في ثورة شعبية على الحكم الإخواني التآمري، ونجحت ثورة 30 يونيو في إسقاط الإخوان من مناصب السلطة والوزارات الحكومية، وإعادتهم إلى السجون من جديد لمواجهة الاتهامات، وأيضاً في تونس وتركيا وأماكن أخرى انتفضت شعوب هذه البلاد ضد الإخوان المسلمين؛ لأنها تمثل الإدارة الأمريكية على شعوبها وتتعامل وفق خطط سرية ضد شعوبها للحصول على مزيد من الدعم الغربي والأوروبي بهدف ترسيخ حكم الإخوان بعد أن فقدوه في مصر. وأضاف د. جاد : إن الجمهور العربي ضاق ذرعاً برجال الإسلام السياسي في دول الثورات العربية، قبل إعطائها فرصة لتوطيد السلطة وإظهار قدراتها على افتراض أنها تمتلك القدرة في إدارة شئون الدولة وإعادة بناء الاقتصاد المتهاوي.. لكن الواقع كشف أن الإخوان ذات التصميم القوي والمنظمة القوية، مع أول احتجاجات ضدها اتضح أنها مفككة وعديمة الخبرة ومجزأة إلى مجموعات وعشائر، وكما اختطفت الثورة الأنظمة الحاكمة فقد انتزعت منها أيضاً. وفي رأي د.حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الإخوان لم يستطيعوا إقناع بعض الحكومات العربية بأهمية وجودهم على السلطة، وفشلوا في احتضان شعوب المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، وتلاشي نضالهم الذي استمر لأكثر من خمسة وثمانين عاماً تلهث وراء السلطة أو التقرب من رجالها، بالإضافة إلى أن الجماعة زعمت أنها قادرة على ملئ الفراغ السياسي في جميع الدول العربية، لكن الواقع كشف عن خُواء هذا التنظيم وعدم استطاعته تقديم ما يفيد الأمة أو يساعد على نهضتها، وللأسف صدرت الإخوان الكراهية لجميع الدول التي عارضتها ومازالت تعارضها في الحكم مثل "السعودية والإمارات"، موضحاً أن سقوط إخوان مصر صدم وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية بسبب ضعف الجماعة في اقتناص الفرصة التاريخية، وحتى الآن الإخوان تتجاهل نداءات الحكومة المصرية المؤقتة بالدخول في العملية السياسية الجديدة، كما أن بعض الوسطاء يبحثون على وسيلة لاندماجهم في هيكل السلطة منعاً لتزايد العنف أو انتشار الفوضى. ويرى د. وحيد عبد المجيد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أن الإخوان دائماً كانت ترفع شعار الإسلام هو الحل، وفي غضون سنة من حكم مصر تبين أمام عشرات الملايين من المصريين والعالم العربي أن الإسلام ليس هو الحل، ولا يمكن استثارة عواطف الناس بشعارات دينية زائفة.. وبالتالي فإن مصر كانت دائماً وستظل نقطة مرجعية ونذير لجميع دول العالم العربي، ورغم أن الربيع العربي بدأ في تونس ونشر في وقت لاحق إلى مصر، إلا أنه كانت هناك ردة فعل جديدة مضادة تتقدم في ترتيب عكسي من خلال حملة تمرد التي بدأت تنتشر في تونس بعد أن نجحت في إسقاط إخوان مصر من الحكم، موضحاً أن ثورة المصريين على تيار إسلامي كان في الحكم، لم تكن ضد الدين أو نوعاً من الصحوة العلمانية كما يردد مؤيدو الإخوان، لكنها كانت ثورة تصحيح من أجل وضع الدين مرة أخرى في المساجد وإزالته من القصر الرئاسي والعمل السياسي، ولذلك فإن هذه الثورة منعت تمزيق الدول والشعوب العربية من الاحتلال الإخواني القادم ومحاولة لترسيخ الديمقراطية بعد سقوط الديكتاتورية. الإخوان المسلمين خططت لفترات رئاسية متعددة وليست فترة واحدة، حيث أنها أرادت التعامل مع الدولة المنهارة اقتصادياً وسياسياً باعتبارها المنقذ لما بعد سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولا يمكن أن يتصور أحد حتى في أسوأ الكوابيس أن الجماعة ستخسر مرة أخرى وتعود إلى السجن كما هربت سابقاً بهذه السرعة. وفي رأي د. محمد كمال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الإخوان المسلمين ظاهرة تستحق الدراسة لسنوات قادمة، للإجابة فقط عن تساؤل، لماذا سقطت الإخوان من الحكم بهذه السرعة التي لم يتخيلها أحد؟، خاصةً وأنها كانت تخطط لفترات رئاسية قادمة وليست فترة واحدة، وهو الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن الصراع الفكري بين الإسلام المعتدل والمتطرف يجب أن تكون بعيداً عن العمل السياسي، بالإضافة إلى أن الفكر التآمري قد استخدمه الإخوان تحت مطية الدين فكان لهم ما أرادوا، ولكن لم يشاهد أحد من المسلمين أن الجماعة حاولت تطبيق الشريعة الإسلامية كما ادّعت، ولكنها هرولت إلى إيران ذات الفكر الشيعي من أجل حفنة دولارات، الأمر الذي أغضب السلفيين كثيراً وأوجد مسافات من عدم التلاقي نهائياً في الفكر على كافة الأوجه حتى أصبحوا من المغضوب عليهم عند الإخوان، ولذلك لم يساند الجماعة أي من حلفائها عند سقوطها من حكم مصر، بل إن الفرحة دخلت بيوت المصريين وبعض الدول العربية المجاورة خاصةً سوريا وليبا وتونس، موضحاً أن الغرب كان مستاءاً ومصدوماً لما حدث في القاهرة لكنه سريعاً عدّل من موقفه، وتبقى المشكلة مع الأمريكيين أن لديهم تسمية مكررة لجميع الأحداث، فهو إما شيء جيد أو سيئ، ولا توجد تعريفات دقيقة عند الإدارة الأمريكية لما يحدث من تداعيات أو أزمات في الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن المجتمعات العربية في المنطقة فقدت هامش الديمقراطية والحرية من الأنظمة السابقة تحت حكم الإخوان.. والمرأة لم يكن مسموح لها التصويت الانتخابي أو وضعها على قوائم الإسلاميين الانتخابية، كما أن الأقليات تعرضوا لمعاملة سيئة، وبالتالي فإن الحكم الإخواني كان يهدف إلى تفكيك الدول العربية وإفشال الديمقراطية المرجوة.