في أعقاب الاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس المعزول محمد مرسي بعد عام واحد فقط في حكم مصر، مقارنةً بثلاثين عاماً من النظام الشمولي قضاها الرئيس الأسبق حسني مبارك في حكم البلاد، خرجت بعض التصريحات الدولية ترفض وتدين إطاحة القوات المسلحة بالشرعية الانتخابية وتعطيل الدستور، وعلى رأس هذه الدول كانت أمريكا وتركيا وإيران أو ما يسمى الحلف الثلاثي الطامع والطامح لتحقيق مصالحه السياسية في المنطقة بوجود جماعة الإخوان المسلمين على حكم مصر، إلا أن الشعب انتبه وأيقن أنهم لم يحققوا مطالب ثورته حتى ثار وأطاح بالإخوان بسبب الممارسات والتضييق الذي لايطاق، ولم يستطع المصريون الانتظار لسنة أخرى أو حتى نهاية ولاية مرسي للمطالبة بالتغيير، حتى خرج الشعب في ثورته ضد الإخوان يوم 30 يونيو لإقصاء حكم المرشد أو الضغط على مرسي للموافقة على تقديم استقالته وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. منذ ثورة 1979 في إيران، لم تكن هناك أي علاقة رسمية بين البلدين، ومع ذلك لم تؤثر هذه القطيعة على الشعب المصري والإيراني، وبقيَ الود والتلهف على التقارب موجود, ويستغل البلدان وجود هامش إعلامي؛ ليهرول كثيرون للحديث عن العلاقات التاريخية بين القاهرةوإيران، وبعد أن أطاحت الثورة الإسلامية بالشاه جاء إلى مصر والتي كانت البلد الوحيد الذتي منحته حق اللجوء السياسي، حتى توفى الشاه في مصر ودفن في مسجد الرفاعي، بجانب الملك فاروق الأول. في إيران، كان هناك شغف كبير وفرحة عارمة بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات الذي تثير الامتعاض دائماً عند الشعب وقادة الدولة الفارسية، بسبب علاقته الوثيقة مع الشاه وإجراء معاهدة سلام كامب ديفيد.. أو تطبيع –كما يسمونها- مع إسرائيل ولذلك سارع المسئولون هناك إلى تسمية أحد شوارع العاصمة طهران باسم قاتل السادات خالد الإسلامبولي.. ومرت السنوات وكانت الجهود الدبلوماسية المبذولة لصالح إحياء العلاقة بين البلدين خلال حكم محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد ضرباً من العبث طالما تواجد مبارك في الحكم. كانت إيران على مقربة من جماعة الإخوان المسلمين وآية الله علي خامنئي، الذي كان أول من أمر بترجمة جميع الكتب الدينية للقيادي الإخواني سيد قطب إلى الفارسية، ورغم أن مصر التي تعتبر من الدول الأكثر أهمية في العالم العربي والإسلامي، لم تتجاهل تدخل طهران في شئونها بتعمد واضح أو تغيب عن واقعها دوماً، لذلك سارعت بدعوة مبارك إلى التنحي فوراً عن الحكم إبان ثورة الخامس ولعشرين من يناير؛ لأنها كانت ترى أن الوقت قد حان ليصعد حلفاؤها في القاهرة - الإخوان المسلمين- إلى السلطة. ومع مرور أشهر المرحلة الانتقالية التي تلت مبارك، تولى المرشح الإخواني محمد مرسي السلطة كأول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، وكانت إيران سعيدة عندما تولى الإسلاميون السلطة، حيث توالت الزيارات الرسمية لأول رئيس مصري بعد الثورة الإيرانية في قمة عدم الانحياز، ولم يغفل أحمدي نجاد رد الزيارة حيث قام بزيارة الأزهر والحسين.. ومع ذلك كانت طهران تتوقع أو تأمل اتخاذ مواقف سياسية من القيادة الإخوانية الجديده في الحكم أكثر حسماً ضد إسرائيل ويصبح هناك تحالفاً قوياً في الشرق الأوسط ضد الدولة العبرية في المنطقة يضم مصر وإيران، حيث كانت تريد من الإخوان المسلمين الغاء معاهدة السلام التي أبرمت في عهد السادات، لكن سياسية مرسي في الحكم والتطبيع مع تل أبيب على كافة الأصعدة خيّب أملهم، وأصبح تعليق الطموح السياسي على الإخوان مجرد وهم وسراب أذهل النظام الإيراني وحركة حماس. د.حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أشار إلى أن الأيام أثبتت خطأ إيران وحماس عندما ظنوا أن حليفهم الذي تولى السلطة في مصر قادر على إحداث التغيير أو قلب الطاولة السياسية والخريطة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ولم يستطع الرئيس الإسلامي أن يتخلى عن المساعدات المالية الأمريكية للقاهرة منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية، ولذلك لا يمكن أن يتغاضى الإخوان عن هذه المساعدات أو وضعها في خطر فقط من أجل إحياء العلاقة مع إيران أو دعم حماس، بالإضافة إلى أن مرسي اكتفى فقط بالعبارات الإنشائية ووعوده البراقة في عودة العلاقات مع طهران، لكنه كان يتخوف هو وجماعته من الداخل من غضب وسخط السلفيين على هذا القرار خوفاً من خروج الملايين ضده في الشارع ضد فتح أبواب الدولة السنية أمام الشيعة، ولذلك كان حريصاً على عودة العاقات تدريجياً بدأت بالزيارات المتبادلة للوفود الرسمية وعلى مستوى الرؤساء وانتهت بالتعاون السياحي، حتى بدأ الخلاف في موقف مصر الرسمي تجاه سوريا وهو ماكان بداية شرارة الخلاف مع القاهرة وجماعة الإخوان حول تأييدها للمعارضة والوقوف ضد النظام السوري إرضاءاً من مرسي وجماعته لأمريكا من أجل تقويض سلطة الجيش والضغط على قياداته لعدم النزول إلى الشارع أو الدخول في الحياة السياسية مجدداً، لكن الأحداث لم تمهل مرسي فرصة حتى خسر الجميع وأطاح به الشعب والقوات المسلحة، ولذلك كان على إيران إعادة حساباتها الخارجية بعد عزل مرسي والوقوف مع ثورة المصريين. بينما قال أحمد جنتي خبير سياسي إيراني، في تصريحات صحفية "لوكاة مهر" الإيرانية، إن الإخوان المسلمين أخطأوا كثيراً في تقدير الموقف السياسي داخلياً وخارجياً، وكان تعمدهم إقصاء المعارضة خطأً كبيراً لا يغتفر.. بالإضافة إلى أن تعاونهم المستمر مع أمريكا وإسرائيل جعل إيران تخطئ في تقديرها للموقف الإخواني تجاه عودة العلاقات بين البلدين بعد الإطاحة بمبارك وصعود رئيس إسلامي إلى الحكم، موضحاً أن الإخوان قدمت الكثير للدولة العبرية إبان حربها على قطاع غزة حيث قدم مرسي تنازلات سياسية كثيرة لتل أبيب من أجل وقف الحرب، وهو الأمر الذي خلف مكاسب عسكرية وسياسية لصالح إسرائيل في المنطقة، وجعلت الإخوان منكسرة أمام أعداء الأمة، رغم أنهم في السابق كانوا يدعون إلى الجهاد لتحرير القدس، وهذه الإزدواجية في التعامل صدمت القيادة الإيرانية التي كانت تأمل بتكوين تحالف مصري إيراني في المنطقة يغير من خريطتها، لكن مرسي كان ضعيفاً أمام المساعدات الأمريكية وفضل بقاءها على عودة العلاقات بين البلدين. ومن جانبه أشار د. مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن تغيير لهجة الخطاب السياسي للنظام الإيراني ومباركة ثورة 30 يونيو بعد أن وصفوا ماحدث بأنه انقلاب عسكري، يرجع في الأساس إلى موقف تركيا تجاه تدعيم شرعية الإخوان المسلمين في مصر، حيث كان يرى أردوغان أنه سيقود العالم العربي والإسلامي بعد صعود مرسي وسيجعل هناك قوى ثنائية في المنقطة واتفاق واضح ومتطابق في جميع المواقف السياسية تجاه القضايا العربية، حيث كان يريد مرسي استغلال وضعية أردوغان مع الاتحاد الأوروبي لتوصيل رسائله ورؤية القاهرة في بعض القضايا، بينما كان يريد رئيس وزراء تركيا استغلال مرسي لقيادة العالم العربي حسب رؤيته وربما يخدم مصالح تركيا، موضحاً أن العلاقة الثنائية بين البلدين فشلت بعد سقوط مرسي لذلك يعمل أردوغان بقوة من أجل إقناع أوروبا بأن ماحدث في مصر انقلاب على الشرعية الانتخابية، وهو ماجعل إيران تغير من لهجتها وتبارك ثورة المصريين لترد صفعة تركيا في مساندة المعارضة السورية، وبذلك تكون طهران قد انضمت إلى الدول العربية والإسلامية المؤيدة للإطاحة بالإخوان, بينما تبقى تركيا وحيدةومنعزلة في سياستها الخارجية. وفي رأي د. جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، أن إيران باتت تهاجم تركيا على مساندتها لجماعة الإخوان المسلمين، وهو عكس موقفها السابق إبان ثورة 30 يونو حيث كانت الرؤية الإيرانية التركية مشتركة في وصف ماحدث بأنه انقلاب على الشرعية، وتابع؛ اختلاف رؤية طهران فيما حدث يرجع إلى ازدواجية مرسي في التعامل مع بعض القضايا الخارجية، فمثلاً سارع بتأييد النظام السوري عندما قال أن رؤية مصر وإيران متشابهة في دعم سوريا، وبعدها بأسابيع قليلة قام بقطع العلاقات مع دمشق وأعلن عن دعم المعارضة بالمال والسلاح، بالإضافة إلى أن إيران كانت تعلق آمالها على مرسي في إلغاء معاهدة السلام كامب ديفيد مع الدولة العبرية، وأيضاً في احتمالية تكوين لوبي سياسي وعسكري ضد أمريكا وإسرائيل، لكن الإخوان أجهضت كافة المساعي الإيرانية خوفاً من واشنطن، وهو ماجعل الموقف الخارجي لطهران يتباين وتبارك سقوط مرسي؛ أملاً في تصحيح المسار السياسي والدبلوماسي مع الإدارة المصرية الجديدة، حتى لا تخسر طهران أكثر من ذلك في قطع علاقاتها مع مصر، وحرصاً منها على وجود حليف قوي يستطيع الوقوف بجوارها أو تدعيم قضيتها إذا قامت أمريكا بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية. بينما يرى د. وحيد عبد المجيد الخبير السياسي، أن إيران تحاول استغلال التهور التركي تجاه القاهرة لكسب ود النظام المصري الحالي والقادم في تكوين تحالف جديد أو على الأقل عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، خاصةً بعد أن ارتفعت جبال الجليد بين مصر وتركيا بعد تدخل الأخيرة في الشأن الداخلي المصري، وإصرارها على توصيف ماحدث بأنه انقلاب عسكري ضد مرسي، موضحاً أن إيران تعرف مصالحها جيداً واستطاعت أن تخدع الأتراك بعد إجراء مباحثات ثنائية بين وزيري خارجية البلدين عقب الإطاحة بمرسي لرفض ماحدث، وهو ماجعل أردوغان يتمادى في لهجته العدائية تجاه القاهرة؛ لأنه يدرك أن طهران بجواره وتؤيد مواقفه، لكن بعدها بأيام قليلة وصفت إيران أردوغان بأنه يعاني من أزمة نفسية بسبب تأييده لمرسي، وعليه أن يتراجع حفاظاً على مصالح بلاده في المنطقة.