للمرة الأولى منذ تأسيس حزب النور السلفي، يتوجه وفد من قياداته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في جولة سياسية شملت لقاءات مع مسئولين أمريكيين وممثلين عن الجالية المصرية، ورغم أن سلفيي مصر يرون أن أمريكا هي "الشيطان الأعظم"، إلا أن حسابات الحكم والسلطة تختلف تمامًا، حيث تنهار كافة المبادئ السياسية الراسخة عند تيار الإسلام السياسي؛ نظرًا لأن الحزب السلفي أدرك أن "واشنطن" لم تعد تضع رهانها على الرئيس "محمد مرسي" وجماعة الإخوان المسلمين؛ لاعتبارات شعبية وسياسية، أهمها انهيار شعبيتهم وحلفائهم الذين انفضوا من حولهم، وبالتالي أصبحت وحيدة في الحكم لا تجد من يساندها أو يدعمها، ومن ثم أصبح المصريون يأملون في اليوم الذي يسقط فيه النظام بالرغبة الشعبية أو الإطاحة العسكرية. وأوضح خبراء سياسيون وحزبيون، أن حزب النور السلفي يريد تقديم نفسه كبديل جاهز استعدادًا لخلافة الإخوان في الحكم؛ نظرًا لأنه يحظى بدعم سياسي من المعارضة ومنفتح على جميع القوى الليبرالية، وبالتالي قد يكون السلفيون هم الوجهة القادمة لأمريكا في حكم مصر، بشرط تحقيق مصالحها في المنطقة والحفاظ على العلاقات بين البلدين. د. عمار علي حسن، الباحث في شئون الحركات الإسلامية قال: إن السلفيين اكتشفوا خداع الإخوان وكذبهم بعد انفرادهم بالسلطة، حيث فطنوا بأن الجماعة تحتاج إليهم لتحقيق مصالحهم وأغراضهم السياسية فقط، وبعدها يصبح التجاهل التام سيد الموقف بين الطرفين، لافتًا إلى أن الاستقلال السلفي جاء بعد وجود حالة غضب وسخط من جانب أمانات ومؤيدي الحزب في محافظات الجمهورية، خاصة بعد تزايد الشعور العام أنهم أصبحوا أداة "سهلة" في أيدي حزب "الحرية والعدالة" المنبثق عن الإخوان المسلمين، فضلًا عن ذلك تلاعب مكتب الإرشاد بالسلفيين في انتخابات رئاسة الجمهورية والمجالس التشريعية والتعديلات الوزارية، وأوهموهم بالمناصب ولكنهم تخلوا عنهم بعد الصعود الإخواني، وبالتالي قام السلفيون بتحويل بوصلتهم الدولية إلى "أمريكا"؛ من أجل توصيل رسائل سياسية أهمها أنهم على استعداد لخلافة الإخوان في الحكم، وأنهم يمتلكون رصيدًا شعبيًا يسمح بمواجهة ومجابهة مؤيدي الإخوان، فضلًا عن ذلك امتلاك الحزب السلفي قبولًا سياسيًا من كافة القوى الليبرالية، الأمر الذي يجعلهم الفصيل الجاهز لحكم "مصر" وخلافة الإخوان، موضحًا أن هاجس الجماعة يكمن في كيفية "التمكين" من الدولة وتقديم أهل الثقة وإبعاد أهل الكفاءة، وخلال فترة قليلة في الحكم اصطدموا بجميع مؤسسات الدولة مثل: "المخابرات، والقوات المسلحة، والقضاء، والإعلام"، وهو ما أزعج القائمين على هذه المؤسسات ويريدون الخلاص من النظام الحالي، ولكن في حال تحرك الشعب وانتفض وطالب بسقوط الإخوان ستكون الاستجابة فورية. واتفق مع الرأي السابق د. أحمد زغلول، الباحث في شئون الإسلام السياسي، أن الساسة السلفيين اعتادوا مؤخرًا زيارة السفارة الأمريكية بالقاهرة؛ من أجل أن يكونوا داخل الخيمة الأمريكية بدلًا من خارجها، وهو ما جعل قادة حزب النور يسعون إلى زيارة الولاياتالمتحدة لبحث كيفية الاطلاع على سير النظام الديمقراطي وإدارة الدولة في النظم الحديثة، لافتًا إلى أن "واشنطن" شعرت بالندم على اختيار الإخوان ليخلفوا النظام السابق؛ لأنهم استشعروا أنهم البديل السياسي الجاهز ويحظون بقبول وتوافق سياسي وشعبي وهو أمر كان صحيحًا بعد الثورة مباشرة، ولكن بعد الوصول لكرسي الحكم تحول الإخوان وأصبحوا يمارسون نهج النظام السابق ولكن بأسوأ إدارة خلفت وراءها انقسامًا ونفورًا بين السلطة والمعارضة، لذلك تحاول أمريكا فتح جسر للتواصل مع السلفيين بالسياق نفسه؛ لأنهم القوة الثانية سياسيًا وشعبيًا في البلاد ومن الصعب تجاهلها أو إنكارها، مؤكدًا أن حزب النور السلفي لم يغير مبادئه السياسية لوجود كثير من التيارات المعارضة والمناهضة لأمريكا على اتصال مباشر أو غير مباشر بالإدارة الأمريكية؛ لأن السياسة لها منطلق وحسابات مختلفة، فضلًا عن ذلك سيحاول السلفيون تجنب الوقوع في مشاكل وأخطاء الإخوان، كما أنهم يمتلكون رؤى سياسية تستحق الاحترام، ويعملون على تغليب المصالحة مع الجميع وتقديم الكفاءات من جميع القوى الليبرالية. انفصال سياسي ومن جانبه أوضح محمد القاضي، عضو مجلس شورى الدعوة السلفية، أن جماعة الإخوان المسلمين يريدون من الأحزاب الإسلامية أو الليبرالية التي تتعامل معهم أن يسيروا على مبدأ "السمع والطاعة"، وألا يناقشوا قرارات مكتب الإرشاد التي تصدر وتلزم الأحزاب بهذه القرارات دون مناقشة أو تعديل، وخلاف ذلك يكون مصير المختلفين معهم الطرد أو التشويه، مؤكدًا أن الإخوان تحرص على المناصب والكراسي وتدفع ثمنها باستغلال الدين والشريعة ونصرتها، وحزبها السياسي "الحرية والعدالة" يتعامل مع الأحزاب الإسلامية كما لو أنها جزء من التنظيم الإخواني، ورغم نصائح حزب النور السلفي المتعددة بضرورة مراعاة الأولويات التي ينبغي أن يتبناها الإخوان والرئيس "محمد مرسي"، مثل التوافق السياسي وتحقيق مطالب المواطنين، وتقديم تنازلات للمعارضة، إلا أن المشكلة الرئيسة في الإخوان أنها لا تنظر لنفسها على أنها جماعة من جماعات المسلمين، وإنما تنظر لنفسها على أنها جماعة المسلمين فقط، وأنها صاحبة المشروع الإسلامي الوحيد الصحيح المتكامل، وعلى باقي الحركات الإسلامية أن يكونوا جزءًا من هذا المشروع، أو على الأقل تكون مؤيدة، وإلا اعتبرتها الجماعة عقبة في طريق المشروع الإسلامي لابد من إزالتها وإقصائها، مشيرًا إلى أن الإخوان كانوا يصورون للإدارة الأمريكية أنهم يملكون مفاتيح التيارات الإسلامية في مصر، وأنهم الوحيدون الذين يملكون تحريكهم في أي وقت شاءوا، وهو خطأ لابد من تصحيحه أمام المسئولين الأمريكيين التأكيد على الانفصال السياسي والشعبي بين الطرفين. وبدوره أشار نادر بكار، مساعد رئيس حزب النور، إلى أن التقارب السلفي مع أمريكا لن يكون على حساب المبادئ والتوجهات الإسلامية والسياسية الراسخة لدى الحزب، ولكننا طلبنا من الأمريكان أن يسمعوا منا بدلًا من أن يسمعوا عنا، موضحًا أن الجولة الخارجية للحزب ستمتد إلى دول الاتحاد الأوروبي والخليج، وسنعمل على أن نصبح أكثر مرونة في التعامل مع الداخل والخارج؛ لأننا الأقدر على خلافة الإخوان في حال رحيلهم سواء بالصندوق أو بالإطاحة الشعبية أو العسكرية، وبالتالي يسعى الحزب إلى ترتيب أولوياته الخارجية وفق تحقيق مصلحته ومصلحة الوطن، ولن نسعى إلى الارتماء في أحضان أمريكا أو تغيير الثوابت ورؤية الإسلاميين تجاهها، ولكن تغير الثوابت دفعنا إلى ترتيب الأوراق وتغيير التكتيكات في محاولة لاستكشاف طبيعة المرحلة القادمة حتى نكون على أهبة الاستعداد لأي تغيير قد يطرأ، لافتًا إلى أن البراجماتية السياسية للإدارة الأمريكية هدفها المحافظة على مصالحها في المنطقة بغض النظر عمن يحميها أو القائمين على السلطة، ولو رأت "واشنطن" أن الإخوان غير عابئين بمصالحها ستسعى إلى التخلي عنهم فورًا. بديل للإخوان في المقابل أكد د. صفوت عبد الغني، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، أن "واشنطن" تحاول الضغط على حليفهم الإخواني بالجماعة السلفية، وأنهم يحاولون إعادة بناء تيار إسلامي جديد يكون بديلًا للحكم الإخواني في حال استمر الانقسام الحادث أو عدم تحقيق مصالح أمريكا في المنطقة، لافتًا إلى أن دخول حزب النور إلى صف المعارضة الليبرالية أحدث شرخًا في الصف الإسلامي، لكن لا لوم عليه لأنه أدرى بمبادئه وتوجهاته الحزبية والسياسية في الانفتاح على كافة القوى السياسية الداخلية والخارجية، ولكن محاولة تقديم نفسه إلى الولاياتالمتحدة على أنه تيار وسطي منفتح سياسيًا ومحاولة طمأنة وإقناع صناع القرار في "واشنطن" بأن السلفيين خير بديل للإخوان، سيكرر المأساة نفسها التي يعيشها قيادات الجماعة، والتي أصبحت عاجزة عن التحرر من الضغوط الأمريكية وتسعى إلى فعل ما يمكنها لتثبت أقدامها في الحكم، ولعل زيارة رموز الدعوة السلفية للولايات المتحدة وإن كانت تحمل طابعًا غير رسمي أو كما يتردد أنها زيارة "للدعوة"، إلا أنها لن تخلو من طرح أهداف سياسية قد يظهر أثرها على الإخوان قريبًا، من خلال طرح مبادرات للتوافق الوطني بين السلطة والمعارضة للخروج من الأزمات الداخلية المتلاحقة. وفي السياق نفسه استنكر د. محمد عبد المقصود، مؤسس السلفية الدعوية، زيارة قيادات الدعوة السلفية وحزبها السياسي "النور"، بعد طلبهما من السفارة الأمريكية الحصول على تأشيرات سفر قياداتهما إلى "واشنطن" لعرض مبادئ الحزب وتصوراته المستقبلية في الحكم على أمريكا ودول الغرب؛ نظرًا لأنهما بديل جماعة الإخوان في حكم البلاد إذا تشدقوا أيضًا بالصناديق، موضحًا أن الخلافات السياسية بين السلفيين والإخوان جعلت حزب النور يتحالف مع المعارضة الليبرالية للحصول على تأييد "أمريكا" والحكومات الغربية، وتوصيل رسالة مفادها أنه منفتح على جميع القوى السياسية والعلمانية، مؤكدًا أن كافة القوى السياسية الإسلامية عاجزة عن إدارة البلاد حتى جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنهم يفتقدون الحنكة السياسية وما زال أمامهم الكثير من تعلم الخبرات المفقودة، لذلك عليهم ألا يتصارعوا على الحكم وعدم إرضاء الأمريكان.