وهو ما دأبت الصحافة والمؤسسات الأكاديمية المعنية في أمريكا وغيرها من البلدان علي تناوله تحت عنوان: "مصر بعد مبارك" وفي مقدمة الأسئلة المطروحة في هذا الشأن سؤال جمال مبارك، الابن الأصغر للرئيس والقيادي البارز في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، وكما يقول أحد المقربين من الدوائر المحيطة بجمال مبارك "لقد تم تجاوز الحساسية المتعلقة بالمستقبل السياسي له، فهو يعمل بالسياسة من خلال الحزب وله دور معلن ومقبول في الحياة السياسية اليومية"، مضيفاً "إن جمال يعمل أكثر من 18 ساعة يوميا". ويبذل جهدا كبيرا في متابعة جميع الملفات، وهو مستحق للترشح (للرئاسة) بوصفه عضو الهيئة العليا للوطني، شأنه شأن أي عضو لهيئة عليا لأي حزب سياسي آخر، ولا يوجد نص دستوري يمنع ابنا لرئيس الجمهورية أو أي مسئول حزبي آخر من الترشح للرئاسة". ويرفض المقربون من جمال مبارك، الأمين العام المساعد للحزب الوطني، وأمين لجنة السياسات، التعليق عن الكيفية التي تتعامل بها الصحافة والإعلام في الغرب، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، مع جمال مبارك بوصفه "الرئيس المنتظر" لمصر، كما يرفضون وصف الزيارات التي يقوم بها جمال مبارك منفردا إلي واشنطن - سواء معلنة أو غير معلنة - واللقاءات التي يجريها في العاصمة الأمريكية مع مفاتيح صناعة القرار سواء داخل الإدارة الأمريكية أو في الكونجرس علي أنها جزء من عملية ترتبط بشكل أو آخر بمستقبل الرئاسة في مصر، والرد المعتاد علي مثل هذه الأسئلة هو أن " جمال يمارس النشاط المكلف به من قبل الحزب". وفي الوقت نفسه لا ينفي دبلوماسيون أمريكيون سبق لهم العمل في مصر "أهمية مصر بالنسبة للمصالح الأمريكية في المنطقة"، ويقول أحدهم: "إنكم في مصر تتحدثون كثيرا عن تراجع الدور الإقليمي للقاهرة، ونحن لا ننكر أن هناك عواصم عربية أخري تتحرك للعب دور مهم في المنطقة، ولكننا مازلنا نري أن مصر أساسية في تشكيل الرأي العام العربي، خاصة في القضايا المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي". وحسب المصادر الدبلوماسية - أمريكية وأخري - فإن متابعة نشاط مبارك قد تجاوزت بالنسبة للعديد من السفارات الأجنبية في مصر الحد التقليدي لعناوين الأخبار، وبدأت تلك المتابعات تشمل مشاهدة اللقطات التليفزيونية التي يبثها التليفزيون الرسمي للدولة، وغيره من القنوات الإخبارية.. كما لا يخفي هؤلاء متابعتهم "لأخبار جمال"، وتبادلهم الآراء حول حظه "في وصول سهل" لسدة الحكم في مصر "وبقاء غير معرقل" فيه. وتقول دبلوماسية أوروبية أنهت عملها في سفارة بلدها في القاهرة منذ أسابيع قليلة "إننا كنا نفعل ذلك بصورة متزايدة خلال العامين الماضيين، ولكن وتيرة اهتمامنا تزايدت مع الظروف الصعبة التي أحاطت بالرئيس مبارك عندما فقد حفيده في مايو الماضي في ظروف بالغة القسوة ". وأصبح من المعتاد أن تشمل تقارير وكالات الأنباء، كما في تقرير وكالة الاسوشيتد برس ، ملاحظات - لا تخلو من أوصاف درامية - حول صحة الرئيس مبارك، الذي مازال حريصا علي بدء يومه في ساعة مبكرة من الصباح، والاستماع إلي تقارير معاونيه حول القضايا الداخلية والخارجية، وذلك وفقا للمصادر المقربة من الرئاسة المصرية. ولا يخفي الدبلوماسيون الغربيون في القاهرة اهتمامهم بما يصفونه "بالدور المتنامي لجمال مبارك"، كما أنهم لا يعبرون عن نفور من فكرة خلافة مبارك الابن لمبارك الأب، وفي واشنطن كما في الدوائر الدبلوماسية في القاهرة تتردد العبارات بصورة أو أخري: إن حرص الولاياتالمتحدة بالأساس هو علي استقرار مصر السياسي، ويضيف البعض أولوية أخري، وهي الحيلولة دون وقوع السلطة المصرية في أيدي تنظيم الإخوان المسلمين، وهو ما قد يدفع في رأيهم إلي انتشار سريع للفكر الراديكالي في المشرق والمغرب العربيين علي حد سواء. وفيما يتعلق باحتمالات تولي جمال مبارك الرئاسة في مصر خلفا لأبيه، فإجابات الدبلوماسيين الأمريكيين عادة ما تتخذ شكل تنويعات علي الصيغة التالية: لو أن جمال استطاع أن يحصل علي الدعم الكافي من الدوائر المختلفة للحكم في مصر، وأمكنه أن يمرر انتخابه بصورة دستورية - بعيدا عن النسب المئوية المبالغ فيها - وبدأ حكمه بإعلان تحديد مدة حكم أي رئيس بمدتين، فلماذا يجب استثناؤه من هؤلاء الذين لديهم فرصة لحكم مصر بما يفيد العلاقات المصرية - الأمريكية، ودور مصر الإقليمي؟ ولا ينكر المعنيون بمتابعة العلاقات المصرية - الأمريكية، سواء في القاهرة أو واشنطن، أن تشعب قضايا المصالح الحاكمة للعلاقات المصرية - الأمريكية تدفع بالعاصمة الأمريكية، في التحليل النهائي، للتعامل البرجماتي مع القاهرة، بما يعني تفادي شخصنة علاقات هي بالتأكيد إستراتيجية، أو اختزال هذه العلاقات في الرهان علي فريق أو شخص ضد آخر. وتقول كارولين سيفير مدير برنامج دراسات سياسيات الدفاع والخارجية بمعهد إنتربرايز الأمريكي بعد دراسة بحيثة علي أربع دول عربية يحكمها أكبر الرؤساء سنا وهي مصر والسعودية وعمان وتونس حملت عنوان "ثمن الاعتماد علي الديكتاتوريين الكبار": إن أمريكا ستدفع الثمن غاليا بسبب تراجعها عن أجندة الديمقراطية والإصلاح في مصر، كما أن استراتيجية "الرجال الأقوياء يفرضون الاستقرار" التي تنتهجها سرعان ما ستتجرع أخطارها السلبية، فالحكام المسنون سيموتون، وفي غالب الأحيان سيحل محلهم حكام ضعفاء، ومن المتوقع أن يصاحب انتقال السلطة تفجر في الأوضاع، ومن ثم تكون النتيجة الحتمية حالة من عدم الاستقرار تلوح في الأفق وما ينطبق علي مصر ينطبق أيضا علي السعودية وتونس وعمان، وإن قادة هذه الدول حكموا شعوبهم جماعيا 99 سنة، لكن في السنوات الأخيرة كافحوا لسن الإصلاحات الاقتصادية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من السكان ولاحتواء التطرف الإسلامي وتشجيع مجتمعاتهم علي التوفيق بين التقاليد والإجراءات السياسية والاقتصادية البناءة، ووسط التحديات الخطيرة الداخلية والخارجية وعدم وجود آليات شفافة للخلافة تحظي بموافقة الجماهير ستكون اللحظة الحتمية للخلافة مصحوبة بأزمات خطيرة تتحدي القادة الجدد. وبالنسبة للجزء المتعلق بمصر فقد استهلته كارولين بعنوان فرعي "مصر.. الملكية الجمهورية"، وقالت في معرض تعريفها: إن مصر حليف رئيسي للولايات المتحدة وثالث أكبر مستفيد من المساعدات الخارجية الأمريكية بعد إسرائيل والعراق، ويبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، وهي بيت واحد من كل ثلاثة من العرب.. مضيفة أن معظم تكهنات الخلافة تتركز حول جمال نجل الرئيس مبارك الذي يعد الشخصية المفضلة بين الدبلوماسيين الغربيين. وعن قصة صعوده قالت الدراسة: إنه تلقي تعليمه في الجامعة الأمريكية في القاهرة، كما عمل في وقت لاحق في الاستثمار المصرفي في لندنوالقاهرة لدي بنك "أوف أمريكا" ، وفي عام 1998 أنشأ مؤسسة "جيل المستقبل"، وهي منظمة غير حكومية توفر التدريب المهني لأصحاب المشاريع من الشباب، وفي أبريل 2007 تزوج من خديجة الجمال ابنة أحد أبرز رجال الأعمال المصريين. وتصف كارولين صعود جمال في صفوف الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم بسرعة النيازك، في عام 2000 عينه والده في الأمانة العامة للحزب الوطني، وفي سبتمبر 2002 تحديدا في مؤتمر الحزب أصبح رئيسا لأمانة السياسات التي أنشئت حديثا وتتألف من مجموعة من الاقتصاديين الشبان ممن تلقوا تعليمهم في الغرب ورجال الأعمال والأكاديميين، وبعد مرور ست سنوات في الحزب الحاكم أصبح جمال مساعد الأمين العام للحزب، وقامت الصحافة القومية المملوكة للدولة بوضعه هو ومشروعاته في بؤرة الضوء، وفي عام 2003 وهو رئيسا لأمانة السياسات قدم ومرر تشريعات لإلغاء محاكم أمن الدولة، وإلغاء نصوص في قانون العقوبات، وإنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، وفي السنوات الأخيرة ظهر جمال مع والده أمام الجمهور وعلي شاشات التليفزيون أثناء الأحداث والمناسبات، وهو ما لعب دوراً في تأجيج التكهنات في الشارع المصري عن الدور المقبل لجمال ، فخلافته ليست محل رضا بل -كما تقول الدراسة- كانت سببا في استياء السياسيين من التلاعب السياسي الذي مكن جمال من الصعود، وثيقة من حزب التجمع تقول بشكل محتقر: إن هناك محاولات خفية لتوريث النظام إلي جمال ابن الرئيس مبارك الذي يبلغ من العمر 39 عاماً. وفي 26 مارس 2007 أجري البرلمان تعديلاً علي الدستور المصري لتمكين نائب الرئيس لتولي المهمة بعد موت الرئيس أو إصابته بالعجز، وأدي ذلك إلي تكهنات بأن جمال مبارك قد يصبح نائب الرئيس وهو الكرسي الذي ترك شاغرا منذ أن صعد مبارك من نائب إلي سدة الرئاسة بعد اغتيال الرئيس أنور السادات في عام 1981، يقول جورج إسحاق، منسق الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية": هو ابن الرئيس، أقوي رجلا في الفريق، قل لي شخصاً واحداً يستطيع أن يقول إنه سيرشح نفسه أمامه. وتضيف الدراسة أن جمال لا يحظي بدعم العسكريين، فالعديد من الضباط يرونه صغير السن، قليل الخبرة، ولا يمثل صفوفهم لأنه لم يكن قط عسكرياً، فمنذ انقلاب الجيش بقيادة عبد الناصر علي النظام الملكي عام 1952، وخرج الرؤساء الثلاثة من صفوف العسكريين ولعب الجيش دورا كبيراً في الدولة والمجتمع. وجمال ليس من خلفية عسكرية، وقد أعرب ضباط سابقون عن القلق بشأن مسألة خلافته حيث قال أمين هويدي وزير الدفاع الأسبق ورئيس جهاز المخابرات العامة قبل رحيله: "ستكون غلطة عمر مبارك إذا حدث توريث للسلطة، وإذا حاول جمال أن يصبح حتي مصلحاً اقتصادياً فسيواجه أيضا معارضة عسكرية أخري". ورغم تمرير التعديلات الدستورية التي تبدو ظاهريا ترمي إلي تعزيز الديمقراطية فإن الحكومة المصرية بحسب الدراسة لا تزال تستخدم كالمعتاد تكتيكاتها لمنع أي مجموعات معارضة أو ليبرالية أو غير ذلك من الصعود إلي السلطة، وهذه الفئات - لاسيما تنظيم الإخوان المسلمين - قد تسعي لاستغلال الفترة الانتقالية للسلطة.