كشفت الأزمات الأخيرة في البنزين والبوتاجاز، أن قطاع البترول سوف يظل يواجه مشكلة في توفير التمويل لاستيراد المنتجات البترولية، طالما أن دعم المنتجات البترولية استمر بشكله الحالي. بل وسوف تزيد مشكلة توفير التمويل تعقيدًا، كلما زاد دعم المنتجات البترولية، طالما لم يتم كبح جماحه إذ تشير كل الأرقام أن دعم المنتجات البترولية الذي يصل إلى 100 مليار جنيه هذا العام، سوف يصل إلى 120 مليار جنيه في العام الجديد. إذا كان تم احتواء المشكلة الأخيرة للبنزين، فإنها مرشحة للتكرار بين فترة وأخرى لعدم وفرة الاعتمادات اللازمة للاستيراد بسبب عدم قدرة وزارة المالية على توفير نحو 600 مليون دولار شهريًا للهيئة العامة للبترول لاستيراد نحو 50% من احتياجاتنا من البوتاجاز ونحو 40% من احتياجاتنا من السولار ونحو 6% من احتياجاتنا من البنزين. وبالفعل كشفت الأزمات الأخيرة في البنزين والبوتاجاز وأحيانًا السولار، أن وزارة المالية غير قادرة على توفير ذلك المبلغ بسبب الظروف التي تمر بها البلاد وتضخم دعم المنتجات البترولية، بل إن وزارة المالية لم تستطع الوفاء بسداد حتى مبلغ 300 مليون دولار شهريًا للهيئة العامة للبترول وبالكاد توفر 150 مليون دولار وأحيانًا 100 مليون دولار. ورغم السياسات التي تتبعها الهيئة العامة للبترول لمواجهة تأخر وزارة المالية في توفير الاعتمادات، فإن ضغط الطلب وزيادة معدلات السحب الذي يقف وراءها ألاعيب قنوات التوزيع المتمثلة في متعهدي البوتاجاز وصبيانهم وبعض أصحاب محطات البنزين، فإن تلك السياسات ومكانة الهيئة العامة للبترول أحيانًا لا تساعد على حل المشكلة، ولا يفيد في ذلك سوى الاعتمادات المالية الحية والدفع الفوري، حتى لو ارتدنا من بعض الخامات والمنتجات من الدول العربية، خاصة الخليجية. وإذا كانت وزارة المالية هي المسئولة عن توفير هذه الاعتمادات مقابل تحمل قطاع البترول، كامل قيمة الدعم الذي يعادل نحو 18 مليار دولار، فإن هذا قد جعل قطاع البترول غير قادر على توفير أي مبالغ أخرى من موارده لاستيراد تلك المنتجات البترولية، خاصة أن هناك مديونيات للشركاء الأجانب، تم جدولتها ويجرى سدادها شهريًا، حتى يواصل هؤلاء الشركاء زيادة استثماراتهم في البحث والاستكشاف، لكن أيا كان من المسئول عن توفير الاعتمادات اللازمة لاستيراد المنتجات البترولية، سواء البنوك أو وزارة المالية أو وزارة البترول، فإن المشكلة أصبحت أكبر من كل هؤلاء، وتنذر بتكرار أزمات كثيرة بسبب عدم وفرة المنتجات البترولية، طالما أن الأوضاع الاقتصادية في مصر بهذا الشكل الخطير، وطالما أن حكومة قنديل أصبحت غير قادرة على الاقتراب بأي شكل وبأي إجراء من دعم المنتجات البترولية، ليصل الدعم إلى مستحقيه. وعندما نقول الاقتراب من دعم المنتجات البترولية، فهذا لا يعنى زيادة الأسعار فقط، ولكن هناك وسائل كثيرة يمكن من خلالها كبح جماح الدعم دون الاقتراب من الفقراء وسائر فئات الشعب المستحقة. وبالتحديد يمكن توصيل دعم المنتجات البترولية إلى مستحقيه في ظل ظروفنا الاجتماعية والسياسية إلى جميع الفئات عبر نظام الكوبونات سواء في البوتاجاز أو البنزين أو السولار، ولكل أنواع السيارات. وقد أجرى قطاع البترول دراسات مستفيضة في هذا الأمر، ولا يتطلب الأمر سوى النظر للمشكلة بأبعادها المختلفة بشجاعة، خاصة أن الدعم سوف يصل إلى 120 مليار جنيه في العام الجديد. وهذا ما يحاول د. قنديل الاقتراب منه في تطبيق كوبونات البوتاجاز، إذ أعلن أن هذا النظام يمكن تنفيذه خلال ثلاثة أشهر على الأكثر. لذا قال اسامه كمال وزير البترول: إن هناك إصرارًا من جانب الحكومة على تطبيق هذا النظام دون الاقتراب من احتياجات الفقراء ومحدودي الدخل بالسعر المدعم وهو خمسة جنيهات للأسطوانة الواحدة، بل وندرس توصيلها إلى منزل حامل أي كوبون بناء على طلبه بنظام "الدليفرى" مقابل خمسة جنيهات أخرى. وقد تم حساب كل أسرة على أساس 1.5 أسطوانة شهريًا، ولما كان هناك 17 مليون أسرة، فهذا يعنى أن الاحتياج الفعلي يصل إلى 25.5 مليون أسطوانة شهريًا، الأمر الذي يعنى توفير 6 ملايين أسطوانة شهريًا، يمكن طرحها بالسعر الحر لمن يحتاج وهو 20 جنيهًا وعلى مدار العام يمكن توفير نحو 50% من دعم البوتاجاز البالغ 20 مليار جنيه في العام الجديد. وأكد على عدم التراجع عن تطبيق نظام كوبونات البوتاجاز مهما كانت الأسباب. وإذا كانت حكومة قنديل عازمة على الاقتراب من دعم المنتجات البترولية بكوبونات البوتاجاز كخطوة أولى، سواء لمنع تسرب دعم البوتاجاز، فإن هيئة البترول لديها دراسات أخرى لكى يتم توزيع البنزين والسولار بالأسعار المدعمة بنظام الكوبونات أيضًا. وهذا يعنى على مستوى سيارات الملاكي والأجرة سواء للقادرين أو غير القادرين أن تحصل كل سيارة على كوبونات قيمتها ألفا جنيه على أساس ألف لتر في السنة مثلاً، على أساس أن يحصل اللتر على دعم جنيهين، ويدفع صاحب السيارة الصغيرة جنيهًا واحدًا نقدًا القيمة الحالية للتر البنزين 80، وهو ذات السعر الحالي تقريبًا وما زاد فى الاستهلاك على تلك الكوبونات فيكون بالسعر الحر للبنزين، الذي يمكن أن يصل إلى ثلاثة جنيهات للبنزين 80 و4 جنيهات للبنزين 92. وتلك المعدلات يمكن تحديدها بالدراسات الواقعية لتأتى فى صالح أصحاب السيارات الصغيرة والمتوسطة أولاً. هذا يعنى أن 4 ملايين سيارة ملاكي وأجرة سوف تحصل على دعم 8 مليارات جنيه بالكوبات، الأمر الذي يعنى توفير 12 مليار جنيه من دعم البنزين. نفس الشيء يمكن تطبيقه في السولار سواء اللوري وبقية عربات النقل والأجرة إذ يمكن لكل سيارة نقل أن تحصل على كوبونات قيمتها عشرة آلاف جنيه بالأسعار المدعمة للسولار مقابل ألا ترفع نولون النقل. ولم كان هناك نحو مليون سيارة نقل، فإنها سوف تحصل على عشرة مليارات جنيه في السنة كوبونات مدعمة، الأمر الذي يعنى توفير نحو 40 مليار جنيه من دعم السولار سنويًا الذي اقترب من 50 مليار جنيه. وهذا سيقابله إطلاق بيع السولار بالسعر الحر ليصل إلى حوالى 2 جنيه للتر. وبالطبع كل هذه الأرقام ليست إلا أمثلة تقريبية لتوضح أنه يمكن إعادة هيكلة الدعم من خلال نظام الكوبونات لكى يصل الدعم إلى مستحقيه، ودون الاقتراب من الفئات الأولى بالرعاية. ليس هذا فقط، بل إن المهندس هاني ضاحي الرئيس التنفيذي لهيئة البترول يؤكد أن الهدف من تلك الدراسات التي أجرتها الهيئة ليست مالية فقط وتوفر المليارات، ولكن الأهم إن يتم وقف مسلسل نهب الدعم من قبل العصابات المنظمة التي تخصصت في سرقة مليارات دعم المنتجات البترولية، ويكفى القول إن 20% من المنتجات البترولية يتم تهريبها إلى خارج مصر لانخفاض سعرها، وهذا يعنى أن تلك العصابات تحصل على نحو 20 مليار جنيه من الدعم البالغ 100 مليار جنيه هذا العام وتزيد من زيادة قيمة الدعم وإذا نظرنا إلى الخلل فى توزيع المنتجات البترولية، خاصة فى البوتاجاز واستهلاكات السولار في مجالات لا تحتاج إلى تلك الأسعار المدعمة، فإن هذا يعنى أن هناك جماعات مصالح تصر على عدم اتخاذ خطوات إصلاحية لإعادة هيكلة دعم المنتجات البترولية. بل ويستطرد المهندس هاني ضاحي محذرًا، أن استمرار دعم المنتجات البترولية بهذا الشكل دون أي تصويب سعري، لأنه يعنى تكرار الأزمات في المنتجات البترولية كلها إذا لم يتم حل مشكلة الاعتمادات اللازمة لاستيراد المنتجات البترولية. وفى ذات الاتجاه، يقول المهندس محمد شعيب رئيس الشركة القابضة للغازات الطبيعية: إن إعادة هيكلة دعم المنتجات البترولية عن طريق توزيع تلك المنتجات بالكوبونات المدعمة أو أي وسيلة أخرى تفكر فيها الحكومة، سوف يدفع جميع المستخدمين إلى ترشيد الاستهلاك، لأن أي صاحب سيارة سوف يقصر رحلاته على قدر كميات البنزين بالكوبونات المدعمة، وأكثر من ذلك سوف يشترى البنزين بالأسعار الحرة، وعادة لن يفعل ذلك ألا القادرون وأصحاب السيارات الفاخرة. ودون تلك الهيكلة، فإن المهندس محمد شعيب يؤكد على أنه لا بديل عن أن توفر وزارة المالية كامل الاعتمادات لاستيراد المنتجات البترولية وبشكل منتظم. وسواء تمت تلك الهيكلة أو لم تتم لدعم المنتجات البترولية، خاصة التي لها صلة مباشرة بالاستهلاك اليومي للمصريين، فإن حكومة قنديل، قررت أن تقترب من دعم المنتجات البترولية ذات الصلة المباشرة بالمصانع سواء كثيفة الاستهلاك للطاقة أو غير كثيفة الاستهلاك للطاقة وقررت رفع سعر الغاز الطبيعي إلى 3 دولارات للمليون وحدة حرارية للصناعات التي كانت تحصل على الغاز ب2 دولار. وقررت أن ترفع سعر الغاز الطبيعي إلى 4 دولارات للمليون وحدة حرارية للصناعات التي كانت تحصل على الغاز ب3 دولارات، وبالتالي يتم رفع أسعار المعادل من الكهرباء لأسعار الغاز الطبيعى. كما قررت أن ترفع سعر المازوت من 1000 جنيه إلى 1700 جنيه للطن لجميع الصناعات. وكما يقول المهندس عبد الله غراب: إن رفع تلك الأسعار للغاز والمازوت لجميع الصناعات، سوف يوفر نحو 8 مليارات جنيه.. ورغم أهمية تلك الهيكلة في أسعار المنتجات البترولية الخاصة بالصناعة، فإنها ليست الثقل في دعم المنتجات البترولية. وإنما يتركز الدعم في السولار والبوتاجاز والبنزين، ومن ثم فإن إعادة هيكلتها من خلال الكوبونات هو الحل الأمثل، وإلا أصبح دعم المنتجات البترولية وحشا كاسرا يصعب ترويضه.