تعددت أساليب التعبير عن الرفض والاحتجاج في المنطقة العربية عبر امتداد موجة ثورات الربيع، فلم تكتفِ بالضرب بالحذاء أو الشتم أو الاحتشاد أو رفع اللافتات التي تحمل عبارات الرفض والثورة على القرارات والتحركات الرئاسية لدولها، إذا أخذت مؤخرًا منحًا آخر عبر الاهتزاز الجسدي والانفعال الحسي بموسيقى "هارلم شيك"، وتشمل آخر صيحة تجتاح الإعلام الاجتماعي المصري والتونسي، التي تصاحبها موسيقى إلكترونية من وضع الأمريكي باور، وتحميلها على موقع يوتيوب، وكان هذا الاتجاه قد بدأ في أستراليا، لكنه انتشر في منطقة الشرق الأوسط وتسرب إلى الدول العربية، واتخذ ملمحًا جديدًا، لتكون نوعًا جديدًا للاحتجاج السياسي. والبداية كانت قد ظهرت في تونس منبع الثورات، بشكل طبيعي وعادي بين فتاة وشاب أثناء الاحتجاج ثم تحولت إلى ظاهرة دفعت شيوخ السلفية والجهاديين في تونس إلى الاستنفار والتحذير من تباعاتها وتأثيراتها على الشباب. هارلم شيك "Harlem Shake" هي رقصة جديدة تجتاح مواقع التواصل الاجتماعية في 2013؛ بسبب فيديو على موقع اليوتيوب لمستخدم يدعى "فلتي فرانك"، حيث قام برفع أول فيديو للرقصة، وبعدها قام خمسة مراهقين من كوينزلاند في أستراليا برفع فيديو مدته واحد وثلاثون ثانية، نال أكثر من تسعة عشر مليون مشاهدة، فأعجب الناس بالفكرة، وحاولوا تقليدها فساهم هذا في انتشارها، وهي رقصة يقوم بها شخص واحد أمام جمع من الناس الذين يبدون غير مبالين بما يحدث حولهم، وبعد ثوانٍ تتحول الرقصة الفردية إلى رقصة جماعية بطريقة غريبة ومضحكة. وفي مصر بدأ عدد كبير من الثائرين يهددون بعرض "هارلم شيك" أمام المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين بالمقطم، وقام بعض الشباب برقصها بالفعل، وهو ما دعا الجماعة إلى إصدار عدة تصريحات أهمها التحذير من تحول ظاهرة الرقص إلى العنف، غير أن قوات تابعة للشرطة قامت بإلقاء القبض على أربعة أشخاص قدموا الرقصة بالملابس الداخلية في شوارع القاهرة، ومن الممكن أن يصبح العرض رمزًا للتحدي، عقب تحوله إلى حالة من التسلية التي يمارسها الشعب في دولة تهز أركانها الاحتجاجات المتواترة بشكل غاضب. وكانت هناك واقعة في منطقة العجوزة "بوسط القاهرة"، حيث قام عدد من الطلاب برقص "هارلم شيك" في محطة وقود، وهم يرتدون شعرًا نسائيًّا مستعارًا، وعبّر عدد من قاطني المنطقة عن غضبهم، متهمين إياهم ب"الشذوذ الجنسي"، وكذا تبعتها واقعة أخرى في منطقة الأهرامات "الجيزة "، عقب انتشار مقاطع فيديو على مواقع "فيس بوك - تويتر" التواصل الاجتماعي لمجموعة من الشباب وهم يرقصون، وارتدى أحدهم ملابس داخلية بيضاء وبابيون فقط، وهو يركب جملًا. فالتعبير بالرقص حالة قديمة عرفها الإنسان على مر العصور، كانت مرتبطة بالتفاعل مع المناسبات السعيدة إلا أنها أصبحت وسيلة للاحتجاج، جدير بالذكر أن بداية التفكير في هذه الرقصة يعود لأغنية "جانجام ستايل" المطرب الكوري، حيث تشبه في كثير من حركاتها الجسدية ما كان يقوم به "جانجام" في أغنيته التي حققت أعلى نسبة مشاهدة على موقع اليوتيوب، وقام بتقليدها وتنفيذها أيضًا الكثيرون في جميع دول العالم أيضًا، وتعتبر الرقصة تمثيل لعدد من الحركات والإيماءات الجسدية المتتابعة، يقوم بها الراقص بمنتصفه الأسفل فقط، مما يحمل معها بعضًا من الإيحاءات الجنسية المثيرة، تبدأ بأداء فرد واحد من الممكن أن يرتدي قناعًا في رأسه أو لا، ثم يتداخل معه من حوله ويقومون بأداء حركات عشوائية ومرتجلة، وفي بعض الأحيان يقوم من يؤدون الرقصة بخلع جزء من ملابسهم. ورقصة "الهارلم شيك" من المؤكد أنها ظاهرة سوف تجد في مصر تربة خصبة وأرضًا واسعة للانتشار، خاصة عقب تداخلها مع الاحتجاج السياسي التي تزامن مع غضبهم الشعبي من أداء جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس مما يرشحها بقوة ؛ لأن يتم استبدالها بمظاهر الاحتجاج الأخرى التي عرفها الشعب منذ قيام الثورة، لكن النقطة المحورية الأهم باتت تتبلور حول كيفية نظرة الحكومة إلى مثل هذا النوع من الاحتجاج؟ كما أنها كيف ستتعامل معها خلال المرحلة المقبلة، فمن المعروف أن قنابل الغاز والخرطوش هما الوسيلتان المستخدمتان دائمًا في الرد على المتظاهرين، والأهم من ذلك، هل ستسمح الجماعات الإسلامية للمتظاهرين بأداء هذه الرقصة أم سيردون عليها بالعنف باعتبار أنها تخالف الشريعة الإسلامية؟. وكان أحد شيوخ السلفيين في تونس قد دعا أنصاره إلى التعامل بحذر مع طلاب المدارس والجامعات الذين يرقصون رقصة "هارلم شيك" التي تجتاح حاليًا مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت "فيس بوك - تويتر"، وقال أبو صهيب التونسي: "بعد خروج "المتنطعين" في المدارس وظهورهم بهيئة غير لائقة، أنبه إخواني السلفيين خاصة الطلاب منهم للتعامل معهم بحذر"، مضيفًا أن هناك بعض الجهات - لم يشر إلى أسمائها أو طبيعتها - تريد أن تنشر الفوضى خلال طلاب المدارس بين السلفيين. وكان على جانب آخر صفحات سلفية تونسية على "فيس بوك" اعتبرت أن رقصة "هارلم شيك" حرام شرعًا، مما دعا مجموعة سلفية إلى الاعتداء بالضرب على طلاب مدرسة ثانوية بمعتمدية الرقاب من ولاية سيدي بوزيد، ومنعوهم من رقص "هارلم شيك" أمام المدرسة بعدما منعتهم إدارة المدرسة من الرقص داخلها، وكذا قامت مجموعة أخرى، باقتحام معهد "بورقيبة للغات الحية" في حي الخضراء، لمنع الطلاب من تنظيم الرقصة، لكن الطلاب أدوا الرقصة وسجلوها بالفيديو بعد انسحاب السلفيين. وأيضًا نشر طلاب مدرسة "الإمام مسلم" الثانوية في العاصمة تونس فيديو لرقصة "هارلم شيك" نظموها داخل المدرسة ما أثار استياء السلفيين ووزير التربية، عبد اللطيف عبيد، الذي أمر بفتح تحقيق. ووصلت حمى "هارلم شيك" إلى بعض مقاهي تونس، إذ نشر نشطاء على "فيس بوك" مقاطع فيديو تظهر شبابًا وكهولًا وشيوخًا يؤدون الرقصة داخل مقهى تونسي، وبدأت رقصة "هارلم شيك" عبر مجموعة من المراهقين الأستراليين وضعوا مقطع فيديو مدته واحد وثلاثون ثانية على موقع "يوتيوب".