قضية كومبارس السينما التي تكمن في أنهم بلا نقابة ترعاهم وليس لهم الحق في الانضمام لنقابة الممثلين تشغل أذهان هؤلاء الذين يحلمون أن يكون لهم كيان وحياة آمنة عند العجز أو التقاعد. إن هؤلاء الكومبارس هم بمثابة الملح والبهارات في السينما المصرية، ورغم ظهورهم للحظات في بعض المشاهد إلا أن طموحهم وآمالهم أكبر، فهم نوعان: كومبارس صامت وكومبارس متكلم في مشهد أو مشهدين ومع تكرار الدور وكبر حجمه يحدوه الأمل في أن يصبح يومًا ما أحد نجوم السينما.. ولأن الكومبارس أغلبهم من البسطاء فإن مشاكلهم كثيرة سواء مع مكاتب الريجسير أو مع النقابة العامة للعاملين بالصحافة والإعلام والنشر أو مع نقابة السينمائيين؛ لذلك فهم يطالبون بقانون يحميهم ويعملون من خلاله وبرابطة أو جمعية لرعايتهم، خاصة وأن عددهم يزيد على ثلاثة آلاف كومبارس. إنهم يطالبون أيضًا بالانضمام لنقابة الممثلين حتى لا يتحكم فيهم "الريجسيرات" الذين يستولون على النصيب الأكبر من أجورهم إلى جانب المعاملة السيئة التي يجدونها في البلاتوهات.. وهذا ما دفعهم إلى المطالبة بالانضمام لنقابة الممثلين التي رفضت انضمامهم إليها بحجة أن النقابة تم إنشاؤها بقانون وليس فيه مادة عن شعبة "الكومبارس". رابطة جديدة الفنان أشرف زكي أكد أن هؤلاء مشاكلهم وظروفهم مختلفة تمامًا، ولذلك لا يمكن ربطهم بالنقابة إطلاقًا؛ لأنهم تابعون بالفعل لنقابة العاملين بالصحافة والطباعة والإعلام، وإذا توقف عملهم فيجب عليهم السعي لإنشاء رابطة جديدة؛ لأنه لا يمكن زيادة الأعباء على نقابة الممثلين المثقلة بالمشاكل في الأصل, لترتفع صرخات الكومبارس الذي لا يجد من يحمي حقوقه ويأمن له لقمة العيش. ومن جانبه طلب ممدوح الليثي بضرورة إنشاء رابطة للكومبارس أو شعبة تتبع نقابة الممثلين؛ لأنها الأقرب لتخصصهم وينتمون إليها، خاصة أن معظمهم يتحول إلى ممثل بعد فترة من الزمن، ويضيف الليثي أن مشكلة أجورهم تحتاج إلى تنظيم بالفعل حتى لا يقع الظلم عليهم ومعظمهم يتجه للعمل كموديل في الكليبات الغنائية لزيادة دخله، ولكنه في النهاية وسيلة غير مضمونة أو دائمة. الشعور بالظلم عرضنا المشكلة على د. عزة كريم أستاذ الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية بالقاهرة ، فأكدت على خطورة تلك المشكلة، حيث تقول: إن التوجه لتلك المهن يتم بناءً على الطموح واحتمال الظهور أو لزيادة الدخل خاصة أنها مهنة سهلة وقد تشهرهم بالفعل، وهي مثل العديد من المهن الهامشية التي يقوم بها من ليس له إطار أو تسلسل وظيفي معين أو اهتمام من المسئولين عن العمل الفني؛ لأنهم يؤدون أدوارًا خطيرة لا يقوم بها الممثل الكبير. وتؤكد د. عزة : إن "الكومبارس" كان له تواجد أكبر منذ سنوات طويلة، ولكن بتغير المجتمع وزيادة الضغوط الاقتصادية اختلفت حالتهم، لذلك لابد من توفير رعاية من إحدى النقابات حتى لا يسيئون لسمعة الفن؛ لأنه لو شعر بالظلم يمكن أن ينحرفوا. أماكن تواجدهم لذلك يجب الاهتمام بتلك المشكلة سريعًا واحتواؤها لكن كيف يتجمعون؟ وأين أماكن تجمعهم؟ وما هي معاناتهم وحكاياتهم مع المهنة؟ في شارع سليمان الحلبي بوسط البلد وجدناهم يجلسون في قهوة "بعرة" - بفتح الباء وتسكين العين- ويدخنون الشيشة، وكل منهم يحلم بأن يكون رشدي أباظة، أو فريد شوقي، أو محمد هنيدي.. وبعضهم ماتت تلك الطموحات بداخله لكبر سنه.. ولم يعد أمامه سوى انتظار طلب تصوير في أحد المسلسلات أو الأفلام.. في أحد الأركان التقينا مع حسن كفتة "أقدم هؤلاء الكومبارس"، الذي بدأ العمل في هذه المهنة منذ عام 1948 في فيلم مع سعد عبد الوهاب، وكان عمره آنذاك عشر سنوات، من ثم عمل مع فريد شوقي في "جعلوني مجرمًا"، ثم في "30 يومًا في السجن"، وفي العديد من الأفلام آخرها "علي سبايسي"، "حريم كريم"، "الساحر"، و"أصحاب ولا بيزنس" وغيرها. علق بحسرة على معاناة الكومبارس في مصر: أجر المهنة ضئيل ويبدأ من 15 إلى 25 جنيهًا، يشمل أحيانًا وجبة غداء وثمن بطاقة المواصلات، بينما يحصل النجم على أضعاف هذا المبلغ، ولو حدث مكروه لأحد منا لا يوجد تأمين ولا ضمانات. ويقول محمد يوسف الذي يعمل "كومبارس" منذ أكثر من 50 عامًا في انتظار عمل: أجري لا يتعدى ال50 جنيهًا في الأسبوع رغم خبرتي الطويلة، وتعرضت للعديد من المواقف الخطيرة أثناء قيامي ببعض الأدوار.. ويضيف محمد أنهم في حاجة إلى نقابة أو رابطة جديدة بعد أن تم حل الرابطة الخاصة بهم منذ خمس سنوات، كما يحتاجون إلى دعم المسئولين والفنانين الكبار الذين يقف إلى جوارهم عدد قليل من بينهم الفنان محمد رياض. أما محمد فتحي "من مشاهير الكومبارس" والذي شارك في أكثر من 100 فيلم وظهر خلالها في مشهد أو اثنين من بينها: "55 إسعاف"، "معالي الوزير"، "الواد محروس بتاع الوزير". يشير بأسى: نحن ككومبارس لا نأخذ حقنا، نتعرض لإصابات كثيرة، ونتحمل تكاليف العلاج، مثلًا انكسر إصبعي أثناء تصوير أحد المشاهد وعالجته على حسابي، وللعلم النقابة العامة تأخذ اشتراكات فقط ولا تقدم أية خدمات. ويضيف فتحي: كثيرًا ما تحدث مشاكل بيننا؛ لأن "الريجسير" المسئول عن اختيار الكومبارس، يحتاج عادة إلى عدد محدود بينما نكون 50 شخصًا في المقهى، ونتوق جميعًا إلى العمل، فنتصارع للحصول على الأدوار وتقع الخلافات والمشاكل. كما أن أي كومبارس عندما يمرض أو يموت أو يتوقف عن العمل لا يجد من يقف بجواره. ويحكي صادق محمود الذي يعمل في هذه المهنة منذ 30 عامًا، لقد بدأت في فيلم "قلب من ذهب" ثم "جعلوني مجرمًا"، ومثلت بعد ذلك في مجموعة من المسلسلات من بينها: "أوراق مصرية"، "البيت الكبير"، "ضبط وإحضار"... يوافق بدوره على ما أشار إليه زملاؤه من معاناة الكومبارس في البحث عن مورد للرزق. وبعد 27 عامًا من العمل ككومبارس يقول مصطفى محمد مصطفى: إنه أصيب بإحباط شديد خاصة بسبب المعاملة السيئة التي يتلقاها من "الريجسيرات"، حيث إنهم يقومون بسرقة نسبة كبيرة من أجرهم. فالأجر الذي يتفقون عليه مع جهة الإنتاج يتراوح بين 100 إلى 120 جنيهًا يحصلون منه على مبلغ 40 أو 50جنيهًا فقط مهما طالت فترة انتظارهم في موقع التصوير. ويضيف مصطفى: إن "الريجسيرات" حاليًا يلجأون لحيلة جديدة للضغط عليهم، وهي التعاون مع "سماسرة" يجلبون أشخاصًا جددًا ليس لديهم الخبرة في مهنة "الكومبارس" يقبلون العمل بأي أجر أو مجانًا رغبة في الظهور في التليفزيون.