أكد مراقبون ومتخصصون في ملف المياه بالمنطقة العربية أن الموارد المائية المتاحة لكل فرد في العالم باتت على وشك التقلص بنسبة لا تقل عن 50% خلال الفترة ما بين عامي 2000 - 2025 ، مشيرين إلى أن الخطورة كامنة عند معرفة أن نسبة الاستهلاك العالمي للمياه تزداد بمعدل 8.4% سنوياً، وفي خضم هذا الواقع العالمي الذي يعاني من مشكلة نقص حاد في الوضع المائي، حيث بات تقاسم مصادر المياه ضرورياً ، وصعباً بفعل تنوع الحاجات والاستخدامات. وفي ظل التقارير والدراسات التي تشير إلى أن القرن الحالي سيشهد حروباً داخلية وخارجية للسيطرة على المياه مثلما شهد القرن الماضي حروباً على النفط، تبدو المياه رهاناً استراتيجياً يدخل في صميم الأمن القومي لأي بلد سواء على الصعيد السياسي، الاستراتيجي، الاقتصادي الاجتماعي، فالماء – كما يرى الخبراء- سيكون على الأرجح مصدرا للاضطرابات السياسية والاجتماعية؛ وقد يصل إلى الحروب في الشرق الأوسط خلال السنوات العشرين المقبلة. وحسب خبراء، فإن احتياطيات المياه الجوفية تشكل مورداً محدوداً يتم استغلاله على نحو يفوق قدرته على تجديد نفسه، لكن بعد استنزاف تلك المياه، لا بد من حفر آبار عميقة، علما بأن المياه عندها ستصبح أقل عذوبة. ويفند خبراء مزاعم إسرائيل في مشروعها، والتى تقول: إن مصر لديها فوائض مائية تلقى في البحر ( وهذا خطأ لأن هذا الالقاء يتم للمحافظة على التوازن الملحي بالدلتا، وأن هناك اتصال بين مياه البحر المالحة والمياه الجوفية الموجودة تحت الدلتا وأخيرا ضرورة طرد مياه من فرع رشيد حتى لا ترتد إلى الدلتا)، ونسي المشروع أن مصر دولة من دول حوض النيل وملتزمة مع باقي دول الحوض بمعاهدات واتفاقيات مائية، كما يلقي المشروع بعبء المشكلة المائية للضفة الغربية على عاتق الدول العربية ويدعو المشروع إلى استغلال أردني اسرائيلي مشترك لنهر اليرموك (وينسى سوريا) ويتم التخزين في بحيرة طبرية داخل إسرائيل، ويرمي المشروع إلى تغطية الاغتصاب الإسرائيلي للمياه اللبنانية. إسرائيل والمياه العربية يقول د.حلمي شعراوي المدير السابق لمعهد البحوث العربية والأفريقية: إن خطط إسرائيل منذ تواجدها تحوي خططا وأفكارا مائية ترتكز أساسا على ادعاء صاغه البروفيسير الإسرائيلي (جدعون فيشلرون) بأن البنية المائية السطحية والجوفية في الشرق الأوسط غير متواصلة – وهذا ما يفرض الحاجة إلى اتفاق لنقل المياة إلى مناطق لم تشأ المصادفات أن تمنحها إياها – ويكمل هذا الادعاء على لسان (يوسي ببلين) في الجولة الخامسة للمفاوضات متعددة الأطراف عام 1992 حينما دعا إلى نبذ الحديث عن المياه التي اغتصبتها إسرائيل والانطلاق من الأمر الواقع الحالي – وهو من منظوره وجود نقص في المياه لدى الدول العربية واسرائيل معا مما يطرح ضرورة تعاونهما لزيادة الموارد بدلا من التركيز على حقوق الفلسطينيين والسوريين وغيرهم من مصادر المياه الموجودة. وأضاف د.شعراوى : إن المشروع المائي الإسرائيلي هو تزويد الضفة الغربية وقطاع غزة بالمياه من مصادر خارجية ( النيل - اليرموك - الليطاني أو جميعها ) ونقل مياه النيل إلى شمال النقب (يقصد أن 0.5% من استهلاك مصر لا يشكل عنصرا مهما في الميزان المائي المصري)، كما أن هناك مشروع أردني – اسرائيلي مشترك لاستغلال مياه نهر اليرموك وذلك لتخزين مياه السيول الشتوية لنهر اليرموك في بحيرة طبرية الواقعة داخل اسرائيل وهيئة مائية مشتركة أردنية/ إسرائيلية للتنمية المشتركة واقتسام موارد المياه، ومشروع مع لبنان للاستغلال الكهربائي لنهر الحاصباني – ونقل مياة الليطاني إلى إسرائيل واستغلاله كهربائيا. دول المنابع وفي رأي د. هاني رسلان رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن غياب اتفاقية تضم كل الدول العشر المشاطئة لنهر النيل ، وغياب هيئة دولية دائمة لإدارة النهر وتطوير الانتفاع به، وإعلان بعض دول المنابع كإثيوبيا أحياناً عن تحفظها بالنسبة لما تسميه حقوقها فى مياه النيل، إنما يطرح تساؤلات حول حقوق والتزامات كل دولة من هذه الدول العشر والقواعد التي تحكم الانتفاع المنصف بمياه هذا النهر وأولويات هذا الانتفاع عند تعارض الاستخدامات، وأسلوب التنسيق والإدارة المشتركة لهذه المياه مقارنة بالمعمول به فى العديد من الأنهار الدولية الأخرى، وما إذا كانت هناك وسيلة لتطوير الانتفاع بالنهر لتحقيق المنفعة المشتركة للدول المشاطئة دون إضرار بحقوق بعضها البعض، لاسيما وأن متطلبات التنمية فى دول أعالى النيل ومحاولاتها لتغيير أسلوب الرى لديها إلى الرى الدائم بدلاً من الاعتماد على الرى المطرى فحسب، بالإضافة إلى مشروعات الطاقة الكهربائية، والمشكلات المرتبطة بالزيادة السكانية السريعة لديها، تعنى أن هناك تغييراً يكتنف مسألة حاجة هذه الدول إلى مياه النهر. فالظروف التى كانت تضمن لمصر – كما يقول د. رسلان - باعتبارها أفقر الدول العشر من الناحية المائية وأكثرها احتياجاً لمياه النيل، تدفقاً دائماً وهادئاً لهذه المياه، نتيجة لانخفاض كثافة سكان هذه الدول، أو لتمتعها بموارد مائية أخرى ، إلى الحد الذى كانت فيه المشكلة بالنسبة لبعض هذه الدول ليست فى قلة الماء وإنما – على حد تعبير د. جمال حمدان – فى إفراط المطر، ومن ثم الحاجة إلى مشاريع صرف ، أو لتدهور الأوضاع الاقتصادية فيها، أقول إن هذه الظروف باتت محل مراجعة كبيرة من جانب هذه الدول ، إلى الحد الذى دفع العديد منها إلى المطالبة بإعادة النظر فى الاتفاقيات القائمة بصدد نهر النيل، وعلى رأسها اتفاقيتي 1929 و1959 – مبدية اعتراضها على الوضع المتميز الذى تتمتع به مصر فى هذه الاتفاقيات، بل وبالغ بعضها إلى حد مطالبة مصر بوجوب دفع ثمن المياه التى تصل إليها للدول التى تأتى هذه المياه عبر أراضيها أى دول المنابع . ويضيف رئيس وحدة دراسات حوض النيل أنه لما كانت مصر، من بين كل دول حوض النيل، إضافة إلى كونها دولة المصب، تعتمد على النيل كمصدر رئيسي أو بالأحرى كمصر وحيد للمياه المستخدمة فى أغراض الشرب والزراعة، فإن أى اقتطاع للمياه فى أعالى النيل؛ بما يستتبعه من انخفاض فى كميات المياه المتاحة لمصر، سيترتب عليه ضرراً بليغاً بها، وهو ما يتعارض مع مقتضيات مبدأ الانتفاع المنصف والعادل ، والحق أنه إذا كان اعتماد مصر الكلى على مياه النيل – قديماً وحديثاً – قد جعل المصريين أول من يدرك أهمية، بل وحتمية، إقامة علاقات تعاون وثيقة وتنسيق مع باقى شعوب حوض النيل، فإن الأخيرة بدأت تدرك فى العقود القليلة الماضية أهمية التقارب والتعاون للإفادة القصوى من مياه النيل ولضمان توزيع وحسن استغلال وإدارة مياهه ومرافقه، لاسيما وأن طبوغرافية النيل، وامتداده الكبير، وكثرة متغيراته وصعوباته، وما يضيع من كميات هائلة من مياهه فى منطقة المستنقعات فى بحر الجبل وغيرها، من شأنها جميعاً أن تؤدي إلى تضافر جهود كل دول حوض النيل من أجل تحقيق المصلحة المشتركة والاستغلال الأمثل لمياه هذا النهر. عربياً ويقول د.مغاورى شحاته دياب الخبير المائى بجامعة المنوفية : إن التقارير الدولية تشير إلى أنه على صعيد عالمنا العربي معظم مصادر المياه العربية تنبع من مصادر غير عربية ؛ مما يجعل الأمني القومي العربي قابلاً للاختراق من قبل كثير من الدول منها على سبيل المثال تركيا، أثيوبيا، (إسرائيل)، وكثيراً ما يتم استخدام المياه كسلاح تهديد ضد العرب والضغط عليهم ؛ وهو ما حدث فعلاً عام 1998 بالضغط التركي على سوريا, وكما حدث أيضاً بين مصر وأثيوبيا. ولكن يبقى الأمر أكثر تعقيداً على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي حيث أمام هذا الوضع المائي الصعب، فإن (إسرائيل) تقترح تعاوناً مائياً في المنطقة من فرضية أن العقدين القادمين من القرن الحادي والعشرين سيكونان على الأرجح عقدي صراع وتشاحن على موارد المياه في الشرق الأوسط، وتعتبر أن حل أزمة المياه بالطرق التقليدية لم يعد يجدي نفعاً، وأنه لا مفر من أدوات وأساليب جديدة لإدارة هذا الصراع قبل أن يتحول إلى أزمة حادة يصعب حلها، وعلى سبيل المثال يحذّر علماء الجيولوجيا من أن لدى الأردن موارد مائية تكفي مدة 15 عاماً فقط لا غير. وأشار د. مغاورى إلى أن إسرائيل بدأت ترمي إلى الحصول على مياه النيل لري النقب الشمالي للتوسع في الاستيطان واهتمت بالتواجد في دول أعالي النيل لتكون حليفا يهدد للمصالح المصرية - السودانية كما حظيت أثيوببا باهتمام اسرائيل (واقناعها بألا يكون البحر الأحمر بحيرة عربية )، كما برز اهتمام السياسة الخارجية الاسرائيلية بدعم تواجدها وتوثيق علاقاتها بدول منابع النيل للضغط على مصر (كينيا - اثيوبيا – زائير – وتأهيل أوغندا – بوروندي – روندا – وينتظر انضمام تنزانيا)، وهناك حقيقة لا يمكن إغفالها ومفادها أن عدم التشاور والتنسيق والتعاون بشأن هذه المشروعات يهدد مصالح مصر – والأمن القومي لها - وتأتي أثيوبيا في المقدمة (حيث تمثل 84% من مياه النيل) يليها أوغندا (وتمثل 16% من هذه الموارد). الجفاف والتلوث يذكر أن نهر الأردن أصبح رهنا للجفاف والتلوث والاستنزاف عملياً، وتخلو أراضي الأردن المنخفضة من المياه العذبة، وتحتوي مياها مالحة ونفايات سائلة سامة، وقد دخل الأردن و(إسرائيل) في نقاش حول ترحيل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت، مع تحلية كمية منها لمصلحة الاستعمال البشري، مما يساهم في إنتاج الطاقة الكهرومائية وتجديد البحر الميت الذي يشهد تقلصاً ملحوظاً، ووفقاً للبنك الدولي، فإن الإسرائيليين نسبة مياه تفوق تلك التي يستعملها الفلسطينيون بأربعة أضعاف، لكن تصر الحكومة الإسرائيلية على أن الرقم الصحيح يبلغ نصف ذلك. ومن جهتها، اتهمت منظمة العفو الدولية (إسرائيل) بإهمال حاجات الفلسطينيين إلى الماء من خلال تطبيق سياسات عنصرية وقمعية. لكن (إسرائيل) تصر على أنها تنفّذ واجباتها على أكمل وجه بموجب اتفاقات أوسلو، وتدخل مسألة المياه بالنسبة إلى (إسرائيل) في صميم الأمن القومي، بل هي مسألة وجود بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتحاول (إسرائيل) من خلال هذا الوضع المعقد أن تأخذ المياه كنموذج حتمي للدخول في سلام وتطبيع مع الدول العربية يخدم مصالحها الاستراتيجية. وجدير بالذكر أنه عقب التغييرات السياسية التى شهدتها المنطقة فى دول الربيع العربى والتي مثلت تحولا استراتيجيا علي الساحة السياسية العربية والشرق الأوسط، أصبحت أولى هذه الاستراتيجيات وهي مياه النيل، حيث بدأت جميع دول حوض النيل مشروعاتها التنموية – وقد يؤدي تعارض بعضها مع بعض غلى حدوث خلخلة غير محدودة البعاد وعدم استقرار سياسي بالمنطقة بل ومن المحتمل أن تنشأ حروب ومنازعات بين وقت وآخر كما أنه لا يخفي على أي محلل سياسي أو عسكري المطامع الاسرائيلية على مر الزمان في استغلال مياه النيل عبر مشروعات وسابقة وحالية – ومن هذه المشروعات على سبيل المثال: المشروع الذي قدمه (تيودور هيرتزل) لعقد اتفاقية مع الحكومة المصرية عام 1903 لمنح إسرائيل امتياز التوطن في سيناء .. ويتضمن استغلال مياه النيل والذي تم رفضه حينذاك.. ومشروع (اليشع كالى) والمعروف بمشروع مياه السلام والذي يتضمن استخدام 0.5% من مياه النيل لري النقب الشمالي عبر أابيب تمر تحت قناة السويس إلى خان يونس ثم إلى غزة وبير سبع.. ومشروع (شاؤول ارلوزوروف)- لحفر 3 قنوات تحت قناة السويس لتوصيل المياه إلى بالوظة ثم قناة فتوحة بمحاذاة الساحل وتنتهي عند بداية جهاز الري الاسرائيلي في النقب، هذا من ناحية – أما من ناحية أفريقيا – فقد قام مكتب أمريكي بين عامي 1958، 1964 بدراسة لصالح أثيوبيا لتنمية الأراضي الزراعية وتوليد الكهرباء على امتداد 2200 كم من الحدود مع السودان وكانت أثيوبيا حينئذ تستخدم كأداة أمريكية لتحذير مصر من إمكان استخدام منابع النيل في التأثير على مستقبلها التنموي.