فإن الأصوات خرجت مؤخراً تطالب بالمساواة بين صلاحيات وسلطات شيخ الأزهر والبابا شنودة.. جاء ذلك خلال دعوي قضائية أقامها أحد المحامين الأقباط بخصوص رفض الجهات التنفيذية اعتماد شهادة العودة إلي المسيحين التي تصدرها الكنيسة، بينما تعتمد الشهادة التي يصدرها الأزهر، مما اعتبرته الدعوي تميزاً واضحاً ضد الأقباط، يتمثل في إعطاء مميزات للمسلمين لا يستطيع الأقباط أن يحصلوا علي مثلها.. فالفتن الطائفية بكل أنواعها لا يطلقها أو يشعلها سوي المتشددين من الجانبين علي ذراع السلطة.. السؤال الذي يفرض نفسه علي الأحداث الجارية: لصالح من إطلاق الفتن؟ وهنا تكمن الخطورة. المطالبة بمنح البابا سلطة وصلاحيات شيخ الأزهر، وفقاً لما يقرره القانون والدستور، يبدو مطلباً مشروعاً في ظاهره، لكنه يخفي بداخله رغبة في إعلان التمييز والاضطهاد الذي يمارس ضد الأقباط، وربما المتاجرة به وتصعيده إلي أعلي مستوي، متمثلاً في القيادات المسيحية والإسلامية الرسمية، ومن المعروف أن دعاوي التمييز والاضطهاد، وكذلك الفتن الطائفية بكل أنواعها لا يطلقها أو يشعلها سوي المتشددين من الجانبين، ورغم ذلك هناك عدة عوامل تعزز هذا المطلب في الوقت الحالي، أهمها: الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها البابا بين أبناء شعبه، التي تزايدت علي شكل تعاطف مع انتشار شائعات عن وفاته في الفترة الأخيرة، والحوار الدائر حول خلافته، وكذلك الموقف الحاد الذي اتخذه ممن يحاولون تسريب الفكر البروتستانتي للكنيسة الأرثوذكسية، مما أصبغ عليه صورة البطل الذي يدافع عن شعبه وعقيدته رغم اعتلال صحته مؤخراً. وفي السياق ذاته جاءت تصريحاته السابقة رافضة لزيارة الأماكن المسيحية المقدسة في فلسطين إلا بعد تحريرها، لتضيف بعداً جديداً للصورة البطولية التي يتمتع بها البابا، وكانت المفاجأة في تصريحاته التي اتسمت بالكثير من الدبلوماسية حول ترشيح جمال مبارك للرئاسة في الانتخابات المقبلة، وهي التصريحات التي أعطت للبعض انطباعاً بأن البابا يوافق ويشجع هذا الأمر، مما دفع العلمانيين المسيحيين إلي مطالبة الكنيسة بالابتعاد عن السياسة، والتركيز علي وظيفتها الدينية والروحية فقط، حتي لا تبدو تصريحات البابا في شأن كهذا، بمثابة إعلان عن موقف الأقباط ككل، خاصة أنه يمثلهم ويتحدث باسمهم. وجاء رفضهم بعدما اعتبر حمل البعض هذه التصريحات جوانب سياسية تتعلق بمكاسب تطمح الكنيسة في الحصول عليها من النظام، فكأنه موقف شخصي يتضمن موالاة للنظام، وفي الوقت نفسه يمكن اعتباره موقفاً للكنيسة تستحق أن تحصل منه علي شىء في مقابله. علي الجانب الآخر توالت ردود الأفعال التي تندد بمواقف كثيرة لشيخ الأزهر، منها قيامه بمصافحة الرئيس الإسرائيلي في أحد مؤتمرات حوار الأديان، والخروج علي الدور الديني المنوط بالأزهر القيام به لصالح دور سياسي مطلوب منه، وكانت آخر المواقف أو المعارك ما عرف بأزمة النقاب، التي إن كان شيخ الأزهر قد اتخذ فيها موقفاً جريئاً ويحسب له علي مستوي الإصلاح الديني ومواجهة التيارات الدينية المتشددة، إلا أن تصرفه في الواقعة، فضلاً عن أن القرارات التي أصدرها بخصوص منع النقاب في الأماكن التابعة للأزهر والتي تقتصر علي الفتيات، يعتبره البعض ليس لصالح الإصلاح الديني، بقدر ما هو قرار سياسي ضد الجماعات الأصولية المتشددة التي تعتمد هذا الزي. جميع المؤشرات تؤكد أن شعبية شيخ الأزهر قد تأثرت سلباً نوعاً ما، فيما يحتفظ البابا بشعبيته بين أبناء شعبه، بل ربما في المجتمع المصري عموماً، لكن أن يتم الاعتماد علي هذه الشعبية في إبراز نوع من التمييز بين القيادات الدينية، فهنا تكمن الخطورة، ويصبح الغرض من ادعاء هذا الأمر بمثابة اتهام بضلوع السلطة في مسألة التمييز بين المسلمين والأقباط، وكأنها محاولات لتصعيد الفتن الطائفية بوضع القيادات الدينية في قلب المشهد وصدارة الصورة، مع استغلال شعبية أحد القيادات في الترويج للأمر، كما أن الأمر يبدو كأنه محاولة للي ذراع السلطة، وتهديدها بما يمكن أن يصل إليه تصعيد الإحساس بالاضطهاد، وأن المكاسب الصغيرة التي يطالب بها الأقباط، والتي يرونها حقوقاً أصيلة وليست مكتسبة وفقاً لمبدأ المواطنة الذي يقره القانون والدستور، قد تتحول إلي إحساس عام بالغبن لديهم، وخطورة وضع القيادات الدينية - الرمزية في الغالب - في صدارة المشهد تكمن في القيمة التي تمثلها هذه القيادات بالنسبة للبسطاء من الجانبين، ومن ثم يتحرك كل منهما لنصرة قيادته الدينية. فالمجتمع المصري منذ فجر التاريخ لا يعرف الفتنة، فالمصري مسلمًا أو مسيحيًا يتعايشون في نسيج واحد، قضيتهم واحدة، وطنهم واحد، يعيشون من أجل نصرة هذا الوطن.. فليذهب المتشددون ومرحباً بالمعتدلين.