إن الارتباط بين مفهومى الثقافة و المجتمع على مستوى النظرية الإجتماعية و الواقع الإجتماعى ، هو أرتباط وثيق الصلة ، حتى لو أمكن التفرقة العلمية بينهما ، إلا أن الظواهر التى يعبران عنها لا ينفصل بعضها عن بعض فى الحقيقة و الواقع . فالثقافة لا توجد بوجود المجتمع ، ثم أن المجتمع لا يقوم و يبقى الأ بالثقافة . إن الثقافة طريق متميز لحياة الجماعة ، ونمط متكامل لحياة أفرادها . ومن ثم تعتمد الثقافة على وجود المجتمع ، ثم هى تمد المجتمع بالأدوات اللازمة لأطراد الحياة . لا فرق فى ذلك بين الثقافة البدائية و الحديثة . و إذا كانت أحدى الأتجاهات البارزة فى تعريف الثقافة ، بأنها " نمط الحياة الكلى لمجتمع ما ، و العلاقات التى تربط بين أفرادة ، وتوجهات هؤلاء الأفراد فى حياتهم " بل يذهب علماء الإجتماع الثقافى ، المعنيين بدراسة " الثقافة " إلى أن هناك ثلاثة مفاهيم تمثل الثقافة و هى 1- التحيزات الثقافية ، و التى تشتمل على القيم و المعتقدات المشتركة بين الناس .2- العلاقات الإجتماعية التى تشمل العلاقات الشخصية التى تربط الناس بعضهم بالبعض الآخر .3- نمط الحياة الناتج الكلى المركب من الإنحيازات الثقافية و العلاقات الإجتماعية . و من ثم فإن نمط الحياة الكلى لمجتمع ما ، أنما هو يمثل مرأة لثقافة ذلك المجتمع . إن ثقافة الأمتلاك أو عدم الأمتلاك ، هى جوهر الثقافة الأمريكية القائمة على ثقافة الأستهلاك المفرط ، القائمة على تلك اللحظة السيكولوجية التى تدفعك للحصول على كل الأشياء المرتبطة بالشعور بالحزن و الندم إلى حد البكاء على تلك الأشياء التى لم تحصل عليها بعد . الأمر الذى دفع عدداً من المثقفين و المفكرين الإجتماعيين فى أمريكا إلى الحديث عن " الإفلاس الأخلاقى " و " الفقر العاطفى " عند أنتقادهم لثقافة الإسراف فى الأنفاق ، كما لو أن مسائل الروح ، مثل السلع الأخرى ، يتم فيها بشكل أفضل بإستخدام مصطلحات مالية . بل ذهبت الكاتبة الأمريكية البارزة ستيفانى ميلز إلى وصف النزعة الأستهلاكية الأمريكية " بمجاعة الروح " . أن معنى كلمة " يستهلك " ، كما جاء فى قاموس أكسفورد الأنجليزى ، هو " يحطم بواسطة ، أو مثل النار ، أو مرض سابق " . والمستهلك أذا هو الشخص الذى يبدد ، أو يحطم ، أو يستنفذ " . و تضمن كلمة الأستهلاك فى هذا الرأى القديم الواضح ، الأعتلال ، و المرض ، و الموت . أن نمط الحياة الكلى فى المجتمع الأمريكى ، قائم على الصراع الدائم و المستمر بين التملك والتطلع ، الأمر الذى جعل المجتمعات فى كل أرجاء المعمورة ، بفضل العولمة ، تعيش حالة مستمرة من عدم السعادة سواء كنا نشعر بذلك أم لا . أن الرغبة فى الأستهلاك و علاقتها بعدم الأستهلاك ، فسرها عالم النفس النمساوى الشهير فرويد ، عندما وصف الرغبة الجنسية بأنها محكوم عليها بالأحباط لأن شيئأ ما فى طبيعتها الفعلية غير قابل للتحقيق ، وليس فى هذا أى غموض على الأطلاق إذا أخذنا فى الأعتبار أن مصدر هذة الرغبة هو شوق الطفل للأتحاد مع الأم ، وهذا الشوق لا يظهر إلى حيز الوجود الأعندما يحدث الأنفصال ويولد أحساس الفرد بالذاتية . وهو ما يفسر عدم الشعور بالسعادة نتيجة الوقوع فى شرك الأستهلاك المفرط ، المؤدى إلى الأحباط نتيجة الصراع بين رغبتى الأمتلاك وعدم الأمتلاك . لقد سعت الأفلام الأمريكية الترويج لتلك الرغبة المفرطة فى الأستهلاك ،و الأفلام وكما كانت دائماً ، قوة ثورية ، فهى تسعى ، مثلها مثل الرأسمالية ، إلى أسواق جديدة ، و لاتعترف بحدود قومية ، و فى القصص التى تعرضها ، تروج للطريقة المادية فى الحياة . تلك المادية التى أنعكست سلبياً على الروابط الأسرية الأمريكية ، وحولتها إلى روابط زائفة بين أفراد الأسرة الواحدة . وعندما زارت الأم تريزا مدينة شيكاغو الأمريكية ، و رصدت مظاهر الفساد الحضارى فى نمط الحياة الأمريكية ، وصفت تلك المدينة بأنها تعانى من " فقر النفوس " . و تعيش الثقافة الأمريكية الأستهلاكية المفترسة ، تحت وطأة ثقافة الباروكى ، أى البهرجة المفرطة ، مثل الملابس الرخيصة و المزخرفة ، أى ببساطة ، التصميم المفرط للأشياء . وفى ظل تلك الثقافة السياسية المفترسة ، السياسة أيضاً للبيع و لكن ليست بالطرق الواضحة التى تقترحها الحملات الأنتاخبية . يتم بيع المنصب السياسى من خلال أستطلاعات الرأى العام ، والتى حولت أفكار مجموعة مختارة من السكان إلى سلعة متاحة للمرشحين . ويعتمد بيع أى رئيس دولة هذة الأيام ، على نوعية الرأى العام الذى يشترية ، وكما هو الحال فى أى وضع مماثل فى السوق التجارى ، فيفوز الرأى العام الأفضل بيعاً ، رغم أنة ليس بالضرورة أن يكون هو الأفضل . و يعيش الأمريكيون مرتبطين بأفراد الطبقة الخاصة بهم ، لكنهم ينكرون فكرة الطبقات فى أمريكا . قى الواقع ، أنهم يتوقون جداً لإخفاء الفكرة عن بعضهم البعض ، وليس لديهم أدنى فكرة لأى طبقة هم ينتمون إليها . تكسب أعلى 20% من العائلات الأمريكية من المال بالقدر نفسة الذى تكسبة ال 80% المتبقية . وتكسب الأعلى 5% من ال 20% القدر نفسة الذى تكسبة ال 15% المتبقية . ومرة أخرى فى تلك ال 5% " أى 1% من أمريكا " تكسب نفس قدر ال 4% الأخرى . ومع ذلك ، إذا سألت زوجاً يكسب 40.000 الف دولار شهرياً ، وأخر يكسب 20.000 الف دولار ، لأى طبقة ينتمون ؟! ، فأنهم سيجيبون " بصدق و إقتناع " ليس فقط أنهم ينتمون إلى الطبقة الوسطى ، ولكن أيضاً يشقون طرقهم بصعوبة . إن انتصار الغرب على الأتحاد السوفيتى فى الثمانينيات من القرن المنصرم ، فسر ، جزئياً على الأقل ، على أنة أنتصار للرأسمالية على الأشتراكية – رغم أن ذلك لم يكن ما حدث – و بالتالى هناك خط ينطوى على الفكرة الفعلية للمجتمع التعاونى وهو إعتبارها فكرة أمريكية . ويسعى الأمريكيون دائماً لتحقيق المساواة . و يرى المفكر توكفيل ، أن الأنسان الأمريكى متهم أكثر بالمساواة من أهتمامة بالحرية . و لكنة فى ذات الوقت يسعى للأنفصال عن الأخرين ، فإن كل ما تحققة لة هذة الحرية هو العزلة .