احتفت مكتبة الإسكندرية أمس على مدى يوم كامل بمرور 10 سنوات على إصدار مجلة «أمكنة»، وهى المجلة المصرية الوحيدة المعنية بتاريخ المكان وثقافته، التى يصدرها مجموعة من المبدعين السكندريين، وذلك بحضور نخبة من المثقفين والشباب، وعلى رأسهم الأديبان خيرى شلبى ومحمود الوردانى. وقال الدكتور خالد عزب، مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية، إن احتفاء المكتبة بأمكنة يطرح تساؤلا حول مركزية الثقافة فى القاهرة، مشيرا إلى أن تلك المركزية أدت إلى وأد محاولات إبداعية جادة خارج حدود العاصمة أو إلى هجرة المبدعين من الأقاليم إلى المركز، مما أدى إلى حدوث فجوة ثقافية. وأضاف أن المجلة هى نتاج جهد سكندرى خالص لا يعتمد على أى دعم رسمى، مما يلفت الانتباه إلى أهمية دور المجتمع المدنى فى الثقافة بحيث لا تقتصر على الجهود الحكومية. وشدد على أن المجلة فتحت قنوات لعدد كبير من المبدعين، الذين لم يجدوا لهم متنفسا لإظهار إبداعاتهم، فكانت المجلة منبرا لهم يستوعب كتاباتهم. وطالب عزب قسم الأنثروبولوجى بكلية الآداب فى جامعة الإسكندرية بالاهتمام بأمكنة ودعمها، حيث إن المجلة أعادت اكتشاف المكان فى مصر، وأرّخت للمدينة والقرية المصرية، كما أن موضوعاتها تعد رافدا أساسيا للدراسات الأنثروبولوجية. من جانبه، أشار علاء خالد محرر أمكنة، إلى أن بداية ظهور المجلة واكبت تغيرات حدثت فى المجتمع وفى شكل المدن والقرى، لافتا إلى أن فكرة المجلة كانت بها مجازفة كبيرة، خاصة أنها الوحيدة فى مصر المعنية بثقافة المكان وتاريخه. ونوه بأن المجلة لا تتلقى هبات أو معونات؛ حيث تعتمد فى تمويلها على بيع الأعداد، إلى جانب الإعلانات فى الفترة القليلة الماضية، مضيفا أنها قائمة على الجهود التطوعية للقائمين عليها والكتّاب الذين يثرونها بكتاباتهم. وأكد محمود الوردانى أن أول محاولة لمواجهة تأميم الثقافة فى مصر كانت عام 1968 حين صدرت مجلة «جاليرى»، ثم تبعتها تجربتان أخريان إلى أن ظهرت أمكنة التى لا يوجد سقف لها، كما أنها ليست فى مواجهة مع أى جماعة أدبية أو ثقافية. وأضاف أن أمكنة هى المجلة الوحيدة التى جعلت الفوتوغرافيا نصا موازيا للكتابة، كما أنه ظهر من خلالها مجموعة مبدعة من المصورين، إضافة إلى مجموعة الكتاب الذين اكتشفتهم أمكنة، أو أعادوا هم اكتشاف الكتابة عبر المجلة. وانتقد خيرى شلبى، من جانبه، غلبة الطابع الأدبى على أمكنة، مطالبا بالتخلى عن الكثير من ذلك الطابع، إلا أنه أكد أن المجلة تؤسس لثقافة قومية، حيث تبحث فى خصائص المكان فى مصر. وأعرب شلبى عن شكره لمكتبة الإسكندرية لاحتفائها بتلك التجربة السكندرية الخالصة، منوها بأن انفتاح المكتبة على مبدعى الإسكندرية يعد اتجاها إيجابيا. وقدّم عدد من الشباب، هم: زياد الكيلانى، وأمنية الجميل، وإيناس أحمد محمد، رؤاهم عن مجلة أمكنة. وذهب زياد الكيلانى إلى أن مجلة أمكنة متفردة، فهى ليست مجلة اجتماعية عادية ولا دورية علمية مختصة بالعلوم الاجتماعية ولا قصة أو رواية أدبية حيكت سطورها من تحليل متعمق للمجتمع المصرى، بل هى خليط يجمع بين طياته المعلومة التاريخية الموثقة والجهد العلمى المعقول والصورة المعبرة عن الموضوع والأسلوب القصصى وأحيانا الروائى الشيق. وأشار إلى أن المجلة تناولت عددا كبيرا من الموضوعات على مدى أعدادها العشرة من شأنها أن تشرح المجتمع المصرى فى فترات ما، وتقدم تحليلا منطقيا لاختلاف عادات الفئات المختلفة من أبناء الشعب المصرى، مثل موضوع التحول فى المدن، والذى يعد من وجهة نظر المجلة أصدق معيار لمعرفة مقدار التغير فى المجتمع ككل. ورأت أمنية الجميل أن أمكنة مجلة ثقافية تعتمد أسلوب المقال الأدبى فى سردها لخبرات شخصية وتجارب إنسانية مر بها كتاب المقالات أو عايشوها أو ربما نقلوها عن آخرين. ونوّهت بأنه رغم أن أمكنة تركز بشكل أساسى على ثقافة المكان بأنها من خلال التجارب التى تنقلها تقوم برصد لجميع الجوانب الحياتية داخل مكان محدد وفى فترة محددة. ففى كل مقال ينتقل القارئ بذهنه ليعيش داخل حياة متكاملة جسدها الكاتب بجميع جوانبها وتنوعاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية وغيرها دون التطرق المباشر لجانب معين والوقوف على محدداته وشرح تفاصيله، ولكن من خلال رؤيته لمدى انعكاس كل هذه الجوانب على حياة الأفراد وتداخلها وانسجامها مما يوجد صورة حية لمجتمع له خصوصية معينة وسمات تميزه عن غيره. ولفتت أمنية إلى أنه إذا كان يمكن اعتبار الفرد هو وليد الظروف المحيطة به، فإن المكان هو تجسيد للواقع؛ إذ إنه عبارة عن مجموعة من الأفراد يعيشون فيه يرسمون معالمه من خلال انتمائهم الطبقى وقدراتهم الاقتصادية وتوجهاتهم الفكرية. لذا فإن أمكنة بتناولها موضوعات تتعلق بالمكان فإنها فى الأصل تناقش حياة الأفراد، الذين يعبرون عن هذا المكان. وأوضحت أن المجلة تتناول موضوعات مثل التقسيم الطبقى للمجتمع ومدى الاندماج بين الطوائف الدينية المختلفة داخل المكان الواحد، وقد تتحدث عن خصوصية فئة معينة فى المجتمع وتحاول شرح مدى انسجامها مع المجتمع الواسع الذى تعيش فيه. كما أنه فى بعض المقالات تقارن المجلة بين فترات زمنية مختلفة لمكان واحد أو بين مكانين مختلفين يجمعهما شىء مشترك مثل شخصية راو يحكى عن تجاربه فى المكانين ويحاول الربط بينهما بطريقة ما. وأشارت أمنية الجميل إلى أن أمكنة تكشف من خلال المقابلات، التى تجريها مع أفراد ينتمون لأوساط مختلفة فى المجتمع، مثل النخبة أو طبقة المثقفين أو حتى الناس البسطاء، عن النسق الفكرى والتوجهات والانتماءات المختلفة لأفراد المجتمع الواحد فى أماكن متعددة.ست روايات تصل للقائمة القصيرة لجائزة «البوكر» البريطانية