تزامنا مع الاحتفالات الاولى للثورة المصرية والتى اطاحت بثلاثين عاما من الفساد على كافة المستويات الاقتصادية والادارية في الدولة، قالت رئيسة صندوق النقد الدولي"كريستين لاجارد" إن ثورات الربيع العربي تمر بمنعطف حساس وهناك حاجة للتعامل معها بطريقة منظمة حتى يستفيد الجميع من التغيير. ففي الوقت الذي يرفع فيه المصريون اعلام الاحتفالات بالذكرى الأولى، ينخر في جسد الاقتصاد المصري سرطان يستشري في جميع أوصاله لينذر بتقويض الدولة، حيث أكدت رئيسة صندوق النقد الدولي أن التغيير السياسي في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يواجه رياحا عاتية نتيجة التباطؤ الاقتصادي في أنحاء الدول المستوردة للنفط بالمنطقة التي كانت تعاني بالفعل من ارتفاع معدل البطالة وتوترات اجتماعية متزايدة. هذا رغم الانتعاش اللحظي الذي مني به الاقتصاد المصري إبان الاحتفالات السنوية الاولى لثورة 25 يناير؛ حيث إن الذكرى الأولى للثورة ساهمت في رفع مؤشرات البورصة المصرية وتحقيقها أرباحاً كبيرة، في نفس الفترة التى شهدت تراجعا غير مسبوق لأسهم البورصة في العام الماضي 2011؛ حيث ساد التفاؤل أوساط المستثمرين بعد مرور الذكرى الأولى للثورة بسلام، واقتراب مصر من تلقي حزمة من المساعدات المالية. إلا أن " لاجارد" توقعت أن تكون هذه فترة محفوفة بالمخاطر والتشويش، مشيرة إلى أنه يتعين القيام فيها باختيارات صعبة بعد أن تنحسر الغبطة التي تعقب الثورات، مفسحة المجال أمام المخاوف المتعلقة بالمناحي العملية. ومن العوامل المؤثرة سلبا أيضا حدوث هذا في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي اضطرابا كبيرا. ونبهت لاجارد إلى أن الجميع تعلم دروسا مهمة من الربيع العربي. فرغم أن أرقام النمو الاقتصادي في بعض دول الربيع العربي بدت جيدة. فإن الكثيرين كان يجري إغفالهم. ولفتت إلى أنه طالما حذر النقد الدولي من ارتفاع معدل البطالة لكن لم يتم تقدير نتائج الحرمان من تكافؤ الفرص بصورة صحيحة. وقالت: "بصراحة لم نعر اهتماما كافيا لكيفية اقتسام نتائج النمو الاقتصادي". كما ربطت لاجارد بين المساواة والنمو الاقتصادي. وقالت إنه بدا واضحا الآن أن المجتمعات التي تنعم بالمساواة تتمتع بالاستقرار الاقتصادي وبتنمية اقتصادية مستدامة. وفي انتقاد للسياسات الحكومية الحالية في مصر، ذكرت "لاجارد" أن الحكومة في مصر تحاول في هذه الفترة تجنب الاستياء الشعبي من خلال رفع الدعم الحكومي والأجور وزيادة الإنفاق في وقت يتعين فيه وضع سياسات نقدية أطول أجلا والحد من العجز الهائل في الميزانيات. كما أوضحت أن استخدام الحكومات للموارد ينبغي أن يتسم بالدقة وأن يستهدف مجالات بعينها. وأشارت أيضا إلى المساعدات التي يقدمها صندوق النقد حاليا لدول الربيع العربي. وقالت إنه بإمكان الصندوق أن يتغلب بأفعاله على السمعة التي اقترنت باسمه في المنطقة بسبب فرض سياسات لا تحظى بالشعبية. ودعت الحكومة المصرية والحكومات العربية إلى توفير مناخ موات وإلى إرساء أسس مؤسسات حديثة وشفافة لتشجيع المحاسبة والحكم الرشيد وضمان قواعد عادلة. كما حثت على القضاء على المصالح التي كان لا يستفيد منها سوى عدد محدود من رجال الأعمال. وقالت إن ذلك سيكون ابتعادا عن ممارسات الماضي عندما كان يجري استغلال الدعم الحكومي العام لاسترضاء السكان بينما يسمح للنخبة بالاستفادة من ممارسات جائرة. فيما أظهرت بيانات نشرها صندوق النقد الدولي، ان البلدان العربية التي ثارت على انظمتها الاستبدادية ما اسفر عن خلع ثلاثة زعماء حتى الان. تواجه تباطؤا اقتصاديا في عام 2011 . يأتي هذا في الوقت الذي لم تتعرض خلاله بلدان الخليج النفطية الغنية لأية موجات احتجاجية غير المسبوقة حيث باتت تتمتع بزيادة في العائدات حسبما قال صندوق النقد في مراجعته الاقتصادية الاقليمية التي تصدر كل ثلاثة اشهر والتي صدرت في دبي. وعلى المشهد التونسي، كشفت بيانات صندوق النقد ان اقتصاد البلد الواقع في شمال افريقيا والذي كان اول من اطاح بزعيمه فيما عرف بالربيع العربي. لن يشهد اي نمو في 2011 بعد ان كان قد حقق نموا بمعدل 3.1 % العام الماضي. كما توقع الصندوق انخفاض النمو الاقتصادي في مصر. البلد الاكبر سكانا بين البلدان العربية حيث اطاحت احتجاجات شعبية استمرت 18 يوما بالرئيس حسنى مبارك الذي حكم البلاد 30 عاما. فقد توقع الصندوق الا يتعدى نمو الناتج المحلي الاجمالي لمصر نسبة 1.2 % في 2011 مقارنة ب 1.5% في 2010. وتفرض الاضطرابات السياسية والاقتصادية في تلك البلدان، فضلا عن الوضع الاقتصادي الواهن في اوروبا. الشريك التجاري الرئيسي والمصدر الهام للتحويلات لبلدان بالشرق الاوسط وشمال افريقيا. ضغوطا على اقتصادات تلك الدول. وقال صندوق النقد ان "البيئة السياسية والاقتصادية غير المستقرة وضعف الاقتصادات المتقدمة سيؤثر على افاق النمو في المنطقة. مما سيؤدي لضعف الانتعاش بشكل كبير في 2012 عما كان متوقعا من قبل. كما يبدو أن الاحتمالات الآنية للوضع الاقتصادي في ليبيا الغنية بالنفط ليست مبشرة. وأعلن عن تحرير البلاد من حكم القذافي الذي استمر 42 عاما بعد اسره وقتله. وقال الصندوق في جزء من تقريره عن الوضع في ليبيا: إنه "من المتوقع ان ينكمش الناتج المحلي الاجمالي بأكثر من 50 % في 2011". وكانت ليبيا تصدر 1.65 مليون برميل يوميا من النفط الخام قبل الثورة التي اندلعت في فبراير. كما تركت الاضطرابات في ليبيا أثرها على بلدان اخرى؛ حيث اضطر نحو مليون ونصف المليون عامل مهاجر. غالبيتهم من مصر وتونس. الى العودة الى بلادهم. وتوقع صندوق النقد ايضا ان ينكمش الاقتصاد السوري بنحو 2 % بعد سنوات من النمو القوي. وذلك في اعقاب شهور من الاحتجاجات الدامية ضد نظام الرئيس بشار الاسد. كما من المتوقع ان ينكمش الاقتصاد اليمني بنحو 2.5 % هذا العام بعد تسعة اشهر من الاحتجاجات المطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح.. وكان اقتصاد اليمن البلد الفقير بجنوب الجزيرة العربية. قد شهد نموا بنسبة ثمانية % عام 2010. بحسب صندوق النقد. واشار الصندوق الى ان الاضطرابات الاجتماعية تسببت في "انخفاض تندرج نسبته ضمن فئة العشرات % في السياحة في كل من مصر والاردن ولبنان وسورية وتونس خلال الشهور الخمسة الاولى من العام".. واضاف بان الاستثمارات الاجنبية المباشرة وحركة شراء الاسهم والسندات انخفضت ايضا. وقال الصندوق إن بعض الحكومات قدمت دعما وقامت بتحويلات بهدف تخفيف اثر التراجع الاقتصادي "غير ان المتاح لها من الهامش المالي محدود فضلا عن ارتفاع تكاليف الاقتراض". واضاف: "ومن ثم تواجه (تلك الحكومات) فترة صعبة خلال ما تبقى من عام 2011 وعام 2012. ومن المتوقع الا يتحقق التعافي الاقتصادي قريبا فيها". ورغم ان البحرين عضو بمجلس التعاون الخليجي الذي يضم البلدان النفطية الثرية، إلا أن الصندوق توقع تباطؤ اقتصادها بشكل حاد في اعقاب الحملة القمعية على الاحتجاجات الشعبية التي نفذتها الغالبية الشيعية بالمملكة في وقت سابق هذا العام. فمن المتوقع أن ينمو الاقتصاد البحريني بمعدل 1.5 % فقط في 2011 مقارنة ب4.1 % العام الماضي.. وفي تلك الاثناء توقع الصندوق ان تسجل البلدان الخليجية الاخرى المصدرة للنفط. والتي لم تشهد قلاقل اجتماعية كبيرة. نموا يناهز سبعة % هذا العام. وقال الصندوق "ان بلدان مجلس التعاون الخليجي افلتت في اغلبها من الاثر السلبي للقلاقل الاجتماعية التي عمت المنطقة". مضيفا انها استفادت من اسعار اعلى للنفط، وهي الاسعار التي كانت اعلى بنسبة 31 % في 2011 عنها في 2010. فضلا عن زيادة معدلات التصدير. واشار الصندوق الى الكويت والسعودية والامارات العربية المتحدة من حيث انها زادت انتاجها من النفط لتعويض النفط الليبي المتوقف. بينما رفعت قطر قدرتها على انتاج الغاز الطبيعي المسال. ومن المتوقع ان ينمو اقتصاد الكويت ب5.7 % في 2011 مقارنة ب3.4 % العام الماضي. بينما سيكون النمو في الامارات 3.3 % مقارنة ب3.2 % في 2010 . وسينمو الاقتصاد السعودي بمعدل 6.5 % في 2011 بعد ان نما بمعدل 4.1 % في 2010 . بينما يستمر نمو الاقتصاد القطري بشكل ضخم بنحو 18.7 % مقارنة ب16.6 % العام الماضي بفضل تنامي صناعة الغاز لديها. وقال صندوق النقد إن سلطنة عمان ستسجل 4.4 % نموا في الناتج المحلي الاجمالي لديها. مقارنة 4.1 % في 2010 . حيث بدا ان مسقط خلفت وراءها الاضطرابات الاجتماعية المحدودة التي شهدتها في ربيع 2011 .