ومازالت حرب أكتوبر 1973 محل دراسة العديد من الكليات والمعاهد ومراكز الدراسات العسكرية في العالم، فلقد كانت حربا شاملة بكل المقاييس شاركت فيها كل مقومات الدولة المصرية، واندلعت وسط أجواء وظروف دولية معاكسة لم تكن ترغب في نشوبها.. وفي هذا الإطار يتحدث اللواء أركان حرب عثمان كامل قائد اللواء 14 المدرع والخبير الاستراتيجي والمحلل العسكري الشهير عن نقاط القوة خلال حرب 1973 الإعداد والتخطيط لحرب أكتوبر ومعه ننتقل إلي تحليل أكبر معارك الدبابات في العصر الحديث التي دارت خلال يومي 16 و17 أكتوبر التي كان لها دور بارز في إسقاط الهالة التي حاول الإسرائيليون دائما إحاطة قواتهم المدرعة بها لتسقط إلي الأبد كما سقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر. فيقول: إن حرب أكتوبر1973 كانت أولي الحروب التي استخدمت فيها كل موارد في مصر في إطار استراتيجية شاملة وضعت في الاعتبار ضرورة الإعداد السياسي والعسكري للدولة إضافة إلي تصور أوضاع ما بعد الحرب والتعامل مع متغيراتها ومعطياتها الجديدة قبل الحرب. ونشطت الدبلوماسية المصرية في طرح العديد من المبادرات وتهيئة الرأي العام العالمي وإقناعه بأن مصر تريد الحل السلمي وتسعي إليه وثمة نقطة مهمة في إطار رصد نقاط القوة في خطة الإعداد لمعركة 1973 يشير إليها اللواء عثمان كامل وتتعلق بحرب المعلومات التي شهدت هذه الحرب ميلادها التي نجحت مصر فيها بجدارة بعد أن حصلت علي كل التفاصيل الخاصة بتشكيلات وتحركات وأعداد وتسليح القوات المعادية، وأذكر أن المخابرات الحربية المصرية كانت ترسل للقيادات العسكرية الخرائط وعليها أوضاع القوات الإسرائيلية في سيناء تفصيلا، وكان ذلك بحد ذاته نقطة قوة وأحد عوامل نجاحها في التخطيط المدروس لحرب أكتوبر، وعلي الجانب الآخر استطاعت القوات المسلحة المصرية حجب الكثير من المعلومات عن العدو حيث أكدت جميع التقارير التي صدرت عن المخابرات الإسرائيلية أن مصر غير قادرة علي شن الحرب وأقنعت إسرائيل الولاياتالمتحدةالأمريكية بذلك ولهذا كانت المفاجأة في حرب أكتوبر كما صورها الصحفيون الإسرائيليون بمثابة زلزال هز أركان إسرائيل وأصاب أمريكا بالدهشة وكلنا نتذكر تعليق هنري كيسنجر علي حرب أكتوبر والذي قال فيها إنها أي هذه الحرب كسرت نظرية الأمن الإسرائيلي وهو ما يعني أن حرب أكتوبر أحدثت تغييرا جذريا في الموقف الاستراتيجي وهو ما أدي إلي تغيير شامل في الموقف الأوروبي والأمريكي الذي بدأ في الاستماع إلي وجهة النظر المصرية بدلا من الانحياز الكامل لمصلحة إسرائيل وساهم في ذلك قيام لدول العربية باتخاذ قرار الحظر الجزئي علي تصدير البترول وهو اتجاه لم يكن له أن يتحقق في غياب استراتيجية كاملة ليست مقصورة علي استخدام القوة العسكرية في الصراع وهو من ناحية ثانية يعكس ثمرة الجهود التي جنتها الدبلوماسية المصرية في مجال الإعداد السياسي للحرب حيث حققت تضامنا عربيا ا دعم الموقف المصري في ساحة المعركة وعلي مائدة المفاوضات بعد ذلك. ولعل من أهم النقاط في الإعداد العسكري لحرب أكتوبر والكلام مازال اللواء عثمان كامل استخدام الأسلحة الشرقية التي كانت بحوزتنا وهي ذات خصائص دفاعية في شن حرب هجومية ولإحداث التفوق علي أهم قوتين إسرائيليتين تتمتعان بميزات استراتيجية وتكتيكية ونقصد بهما القوات المدرعة والقوات الجوية عملت الدبابات المصرية في تعاون وثيق مع مجموعات اقتناص الدبابات من المشاة وأدي استخدام المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات إلي إحداث طفرة عالمية في إنتاج أجيال متقدمة من الصواريخ المضادة للدبابات بناء علي خبر ة المصريين في حرب أكتوبر1973، لتقليص التفوق التكنولوجي الواضح بالقوات الجوية الإسرائيلية تعاونت قواتنا الجوية ونسقت مع قوات الدفاع الجوي لشل قدرات السلاح الجوي الإسرائيلي الذي فقد تقريبا ربع طائراته القتالية في المعركة. وعن أكبر معارك الدبابات التي دارت رحاها في أعماق سيناء يومي16 و17 أكتوبر، يقول اللواء عثمان كامل عنها انها معركة الدروع حيث قامت القوات المتصارعة من الجانبين باشتراك نحو ألف دبابة من منها نحو600 دبابة إسرائيلية ونحو400 من الجانب المصري.. ة المدرعة المصرية بأكبر حشد لها وشنت هجوما مضادا علي المدرعات الإسرائيلية التي حاولت اختراق رؤوس الكباري المصرية غرب القناة التي أقامتها بعد اقتحامها الناجح لقناة السويس وخط بارليف وعلي الرغم من التفوق النسبي للدبابات الإسرائيلية من الناحية التكنولوجية إلا أن الدبابات المصرية استطاعت تعويض هذا الفارق من خلال مستويات راقية للتدريب. واستخدام تكتيكات ناجحة في أرض المعركة أفقدت القوات المدرعة الإسرائيلية نحو ثلثي القوات التي شنت هجومها الأمر الذي أدي إلي طلب إسرائيل إمدادها بجسر جوي من الدبابات لاستعواض خسائرها الفادحة في المدرعات وأحدثت هذه المعركة انقساما حادا بين القادة العسكريين الإسرائيليين وأتذكر أن ارييل شارون علق علي الخسارة الإسرائيلية موضحا أن سببها أنهم لم يأخذوا برأيه الخاص بالاندفاع شرق القناة إلا أن ذلك كان مستحيلا بكل المقاييس وفي تلك الأيام التي تمكنت فيها المدرعات المصرية بالتعاون مع المشاة الميكانيكي من حصار ما يعرف بالثغرة غرب القناة بالإضافة إلي حصار ثلث القوات الإسرائيلية بجنوب سيناء في وقت واحد وهذا يعني أن التشدق الدعائي الإسرائيلي بأن قواته عبرت غربا وقلبت موازين الموقف الاستراتيجي ليس حقيقيا ولولا تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية لأمكن للقوات المصرية تصفية الثغرة بسهولة، والدليل علي ذلك أن أمريكا اهتمت اهتماما خاصا بخروج القوات الإسرائيلية سليمة من الثغرة خلال مفاوضات فض الاشتباك الأول والثاني، الأمر الذي أدي إلي انسحاب القوات الإسرائيلية دون قتال، مما يؤكد ما أعلنه الرئيس الراحل أنور السادات من أن الثغرة كان مقضيا عليها من الناحية الاستراتيجية. ونعود مرة أخري إلي معارك الدبابات، ونسأل اللواء عثمان كامل: كيف تمكنت القوات المدرعة المصرية من مواجهة التكتيكات المدرعة الإسرائيلية التي تعتمد علي الاختراق السريع والالتفاف علي الاجناب والقيام بتصفية المدرعات المعادية؟ فيجيب مؤكدا أن المدرعات اعتمدت علي فتح تشكيل المعركة من خلف سواتر تمكنها من إطلاق نيرانها من الثبات بأكبر معدل من النيران التي يتم تنشينها بدقة علي الدبابات الإسرائيلية الأمر الذي أدي انسحابها بسرعة تفاديا للإصابة وقد ثبت أن معظم الدبابات الإسرائيلية أصيبت من الخلف وهو دليل واضح علي ارتدادها للخلف وانسحابها، ولقد اتبعت قوات المدرعات تكتيكيا فعالا في مواجهة المدرعات الإسرائيلية حيث كانت القوات المدرعة المصرية تقوم بالقصف من فوق رؤوس قناصي الدبابات المصريين بينما تقوم أطقم القناصة بتوجيه صواريخها عن قرب لاصطياد الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية. يذكر أن اللواء أركان حرب على عثمان، ولد فى محافظة سوهاج 16/5/1940 وتخرج في مدرسة سوهاج الثانوية العسكرية فى 1957، كما تخرج من الكلية الحربية فى 1962، وتدرج فى الوظائف القيادية بالقوات المسلحة، التحق بسلاح الصاعقة وشارك فى حرب اليمن وحرب 1967 ثم عمل مدرساً بمدرسة الصاعقة. قام بعمليات فدائية فى حرب الاستنزاف (68-69-70)، حيث تولى قيادة المجموعة المنفذة لعمليتي تدمير بيت شاف وبيت يم الإسرائيليتين، وهو قائد عملية ضرب ميناء إيلات وتفجير محطات الكهرباء لمصنع نحاس شمال إيلات.. كما قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بمنحه نجمة سيناء العسكرية ونوط الواجب من الدرجة الأولى.