لطالما انتظر المصريون علي مدار العقدين الماضيين ثمار ما ألهبت به الحكومة مسامعهم من طفرة تغييرات إصلاحية في المجال الاقتصادي، والتي كانت حصيلتها طوال السنوات الماضية ارتفاع معدلات البطالة، والتي تفاقمت لنحو 15%، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم والتي تجاوزت ال18%. والادهي من ذلك ارتفاع نسبة المواطنين تحت خط الفقر الي ما يتعدي ال 25% من إجمالي سكان مصر، وليس سببا وراء غياب ما استترت وراءه الحكومات السابقة الا استشراء الفساد في جميع أرجاء الجهاز الإداري للدولة؛ حتي وصل عدد قضايا الفساد بهذا الجهاز سنويا لنحو سبعين ألف قضية. وتقدر خسائر مصر بسبب الفساد بحوالي ستة مليارات دولار سنويا، بينما قدر البعض حجم اقتصاديات الفساد في مصر بنحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي؛ لينعكس ذلك بالتأكيد علي المؤشرات الاقتصادية والتي انخفضت بنسبة عالية جدا اعتمد خلالها المسئولون الحكوميون الي اعلان نتائج مضللة؛ لإيهام المواطنين بأن هناك ثمة إصلاحات اقتصادية علي ارض البلاد؛ وليس أدل علي ذلك من تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات والذي أعلن فقط خلال فترة تولي نظيف رئاسة الوزراء ألف تقرير تم عرضها علي الجهات المسئولة؛ منها: مؤسسة الرئاسة، وهيئة الرقابة المالية، والتي توضح الفساد المستشري بوزارت ومؤسسات الدولة، و لكن دون إحراز اي تقدم يذكر. وقد أوضح المستشار جودت الملط في تقاريره التي اتهم خلالها الحكومة السابقة بالفشل بعد ان فاق العجز بميزان المدفوعات ال 15مليار دولار خلال ستة أشهر، ولا يغيب عن أحد ممارسات رجال الأعمال في تسقيع الأراضي والمضاربة عليها مما بدد ثروات كبيرة. وبعد أن حصل رجال الأعمال علي جميع المزايا من ضرائب وجمارك وأسعار شديدة الانخفاض لأراضي ومرافق الدولة، اتجهوا للتجارة وأهملوا الصناعة؛ مما جعل من مصر مجرد سوق للمنتجات الأجنبية وعلي رأسها السلع الصينية. كما ظلت حكومات عهد مبارك تعلق أداءها السلبي اقتصاديا علي شماعتي الزيادة السكانية، والأزمات الاقتصادية والسياسية علي الصعيدين الإقليمي والعالمي، حتي بلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر في العام المالي 2009/2010 نحو 1.2 تريليون جنيه، ووصل معدل النمو الاقتصادي لنفس العام إلي 5.1%. وثمة شكوك بشأن معدل النمو الاقتصادي من حيث طريقة حسابه، إذ يقدره البعض بأنه في حدود ثلثي الأرقام المعلنة من قبل التقارير الحكومية. كما يلاحظ أن قطاع الخدمات هو صاحب النصيب الأكبر من حيث مساهمته في الناتج المحلي لاستحواذه علي ما يزيد علي 50%، مما همش مساهمة قطاعي الصناعة والزراعة، وهما القطاعان اللذان يتيحان فرص عمل حقيقية ودائمة ويشكلان قدرا من القيمة المضافة. وترتفع مساهمة قطاع الخدمات لما ينطوي عليه من خدمات التعليم والصحة، التي تقدمها المؤسسات العامة. ويحلل هذا المشهد د. فخري الفقي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، ويقول: ظل الاقتصاد المصري يعاني منذ فترة طويلة من حزمة مشكلات مزمنة، ومن أبرزها عجز الموازنة العامة الذي يبلغ في حدود 9 في المائة، والدين العام الذي وصل إلي أكثر من 888 مليار جنيه مصري داخليا، ونحو 192 مليار جنيه خارجيا؛ ليصل إجمالي الدين العام علي البلاد ما يتجاوز قيمته ال1080 مليار جنيه مصري، وتكبد هذه الديون الموازنة العامة للدولة نحو 173 مليار جنيه، عبارة عن أقساط وفوائد ضخمة، تفوق مخصصات التعليم والصحة، كما تبلغ قرابة ضعف مخصصات الأجور التي تقترب من تسعين مليار جنيه. ويضيف: وتأتي البطالة لتمثل واحدة من معضلات الاقتصاد المصري، وتختلف التقديرات حولها، حسب المنظور وطريقة الحساب، حيث تراوح بين 10% و15%, ويرجع الجزء الأكبر منها لنظم التعليم التي لا تربطها بسوق العمل أي سياسات، فيجد صانع السياسة الاقتصادية أنه مطالب سنويا بما بين سبعمائة ألف و750 ألف وظيفة سنويا؛ دون تحقيق علي الجانب الاَخر لمجالات تستوعب كل هذه الاعداد. ويتجاذب أطراف الحديث د. حمدي عبدالعظيم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الادارية، قائلا: إن الموازنة المصرية توصف بأنها موازنة استهلاكية تصرف معظم بنودها علي النفقات الجارية، وتقل فيها الاستثمارات العامة، بسبب التوجه الحكومي بعدم الدخول في استثمارات جديدة، باستثناء بعض المخصصات للمرافق العامة، وللقضاء علي مثل هذه المشكلة التي تعد في الوقت ذاته العامل الاساسي لتفاقم ازمات البطالة يتوجب علي الاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة والتي تعتبر من أدق الفترات التي يجب خلالها أن يعمل كل المسئولين علي استعادة الاقتصاد قوته من جديد كثالث أكبر اقتصاد عربي، وبالتالي فإنه يتوجب علي القطاع العام والحكومة ضخ نحو 50% من الاستثمارات خلال الفترة المتبقية من العام المالي الجاري، حتي لا تنجرف معدلات التنمية الاقتصادية إلي أقل من 4 % ما يترتب عليه تداعيات سلبية مثل تفاقم مشكلة البطالة أو تسريح العمالة. ويضيف: إن معدلات النمو في الربع الأول والثاني من العام المالي الجاري، تدور حول 5.5% وكان هناك استهداف لتصل معدلات النمو إلي 5.8% بنهاية العام الجاري، وهو ما يستحيل تحقيقه الآن؛ لذلك فالأمر يستدعي عددا من الإجراءات التحفيزية، نظرا لأن الأحداث الأخيرة رغم ما تحمله من إيجابيات كثيرة لكنها أثرت علي الاقتصاد المحلي بشكل ملموس. ويشير إلي أن خطة الإنقاذ لابد أن تتولي فيها الحكومة والقطاع العام إدارة زمام الأمور فيما يتعلق بضخ الاستثمارات أو العمل علي هذا.. متوقعا تراجع استثمارات القطاع الخاص بشكل كبير.. لافتًا إلي أن توزيع الاستثمارات المستهدفة خلال العام الجاري، كانت 65 % علي القطاع الخاص و35% علي القطاع العام والحكومة، الأمر الذي يتطلب في الوقت الحالي أن تقوم الحكومة بضخ نحو 50% مهما كانت التحديات لإنقاذ معدلات النمو. وعلي جانب آخر، تقول هالة السعيد المدير التنفيذي للمعهد المصرفي المصري: "تضم المؤسسات المالية في مصر الجهاز المصرفي، وسوق الأوراق المالية، وشركات التأمين وغيرها، وينبغي أن يعاد النظر في دور جميع هذه المؤسسات في ضوء استراتيجية تنموية جديدة؛ فالجهاز المصرفي الذي يضم ودائع تبلغ أكثر من 900 مليار جنيه، ويبحث عن مصادر لتوظيف نحو 48% منها، عليه أن يتجه لتمويل مشروعات إنتاجية مدروسة بشكل صحيح، وأن يقلل من سياسته الحالية المعتمدة علي التجزئة المصرفية. وكذلك الابتعاد عن الائتمان السياسي واسترداد قروض رجال الأعمال الذين حرصوا علي عدم السداد، أو السداد من خلال تدوير القروض، وتهريب أموالهم للخارج.. لافتة الي ان الأمر يتطلب أيضا عملية تمويل حقيقية للمشروعات المتوسطة والصغيرة. أما فيما يخص سوق الأوراق المالية، والتي يبلغ رأسمالها السوقي في آخر أيام التداول قبل إيقافها نحو 445 مليار جنيه مصري، فتشير الي ان هناك مجموعة من الإجراءات والسياسات التي تعمل علي تحويل البورصة المصرية إلي بورصة للاستثمار وليس للمضاربة، فيكبر فيها سوق الإصدار ويتضاءل سوق التداول، ويتم التوجه نحو الشفافية في التعاملات لجميع المتعاملين علي حد سواء، وأن تلغي بعض التعاملات مثل البيع في نفس الساعة أو اليوم، وكذلك إلغاء بيوع المشتقات وأن تكون هناك ضرائب تصاعدية علي أرباح المتعاملين بالبورصة، وإن كانت بمعدلات صغيرة. و من جانبه يؤكد د.جودة عبدالخالق، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية علي ضرورة أن تبدأ الحكومة في الضغط من أجل توجيه الاستثمارات إلي القطاعات الصناعية القادرة علي خلق فرص عمل أكثر ، مشيرا الي إنه من الوارد أن يتم تحقيق نمو في معدلات الصناعة، لكن هذا قد لا تنتج عنه زيادة في التشغيل وهو ما يجب الانتباه إليه و يشير الي إن إن القطاع الخاص لا ينظر إلا لتحقيق أرباح عالية دون النظر لمعدلات التشغيل، ووفقا لهذا فإنه من الضروري البحث عن عناصر جذب تغير من دافعية القطاع الخاص نحو الربح فقط، وتجعل له مصلحة في توسيع سوق العمل وعن دور شركات التأمين، يقول د. سامي نجيب أستاذ ورئيس قسم التأمين بكلية التجارة جامعة القاهرة: إن رصيد شركات التأمين الاستثماري ينبغي أن يوجه الجزء الأكبر منه إلي استثمارات مباشرة، وليس إلي البورصة، بما يساعد علي خلق فرص عمل جديدة.. منوهًا أن يتم هذا في ضوء التزامات تلك الشركات تجاه عملائها، وأن تعمل من خلال خطط تسويقية مدروسة لتسود ثقافة التأمين لدي المصريين. ويضيف بأن هناك أيضا ثمة مشكلات كبيرة في تخصيص موارد الموازنة العامة للدولة؛ وينبغي أن يعاد فيها النظر ليكون التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، مجالات ذات أهمية خاصة، وأن يعاد النظر في المخصصات وأن تقتصر علي ما يعود بالنفع علي المواطن والوطن.