في حقبة الستينيات من القرن الماضي، كانت مصر من أكبر منتجي القطن طويل التيلة في العالم، حيث كانت حصة مصر من السوق العالمية تتجاوز ال70%، ومع مرور السنوات قلّت تلك النسبة، حتى وصلت في حقبة الثمانينيات إلى 30% من حجم الإنتاج على مستوى العالم، واليوم يسعى القطن المصري لاستعادة مكانته العالمية مرة أخرى، حيث تم استصدار عدة قرارات مصيرية للنهوض بمنظومة القطن وصناعاته، والتى يعمل بها أكثر من عشرة ملايين عامل بمصانع الغزل والنسيج. وقد جاء على رأس تلك القرارات شراء القطن من الفلاحين بأعلى سعر فى السوق العالمي، إلى جانب إعادة تسويق القطن المصري مرة أخرى لدول العالم، وإنشاء 134 مركزًا على مستوى الجمهورية لجمع الأقطان وتطوير المحالج، وإعادة هيكلة مصانع الغزل والنسيج إلى جانب إنشاء أكبر مصنع للنسيج فى العالم. "صوت البلد" تفتح ملف القطن المصري وخطة الحكومة لتطوير منظومة إنتاجه. بعد سنوات من المعاناة جاءت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، لتضع القطن على المسار الصحيح، ليستعيد عرشه بين الدول الكبرى، من خلال منظومة متكاملة تشمل المحاور الزراعية والصناعية والتجارية، لتحقيق أكبر استفادة للفلاح المصري والاقتصاد القومي، لذلك كانت توجيهات القيادة السياسية بزيادة المساحات المنزرعة من محصول القطن، للوصول إلى مليون فدان سنويًا مع الالتزام بالحفاظ على جودة الأنواع المنزرعة، فضلاً عن رسم مخطط شامل لتطوير المحالج والمغازل، إلى جانب حظر نقل القطن المصري من محافظة إلى أخرى لحماية نقاوة البذور. التوجيهات الرئاسية دعت جميع الوزارات إلى الاهتمام بالقطن كلاً حسب تخصصه، وكانت المهمة الأكبر على عاتق وزارتي التجارة والصناعة، والزراعة واستصلاح الأراضي، ليخرج قرار وزاري مشترك بشأن نظام تداول القطن الزهر لموسم 2020/2021، ونص القرار على أن يكون تداول القطن الزهر؛ وفقًا للضوابط والاشتراطات التى تقررها لجنة تنظيم تجارة القطن فى الداخل، على أن تقدم اللجنة تقريرًا للوزارتين؛ بشأن حركة التداول على أن يكون تداول الأقطان في محافظات: الفيوم، وبني سويف، والبحيرة والشرقية، وفقًا للنظام الذى حدده القرار. ولقد أثبت الصنف الجديد للقطن "جيزة 97" الذى حقق أعلى إنتاجية فى تاريخ القطن المصرى حتى الآن؛ نجاح المؤشرات الأولية لخطة الحكومة للارتقاء بجودة محصول القطن، وذلك بعد نجاح زراعة هذا الصنف الموسم الماضي فى مساحة 100 فدانًا، وقد جرى تسجيله فى مارس الماضي، وحقق متوسط إنتاجية تراوح بين 10 و12 قنطار زهر للفدان بعد تطبيق التوصيات الفنية التى حددها مركز بحوث القطن. حل أزمة التسويق قال د. محمد عبد المجيد، رئيس مجلس القطن المصري: القرار الوزاري المشترك قد نص على تشكيل لجنة تنفيذية منبثقة من اللجنة الوزارية المشتركة للقطن، لمتابعة نظام تداول القطن فى محافظاتالفيوم، وبنى سويف، والبحيرة، والشرقية، برئاسة وزير قطاع الأعمال العام، على أن تختص تلك اللجنة بوضع الأسس والإطار الاستراتيجى لتنفيذ نظام تداول الأقطان لمحصول 2020/2021، ومتابعة تنفيذه فى المحافظات ومراكز التجميع المختارة واعتماد الهيكل التنظيمي والموازنة التقديرية للمشروع وآليات التنفيذ ووضع أسس تحديد أسعار فتح المزادات بمراكز التجميع وتحديد قيمة التأمين لدخول شركات التجارة المسجلة المزادات ووضع الشروط والقوانين المالية المنظمة لعملها. وأضاف رئيس مجلس القطن المصري: إنه وفقًا للنظام الجديد يتم تداول القطن على مراكز معينة ومحددة، مع منع تداول القطن خارج هذه المراكز، وفقًا للأصناف والمساحات المنزرعة، وتمكين المزارع من الحصول على أعلى سعر من خلال عرض الأقطان التى ترد إلى مركز التجميع فى مزادات على الأقطان العالمية، وذلك إلى جانب إشراف الهيئة العامة لتحكيم واختبارات القطن على الأقطان سواء التى ترد إلى مراكز التجميع أو عند دخولها المحالج، وكذلك فى المخازن الخاصة؛ دون السماح بإنشاء أى حلقات وصل، أو مراكز تجميع خارج مراكز التجميع المخصصة لهذا الشأن فى محافظاتالفيوم، وبني سويف، والبحيرة، والشرقية، كما نص النظام الجديد على ربط مراكز التجميع إلكترونيًا لتحقيق الشفافية الكاملة، والوقوف على كل أسعار التداول وأن يتم حلج أقطان إنتاج هذه المحافظات فى محالج محددة وفقًا لما تقرره اللجنة المشكلة بالقرار المرفق به هذا النظام. مطالب بإنصاف الفلاحين وعلى الجانب الآخر، قال حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن منظومة القطن الجديدة جيدة، ولكنها تعتمد على منظومة تسعير القطن الأمريكي قصير التيلة، وهو نوع القطن الذي يحمل أسعارًا متدنية، حيث أن أسعاره لا تتناسب مع أسعار القطن المصري طويل التيلة، لافتًا إلى أن ذلك من أسباب عزوف بعض الفلاحين عن التعامل بالمنظومة الجديدة، بسبب الخسائر المادية التي لحقت بهم، مشيرًا إلى أن الفلاحين يتطلعون إلى أسعار مرتفعة؛ تحقق لهم أفضل نسبة ربحية من وراء زراعة محصول القطن. ولفت نقيب الفلاحين إلى أنه رغم أن منظومة المزايدة الجديدة بها مميزات للحصول على قطن ذي جودة مرتفعة، إلا أن الأسعار البيعية لا تناسب التكلفة الحقيقية للزراعة، مشيرًا إلى أوجه الاختلاف في طرق الزراعة بين مصر والولايات المتحدةالأمريكية، فمعظم أنواع الزراعات لمحصول القطن الأمريكي؛ تعتمد في الأساس على نظام الري بالمطر، أما محاصيل القطن في مصر فتعتمد على الزراعة المروية التي تعد أكثر تكلفة على الفلاحين. ويذكر أن لجنة تنظيم تجارة القطن بالداخل، التابعة لوزارة التجارة والصناعة، كانت قد أوصت ب3 مطالب مهمة لنجاح تسويق محصول القطن لعام 2020 والمقدر مساحته بقرابة 175 ألف فدانًا بنحو 2.1 مليون قنطارًا، تمثلت فى ضرورة إعلان الحكومة لسياسة تسويقية واضحة للقطن ولمراحل إنتاجه من قِبَل لجنة محايدة، وألا يقل سعر شراء القطن من المزارعين عن 2500 جنيه للقنطار، بالإضافة إلى خفض الفائدة التمويلية لشركات تجارة القطن باعتبار محصول القطن محصولاً للتصنيع، والمطلب الثالث هو توصية مراكز البحوث بالوصول إلى وسائل أو ماكينات تخفض تكلفة جني القطن التي تتجاوز 40% من ثمنه. معاناة صناعة الغزل والنسيج وقال د. علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن إنخفاض معدل إنتاج محصول القطن في نهاية القرن الماضي بعد عزوف بعض الفلاحين عن زراعته بسبب الخسائر المادية؛ قد ترتب عليه مشكلات في صناعة الغزل والنسيج، وذلك إلى جانب المشكلات الأساسية التي كانت تعاني منها المصانع، لنجد حالة من التعثر تواجه تلك الصناعة، ومن أهم العوامل التى ساعدت على تعثر تلك الصناعة بخلاف حجم إنتاجية القطن، هو عدم وجود قدرة مالية لدى المصانع والشركات التابعة للقطاعين العام والخاص، واختلال الهياكل التمويلية، ما أدى إلى لجوئها للاقتراض من البنوك لتمويل عمليات الإحلال والتجديد بفائدة وصلت لأكثر من 20%، الأمر الذى أدى إلى انهيار عددًا كبيرًا من الشركات، بالإضافة إلى تهالك الآلات والمعدات وعدم تطويرها أو تجديدها، فضلاً عن غياب الإدارة العلمية الحديثة، التى تطبق مبدأ الثواب والعقاب كحافز لتحسين كفاءة الإنتاج، وتضخم حجم العمالة داخلها، فإن كل هذه الأسباب قد أدت إلى رفع سعر التكلفة، وضربت الصناعة الوطنية فى مقتل، وترتب على ذلك تراكم الأعباء والمديونيات على الشركات، بخلاف مشكلة تهريب المنسوجات، التى كانت سببًا في تكبد العديد من الشركات المصرية خسائر فادحة انتهت بالتوقف عن العمل. وأوضح "الإدريسي" أن هناك عدة محاور رئيسية لإصلاح صناعة الغزل والنسيج، منها التوسع فى زراعة القطن متوسط وقصير التيلة، لما يمثلانه من نسبة 98% من استهلاك المصانع، وهو ما يتطلب استمرار الدعم من قِبَل الدولة لمساندة المزارعين، ويأتي ذلك إلى جانب تنفيذ خطة التطوير وإعادة هيكلة الماكينات والآلات لإنقاذ الشركات من التعثر، بما يحقق وجودة كفاءة فنية عالية، وهناك أيضًا خطوة مهمة وهي إعادة هيكلة العمالة الفنية وتدريبها لعودة الروح إلى قطاع الغزل والنسيج، كما أنه لابد من رفع الرسوم الجمركية على الواردات من الغزول والأقمشة والمنسوجات، فضلاً عن سن القوانين الصارمة لمنع التهريب لحماية الصناعة المحلية، وذلك إلى جانب عدم السماح باستيراد أي بضاعة شبيهة للمنتج المحلي. تطوير المصانع والمحالج ومن جانبه، قال هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، إن الدولة ستعود بقوة إلى سوق القطن العالمي؛ لاستعادة مكانة القطن المصري المتميزة عالميًا، حيث يجرى تنفيذ مشروع تحديث ضخم لشركات الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز التابعة للوزارة، سواء فى الأعمال الإنشائية أو تحديث الماكينات والمعدات، التى يجرى توريدها من كبرى الشركات العالمية فى سويسرا وألمانيا وإيطاليا، مشيرًا إلى أن مشروع التطوير يتضمن دمج شركات القطن والغزل والنسيج التابعة للوزارة وعددها 32 شركة لتصبح 10 شركات فقط، مع ميكنة نظم العمل ضمن مشروع التحول الرقمي، بالإضافة إلى التسويق المركزي لمنتجات الشركات، من خلال الشركة القابضة بالتعاون مع مجموعة من الوكلاء الدوليين، بهدف الوصول إلى الأسواق العالمية، خاصة فى أوروبا وشمال أمريكا وشرق آسيا، لتسويق القطن المصري طويل التيلة ومنتجاته ذات الجودة العالية. وأشار وزير قطاع الأعمال إلى أن فكرة إنشاء تجمعات صناعية للشركات الصغيرة تستهدف تشغيل خطوط إنتاج للملابس الجاهزة على بعض الأصول والعنابر غير المستغلة، وذلك بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة، مما يساهم فى خلق الآلاف من فرص العمل وزيادة الصادرات المصرية من الملابس الجاهزة. موضحًا أنه يتم حاليًا تطوير التكنولوجيا المستخدمة فى حلج الأقطان، حيث تم الانتهاء من أول محلج مطور فى محافظة الفيوم، وتركيب 3 محالج أخرى نهاية 2020، إضافة إلى تشغيل 3 محالج العام الحالي، ليصبح الإجمالى 7 محالج مطورة بطاقة إنتاجية تفوق الطاقة الحالية بنحو 3 أضعاف، وبما يكفى لحلج كل الإنتاج من القطن المصري بأحدث تكنولوجيا؛ تسهم فى رفع جودة وسعر القطن المصري وزيادة صادراته. ولفت "توفيق" إلى أنه قد تم التعاقد على توريد أحدث الماكينات لمصانع الغزل والنسيج لتوفير مادة خام عالية الجودة لمصانع الملابس الجاهز، مشيرًا إلى أن المحالج الجديدة تضمن إنتاجًا بآلات تُخرج منتج خالي تمامًا من الشوائب، وعليها "باركود" بالمواصفات الخاصة بالقطن المعبأ داخلها ومكان الزراعة والمحلج، بما يُمكن من رفع سعر تصدير القطن المصري. وأوضح وزير قطاع الأعمال العام، أن هناك خطة ممنهجة سيتم من خلالها طرح القطن المصري للتداول ببورصة السلع الجديدة المزمع إطلاقها خلال العام الحالي، وذلك من أجل إعادة إحياء بورصة القطن المصري مرة أخرى، وضمان حقوق الفلاحين والتداول المميكن للقطن، إلى جانب أن منظومة القطن الجديدة؛ ستعتمد على استلام الأقطان من المزارعين مباشرةً فى مراكز التجميع دون وسطاء، معبأة فى أكياس من الجوت، ومحاكة بدوبارة قطنية يتم توفيرها بالمراكز، ويتم إجراء مزادات دورية على كميات الأقطان الواردة، وذلك من خلال إنشاء 134 مركزًا على مستوى الجمهورية لجمع القطن من المزارعين لضمان عدم التلاعب فى الكميات الموردة، وذلك بالتوازي مع تطوير 7 محالج فى 2021. وأكد الوزير أن المنظومة الجديدة ستساعد في الحصول على أفضل سعر فى تصدير القطن، وبيع منتجات مصنوعة من القطن المصري الخالص بنسبة 100%، وستصل المنتجات بتلك المنظومة إلى أعلى المستويات كمنتجات نهائية، حيث ألغت المنظومة الجديدة لتداول وبيع القطن؛ الوساطة بين المزارع ووزارة قطاع الأعمال، وذلك بهدف حصول المزارع على أعلى سعرًا عند بيع محصول القطن.