زلزال سياسي في هولندا| خلاف حول إسرائيل يطيح بالائتلاف الحاكم    تشيلسي يدك شباك وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي    بعد إعلان المجاعة.. الهلال الأحمر الفلسطيني: لم نعد نتوقع شيئا من المجتمع الدولي    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    استخراج القيد العائلي 2025 أون لاين.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة    محمد النمكي: الطرق والغاز جعلت العبور مدينة صناعية جاذبة للاستثمار| فيديو    أهداف إنشاء صندوق دعم العمالة غير المنتظمة بقانون العمل الجديد    عصابات الإتجار بالبشر| كشافون لاستدراج الضحايا واحتجازهم بشقق سكنية    بورسعيد.. أجمل شاطئ وأرخص مصيف| كيف كانت الحياة في المدينة الباسلة عام 1960؟    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    أبطال فيلم "وتر واحد" يشاركون ويجز تألقه على مسرح العلمين    «الشمس هتغيب قبل المغرب».. كسوف الشمس الكلي يظهر في سماء 9 دول بهذا التوقيت    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    «الأستانلس أم التيفال»: هل نوع حلة الطبخ يغير طعم أكلك؟    طريقة عمل الملبن الأحمر في المنزل ل المولد النبوي (خطوة بخطوة)    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    أول تعليق من النني بعد فوز الجزيرة على الشارقة بالدوري الإماراتي    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    رياضة ½ الليل| إيقاف تدريبات الزمالك.. كشف منشطات بالدوري.. تعديلات بالمباريات.. وتألق الفراعنة بالإمارات    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشابك بين الرواية والصحافة
نشر في صوت البلد يوم 29 - 05 - 2019

الخبر برأي الكاتب والصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل وحدة أساسية في عملية التحليل السياسي، لأنَّ ما تسمعهُ في قالب خبري هو ما يؤسس لتحولات نوعية في حياة الشعوب. لكن يبدو من خلال متابعة كواليس الأعمال الروائية أن أصحابها استفادوا من المادة الخبرية أيضاً في طبخة مؤلفاتهم، ومن الواضح أنَّ عدداً من الروائيين قد عمِلوا في مجال الصحافة وتراكمت لديهم الخبرةُ بدقائق هذه الصنعة، ولعلَّ أرنست همنغواي وغابرييل غارسيا ماركيز في طليعة الروائيين الذين كانت درايتهم بالعمل الصحافي رافداً لمشروعهم الروائي فإن المقالات والتقارير والحوارات التي اشتغل عليها غابو حيث ضمها كتاب صدر بنسخته العربية بعنوان ب "بلاقيود" أبانت عن تمكن صاحب "خريف البطريرك" بمهنة المتاعب، كذلك بالنسبة لمؤلف "الشيخ والبحر" فإنَّ رشاقة أسلوبه وانسيابية سرده وترتيب المادة الروائية والقصصية كل ذلك مطبوع بخلفيته الصحافية، وما اكتسبه في هذا المضمار إذ قام أرنست همنغواي بتغطية وقائع الحرب الأهلية في إسبانيا كما كان حاضراً في الجبهة إبان الحرب العالمية الأُولى، أكثر من ذلك فإن ما أضافه همنغواي على صعيد تركيبة الجمل الروائية عرف بالأسلوب التلغرافي. وأصبحت نتاجاته الروائية والقصصية مرجعاً لمن يهمهُ فن سبك العبارات غير المثقلة بالحشو والفخامة المصطنعة.
المشترك
ومن نافلة القول الإشارة إلى أنَّ ما يجمع بين الرواية والخبر الصحافي هو عنصر السرد. زيادة على ذلك فإنَّ المواد الخبرية تحتاج إلى عنصر التشويق والحبكة في الصياغة حتى ولو كانت مبسطةً.
والمقصود بما قُدمَّ آنفاً ليس إثبات فكرة مسبقة بأنَّ من إختار كتابة الرواية لا بُدَّ أن يمرَّ بتجربة الصحافة بقدر ما أن المراد هو التأكيد على وجود تواصل فن الرواية مع مجالات أخرى خارج الأجناس الأدبية.
كثيراً ما ترى روايات مدموغة بعناوين ذات نكهة صحافية مثل "خبر الإختطاف" لماركيز أو "يومَ قُتل الزعيم" لنجيب محفوظ. يذكرُ إلى أن الأخير قد نشر قصصا بوليسية في صحيفة الخبر المصرية. و"مقتل بائع الكُتب" لسعد محمد رحيم على سبيل المثال لا الحصر.
وما يجدرُ بالذكر أنَّ مُصطلح "حكاية" لم يدل على السرد إلا لاحقاً بل كان مُرادفاً للخبر حسبما وردت الإشارة إلى ذلك في "معجم السرديات". عطفاً على ما سبق فإنَّ الصحافة قد تحولت إلى ثيمة أساسية في بعض الروايات كما آثر إمبرتو إيكو هذا المنحى في آخر ماصدر له "العدد الصفر".
المرجعية الخبرية
إلى هنا فإنَّ محورَ الحديث كان عن علاقة الرواية والصحافة على المستوى الشكلي، فماذا بشأنَّ مؤثرات المحتويات الخبرية على مضامين العمل الروائي. هل تُفيد المَعلومات الواردة على صفحات الأخبار أو ما يتداولُ على منصات التواصل الإجتماعي وشاشات التلفزة الكاتب الروائي؟
بما أن الرواية محاكاة للحياة وأن الخبر رصد لما يحدثُ في الواقع لذلك فمن الطبيعي التشابكُ بين المادة الخبرية والثيمات الروائية. إذ أن ما أدلى به الروائيون حول تجربتهم في الكتابة السردية. يظهر أنَّ الخبر هو ركيزة أساسية في بعض أعمالهم ناهيك عن تبني نفر من الكتاب لخط التقرير الصحفي في تحبيك منجزه الروائي وهذا ما يتمثلُ بالوضوح في رواية "دورا بروديه" للروائي الفرنسي باتريك موديانو يردُ في مفتتحِ العمل الخبرُ المنشور في صحيفة "باريس سوار" بتاريخ نهاية ديسمبر 1941عن شابةٍ مفقودة تُدعى دورا بروديه مع إيراد تفاصيل عن ملامحها وبنيتها الجسمانية. ومن ثُمَّ يتكفلُ الراوي بالتقصي عن تفاصيل هذه الشخصية مُعتمداً على الأسلوب التوثيقي والنبش في السجلات إلى أنْ يكتشف بأنَّ دورا بروديه من اليهود المهاجرين إلى فرنسا حيث ولدت بمستشفى روتشيلد.
ومن الملاحظ أنَّ المؤلف يتدخلُ مباشرة في بعض المقاطع ويتناولُ موديانو ما يجبُ أن يتمتعَ به الروائي من القدرة على تسلسل الأفكار وترويض الذاكرة ما يمكنهُ من حدس إستنباط الأحداث الماضية والمُستقبلية. مشيراً إلى أنَّ الخبر الذي تنطلقُ من الرواية قرأه سنة 1988 وتأخر في الشروع بكتابة العمل بإيحائه لمدة ثماني سنوات. فضلاً عن القصة الأساسية تتضمنُ رواية دورا بروديه أحداثاً متواقتة لهزيمة النازية في فرنسا كمقتل الروائي الألماني فريد لامب مؤلف "على مشارف الليل" ناهيك عن إختفاء الأشخاص الكثيرين في السنة التي ولد فيها موديانو أيضا.
كما يلمح صاحب "شارع الحوانيت المُعَتمة" إلى هروبه بعد 15عاماً على إستعادة فرنسا لحريتها في تضاعيف مُؤَلفه. بالإختصار ما ينبغى قوله عن هذا العمل هو هيمنة تقنية الكتابة الخبرية والتقريرية على خيطه السردي. أضف إلى كل ما سلف ذكره أنَّ ما حدا بالروائي المؤسس غوستاف فلوبير لكتابة رائعته "مدام بوفاري" هو الخبر المنشور عن إنتحار السيدة ديلمار في سنة 1848 بعدما انفض عنها العشاق والمعجبون وحاصرتها المشاكلُ. وكان جوهر المشكلة في تحويل هذا الخبر إلى العمل الروائي بالنسبة لفلوبير هو معارضة إمه وخوفها على مقاضاة ابنها كما يشيرُ إلى ذلك الكاتب العراقي علي حسين في "في صحبة الكُتب". أخيراً يجدُ فلوبير الحل في إستبدال إسم ديلمار بمدام بوفاري.
بدوره رأي نجيب محفوظ في قصة اللص الذي أشاع الخوف بين سكان القاهرة وإنشغلت به الصحف مادةً مُفعمة بالدراما فبالتالي وظفها لكتابة رواية "اللص والكلاب" التي تُعدُ بداية لمرحلة جديدة في مسيرة صاحبها. والأمر لا يختلف لدى الكاتبة الفرنسية من أصول مغربية ليلى سليماني، فقد استلهمت فكرة روايتها المعنونة ب "أغنية هادئة" التي حازت على جائزة الغونكور الفرنسية مما قرأته في مجلة (Paris Match) حول جريمة رهيبة وقعت في مانهاتن بنيويورك إذ أقدمت مربية على قتل طفلين. ومن المعلوم أن رواية سليماني تتكيءُ على قصةٍ مماثلة لما ورد في السياق الخبري. فإن الشخصية الرئيسة لويز تفجرُ الحدث بقتل ميلا وآدم. وذلك كان أمراً صادماً لأنَّ ما لمسه والدا الطفلين في شخصية المربية ظاهريا هو الحب والحنان.
والأهم في هذا الإطار أن الدارسين في مجال الأدب توصلوا نتيجة بحثهم وتعقيبهم أنَّ رواية "لوليتا" المثيرة لكاتبها نابوكوف ليست وليدة الخيال إنَّما المؤلفُ كان يتابعُ أخبار الجرائم والإعتداء الجنسي بالإهتمام في الصُحفِ إلى أنْ صادف حادثة الفتاة سالي هورنر التي إعتقلها رجلُ أربعيني متلبسةً بسرقة دفترٍ، وأوهمها بأنَّه من مكتب التحقيقات الفدرالية ليجبرها على البقاء معه لعامين كاملين عشيقةً، ويعترفُ نابوكوف بأنَّ لوليتا ماهي إلا الإعترافات التي كتبها هامبرت في سجنه.
واستوحت الروائية الفرنسية لورانس تارديو موضوع روايتها "في النهاية الصمت" مما ساد في باريس من أجواء مشحونة بالخوف والتوتر بعد الهجوم على مقر إحدى الصحف الباريسية وتتخذُ تركيبة عملها شكلاً تقريرياً وخبرياً.
الحس الصحافي
ومن جانبها تكشفُ الروائية المصرية رشا عدلي بأنَّ خبر قتل القناص الأميركي كريس كايل في 2013 قادها لقراءة سيرة الجندي الأميركي واستوحت أحداث روايتها الموسومة ب "شواطيء الرحيل" مما تجمعها عن حياة كريس.
كما أنَّ سقوط مدينة الموصل في 2014 بيد عناصر تنظيم داعش يدفع الكاتب العراقي خضير فليح زيدي لكتابة روايته "فاليوم عشرة"، ولا تكتفي الروائية السورية مها حسن بتضفير الخبر في متن رواية "عمتِ صباحا أيتها الحرب" بل تحيل القاريء إلى روابط الفيديوهات والمواقع الخبرية، ما يعني تفاعل نصها الروائي مع الحدث الراهن. قصاري القول فيما يتعلق بعلاقة الرواية بالخبر أنَّ الروائي يجبُ أن يكون لديه حس صحافي وينتبه إلى ما يضخُ في المنابر ويعرضُ في الجرائد والصحف.
الخبر برأي الكاتب والصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل وحدة أساسية في عملية التحليل السياسي، لأنَّ ما تسمعهُ في قالب خبري هو ما يؤسس لتحولات نوعية في حياة الشعوب. لكن يبدو من خلال متابعة كواليس الأعمال الروائية أن أصحابها استفادوا من المادة الخبرية أيضاً في طبخة مؤلفاتهم، ومن الواضح أنَّ عدداً من الروائيين قد عمِلوا في مجال الصحافة وتراكمت لديهم الخبرةُ بدقائق هذه الصنعة، ولعلَّ أرنست همنغواي وغابرييل غارسيا ماركيز في طليعة الروائيين الذين كانت درايتهم بالعمل الصحافي رافداً لمشروعهم الروائي فإن المقالات والتقارير والحوارات التي اشتغل عليها غابو حيث ضمها كتاب صدر بنسخته العربية بعنوان ب "بلاقيود" أبانت عن تمكن صاحب "خريف البطريرك" بمهنة المتاعب، كذلك بالنسبة لمؤلف "الشيخ والبحر" فإنَّ رشاقة أسلوبه وانسيابية سرده وترتيب المادة الروائية والقصصية كل ذلك مطبوع بخلفيته الصحافية، وما اكتسبه في هذا المضمار إذ قام أرنست همنغواي بتغطية وقائع الحرب الأهلية في إسبانيا كما كان حاضراً في الجبهة إبان الحرب العالمية الأُولى، أكثر من ذلك فإن ما أضافه همنغواي على صعيد تركيبة الجمل الروائية عرف بالأسلوب التلغرافي. وأصبحت نتاجاته الروائية والقصصية مرجعاً لمن يهمهُ فن سبك العبارات غير المثقلة بالحشو والفخامة المصطنعة.
المشترك
ومن نافلة القول الإشارة إلى أنَّ ما يجمع بين الرواية والخبر الصحافي هو عنصر السرد. زيادة على ذلك فإنَّ المواد الخبرية تحتاج إلى عنصر التشويق والحبكة في الصياغة حتى ولو كانت مبسطةً.
والمقصود بما قُدمَّ آنفاً ليس إثبات فكرة مسبقة بأنَّ من إختار كتابة الرواية لا بُدَّ أن يمرَّ بتجربة الصحافة بقدر ما أن المراد هو التأكيد على وجود تواصل فن الرواية مع مجالات أخرى خارج الأجناس الأدبية.
كثيراً ما ترى روايات مدموغة بعناوين ذات نكهة صحافية مثل "خبر الإختطاف" لماركيز أو "يومَ قُتل الزعيم" لنجيب محفوظ. يذكرُ إلى أن الأخير قد نشر قصصا بوليسية في صحيفة الخبر المصرية. و"مقتل بائع الكُتب" لسعد محمد رحيم على سبيل المثال لا الحصر.
وما يجدرُ بالذكر أنَّ مُصطلح "حكاية" لم يدل على السرد إلا لاحقاً بل كان مُرادفاً للخبر حسبما وردت الإشارة إلى ذلك في "معجم السرديات". عطفاً على ما سبق فإنَّ الصحافة قد تحولت إلى ثيمة أساسية في بعض الروايات كما آثر إمبرتو إيكو هذا المنحى في آخر ماصدر له "العدد الصفر".
المرجعية الخبرية
إلى هنا فإنَّ محورَ الحديث كان عن علاقة الرواية والصحافة على المستوى الشكلي، فماذا بشأنَّ مؤثرات المحتويات الخبرية على مضامين العمل الروائي. هل تُفيد المَعلومات الواردة على صفحات الأخبار أو ما يتداولُ على منصات التواصل الإجتماعي وشاشات التلفزة الكاتب الروائي؟
بما أن الرواية محاكاة للحياة وأن الخبر رصد لما يحدثُ في الواقع لذلك فمن الطبيعي التشابكُ بين المادة الخبرية والثيمات الروائية. إذ أن ما أدلى به الروائيون حول تجربتهم في الكتابة السردية. يظهر أنَّ الخبر هو ركيزة أساسية في بعض أعمالهم ناهيك عن تبني نفر من الكتاب لخط التقرير الصحفي في تحبيك منجزه الروائي وهذا ما يتمثلُ بالوضوح في رواية "دورا بروديه" للروائي الفرنسي باتريك موديانو يردُ في مفتتحِ العمل الخبرُ المنشور في صحيفة "باريس سوار" بتاريخ نهاية ديسمبر 1941عن شابةٍ مفقودة تُدعى دورا بروديه مع إيراد تفاصيل عن ملامحها وبنيتها الجسمانية. ومن ثُمَّ يتكفلُ الراوي بالتقصي عن تفاصيل هذه الشخصية مُعتمداً على الأسلوب التوثيقي والنبش في السجلات إلى أنْ يكتشف بأنَّ دورا بروديه من اليهود المهاجرين إلى فرنسا حيث ولدت بمستشفى روتشيلد.
ومن الملاحظ أنَّ المؤلف يتدخلُ مباشرة في بعض المقاطع ويتناولُ موديانو ما يجبُ أن يتمتعَ به الروائي من القدرة على تسلسل الأفكار وترويض الذاكرة ما يمكنهُ من حدس إستنباط الأحداث الماضية والمُستقبلية. مشيراً إلى أنَّ الخبر الذي تنطلقُ من الرواية قرأه سنة 1988 وتأخر في الشروع بكتابة العمل بإيحائه لمدة ثماني سنوات. فضلاً عن القصة الأساسية تتضمنُ رواية دورا بروديه أحداثاً متواقتة لهزيمة النازية في فرنسا كمقتل الروائي الألماني فريد لامب مؤلف "على مشارف الليل" ناهيك عن إختفاء الأشخاص الكثيرين في السنة التي ولد فيها موديانو أيضا.
كما يلمح صاحب "شارع الحوانيت المُعَتمة" إلى هروبه بعد 15عاماً على إستعادة فرنسا لحريتها في تضاعيف مُؤَلفه. بالإختصار ما ينبغى قوله عن هذا العمل هو هيمنة تقنية الكتابة الخبرية والتقريرية على خيطه السردي. أضف إلى كل ما سلف ذكره أنَّ ما حدا بالروائي المؤسس غوستاف فلوبير لكتابة رائعته "مدام بوفاري" هو الخبر المنشور عن إنتحار السيدة ديلمار في سنة 1848 بعدما انفض عنها العشاق والمعجبون وحاصرتها المشاكلُ. وكان جوهر المشكلة في تحويل هذا الخبر إلى العمل الروائي بالنسبة لفلوبير هو معارضة إمه وخوفها على مقاضاة ابنها كما يشيرُ إلى ذلك الكاتب العراقي علي حسين في "في صحبة الكُتب". أخيراً يجدُ فلوبير الحل في إستبدال إسم ديلمار بمدام بوفاري.
بدوره رأي نجيب محفوظ في قصة اللص الذي أشاع الخوف بين سكان القاهرة وإنشغلت به الصحف مادةً مُفعمة بالدراما فبالتالي وظفها لكتابة رواية "اللص والكلاب" التي تُعدُ بداية لمرحلة جديدة في مسيرة صاحبها. والأمر لا يختلف لدى الكاتبة الفرنسية من أصول مغربية ليلى سليماني، فقد استلهمت فكرة روايتها المعنونة ب "أغنية هادئة" التي حازت على جائزة الغونكور الفرنسية مما قرأته في مجلة (Paris Match) حول جريمة رهيبة وقعت في مانهاتن بنيويورك إذ أقدمت مربية على قتل طفلين. ومن المعلوم أن رواية سليماني تتكيءُ على قصةٍ مماثلة لما ورد في السياق الخبري. فإن الشخصية الرئيسة لويز تفجرُ الحدث بقتل ميلا وآدم. وذلك كان أمراً صادماً لأنَّ ما لمسه والدا الطفلين في شخصية المربية ظاهريا هو الحب والحنان.
والأهم في هذا الإطار أن الدارسين في مجال الأدب توصلوا نتيجة بحثهم وتعقيبهم أنَّ رواية "لوليتا" المثيرة لكاتبها نابوكوف ليست وليدة الخيال إنَّما المؤلفُ كان يتابعُ أخبار الجرائم والإعتداء الجنسي بالإهتمام في الصُحفِ إلى أنْ صادف حادثة الفتاة سالي هورنر التي إعتقلها رجلُ أربعيني متلبسةً بسرقة دفترٍ، وأوهمها بأنَّه من مكتب التحقيقات الفدرالية ليجبرها على البقاء معه لعامين كاملين عشيقةً، ويعترفُ نابوكوف بأنَّ لوليتا ماهي إلا الإعترافات التي كتبها هامبرت في سجنه.
واستوحت الروائية الفرنسية لورانس تارديو موضوع روايتها "في النهاية الصمت" مما ساد في باريس من أجواء مشحونة بالخوف والتوتر بعد الهجوم على مقر إحدى الصحف الباريسية وتتخذُ تركيبة عملها شكلاً تقريرياً وخبرياً.
الحس الصحافي
ومن جانبها تكشفُ الروائية المصرية رشا عدلي بأنَّ خبر قتل القناص الأميركي كريس كايل في 2013 قادها لقراءة سيرة الجندي الأميركي واستوحت أحداث روايتها الموسومة ب "شواطيء الرحيل" مما تجمعها عن حياة كريس.
كما أنَّ سقوط مدينة الموصل في 2014 بيد عناصر تنظيم داعش يدفع الكاتب العراقي خضير فليح زيدي لكتابة روايته "فاليوم عشرة"، ولا تكتفي الروائية السورية مها حسن بتضفير الخبر في متن رواية "عمتِ صباحا أيتها الحرب" بل تحيل القاريء إلى روابط الفيديوهات والمواقع الخبرية، ما يعني تفاعل نصها الروائي مع الحدث الراهن. قصاري القول فيما يتعلق بعلاقة الرواية بالخبر أنَّ الروائي يجبُ أن يكون لديه حس صحافي وينتبه إلى ما يضخُ في المنابر ويعرضُ في الجرائد والصحف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.