اليوم.. "الصحفيين" تستضيف نواب لمناقشة تعديل المادة 12 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام    الشيوخ يناقش ملفات البيئة والضريبة العقارية والتأمين الصحي غدا    محافظ كفرالشيخ يعلن رفع درجة الاستعداد بأجهزة المحافظة لمواجهة التغيرات المناخية    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 31 مايو 2025    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 31 مايو 2025    أسعار الخضار والفواكه اليوم السبت 31 مايو 2025 فى المنوفية    البعثة المصرية للحج السياحي تقدّم خدمات طبية للحجاج في منفذ حالة عمار قبل دخول الأراضي المقدسة    قانون الأيجار القديم| صراع المستأجرين والملاك.. على السوشيال ميديا    أزمة على الطريق.. كفاءة بطاريات السيارات الكهربائية تثير الجدل بين المستهلكين    أحدث التطورات الميدانية في اليوم 75 من استئناف حرب غزة    شهيدان وعشرات الجرحى برصاص الاحتلال غرب رفح الفلسطينية    الأمم المتحدة: الحاجة للمساعدات الإنسانية بقطاع غزة وصلت مستويات غير مسبوقة    استشهاد لبناني في اعتداء إسرائيلي على بلدة "دير الزهراني" جنوب البلاد    بعد معلول.. لاعب جديد يقترب من مغادرة الأهلي (خاص)    موقف منسي.. تشكيل الزمالك المتوقع أمام فاركو في الدوري المصري    رابطة الأندية تُعلن نظام الدوري الجديد وموعد نهايته    «الخطيب هيرقصك».. تعليق مثير من عضو مجلس الأهلي بشأن ملف الصفقات    نهائي دوري أبطال أوروبا، موعد مباراة باريس سان جيرمان والإنتر والقناة الناقلة    بعد تأجيلها ساعة بسبب سوء الطقس.. انتظام امتحانات الشهادة الإعدادية في محافظة البحيرة    انتشال جثمان طالب من ترعة الإبراهيمية بالمنيا بعد 3 أيام من غرقه    رئيس بعثة الحج: تعاون وتنسيق تام مع كافة الجهات المنظمة من أجل خدمة الحجاج    رئيس "أزهر الأقصر" يتفقد معهد الفتيات لمتابعة امتحانات الثانوية الأزهرية    تعويض الطلاب عن تأخر توزيع أوراق امتحان اللغة العربية بعدد من لجان كفر الشيخ    إلهام شاهين تظهر بشخصيتها الحقيقية ضمن أحداث فيلم "ريستارت"    الاحتلال يدمر منازل 14 عائلة فى جباليا شمال قطاع غزة    كريم عبدالعزيز يحقق إيرادات ضخمة من المشروع X أمس    مستشفى قنا عن ولادة مريضة الإيدز: العملية تمت باحترافية وبعيدا عن المرضى    رئيس «الرعاية الصحية» يلتقي رئيس الاتحاد العربي لإدارة الطوارئ والأزمات لبحث سبل التعاون    وزير الصحة يتوجه لمحافظتي البحيرة ومطروح لتفقد عددا من المنشآت الصحية    رغم تعديل الطرق الصوفية لموعده...انطلاق الاحتفالات الشعبية بمولد «الشاذلي» والليلة الختامية يوم «عرفة»    أخصائية نفسية: طلاب الثانوية العامة قد يلجأون للانتحار بسبب الضغط النفسي    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2025 بالشرقية وخطوات الاستعلام برقم الجلوس (الموعد و الرابط)    بسبب الطقس السيء.. سقوط لوحات إعلانية وتضرر المطاعم وغرق شوارع الإسكندرية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة مدربة أسود سيرك طنطا في واقعة النمر    نيبينزيا: روسيا لن تمنح أوكرانيا فرصة إعادة التسلح تحت غطاء وقف إطلاق نار مؤقت    النيابة تستعجل تحريات واقعة مقتل شاب في الإسكندرية    جدل بين أولياء الأمور حول «البوكليت التعليمى»    ترامب يعلن عزمه مضاعفة تعرفة واردات الصلب إلى 50%    وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نمنح الحصانة لأحد وسنرد على أي تهديد    «تنسيق الجامعات 2025»: 12 جامعة أهلية جديدة تنتظر قبول الدفعة الأولى    أحمد حلمي ومنى زكي وعمرو يوسف وكندة علوش في زفاف أمينة خليل.. صور جديدة    «متقوليش هاردلك».. عمرو أديب يوجه رسائل خاصة ل أحمد شوبير    حلم أشرف يودّع جمهوره بالحلقة 11.. قصة حب وأسرار تُفجر التريند التركي    أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. ردده الآن للزوج والأبناء وللمتوفي ولزيادة الرزق    «سأصنع التاريخ في باريس».. تصريحات مثيرة من إنريكي قبل نهائي دوري الأبطال    ثروت سويلم: رابطة الأندية أخطأت في موعد مباراة الأهلي والزمالك    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    رئيس «النحّالين العرب»: قطاع تربية النحل يتعرض لهجمات «شرسة» سنويًا لتشويه المنتج المحلى    لا تتركها برا الثلاجة.. استشاري تغذية يحذر من مخاطر إعادة تجميد اللحوم    موعد أذان فجر السبت 4 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    «قنا» تتجاوز المستهدف من توريد القمح عن الموسم السابق ب 227990 طنًا    تغييرات مفاجئة تعكر صفو توازنك.. حظ برج الدلو اليوم 31 مايو    لا تضيع فضلها.. أهم 7 أعمال خلال العشرة الأوائل من ذي الحجة    الجماع بين الزوجين في العشر الأوائل من ذي الحجة .. هل يجوز؟ الإفتاء تحسم الجدل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب: سنعلن تفاصيل اتفاق غزة اليوم أو غدا.. إحباط هجوم إرهابى فى روسيا.. وصول مليون و330 ألف حاج للسعودية.. سقوط قتلى فى فيضانات تضرب نيجيريا    وزير التعليم يبحث مع «جوجل» تعزيز دمج التكنولوجيا في تطوير المنظومة التعليمية    الأعلى للجامعات: فتح باب القبول بالدراسات العليا لضباط القوات المسلحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشابك بين الرواية والصحافة
نشر في صوت البلد يوم 29 - 05 - 2019

الخبر برأي الكاتب والصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل وحدة أساسية في عملية التحليل السياسي، لأنَّ ما تسمعهُ في قالب خبري هو ما يؤسس لتحولات نوعية في حياة الشعوب. لكن يبدو من خلال متابعة كواليس الأعمال الروائية أن أصحابها استفادوا من المادة الخبرية أيضاً في طبخة مؤلفاتهم، ومن الواضح أنَّ عدداً من الروائيين قد عمِلوا في مجال الصحافة وتراكمت لديهم الخبرةُ بدقائق هذه الصنعة، ولعلَّ أرنست همنغواي وغابرييل غارسيا ماركيز في طليعة الروائيين الذين كانت درايتهم بالعمل الصحافي رافداً لمشروعهم الروائي فإن المقالات والتقارير والحوارات التي اشتغل عليها غابو حيث ضمها كتاب صدر بنسخته العربية بعنوان ب "بلاقيود" أبانت عن تمكن صاحب "خريف البطريرك" بمهنة المتاعب، كذلك بالنسبة لمؤلف "الشيخ والبحر" فإنَّ رشاقة أسلوبه وانسيابية سرده وترتيب المادة الروائية والقصصية كل ذلك مطبوع بخلفيته الصحافية، وما اكتسبه في هذا المضمار إذ قام أرنست همنغواي بتغطية وقائع الحرب الأهلية في إسبانيا كما كان حاضراً في الجبهة إبان الحرب العالمية الأُولى، أكثر من ذلك فإن ما أضافه همنغواي على صعيد تركيبة الجمل الروائية عرف بالأسلوب التلغرافي. وأصبحت نتاجاته الروائية والقصصية مرجعاً لمن يهمهُ فن سبك العبارات غير المثقلة بالحشو والفخامة المصطنعة.
المشترك
ومن نافلة القول الإشارة إلى أنَّ ما يجمع بين الرواية والخبر الصحافي هو عنصر السرد. زيادة على ذلك فإنَّ المواد الخبرية تحتاج إلى عنصر التشويق والحبكة في الصياغة حتى ولو كانت مبسطةً.
والمقصود بما قُدمَّ آنفاً ليس إثبات فكرة مسبقة بأنَّ من إختار كتابة الرواية لا بُدَّ أن يمرَّ بتجربة الصحافة بقدر ما أن المراد هو التأكيد على وجود تواصل فن الرواية مع مجالات أخرى خارج الأجناس الأدبية.
كثيراً ما ترى روايات مدموغة بعناوين ذات نكهة صحافية مثل "خبر الإختطاف" لماركيز أو "يومَ قُتل الزعيم" لنجيب محفوظ. يذكرُ إلى أن الأخير قد نشر قصصا بوليسية في صحيفة الخبر المصرية. و"مقتل بائع الكُتب" لسعد محمد رحيم على سبيل المثال لا الحصر.
وما يجدرُ بالذكر أنَّ مُصطلح "حكاية" لم يدل على السرد إلا لاحقاً بل كان مُرادفاً للخبر حسبما وردت الإشارة إلى ذلك في "معجم السرديات". عطفاً على ما سبق فإنَّ الصحافة قد تحولت إلى ثيمة أساسية في بعض الروايات كما آثر إمبرتو إيكو هذا المنحى في آخر ماصدر له "العدد الصفر".
المرجعية الخبرية
إلى هنا فإنَّ محورَ الحديث كان عن علاقة الرواية والصحافة على المستوى الشكلي، فماذا بشأنَّ مؤثرات المحتويات الخبرية على مضامين العمل الروائي. هل تُفيد المَعلومات الواردة على صفحات الأخبار أو ما يتداولُ على منصات التواصل الإجتماعي وشاشات التلفزة الكاتب الروائي؟
بما أن الرواية محاكاة للحياة وأن الخبر رصد لما يحدثُ في الواقع لذلك فمن الطبيعي التشابكُ بين المادة الخبرية والثيمات الروائية. إذ أن ما أدلى به الروائيون حول تجربتهم في الكتابة السردية. يظهر أنَّ الخبر هو ركيزة أساسية في بعض أعمالهم ناهيك عن تبني نفر من الكتاب لخط التقرير الصحفي في تحبيك منجزه الروائي وهذا ما يتمثلُ بالوضوح في رواية "دورا بروديه" للروائي الفرنسي باتريك موديانو يردُ في مفتتحِ العمل الخبرُ المنشور في صحيفة "باريس سوار" بتاريخ نهاية ديسمبر 1941عن شابةٍ مفقودة تُدعى دورا بروديه مع إيراد تفاصيل عن ملامحها وبنيتها الجسمانية. ومن ثُمَّ يتكفلُ الراوي بالتقصي عن تفاصيل هذه الشخصية مُعتمداً على الأسلوب التوثيقي والنبش في السجلات إلى أنْ يكتشف بأنَّ دورا بروديه من اليهود المهاجرين إلى فرنسا حيث ولدت بمستشفى روتشيلد.
ومن الملاحظ أنَّ المؤلف يتدخلُ مباشرة في بعض المقاطع ويتناولُ موديانو ما يجبُ أن يتمتعَ به الروائي من القدرة على تسلسل الأفكار وترويض الذاكرة ما يمكنهُ من حدس إستنباط الأحداث الماضية والمُستقبلية. مشيراً إلى أنَّ الخبر الذي تنطلقُ من الرواية قرأه سنة 1988 وتأخر في الشروع بكتابة العمل بإيحائه لمدة ثماني سنوات. فضلاً عن القصة الأساسية تتضمنُ رواية دورا بروديه أحداثاً متواقتة لهزيمة النازية في فرنسا كمقتل الروائي الألماني فريد لامب مؤلف "على مشارف الليل" ناهيك عن إختفاء الأشخاص الكثيرين في السنة التي ولد فيها موديانو أيضا.
كما يلمح صاحب "شارع الحوانيت المُعَتمة" إلى هروبه بعد 15عاماً على إستعادة فرنسا لحريتها في تضاعيف مُؤَلفه. بالإختصار ما ينبغى قوله عن هذا العمل هو هيمنة تقنية الكتابة الخبرية والتقريرية على خيطه السردي. أضف إلى كل ما سلف ذكره أنَّ ما حدا بالروائي المؤسس غوستاف فلوبير لكتابة رائعته "مدام بوفاري" هو الخبر المنشور عن إنتحار السيدة ديلمار في سنة 1848 بعدما انفض عنها العشاق والمعجبون وحاصرتها المشاكلُ. وكان جوهر المشكلة في تحويل هذا الخبر إلى العمل الروائي بالنسبة لفلوبير هو معارضة إمه وخوفها على مقاضاة ابنها كما يشيرُ إلى ذلك الكاتب العراقي علي حسين في "في صحبة الكُتب". أخيراً يجدُ فلوبير الحل في إستبدال إسم ديلمار بمدام بوفاري.
بدوره رأي نجيب محفوظ في قصة اللص الذي أشاع الخوف بين سكان القاهرة وإنشغلت به الصحف مادةً مُفعمة بالدراما فبالتالي وظفها لكتابة رواية "اللص والكلاب" التي تُعدُ بداية لمرحلة جديدة في مسيرة صاحبها. والأمر لا يختلف لدى الكاتبة الفرنسية من أصول مغربية ليلى سليماني، فقد استلهمت فكرة روايتها المعنونة ب "أغنية هادئة" التي حازت على جائزة الغونكور الفرنسية مما قرأته في مجلة (Paris Match) حول جريمة رهيبة وقعت في مانهاتن بنيويورك إذ أقدمت مربية على قتل طفلين. ومن المعلوم أن رواية سليماني تتكيءُ على قصةٍ مماثلة لما ورد في السياق الخبري. فإن الشخصية الرئيسة لويز تفجرُ الحدث بقتل ميلا وآدم. وذلك كان أمراً صادماً لأنَّ ما لمسه والدا الطفلين في شخصية المربية ظاهريا هو الحب والحنان.
والأهم في هذا الإطار أن الدارسين في مجال الأدب توصلوا نتيجة بحثهم وتعقيبهم أنَّ رواية "لوليتا" المثيرة لكاتبها نابوكوف ليست وليدة الخيال إنَّما المؤلفُ كان يتابعُ أخبار الجرائم والإعتداء الجنسي بالإهتمام في الصُحفِ إلى أنْ صادف حادثة الفتاة سالي هورنر التي إعتقلها رجلُ أربعيني متلبسةً بسرقة دفترٍ، وأوهمها بأنَّه من مكتب التحقيقات الفدرالية ليجبرها على البقاء معه لعامين كاملين عشيقةً، ويعترفُ نابوكوف بأنَّ لوليتا ماهي إلا الإعترافات التي كتبها هامبرت في سجنه.
واستوحت الروائية الفرنسية لورانس تارديو موضوع روايتها "في النهاية الصمت" مما ساد في باريس من أجواء مشحونة بالخوف والتوتر بعد الهجوم على مقر إحدى الصحف الباريسية وتتخذُ تركيبة عملها شكلاً تقريرياً وخبرياً.
الحس الصحافي
ومن جانبها تكشفُ الروائية المصرية رشا عدلي بأنَّ خبر قتل القناص الأميركي كريس كايل في 2013 قادها لقراءة سيرة الجندي الأميركي واستوحت أحداث روايتها الموسومة ب "شواطيء الرحيل" مما تجمعها عن حياة كريس.
كما أنَّ سقوط مدينة الموصل في 2014 بيد عناصر تنظيم داعش يدفع الكاتب العراقي خضير فليح زيدي لكتابة روايته "فاليوم عشرة"، ولا تكتفي الروائية السورية مها حسن بتضفير الخبر في متن رواية "عمتِ صباحا أيتها الحرب" بل تحيل القاريء إلى روابط الفيديوهات والمواقع الخبرية، ما يعني تفاعل نصها الروائي مع الحدث الراهن. قصاري القول فيما يتعلق بعلاقة الرواية بالخبر أنَّ الروائي يجبُ أن يكون لديه حس صحافي وينتبه إلى ما يضخُ في المنابر ويعرضُ في الجرائد والصحف.
الخبر برأي الكاتب والصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل وحدة أساسية في عملية التحليل السياسي، لأنَّ ما تسمعهُ في قالب خبري هو ما يؤسس لتحولات نوعية في حياة الشعوب. لكن يبدو من خلال متابعة كواليس الأعمال الروائية أن أصحابها استفادوا من المادة الخبرية أيضاً في طبخة مؤلفاتهم، ومن الواضح أنَّ عدداً من الروائيين قد عمِلوا في مجال الصحافة وتراكمت لديهم الخبرةُ بدقائق هذه الصنعة، ولعلَّ أرنست همنغواي وغابرييل غارسيا ماركيز في طليعة الروائيين الذين كانت درايتهم بالعمل الصحافي رافداً لمشروعهم الروائي فإن المقالات والتقارير والحوارات التي اشتغل عليها غابو حيث ضمها كتاب صدر بنسخته العربية بعنوان ب "بلاقيود" أبانت عن تمكن صاحب "خريف البطريرك" بمهنة المتاعب، كذلك بالنسبة لمؤلف "الشيخ والبحر" فإنَّ رشاقة أسلوبه وانسيابية سرده وترتيب المادة الروائية والقصصية كل ذلك مطبوع بخلفيته الصحافية، وما اكتسبه في هذا المضمار إذ قام أرنست همنغواي بتغطية وقائع الحرب الأهلية في إسبانيا كما كان حاضراً في الجبهة إبان الحرب العالمية الأُولى، أكثر من ذلك فإن ما أضافه همنغواي على صعيد تركيبة الجمل الروائية عرف بالأسلوب التلغرافي. وأصبحت نتاجاته الروائية والقصصية مرجعاً لمن يهمهُ فن سبك العبارات غير المثقلة بالحشو والفخامة المصطنعة.
المشترك
ومن نافلة القول الإشارة إلى أنَّ ما يجمع بين الرواية والخبر الصحافي هو عنصر السرد. زيادة على ذلك فإنَّ المواد الخبرية تحتاج إلى عنصر التشويق والحبكة في الصياغة حتى ولو كانت مبسطةً.
والمقصود بما قُدمَّ آنفاً ليس إثبات فكرة مسبقة بأنَّ من إختار كتابة الرواية لا بُدَّ أن يمرَّ بتجربة الصحافة بقدر ما أن المراد هو التأكيد على وجود تواصل فن الرواية مع مجالات أخرى خارج الأجناس الأدبية.
كثيراً ما ترى روايات مدموغة بعناوين ذات نكهة صحافية مثل "خبر الإختطاف" لماركيز أو "يومَ قُتل الزعيم" لنجيب محفوظ. يذكرُ إلى أن الأخير قد نشر قصصا بوليسية في صحيفة الخبر المصرية. و"مقتل بائع الكُتب" لسعد محمد رحيم على سبيل المثال لا الحصر.
وما يجدرُ بالذكر أنَّ مُصطلح "حكاية" لم يدل على السرد إلا لاحقاً بل كان مُرادفاً للخبر حسبما وردت الإشارة إلى ذلك في "معجم السرديات". عطفاً على ما سبق فإنَّ الصحافة قد تحولت إلى ثيمة أساسية في بعض الروايات كما آثر إمبرتو إيكو هذا المنحى في آخر ماصدر له "العدد الصفر".
المرجعية الخبرية
إلى هنا فإنَّ محورَ الحديث كان عن علاقة الرواية والصحافة على المستوى الشكلي، فماذا بشأنَّ مؤثرات المحتويات الخبرية على مضامين العمل الروائي. هل تُفيد المَعلومات الواردة على صفحات الأخبار أو ما يتداولُ على منصات التواصل الإجتماعي وشاشات التلفزة الكاتب الروائي؟
بما أن الرواية محاكاة للحياة وأن الخبر رصد لما يحدثُ في الواقع لذلك فمن الطبيعي التشابكُ بين المادة الخبرية والثيمات الروائية. إذ أن ما أدلى به الروائيون حول تجربتهم في الكتابة السردية. يظهر أنَّ الخبر هو ركيزة أساسية في بعض أعمالهم ناهيك عن تبني نفر من الكتاب لخط التقرير الصحفي في تحبيك منجزه الروائي وهذا ما يتمثلُ بالوضوح في رواية "دورا بروديه" للروائي الفرنسي باتريك موديانو يردُ في مفتتحِ العمل الخبرُ المنشور في صحيفة "باريس سوار" بتاريخ نهاية ديسمبر 1941عن شابةٍ مفقودة تُدعى دورا بروديه مع إيراد تفاصيل عن ملامحها وبنيتها الجسمانية. ومن ثُمَّ يتكفلُ الراوي بالتقصي عن تفاصيل هذه الشخصية مُعتمداً على الأسلوب التوثيقي والنبش في السجلات إلى أنْ يكتشف بأنَّ دورا بروديه من اليهود المهاجرين إلى فرنسا حيث ولدت بمستشفى روتشيلد.
ومن الملاحظ أنَّ المؤلف يتدخلُ مباشرة في بعض المقاطع ويتناولُ موديانو ما يجبُ أن يتمتعَ به الروائي من القدرة على تسلسل الأفكار وترويض الذاكرة ما يمكنهُ من حدس إستنباط الأحداث الماضية والمُستقبلية. مشيراً إلى أنَّ الخبر الذي تنطلقُ من الرواية قرأه سنة 1988 وتأخر في الشروع بكتابة العمل بإيحائه لمدة ثماني سنوات. فضلاً عن القصة الأساسية تتضمنُ رواية دورا بروديه أحداثاً متواقتة لهزيمة النازية في فرنسا كمقتل الروائي الألماني فريد لامب مؤلف "على مشارف الليل" ناهيك عن إختفاء الأشخاص الكثيرين في السنة التي ولد فيها موديانو أيضا.
كما يلمح صاحب "شارع الحوانيت المُعَتمة" إلى هروبه بعد 15عاماً على إستعادة فرنسا لحريتها في تضاعيف مُؤَلفه. بالإختصار ما ينبغى قوله عن هذا العمل هو هيمنة تقنية الكتابة الخبرية والتقريرية على خيطه السردي. أضف إلى كل ما سلف ذكره أنَّ ما حدا بالروائي المؤسس غوستاف فلوبير لكتابة رائعته "مدام بوفاري" هو الخبر المنشور عن إنتحار السيدة ديلمار في سنة 1848 بعدما انفض عنها العشاق والمعجبون وحاصرتها المشاكلُ. وكان جوهر المشكلة في تحويل هذا الخبر إلى العمل الروائي بالنسبة لفلوبير هو معارضة إمه وخوفها على مقاضاة ابنها كما يشيرُ إلى ذلك الكاتب العراقي علي حسين في "في صحبة الكُتب". أخيراً يجدُ فلوبير الحل في إستبدال إسم ديلمار بمدام بوفاري.
بدوره رأي نجيب محفوظ في قصة اللص الذي أشاع الخوف بين سكان القاهرة وإنشغلت به الصحف مادةً مُفعمة بالدراما فبالتالي وظفها لكتابة رواية "اللص والكلاب" التي تُعدُ بداية لمرحلة جديدة في مسيرة صاحبها. والأمر لا يختلف لدى الكاتبة الفرنسية من أصول مغربية ليلى سليماني، فقد استلهمت فكرة روايتها المعنونة ب "أغنية هادئة" التي حازت على جائزة الغونكور الفرنسية مما قرأته في مجلة (Paris Match) حول جريمة رهيبة وقعت في مانهاتن بنيويورك إذ أقدمت مربية على قتل طفلين. ومن المعلوم أن رواية سليماني تتكيءُ على قصةٍ مماثلة لما ورد في السياق الخبري. فإن الشخصية الرئيسة لويز تفجرُ الحدث بقتل ميلا وآدم. وذلك كان أمراً صادماً لأنَّ ما لمسه والدا الطفلين في شخصية المربية ظاهريا هو الحب والحنان.
والأهم في هذا الإطار أن الدارسين في مجال الأدب توصلوا نتيجة بحثهم وتعقيبهم أنَّ رواية "لوليتا" المثيرة لكاتبها نابوكوف ليست وليدة الخيال إنَّما المؤلفُ كان يتابعُ أخبار الجرائم والإعتداء الجنسي بالإهتمام في الصُحفِ إلى أنْ صادف حادثة الفتاة سالي هورنر التي إعتقلها رجلُ أربعيني متلبسةً بسرقة دفترٍ، وأوهمها بأنَّه من مكتب التحقيقات الفدرالية ليجبرها على البقاء معه لعامين كاملين عشيقةً، ويعترفُ نابوكوف بأنَّ لوليتا ماهي إلا الإعترافات التي كتبها هامبرت في سجنه.
واستوحت الروائية الفرنسية لورانس تارديو موضوع روايتها "في النهاية الصمت" مما ساد في باريس من أجواء مشحونة بالخوف والتوتر بعد الهجوم على مقر إحدى الصحف الباريسية وتتخذُ تركيبة عملها شكلاً تقريرياً وخبرياً.
الحس الصحافي
ومن جانبها تكشفُ الروائية المصرية رشا عدلي بأنَّ خبر قتل القناص الأميركي كريس كايل في 2013 قادها لقراءة سيرة الجندي الأميركي واستوحت أحداث روايتها الموسومة ب "شواطيء الرحيل" مما تجمعها عن حياة كريس.
كما أنَّ سقوط مدينة الموصل في 2014 بيد عناصر تنظيم داعش يدفع الكاتب العراقي خضير فليح زيدي لكتابة روايته "فاليوم عشرة"، ولا تكتفي الروائية السورية مها حسن بتضفير الخبر في متن رواية "عمتِ صباحا أيتها الحرب" بل تحيل القاريء إلى روابط الفيديوهات والمواقع الخبرية، ما يعني تفاعل نصها الروائي مع الحدث الراهن. قصاري القول فيما يتعلق بعلاقة الرواية بالخبر أنَّ الروائي يجبُ أن يكون لديه حس صحافي وينتبه إلى ما يضخُ في المنابر ويعرضُ في الجرائد والصحف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.