أتذكرُ الآن ذلك الصيف الأخير قبل أن يرسلوني بعيداً. كان ذلك في 1979، والشمس في كل مكان، وتحتها رقدتْ طرابلس لامعةً وساكنة، وقد مضيَ كل إنسانٍ وحيوانٍ ونملة يستميتون بحثا عن الظل، في تلك الرُقع الرمادية من الرحمة إذ تتناثر، هنا وهناك، منحوتةً في بياض (...)
كانت ليبيا فى الأيام التالى للثورة الشعبية التى أنهت اثنين وأربعين عاما من حكم معمر القذافى مفعمة بالأمل. لم أر فى حياتى بلادا يتنازعها الخوف والتفاؤل بهذه الشدة. فقد تجمع الناس عازمين على بناء مؤسسات ديمقراطية قابلة للمحاسبة. برزت فى أنحاء البلاد (...)
ولد جيلى من الليبيين فى حالة انتظار. أمضينا عقودًا على أمل حدوث معجزة ما. كنا محاطين بحكايات خيالية. قصص تتحدث عن الفارس الذى سيأتى ممتطيا صهوة جواده من وراء التل، ويصلح كل شىء.
روجنا لجميع أنواع نظريات المؤامرة، ما عدا تلك المتسببة فى صمتنا أكثر (...)
فى إحدى ليالى أوائل الثمانينيات رأى العقيد معمر القذافى كابوسا: فهو يدخل محل حلاق ويجلس على كرسى مبطن ويغمض عينيه. وفجأة يشعر بموسى الحلاق يشق جانب رقبته الحليقة. يغوص الموسى لمسافة أعمق، ثم يمضى فى طريقه. يستيقظ خائفا وهو مقتنع بأن الرجل الذى سوف (...)
«تخلصنا من معمر القذافى»، لم أكن أعتقد أننى سأكتب هذه الكلمات، بل سأكتب مثلا «لقد مات القذافى عجوزا»، إنها عبارة مرعبة، ليس فقط لمعناها، بل أيضا لما تحمله من مستقبل كئيب وغامض.
الآن وصل الثوار إلى طرابلس، ونستطيع القول إننا انتزعنا حريتنا بأيدينا، (...)
شعرت خلال الأيام القليلة الماضية بتغيير جوهرى. يمكننى استكشاف ذلك فى جسدى، فى الخفة التى أشعر بها فى ظهرى. فبالرغم من أن معمر القذافى، الذى ظل جاثما فوق صدر ليبيا طوال 41 عاما مازال هناك، فإن التاريخ قد تجاوزه، وأصبح من المستحيل الآن تصور أنه سوف (...)