بعد أزمته الطبية.. الطالب يوسف يتسلم عمله معيدا بجامعة سوهاج (مستند)    عاجل... الذهب يرسل إشارات غامضة.. أسعار الأحد 20 أبريل 2025 في السعودية تثير فضول المستثمرين    البنك الأهلي المصري يوقع بروتوكول تعاون للشراكة التنموية مع «بلان إنترناشونال»    الإسكان: جارٍ تنفيذ 11 محطة جديدة لتحلية مياه البحر    إطلاق نار بمكتب إدارة الهجرة والجمارك في تكساس بالولايات المتحدة    الرئيس الكولومبي يدعو لتشكيل "جيش دولي قوي" لتحرير فلسطين    وسائل إعلام أميركية: سقوط 3 جرحى بإطلاق نار في منشأة للهجرة في دالاس جنوبي الولايات المتحدة    صدور تحذير من إعصار لجزر الأزور فيما يتحرك جابريل باتجاه الأرخبيل    شرطة أوسلو تشتبه في أن انفجار قنبلة يدوية أمس له صلة بجرائم العصابات    فى حضن الحضارة    كريم رمزي: بيراميدز أصبح القطب الثالث للكرة المصرية.. ويورتشيتش أفضل مدرب في مصر    ثورة مرتقبة في التحكيم المصري.. أوسكار رويز يُجهّز لاستبعاد أسماء بارزة من القائمة الدولية    «اللي مش عايز يلعب براحته».. كواليس صادمة داخل الزمالك قبل مواجهة الأهلي    محمد عبد الجليل يكتب: مزرعة "الخوف" في القنطرة.. كيف أسقطت الداخلية إمبراطورية المخدرات؟.. 6.5 طن من "الهيدرو" في مخازن سرية.. الموت يختبئ تحت الأرض    تأجيل استئناف المتهم بالتعدي على الطفل ياسين للمرافعة    «الداخلية» تكشف كواليس فيديو مشادة بين مواطن وسائق أتوبيس نقل جماعي في الجيزة    الاحتفال بتخريج دفعتين جديدتين من برنامج "بيت جميل لفنون الحرف التراثية" بمركز الفسطاط    رئيس جمهورية سنغافورة يزور المتحف القومي للحضارة المصرية    قلوبهم صافية.. 4 أبراج بتسامح وتنسى بسرعة    كيف تحافظ الأم على هدوئها النفسي وسط مسئوليات البيت والمدرسة؟    رئيس جامعة قناة السويس يُكرم 153 من الكوادر الطبية والإدارية بمستشفيات الجامعة احتفالًا بالاعتماد    طريقة عمل البصارة، أكلة مصرية قديمة قيمتها الغذائية عالية    طليقة أحمد مكي تكشف تفاصيل صادمة عن علاقتها به    شوبير يهاجم فيريرا: الزمالك أهدر الفوز أمام الجونة بسبب خطأ فادح    تصالح فتاتي حادث طريق الواحات مع المتهمين في جنحتي الإصابة وإتلاف السيارة.. والمحكمة تستمع لأقوالهما بجريمة التحرش    النيابة العامة تحذر من تداول المقاطع الجنائية المصورة خارج القنوات الرسمية    سوزي سمير بعد استخراج كارنيه مجلس الشيوخ: مرحلة جديدة من العمل لخدمة المواطن    «عبد الصادق»: جامعة القاهرة كانت ولا تزال منارة للعلم والبحث والإبداع    مدير تعليم الجيزة يقرر تشكيل لجنة توجيه مالي واداري لمتابعة مدارس 6 أكتوبر    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025 والقنوات الناقلة    «السوداني» ب 320 جنيهًا.. أسعار اللحوم في مطروح اليوم الأربعاء 24-9-2025    وزير الإسكان: ملف ترشيد المياه وتعظيم الاستفادة منها يحظى باهتمام القيادة السياسية    أسوشيتد برس: إيران تبدأ إعادة بناء مواقع الصواريخ التي استهدفتها إسرائيل    التعليم: فصل طالب بالقليوبية عامًا دراسيًا كاملًا بعد اعتدائه على معلم.. وإحالة ولي أمره للنيابة    مهرجان الإسكندرية السينمائي يحتفي بمئوية سعد الدين وهبة ويكرم قامات الإبداع    بسبب «سبحة مصطفى حسني ودوخة أمير كرارة».. أسامة الغزالي حرب يوجه نداءً للأزهر    بمناسبة بدء العام الدراسى.. «الداخلية» تصطحب أبناء الشهداء إلى مدارسهم (صور )    وزير الدفاع يشهد حفل تخرج الدفعة (168) من كلية الضباط الاحتياط    أسعار البلح السيوى اليوم الأربعاء 24-9-2025 بأسواق مطروح.. البشاير ب40 جنيها    معاون وزير السياحة والآثار تشارك في مؤتمر التعاون السياحي والثقافي الصيني العربي    وزير الخارجية لنظيره القبرصي: نتطلع لاستمرار التنسيق المشترك وربط حقول الغاز القبرصية بمصر    وصول المتهم بهتك عرض طفل دمنهور إلى محكمة الجنايات    وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يغادر إلى روسيا للمشاركة في فعاليات الأسبوع الذري العالمي    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 10 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    دي يونج يمدد إقامته في كامب نو حتى 2029 براتب مخفّض    «الداخلية»: ضبط 29 طن دقيق «مدعم وحر» في حملات تموينية على الأسواق بالمحافظات    بعد رحيل كلوديا كاردينالي.. علاقة مميزة بعمر الشريف وسر تكريمها بجائزة فاتن حمامة    فحص دم يتنبأ بالنوبات القلبية قبل سنوات: ليس الكوليسترول بل بروتين CRP    «الصحة» تطلق ورشة تدريبية لتطوير مهارات موظفي المجالس الطبية وتعزيز تجربة المرضى    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. تنظيم 217 ندوة بمساجد شمال سيناء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 24-9-2025 في محافظة قنا    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025    حسين فهمي: القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في مهرجان القاهرة    «أوقاف أسوان» تكرم 114 من حفظة القرآن فى ختام الأنشطة الصيفية    نقابة المهن التمثيلية تنعي مرفت زعزع: فقدنا أيقونة استعراضات مسرحية    هاني رمزي: الموهبة وحدها لا تكفي وحدها.. والانضباط يصنع نجمًا عالميًا    «احمديات»: لماذا ! يريدون تدميرها    بدون صلاح.. إيزاك يقود ليفربول للتأهل في كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عَواقِبُ الأحلَام
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 08 - 2014

كانت ليبيا فى الأيام التالى للثورة الشعبية التى أنهت اثنين وأربعين عاما من حكم معمر القذافى مفعمة بالأمل. لم أر فى حياتى بلادا يتنازعها الخوف والتفاؤل بهذه الشدة. فقد تجمع الناس عازمين على بناء مؤسسات ديمقراطية قابلة للمحاسبة. برزت فى أنحاء البلاد الفسيحة الدوريات، النوادى، الجمعيات، المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية. كل هذا الحراك أظهر نبض حياة مجتمع مدنى كان مطموسا تحت الرقابة والعنف.
أما الآن فنحن نقف على شفير هاوية الحرب الأهلية. فميليشيات مصراتة والزنتان تمزق طرابلس، بنغازى تزلزلها الانفجارات، شاع الاغتيال والاختطاف، والحكومة تكاد تكون قد انهارت تماما.
أخذت الجماعات المسلحة، التى اشتدت قوتها منذ الثورة، فى التجمع تدريجيا فى فصيلين متحاربين: الأول يجمع الجماعات المتحالفة مع الإسلاميين، والفصيل الآخر يجمع القوات المنظمة لعملية «الكرامة» التى يقودها اللواء خليفة حفتر. التعليم توقف تقريبا. بعض من مدراء المدارس أعلنوا عن طريق موقع الفيسبوك أن الدراسة لن تبدأ فى شهر سبتمبر. فى أحياء من تونس والقاهرة وأسطنبول يمكنك الآن أن تسمع اللهجة الليبية فى المقاهى والمطاعم، وصارت مكاتب سمسرة العقارات تقدم عروض إيجار «مرنة» للعائلات الليبية.
الليبيون مذهولون ومصدومون من العنف الذى أفلت من عقاله. أخذت الشكوك تنتابهم وأصبحت النقاشات صاخبة. انكفأ كثيرون إلى نظريات المؤامرة التى تم تشكيلها فى زمن القذافى. على الرغم من الآمال الكبيرة والمجهودات الجماعية وجد الليبيون أنفسهم عالقين بين الحزن العميق وقيود جماعة «ألم نقل لكم».
•••
الذين يأسفون على نهاية نظام القذافى يتجاهلون أن الفوضى الحالية ما هى إلا نتاج أربعة عقود من القمع.
«ألم يكن القذافى أفضل؟» سؤال خاطئ لأنه لا يبين الحقيقة الموضوعية لليبيا ما بعد الثورة. ولكى يفهم المرء أحداث اليوم عليه أن يتذكر كيف كان شكل الحياة تحت حكم القذافى. فقد كانت الدولة مرسومة حول فرد واحد وعائلته. فالدولة كانت أشبه بالمافيا منها لبنيان سياسى. وبالتالى كان إنهاء الدكتاتورية يعنى إنهاء الدولة.
بدون جيش وطنى كامل الفاعلية وقوات شرطة ومؤسسات الدولة فإن بناء حكومة ديمقراطية قابلة للمحاسبة سيكون شديد الصعوبة. ويضاف إلى ذلك ميراث القذافى من قمع المعارضة. ليبيا الحديثة تبلغ من العمر خمسا وستين عاما «منذ عام 1951» وطوال حوالى ثلثى هذه الفترة كان يحكمها صوت واحد. فعلى ضوء هذا التاريخ يصبح من الصعوبة بمكان بناء جو سياسى يسمح بالاختلاف والتعددية ويشجع عليهما.
لقد قضى كثيرون نحبهم محاولين مواجهة هذا التحدى. فخلال السبعينيات سجن المفكرون الماركسيون وعذبوا. وسلبت حرية وأموال دعاة الاقتصاد الليبرالى الجديد خلال الثمانينيات. وواجه الإسلاميون السجن والموت خلال التسعينيات. لم ينج سوى الإسلاميين بكيان سياسى متماسك فقد ساعد التمويل الخارجى والحرب فى العراق وأفغانستان على اسمرارهم وتدريبهم. واليوم تريد التيارات المتشددة من الإسلاميين أن تملى على الليبيين مستقبلهم. هم يختلفون عن القذافى ولكنهم يتفقون معه تماما فى طريقة التعامل مع معارضيهم السياسيين.
•••
فى مثل هذا الوقت من العام الفائت أطلق الرصاص على محامى حقوق الإنسان عبدالسلام المسمارى وهو خارج من المسجد فى بنغازى. كان من بين من حضر جنازته المحامية سلوى بوقعيقيص والقاضى مروان الطشانى. كان مروان الطشانى قد كتب تأبينا للمرحوم.
سألته سلوى: «كم صفحة؟».
أجاب مروان: «صفحتان».
سلوى لم ترضها الإجابة فقالت: «كان عليك أن تكتب صفحات أكثر». ثم ابتسمت وأضافت: «من يا ترى سيكتب تأبيننا؟».
وفى شهر يونيو الفائت، بعد حوالى أحد عشر شهرا من اغتيال المسمارى، اقتحم أفراد إحدى الميليشيات منزل سلوى بوقعيقيص وطعنوها وأطلقوا عليها الرصاص عدة مرات.
كتب مروان الطشانى تأبينها. كتبه من تونس التى فر إليها بعد تلقيه تهديدات بالقتل. نشر مروان التأبين فى صفحته على الفيسبوك التى تظهر صورة غلافها ثلاث صور شخصية بالأبيض والأسود لثلاث من أصدقائه الراحلين: عبدالسلام المسمارى وسلوى بوقعيقيص والصحفى مفتاح بوزيد، رئيس تحرير صحيفة برنيق اليومية، والثلاثة لم يكلوا ولا يهنوا فى سبيل الدعوة لحقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية، اغتيل ثلاثتهم فى ظرف سنة واحدة.
•••
للأحلام عواقب. لا تراجع. فالثورة ليست مسيرة لا ألم فيها نحو بوابات الحرية. بل هى نظال بين الغضب والأمل، بين إغراء التدمير والرغبة فى البناء. مزاج الثورة متهور. الثورة رد معذب على الماضى، رد على عل كل ما حصل، على الظلم الذى مازال فى الذاكرة والظلم المنسى، لأن ذاكرة الثورة تمتد إلى الوراء زمنا أطول من ذاكرة أبطالها.
أنشأ القذافى الظروف المثالثة للسياسات غير المتسامحة والعنيفة. وسيكون من الصعب تجاوز الندوب والعادات القديمة التى كانت فى ليبيا فى عهده. ولكن هناك شىء واحد مؤكد: العزيمة على تجاوزها أقوى من أى وقت مضى. فتصميم المجتمع المدنى مدهش. وضعت الثورة فكرتى الديمقراطية والتنظيم الذاتى فى الأفق. نعم توجد الآن بعض النكسات وهناك خشية من أن هذه الروح سيتم القضاء عليها، ولكن ليس بعد.
منذ عدة أسابيع مضت ذهب صديقى، الذى كان قد عاد إلى ليبيا بعد الثورة وأسس جمعية خيرية هناك، ذهب إلى المصرف ليسحب مبلغا نقديا ليغطى به ميزانية الجمعية. وبينما هو يقود السيارة مبتعدا عن المصرف اكتشف أن سيارة تتبعه. حاول أن يلفت من الملاحقة وعندما ركن سيارته أمام منزله ظهرت السيارة من جديد. خرج رجل من السيارة وأشهر مسدسا بوجه صديقى وأخذ نقوده. رجع صديقى لشقته القديمة بالمنفى، ليعيش فى الخارج كما حسبت، ولكنه لم يعد سوى ليحزم أمتعته. كما أخبرنى هو: «بعد السطو على هذه هى الطريقة التى أراد بها، المثابرة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.