تمر اليوم الذكرى الثانية و الثلاثون لوفاة إمام القراء و رائد المقرئين الشيخ محمود خليل الحصري الذي يُعد معلمًا بارزًا و قارئًا مُجيدًا لكتاب الله ترتيلاً و تجويدًا و معلمًا لأحكام التلاوة بقراءاتها العشر طبقًا لمقولة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي قال حينما سئل عن أفضل المقرئين (إذا أردنا أحكام التلاوة فعلينا بالحصري و إذا أردنا الصوت الجميل فعلينا بعبد الباسط عبد الصمد و إذا أردنا النفس الطويل و الفن المستحيل فالشيخ مصطفى إسماعيل و إذا أردنا أن نجمع بين هؤلاء فعلينا بالشيخ محمد رفعت). ولد الشيخ محمود خليل الحصري يوم 17 سبتمبر من عام 1917 بقرية شبرا النملة التابعة لمحافظة الغربية ، أدخله والده كتاب القرية لحفظ القرآن الكريم و هو في الرابعة من عمره و أتم حفظ كتاب الله و هو في الثامنة من عمره ، كان يذهب من قريته إلى المسجد الأحمدي بطنطا يوميًا ليحفظ القرآن الكريم و في الثانية عشر من عمره أنضم إلى المعهد الديني بطنطا و كان من زملائه الشيخ مصطفى إسماعيل و الشيخ محمود علي البنا و هما من أساطير دولة التلاوة القرآنية و ألتحق بعد ذلك بالأزهر ليتعلم القراءات العشر ليكون متقنًا لها و رائدًا فيها مستقبلاً. حصل على شهادات في علم القراءات و تفرغ لدراسة علوم القرآن ليزداد صوته حلاوةً و طلاوةً علمًا و خشوعًا ليلتحق بعد ذلك بإمتحانات الإذاعة عام 1944 ليكون الأول بين زملائه و عين عام 1950 قارئًا بالمسجد الأحمدي بطنطا و في عام 1955 عُين قارئًا بجامع الحسين و فاز بشرف التلاوة بموسم الحج بالحرمين الشريفين عام 1953 تزامنًا مع إدخال الكهرباء في الحرمين الشريفين ليكون صاحب تلك الميزةبالتلاوة في مهبط الوحي و كانت بداياته عامرةً بالإنجازات في قراءة القرآن حيث عُين شيخًا لمقرأة سيدي عبد المتعال بطنطا و عُين يوم 7 أغسطس عام 1948 مؤذنًا بمسجد سيدي حمزة ثم عُدل القرار يوم 10 أكتوبر عام 1948 إلى قارئًا للمسجد مع إحتفاظه بعمله بمقرأة سيدي عبد المتعال و يصدر بعد ذلك قرارًا وزاريًا بتكليفه بالإشراف الفني على مقاريء محافظة الغربية. في عام 1957 عُين مفتشًا للمقاريء المصرية و عُين عام 1958 وكيلاً لمشيخة المقاريء المصرية و في نفس العام تخصص في علوم القراءات العشر الكبرى و طرقها و رواياتها و أسانيدها و نال عنها شهادة علوم القراءات العشر من الأزهر الشريف و عين عام 1959 مراجعًا و مصححًا للمصاحف بقرار من مشيخة الأزهر الشريف و في عام 1961 عين شيخًا لعموم المقاري المصرية. كانت له الريادة في أن يكون أول من سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم عام 1961 و المصحف المرتل عن رواية ورش عن نافع عام 1964 و المصحف المرتل برواية قالون و رواية الدوري عن أبي عمرو البصري عام 1968 و المصحف المعلم عام 1969 و المصحف المفسر (مصحف الوعظ) عام 1973 و من أسباب تسجيله لتلك المصاحف هو إجهاضه لمحاولات صهيونية أرادت أن تحرف في القرآن حيث وجد هذا في مصحف تسلمه كهدية و هو في الكويت في الستينات فأخذ على عاتقه تلك المهمة ليكون من حملة لواء القرآن و سفيرًا عزيزًا لكلام الله عز وجل. تزوج الشيخ الحصري عام 1938 و رزقه الله بالبنين و البنات و جعلهم كلهم في خدمة كتاب الله كلُ في مجاله و كانت له الريادة في أن كان أول من قرأ القرآن بالبيت الأبيض عام 1977 و قرأ القرآن و رفع الآذان بالأمم المتحدة و كان معه في ذلك الوقت الشيخ عبد الحليم محمود ليكون للشيخان دورًا عظيمًا في عالمية الإسلام لإقتداْءً بسمت رسول الله في القرن العشرين قراءةً و علمًا و قابل الشيخان الرئيس جيمي كارتر عام 1977 و حصل على تسجيلات القرآن كاملاً كهدية بصوت الشيخ الحصري مرتلاً ، في عام 1978 قام الشيخ الحصري بترتيل القرآن الكريم في قاعة ألبرت هول بلندن و قرأ القرآن على الجاليات العربية و الإسلامية بإنجلترا و دخل الإسلام العديد من الإنجليز من خلال صوته الخاشع لكتاب الله. للشيخ الحصري العديد من المؤلفات في أحكام تلاوة القرآن الكريم مثل (أحكام قراءة القرآن الكريم – القراءات العشر من الشاطبية و الدرة – معالم الإهتداء إلى معرفة الوقف و الإبتداء – مع القرآن الكريم – رحلاتي في الإسلام – النهج الجديد في علم التجويد – نور القلوب في قراءة الإمام يعقوب).
قام محمود خليل الحصري بتأسيس مسجد و مكتب لتحفيظ القرآن يحمل اسمه بالقاهرة لإخراج أجيالاً تتسم بسمت القرآن و خلقه إلى جانب تشييده مسجدًا و معهدًا دينيًا و مدرسةً لتحفيظ القرآن بقريته شبرا النملة ليطبق الحديث الشريف عمليًا (خيركم من تعلم القرآن و علمه) إلى جانب تأسيس (جمعية الشيخ الحصري للخدمات الدينية و الاجتماعية) إلى جانب مسجده بمدينة السادس من أكتوبر و التي ساهمت في تأسيسه و تأسيس الجمعية السيدة إفراج الحصري الشهيرة ب(ياسمين الخيام) و للجمعية دور كبير في الأنشطة الإحتماعية و الدينية على مستوى العالم الإسلامي. توفي الشيخ الحصري يوم الإثنين 24 نوفمبر من عام 1980 الموافق 16 محرم عام 1401 ه بعد صلاة العشاء بعد رحلة أمتدت خمسة و خمسين عامًا من العطاء في نهر القرآن و رحاب آي الذكر الحكيم حيث توج في الدنيا بوسام عيد العلم عام 1967 و الذي حصل عليه من الرئيس جمال عبد الناصر لخدماته الجليلة في رحاب العلم القرآني و سينال في الآخرة بإذن الله مرتبة أسمى و أجمل طبقًا للرؤية التي رأها الشيخ الشعراوي في المنام و التي تقول (رأيت في المنام الشيخ الحصري رأسه أطول من أعلى مأذنة و صوتًا جميلاً يقول له إقرأ و ارتق).