خمسون عامًا مرت كإحتفال رمزي على اليوبيل الذهبي لشاعر اليونان الأول الذي أدخل اللغة اليونانية لعالمية الفوز بنوبل في العام 1963 و هو الشاعر جيورجيوس سفريس الحامل لعبق اليونان القديمة بحكمتها و شعرها و خطاباتها لكي يؤكد للجميع أن اليونان القديمة لازالت قابعة بتراثها القديم رغم توالي الأزمنة و العقود بمستجداتها لكن للأصالة نفحات سرية تساهم في مقاومة نسيان الأزمنة المختلفة مادام للأصالة قوام قوي يساهم في بقاء الماضي العريق. ولد جيورجيوس سفريس يوم 13 مارس من العام 1900 بمدينة ساميرنا (أزمير حاليًا) حينما كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية قبل سقوطها بربع قرن على يد أبو الأتراك مصطفى كمال أتاتورك ، تلقى سفريس تعليمه الإبتدائي و الإعدادي بمسقط رأسه و إنتقلت الأسرة في مرحلته الثانوية إلى أثينا العاصمة أثناء أحداث الحرب العالمية الأولى و حصل على الثانوية لينتقل هو و أسرته في العام 1918 في نهاية الحرب لباريس ليلتحق بدراسة القانون هناك و ينهل من الآداب العالمية مكتشفًا هواه نحو الأدب قارئًا لفطاحل الشعر العالمي من بلاد مختلفة. عاد سفريس لليونان في العام 1925 ملتحقًا بالعمل في وزارة الخارجية اليونانية و أحرز نجاحًا ملحوظًا في العمل الدبلوماسي منتقلاً من نجاح إلى نجاح بإنتقاله إلى سفارات اليونان حول العالم ، عمل سفريس في سفارة بلاده بلندن من العام 1931 حتى العام 1934 و في ألبانيا من العام 1936 حتى العام 1938. في سنوات الحرب العالمية الثانية وقعت اليونان تحت براثن الإحتلال النازي و رافق سفريس حكومة اليونان الحرة إلى المنفى بين جزيرة كريت و مصر و جنوب أفريقيا و إيطاليا ليأتي العام 1944 حاملاً نسيم الحرية لليونان ليعود سفريس إلى أثينا في نفس العام ليستمر في عمله الدبلوماسي ليعمل بسفارة بلده بأنقرة من العام 1948 حتى العام 1950 و في لندن للمرة الثانية من العام 1951 إلى العام 1953 ثم عين سفيرًا لليونان بلبنان و سوريا و الأردن و العراق من العام 1953 حتى العام 1956. عمل سفريس سفيرًَا لليونان الملكية بالمملكة المتحدة من العام 1957 حتى العام 1961 ليعلن بعد ذلك إعتزاله العمل الدبلوماسي معتكفًا بأثينا مركزًا على عمله الأدبي و الشعري و من خلال تلك الرحالات المكوكية إكتسب سفريس المرادافات المتنوعة لقريحته الشعرية مع تذوقه للثقافتين الشرقية و الغربية و هذا ما كان واضحًا في أعماله الشعرية حيث أعاد للحياة شعرًا روح الحضارة الهلينية. بدأ سفريس قرض الشعر في العام 1931 بإصدار مجموعته الأولى (المنعطف) و تبعتها المجموعة الثانية في نفس العام (العقل الشبقي) و (الجُب) في العام 1932 و كان في هذه المرحلة متأثرًا بالمدرسة السريالية و الفرنسية و كانت قصائد تلك الدواوين مترابطة مضمونًا و منفصلة شكلاً و في العام 1935 صدر ديوان (تقرير حياة أسطورية) و التي أعلنت عن نضج القريحة الشعرية لسفريس و هنا أراد أن يحاكي ملحمة هوميروس الشعرية (الأوديسا) دون إظهار بطلها أوليس و إنتقل من اللغة السريالية إلى اليونانية الأصيلة و كأنه يعيد روح اليونان القديمة من جديد. هذا الديوان جعل من سفريس نقطة دراسة و إهتمام لتأثره بت.إس .إليوت الشاعر الأمريكي البريطاني و عزرا ياوند الشاعر الأمريكي مع ربطه بين الماضي و الحاضر بلغة إسقاطية تربط بين ما حدث و ما يحدث في تألف تام و جميل. صدر في العام 1938 ديوان (كازانتزكيس) و هو معالجة معاصرة لملحمة (الأوديسا) و تطويرًا لديوان (تقرير حياة أسطورية) و كان عدد أبيات ديوان (كازانتزكيس) 33333 بيتًا عكس ديوان (تقرير حياة أسطورية) الذي لم يزد عن 366بيتًا و هنا أراد سفريس الإجابة عن تساؤلات عديدة في ملحمته الجديدة لم تجبها ملحمته القديمة باحثًا عن النضج الشعري المتواصل. صدر في العام 1940 ديوان بعنوان (كتاب التمارين) مكملاً الإجابات التائهة في حياتنا المعاصرة بلغة العصور القديمة مع صدور ديوان (سجل السفينة الأول) و ديوان (سجل السفينة الثاني) في العام 1944 و ديوان (الطائر الغريد) في العام 1947 و ديوان (سجل السفينة الثالث) في العام 1955. كتب سفريس عن ماهية الإبداع الشعري من خلال كتابه الأول (حوار حول الشعر) 1939 و العمل الثاني كان بعنوان (محاولات) 1962 و هي عبارة عن مقالات تلامس الشعر و أجوائه المتنوعة و إذ بالعام 1963 يأتي بقرار الأكاديمية السويدية معلنة عن فوز جورجيوس سفريس بجائزة نوبل للآداب و ذلك: (لتميز شعره الغنائي الذي قُرض بمشاعر دافقة و عميقة تعبر عن ثقافة العالم الهليني الذي مزج بين الشرق و الغرب). هنا أصبح سفريس الشاعر اليوناني الأول الحاصل على نوبل للآداب لينضم لتيجان الشعر العالمي بين أقرانه المتميزون و الذي ترجم لهم أعمالهم الشعرية في كتاب ضم عرائس الشعر ما بين الشعر الفرنسي و البريطاني و الإيطالي في كتاب مجمع بعنوان (نسخ) في العام 1965 علاوة على ترجمته لشعر ت.إس.إليوت الشاعر الأمريكي البريطاني الحاصل على نوبل للآداب في العام 1947 و كان أفضل من ترجم للشاعر البريطاني اللورد بايرون و قام سفريس بجمع أعماله الشعرية في كتاب مجمع حيث جمع قصائده (1924-1955) و صدر على طبعتين باليونانية و الإنجليزية. صدر لسفريس في العام 1966 ديوانه الأخير بعنوان (ثلاثة قصائد سرية) ليعتزل العمل الأدبي و يصبح طليقًا للطبيعة حيث مناجاة الماضي القريب و البعيد بين أحضان أثينا الحاملة لعراقة الحضارة القديمة. حصل سفريس على جوائز و تكريمات عديدة من جامعة كمبريدج في العام 1960 و أكسفورد العام 1964 و سالونيكا العام 1964 و برينستون العام 1965. توفي سفريس يوم 20 سبتمبر من العام 1971.