بمناسبة مرور إثنين و ثلاثون عامًا على رحيل الرئيس أنور السادات يوم ذكرى نصره على إسرائيل قامت جريدة الشروق بنشر وثائق شديدة الخصوصية بالزعيم المثير للجدل و هي عبارة عن تدوينات خاصة به خطت لمستقبله الذي يأمله في حياته بمراحلها المختلفة و التي نضحت من بين جدران الزنزانة أثناء تورطه في قضية مقتل أمين عثمان وزير المالية العام 1946 و الذي قُتل بسبب مقولته: (إن بقاء بريطانيا بمصر زواجًا كاثوليكيًا لا طلاق منه). أُطلق على تلك التدوينات اسم (العثور على الذات) و كأنها الإجابة على عنوان مذكراته الشهيرة التي كتبها و هو رئيسًا لمصر بعنوان (البحث عن الذات) في العام 1978 و كانت الإجابة موجودة قبل هذا البحث بإثنين و ثلاثون عامًا و إذ بأضابير المجهول تغطي تلك التدوينات الهامة التي كشفت عن جوانب جديدة من حياة الزعيم ذو الشخصية الثرية و الذي يستحق لقب (الرجل العصامي) لمشوار حياته الملييء بالأشواك و الزهور و الصعود و الهبوط لتكشف لنا السادات من الصفر إلى الرئاسة. دون السادات خواطره بين جدران الزنزانة 54 قائلاً: (هذا إعلان إستقلالي و دستور حياتي الذي سأجتهد في أن أسير عليه محتفظًا بكرامتي). في فقرة أخري قال: (أعلن إستقلالي من الجمهور .. و شهواتي .. و الخرافات .. و لن أؤمن بأن الفرصة تأتي مرة واحدة). تنضح خواطر السادات و هو شاب يعاني وحشة السجن و لحظة ترقب الموت في تلك الزنزانة التي قال عنها بأنها أضافت له الكثير و الكثير من خبرات شخصية رغم مرارتها لكن جعلت الناحية الصوفية تحتل سليقته قولاً و كتابةً كما كان واضحًا في هذا الحوار المنفرد مع النفس ليخرج بحلول أنسب لحل قضية الوطن نحو الإستقلال بطرق كان لا يعرفها قبل دخول السجن. كان السادات متأثرًا جدًا منذ طفولته بالمهاتما غاندي قديس القرن العشرين و الذي يأتي يوم ميلاده تزامنًا مع نشر خواطر السادات و كأن توارد الخواطر و تلاحم المصير بين الزعيمين ينضح على الساحة توكيًدا لتشابهات كبيرة تجمع بينهما حتى في النهاية المأساوية التي إنتهت بالإغتيال يوم فرحهما بالنصر ما بين التوحيد بين طوائف الأمة و الإحتفال بالنصر الأوحد على إسرائيل. عند التمعن في كلمات السادات نجد روح مذكرات المهاتما غاندي تتراقص بين الكلمات من خلال مذكراته الشهيرة (قصة تجاربي مع الحقيقة) و التي كتبها عن حياته منذ النشأة و حتى اللحظة التي إنتهى فيها من كتابة المذكرات ليقدم للعالم أجمع مدى معرفته للحقيقة بعد مواجهات مريرة من مواقف صعبة شاهدها في الحياة منذ تجربته بجنوب أفريقيا العام 1893 حتى العام 1915 و التي جلب فيها حق التصويت البرلماني للهنود وقت دعوته الثائرة الهادئة بمزرعة تولستوي بجنوب أفريقيا و التي علم فيها الهنود أن تحصل على حقوقك دون إراقة دماء من خلال السيتياجراها أي المقاومة الصامتة بالعلم و العمل و الإنتاج. ما يؤكد تأثر السادات بغاندي ما ذكره في كتابه (البحث عن الذات) : (في طفولتي كنت أسمع عن غاندي الذي كان يلجأ للصوم كورقة ضغط على الإستعمار البريطاني كخطوة جزئية لتحرير الهند من براثن الأسد البريطاني و هنا فعلت مثل غاندي في سطوح بيتنا بالقرية و أرتديت مئزرًا كمئزر غاندي لكي يتم جلاء بريطانيا عن مصر و إذ بوالدي يراني على هذا الوضع ليقول لي ضاحكًا لن تُحرر مصر بتلك الطريقة!!). وضح من عبارات السادات مدى صوفيته الممزوجة ما بين صوفية العالم القديم و الصوفية الإسلامية كناية على عمق ثقافته و توسع معارفه كسمة هامة من سمات شخصيته ذاكرًا الكم الذي قرأه من الكتب في حياته بالإنجليزية و العربية مستشهدًا بعبارات مأثورة ذاكرًا أصحابها مثل: - أن ترى ما هو حق ثم لا تعمله دليل على فقدان الشجاعة فيك (كونفوشيوس 19/5/47). - ما أروع أن تضحك في الوقت الذي ينتظر منك الجميع أن تئن و تجأر بالشكوى (فرانك كرين 22/5/47). - إنه لغني ذلك الذي يرى الحياة إكتشافًا مستمرًا (جورج ديهاميل 22/5/47). - ما أنفقته على نفسي ضاع مني و ما أنفقته على الناس باق إلى أبد الدهر (حكمة صينية). - أعمل في الحياة كما و كأنك قادرًا على فعل كل شيء و ارضِ بحظك كما لو كنت عاجزًا عن كل شيء (جوزيف دي ميتر 22/5/47). - الشر الذي نصنعه للآخرين يؤلمنا أكثر من الشر الذي يصيبنا منهم (مثل كوري). أبرز السادات أقوالاً مأثورة أخرى من كتابات مختلفة كمقولة ألكسندر دوماس الكاتب الفرنسي الشهير الذي قال: (لا تحتقر الناس و لا تبغضهم و لا تهزأ بهم بل إرث لحالهم). إلى جانب مقولات للشاعر الألماني الصوفي جان تولد الذي قال: (أمنحني يا إلهي قوة الفكر كي أعيش و أصبح كالأسد .. أعطني يا إلهي عزيمة الصبر كي أستمد الهدوء منك و أستحيل إلى جبار). تلك الطريقة تنم عن تقارب شخصية السادات من شخصية غاندي الذي تأثر بكتابًا كبار كالكاتب الإنجليزي جون راسكن و الكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي الذي إستمد منه فكرة المقاومة السلمية من خلال مؤلفه الشهير (مملكة الرب بداخلك) و برائد المقاومة السلمية ديفيد هنري ثورو و غيرهم من الكتاب ليتأكد لنا مدى التقارب الشديد بين الزعيمين في الكفاح و الكتابة من خلال السؤال الذي طُرح على الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد من مجلة التايم بإختيار شخصية القرن ليرد قائلاً: (أختار الرئيس السادات ليكون شخصية القرن لأنه دفع ثمن ما نادى به كما حدث لقديس القرن العشرين المهاتما غاندي).