ما أكثر المواقف التي يمتلكها التاريخ في سجلاته المتزاحمة بمواقف الشعوب من حكامهم و تعاود الأيام نفسها بعد حدوث مستجدات على أرض الواقع في الأيام الأخيرة نحو موقف الشعب من حاكمهم ما بين رئيس يرضخ لشعبه و رئيس يجابه إرادة شعبه و بعد عزل الرئيس الدكتور محمد مرسي من منصبه تداعب موجة العزل بمصر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد إخفاق مخططه بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير و إستجواب الكونجرس له بدعم جماعة إرهابية ممثلة في الإخوان المسلمين تهدد بسلامة العالم مما يضعه قاب قوسين أو أدنى من ترك منصبه كما حدث مع الرئيس الأمريكي الجمهوري ريتشارد نيكسون. كان أول موقف جاء بأمر الشعب في إختيار حاكمه و ولي أمره ببريطانيا العام 1945 في الانتخابات البرلمانية هناك و كان الزعيم البريطاني المخضرم ونستون تشرشل الذي أتى بالنصر لبريطانيا بعد خطفه من أنياب الأسد النازي في الحرب العالمية الثانية و هو ممثلاً لحزب المحافظين كان من الطبيعي فوز من أتى بالنصر و لكن جاءت الأقدار تخالف التوقعات بفوز زعيم حزب العمال بمقاعد البرلمان كليمينت إتلي ليُسأل الشعب البريطاني عن هذا التغير مجيبين: لقد أتى لنا تشرشل بالنصر و إتلي سيأتي لنا بالسلام. أتى هذا الرد بمنطقية و ذلك بعد فشل ونستون تشرشل في إيقاف المد الشيوعي بأوروبا و إختلاف مستواه في السلم عن الحرب لتتوجه دفة الأمور لإتلي و تتأرجح الأمزجة البريطانية ما بين المحافظين و العمال ليعود المزاج البريطاني إلى حزب المحافظين بإختيار ونستون تشرشل مرة أخرى لرئاسة الوزراء العام 1951 و يشارك في تتويج الملكة إليزابيث الثانية العام 1952 و حصوله على لقب السير و يظل تشرشل ذو العقلية الموسوعية و السليقة الأدبية أيوقنة في عقل و فؤاد البريطانيين إلى أن شعر تشرشل بتقلص شعبيته بعد فشله في حل المشاكل الاقتصادية ببريطانيا ليقرر بنفسه تقديم إستقالته بناءً على رغبة الشعب الذي لم يدلي بدلوه بل أوضح زئيره الإعتراضي المكتوم و المحتقن ليمثُل تشرشل لرغبة الشعب حتى لا يفقد ذاكرته المضيئة في ذاكرة شعبه ليجد نضوح قراره الشجاع بجنازة مهيبة سارت فيها الأجيال المختلفة يوم وفاته العام 1965. تأتي السابقة الرسمية بعد أن أعلن الشعب ضجره بفرنسا صاحبة الريادة الثورية في التاريخ الحديث و التي علمت الشعوب كيف يتم إقتناص الحرية من أفواه المستبدين و ذلك في عهد الرئيس الفرنسي أيقونة فرنسا الذي حررها من الإستعمار النازي العام 1944 و الذي تولى رئاسة فرنسا بتأسيسه الجمهورية الرابعة و لكنه لم يستمر بسبب أزمة بالدستور الفرنسي فترك الرئاسة ثم لبى نداء الوطن العام 1959 بترشيح نفسه بالرئاسة الفرنسية و فوزه بالانتخابات معلنًا عن الجمهورية الخامسة لفرنسا التي لازالت قائمة حتى الآن ليدخل فرنسا حزام الدول النووية العام 1960 بعد أمريكا و الاتحاد السوفيتي و بريطانيا و يعلن عن إستقلال الجزائر العام 1962 و ينعش الاقتصاد الفرنسي و لكن لكل جواد كبوة ففي العام 1968 إندلعت ثورة الشباب الفرنسية بسبب مشاكل اقتصادية و اجتماعية إنتابت البلاد كان وراء هذه الثورات رئيس الوزراء الفرنسي جورج بومبيدو و التي وضعت ديجول في مأزق ليفرض السؤال نفسه حول بقاء ديجول من عدمه. قرر ديجول بعمل إستفتاء حول تطبيق اللامركزية بفرنسا و تعهد بتركه الرئاسة في حالة زيادة عدد معارضيه عن مؤيديه و جاءت النتيجة بفوز إستفتاء ديجول بتطبيق اللامركزية و لكن بنسبة قليلة عن معارضيه تحذره بأن شعبيته في تقلص ليقرر العام 1969 بتنحيه عن الرئاسة و إعتزاله بقريته (كولومبي ذات الكنيستين) إلى أن وافته المنية العام 1970 موصيًا بعدم عمل جنازة رسمية له حتى يظل في قلوب الفرنسيين بطريقة شعبية لا رسمية. جاء العام 1974 يحمل مفاجأت كبيرة من بلاد العم سام بإكتشاف فضيحة (الوترجيت) التي إتهمت الرئيس الأمريكي الجمهوري ريتشارد نيكسون بتورطه في عملية تجسس على الحزب الديمقراطي لمعرفة نقاط قوته و ضعفه في سباق الانتخاب الرئاسي و جرم القانون فعلة نيكسون لإرتكابه مخالفات قانونية تضمن نجاحه في السباق الرئاسي فما كان على نيكسون إلا أن يترك الرئاسة ليعلن يوم 29 أغسطس العام 1974 إستقالته من منصبه كأول رئيس أمريكي يستقيل قبل إكمال ولايته الثانية و عند إلقائه لخطاب الوداع من البيت الأبيض أحترم الشعب موقفه رغم إدانته لرضوخه لرغبة الوطن دون إحداث فرقة بين أبناء الوطن الواحد ليودع بالدموع و البكاء. في إندونيسيا أُعيد إنتخاب الرئيس الأندونيسي أحمد سوهارتو الذي أطاح بسوكارنو و ظل بالحكم لمدة إثنين و ثلاثون عامًا و أحدث في البلاد طفرات اقتصادية ظلت مستمرة حتى منتصف التسعينات و أعاد البرلمان انتخابه رئيسًا لإندونيسيا و لكن وقعت أزمات اقتصادية بالبلاد جعلت جاكرتا كلها تحتشد للإطاحة به فرضخ سوهارتو لرغبة شعبه بالتنحي عن الرئاسة العام 1998. في العام 2009 بماليزيا واجهت ماليزيا إخفاقات اقتصادية و أزمات اجتماعية بالبلاد مما أجبرت رئيس الوزراء عبدالله بدوي بالاستقالة إلى جانب تقلص نسبة حزبه في الانتخابات البرلمانية ليقدم إستقالته بناءً على رغبة الشعب.