إسلام الكتاتني .. شاب من شباب مصر الأنقياء فرغم «اخوانيته» الا انه خرج مع آخرين ثائرين ضد الظلم والطغيان والاستبداد يوم 25 يناير 2011 مخالفين بذلك قرار جماعة «الاخوان المسلمون» القاضي بعدم الخروج في اية تظاهرات ضد النظام السابق، وقد صُدم في الجماعة حين رآها وبعد ما لحقت بسفينة الثورة اثر تأكدها من نجاح الابحار وقد راحت تعقد في الخفاء الصفقات السياسية مع نائب رئيس الجمهورية الراحل عمر سليمان والذي كان قد اجتمع بممثلين عن الشباب الثائر في النور، وعندها تأكد حقاً وصدقاً ويقيناً أن الإخوان ركبوا الثورة ويريدون قطف الثمرة فكانت صدمته التي دفعته الى ان يخلع عنه تماماً العباءة الإخوانية. في اطار الجزء الثالث من سلسلتها "منشقون عن الاخوان .. لماذا انشقوا .. وكيف يرون حكمهم " الذي تنشره صحيفة "الوطن" الأكبر توزيعا والأكثر تأثيرا في الكويت حاور الصحفي المصري المتميز فوزي عويس إسلام الكتاتني وهو ابن أخ الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق والمبطل بموجب حكم قضائي فتحدث بصراحة واتسم حديثه بالثورية التي لا تزال كامنة فيه متمكنة منه. في الجزء الاول من الحوار معه يعرض اسلام الى بدايته في الجماعة ومسيرته فيها ويتحدث عن سنوات عشر كان خلالها في صراع مع نفسه انتهت بقراره بعد الثورة بالخروج من الجماعة التي ربت كوادرها وافرادها على الريبة والشك ولهذا فانها تتعامل وهي في الحكم الآن مع الشعب كله على أنه «أمن دولة» وهنا تفاصيل هذا الجزء الاول من الحوار مع الكتاتني. لو سألتك يا اسلام: نبتدي «منين» الحكاية؟ - حكايتي مع الاخوان بدأت منذ نعومة اظفاري حيث نشأت في كنف والد كان عالما رحمه الله فغرس فيّ حب التدين وكان يحدثني كثيرا عن «الاخوان المسلمون» وتضحياتهم. هذا يعني ان والدك طيب الله ثراه كان اخوانيا؟ - كان محبا للاخوان وقد تعرض في اواخر حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للاعتقال حيث كان آنذاك طالبا في كلية دار العلوم وكان توجهاً اسلاميا. اخوانية في جرجا يتعرض للاعتقال وهو محب للاخوان فقط فماذا لو كان اخوانيا؟ - كان محباً للاخوان لكنه كان يعمل بالعمل العام المستند والمنطلق من الوطنية وقد اعير الى السعودية وعندما عدنا في بداية حقبة التسعينيات عرفني ابن عم الوالد الاستاذ محمد الشرقاوي الكتاتني على الاخوان في مدينة جرجا بمحافظة سوهاج حيث كنت جاهزا بما تبلور لدى للانضمام اليهم ويمكن القول انني كنت ابحث عنهم والتحقت بما سميت «المجموعة الاولى» للاخوان في جرحا والتي تولت تأسيس العمل التنظيمي في المدينة حيث كان عمري آنذاك 25 عاماً واستمريت لعقد من الزمان في التنظيم الاسري حتى رقيت الى «اخ عامل» وتوليت مسؤولية لجنة «الثانوي» فضلا عن كوني عضو مجلس ادارة الشعبة. انشقاقك كان بعد الثورة.. أليس كذلك؟ - اتحفظ على كلمة انشقاق اذ ليس هناك من تربوا على مفاهيم الدعوة الاخوانية وخصوصاً الذين نشأوا على فكر وخط الامام حسن البنا ويتركون الجماعة لكن في مراحل قد يكون للمرء ملاحظات واسئلة لا يجد اجابات لها فيحدث تغيير في الفكر ولا يمكنه الاستمرار في التنظيم وشخصياً مكثت عشر سنوات حتى تبلورت لدى فكرة الخروج من الجماعة وفي بداية هذه السنوات العشر كنت لا أجد ردوداً على تساؤلات وكان والدي قد توفي وورثت تركته في العمل العام وكانت الجماعة تعمل من تحت الارض وكان هناك صراع بينها وبين جهاز امن الدولة ولم اكن اريد الاضرار بالجماعة بخروجي لكني كصاحب رؤية ومجتهد في سبيل الابداع اصطدمت مع خط الجماعة على متطلبات المرحلة وكنت على وشك الاختناق بسبب التضييق على فكري وطاقاتي ومع ذلك تحملت ثم مررت بمرحلة كان لي خلالها ملاحظات على الجانب الدعوي للجماعة وتحملت لكن ماصدمني في نهاية المطاف هو الخط السياسي لهذه الجماعة وكيفية تعاملها مع ثورة يناير، لكن يبقى خط الامام البنا محل اتفاق كما يقر بذلك اساتذة كبار مثل د. كمال الهلباوي والمستشار مختار نوح اللذين خرجا من التنظيم. صدمتي في الجماعة الم يتبين لك حتى ولو ملامح هذا الخط السياسي وانت في الجماعة خصوصا في العشر السنوات الاخيرة لك فيها والتي كنت خلالها في مراجعة مع ذاتك! الاخوان كانوا قبل الثورة في الجانب المعارض للنظام ولم يكن هناك ما يمكن ان نأخذه عليها وكان هناك تعامل امني معها يوجد او يوجب التعاطف معها مهما كان ما يحدث في داخلها لكن خطهم السياسي وضح تماما بعد الثورة ووضح اكثر واكثر وهم في سدة الحكم وهذا ما جعلني مصدوماً فيهم وصدمتي تزداد بشكل لا يتصوره احد اذ لم اكن اتوقع ان يمارسوا كل ما اقترفوه بعد الثورة وحتى الآن ومن ذا يمكن ان يتخيل ان مجموعة من الاخوان تشارك ضباطا وافرادا من الامن المركزي في تعذيب بعض المتظاهرين من شباب الثورة وذلك باعتراف صديق لبعض الاخوان والذي ذهب معهم الى احد معسكرات الامن المركزي وتحدث عن تعذيب وانتهاك هؤلاء! فالى متى يدعون انهم يحملون الفكرة الاسلامية ويعذبون وينتهكون حقوق الناس على هذا النحو؟ هذا لا يجوز شرعا او خلقا او قانونا او انسانيا. هل يعني هذا ان الشرطة والاخوان الآن غريبان ينامان في غرفة واحدة؟ - ما أراه الان ان الاخوان وهم يؤسسون لحكمهم يحاولون تحييد من بيدهم القوة كالجيش والشرطة ويبذلون قصارى جهدهم في سبيل ذلك بالاغراء تارة وبمحاولة التوافق الكامل مع امريكا تارة حتى يتجنبوا الانقلاب عليهم من قبل من يمثلون مصدر القوة. الوطن بعد الجماعة لو تم تطبيق نهج وفكر حسن البنا الآن هل تعود الى التنظيم مرة اخرى؟ - دعوة الإمام حسن البنا لا خلاف عليها دعويا مع بعض الملاحظات التي يجب اعادة النظر بشأنها وهي ذات صلة بالممارسة السياسية للجماعة فلا يمكن من خلال الاعتقاد بالوصول الى الفهم الصحيح للإسلام ان ينظر الاخوان بمرور الوقت نظرة اقل الى التيارات الاسلامية الاخرى بدعوى امتلاكهم للحقيقة، فما بالنا بالنظرة للتيارات الاخرى وقد ظهر هذا جليا في تصريحات كثيرة ادلى بها الدكتور عصام العريان وحسن البرنس وصبحي صالح وغيرهم، ان الفهم الصحيح للاسلام يناقض تماما فكرة الاقصاء وهذا ما يجب ان تعيد الجماعة النظر فيه، الامر الآخر ضرورة اعادة النظر ايضا في اعلاء مفهوم مصلحة الدعوى ومصلحة الجماعة التي تصبح مع مرور الوقت مترسخة في اذهان الافراد بحيث اذا ما تعارضت مصلحة الجماعة مع مصلحة الوطن تقدم مصلحة الجماعة اولا وهذا لا يجوز شرعا. وهل هما متفقتان اصلا مع بعضهما البعض.. اتحدث عن مصلحة الدعوة ومصلحة الجماعة؟ - لا فهناك انفصام في الممارسة السياسية والممارسة الدعوية لكن القيادات في الاخوان دوما يغرسون في نفوس الافراد ما يؤكد ان مصلحة الدعوى هي مصلحة الجماعة حتى يجعلا الدعوة والجماعة شيئا واحدا ولهذا فعندما قامت الثورة تم اختزال الوطن في الجماعة واصبح الوطن هو الجماعة، وهذا ما ينبغي بالضرورة اعادة النظر فيه، هذا بالاضافة الى اعادة النظر في ممارسة عملية الاقصاء التي جعلت الاخوان في واد وبقية الفصائل في واد آخر. أجواء ملائكية ما الذي كسبته بخروجك من الجماعة؟ - كسبت احترامي لنفسي والثبات على مواقفي وادعو الله تعالى ان يثبتني فالحمد لله لم اخالف ضميري وانا في الجماعة او بعد ان خرجت منها. حتى وانت تسمع وتطيع؟ - نعم كنت اسمع واطيع لكن هذا كان في فترة تأسيسنا للعمل حيث كانت الاجواء ملائكية ورائعة وكان عملنا يتمحور في دعوة الشباب الى الالتزام بقيم الاسلام وتعاليمه والى حسن الاخلاق وما شابه. وسط هذه الاجواء ألم يحدث ما يجعلك تعارض احيانا؟ - لا فالاجواء كانت جيدة والممارسة السياسية هي التي جعلتني اتوقف وافكر وخصوصا بعد ان رأيت الاخوان يعقدون الصفقات السياسية، اما غير ذلك فلم يكن يستحق المعارضة لاننا ندخل ونحن نعلم اننا سندخل في صراع مع جهاز امن الدولة مثلا وشخصيا تعرضت لخسارة مالية على هذه الخلفية لكننا كنا نعتبر ذلك تقربا الى الله تعالى علما بأننا كنا نتحاور ونشتبك مع بعضنا البعض داخل الجماعة لكن لم نكن نلجأ الى اخراج خلافاتنا، ويبقى الامر مختلفا بعد وصول الاخوان الى الحكم فقد باتوا في المسؤولية وهناك 90 مليون مسؤولون منهم ولابد لأية خلافات تستهدف الصالح العام ان تخرج، وشيخصا لم اصدح بكلمة الحق الا بعد وصول الاخوان للحكم ولم ادفن رأسي في الرمال وكنت اجابه باعتراضات كثيرة من اخواني الذين انقلبوا عليَّ لكني ارضيت ضميري خصوصا وانا ارى ان القيادة الحالية كما هي في فكرها ولن تغيره، وبل واستنسخت القيادات التي تليها ولم تتم الاستجابة لدعوات الاصلاح ومنها مطالبة نائب المرشد العام السابق د.محمد حبيب الذي قال بضرورة غربلة الجماعة من داخلها واحداث ثورة داخلية. طاعة الله كنت مسؤول لجنة الثانوي كما قلت فكيف كنتم تتعاملون مع الفتيات في هذه المرحلة؟ - هذه اللجنة كانوا يعتبرونها من اهم اللجان لاننا نأخذ الشاب صغيرا وهو في فترة التكوين ونعمل على اعداده وغرس مبادئ الدعوة في قلبه وبالتالي نشكل شخصيته واكرر هنا ان الاجواء كانت جميلة جدا وملائكية. وكيف يتم تنفيذ قاعدة السمع والطاعة؟ - القرار عادة يأتي من اعلى من خلال الهرمية من الاعلى موقعا الى الذي يليه وهكذا وعندما يكون هناك نقاش في شأن هذا القرار حتى ينهيه المسؤول ويقول: «خلاص هنعمل كذا»، وهنا يجب ان تكون الطاعة عمياء لان الطاعة هنا تكون طاعة لله تعالى. مجرد اتاحة الفرصة للفضفضة شوية لكن القرار يكون متخذا قبل النقاش؟ - تماما هذا صحيح وهذا امر خطير ينبغي اعادة النظر فيه لان الشباب نقي وتربى على حب الدين وضرورة نصرة القضية الاسلامية فالقرار عندما يتخذ يجير انه لصالح الاسلام ولذلك كنا نتناقش على جذب اكبر عدد من الفتيات والشباب للجماعة. علاقة الاخوان داخل الجماعة بالمجتمع من الخارج وبأفراده.. كيف رأيتها؟ - الفهم الصحيح للاسلام يفرض على المرء ان يمد يده للجميع من كل التيارات ولكن لان هناك اجهزة امنية تطارد الاخوان فكان هناك نظرة توجس وخيفة وتشكك في أي شخص في المجتمع هناك احتكاك به وهذا امر اخر يجب اعادة النظر فيه لانه تمكن جيدا من الجماعة وانظر الى واقعهم الآن في الحكم ومع ذلك يتشككون في كل من حولهم وينظرون للناس على انهم عملاء، ويتعاملون مع الشعب وكأنه «أمن دولة» الذي كانوا يتوجسون خيفة منه وهذا امر لا يمكن ان يستقيم. مساومة كيف تعامل الاخوان مع الثورة وقد كنت وقت اندلاعها اخواناً في التنظيم ومشاركا مع تيار من شباب الاخوان فيها من دون موافقة الجماعة؟ - من الواضح تماما ان الاخوان ركبوا الثورة فهم من جلسوا مع الراحل عمر سليمان نائب الرئيس السابق في الخفاء بينما جلس معه واجتمع به بعض شباب الثورة في النور وفي لقاء الاخوان مع سليمان كان معه الدكتور محمد مرسي والدكتور سعد الكتاتني وكانت هناك مساومة وعرض الاخوان مغادرة الميدان في مقابل ان يكون لهم حزبهم السياسي الشرعي بالاضافة الى الافراج عن مجموعة خيرت الشاطر وبالفعل اخلوا الميدان يوم 28 يناير 2011 «جمعة الغضب» ولم نكن سوى قرابة 500 شاب في الميدان ولكن ضغط الثورة كان اكبر منهم اخذا في الاعتبار انهم لم ينزلوا ميدان التحرير مع بدء الثورة يوم 25 يناير وراحوا يساومون النظام وعليه فقد ركبوا الثورة بكل تأكيد. الإخوان كلهم نسايب وقرايب.. وكله ضحك على الذقون قال إسلام بأن مشروع التوريث تم في مصر بنجاح مضيفا: الجماعة التي ورثت الحكم كلهم «قرايب ونسايب» فالدكتور مرسي متزوج من شقيقة الدكتور أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى والمتحدث الرسمي باسم الاخوان محمود غزلان متزوج من ابنة المرشد العام وهكذا حدث التوريث ولكن لعائلة الاخوان بدلا من جمال مبارك وكله «ضحك على الذقون». وبسؤاله عن رأيه في جبهة الضمير الوطني التي تم الاعلان عنها أخيراً قال: بل قل جبهة الكذب الوطني، والأمر لا يعدو كونه مراوغة سياسية لضرب جبهة الانقاذ التي أتحفظ على بعض أساليبها في العمل الوطني. اللحظة الفارقة ستدركنا قريباً ناشد الكتاتني الإخوان: عودوا إلى رشدكم والتزموا الخط الدعوي لكي تصل سفينة مصر إلى بر الأمان. وقال لشباب الإخوان في الجماعة: القيادة الحالية تدمر الوطن فأربأ بكم الانصياع لها والبقاء في الجماعة للسمع والطاعة فقط وتوجه للشعب المصري قائلا: كونوا متفائلين فالله تعالى ضمن الأمن لمصر في كتابه الكريم وإن شاء الله تعالى ستدركنا قريباً اللحظة الفارقة وتنهض مصر من كبوتها وستحقق أهداف الثورة.