بين تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة ووصول معدلات الدين المحلي لمستويات حرجة لاتسمح بمزيد من الاقتراض وتحفظ كثير من القوى السياسية والشعبية علي الاقتراض الخارجي مع صعوبة اجراءاته في ظل الانقسام الذي يشهده الشارع المصري بأزمة الاعلان الدستوري الأخير ،تجد الحكومة نفسها في مأزق كبير يمثل اختيارا صعبا بين السياسة الانكماشية والسياسة التوسعية في ادارة ماليتها العامة. فالسياسة الانكماشية تتطلب التوسع في الايرادات العامة بفرض مزيد من الضرائب وتخفيض الانفاق العام بترشيد بنود الدعم وتحرير اسعار سلع مدعومة وبالتالي تنعكس هذه الاجراءات التقشفية على الشارع بالرفض بكل تأكيد ومساهمتها في زيادة معدلات البطالة اما السياسة التوسعية فتتطلب التوسع في برامج الانفاق لتنشيط الطلب المحلي وتحفيز الاستثمار بتخفيض اعبائه الضريبية بما يحمل مزيدا من الارتفاع في عجز موازنة الدولة مع عجز الحكومة علي سداد معدلاته الحالية. رصدت "أموال الغد" آراء الخبراء الاقتصاديين وبعض السياسيين وممثلي المجتمع الاستثماري بشأن السياسة الحكومية الانكماشية المطبقة حالياً والتي الزم الحكومة في جانب منها صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرض ب 4.8 مليار دولار والزم الجانب الآخر منها الواقع المالي للدولة ومقترحاتهم بشأن السياسة البديلة حال عدم قبول الشارع لهذه السياسة. في البداية يقول الدكتور أحمد جلال مدير منتدى البحوث الاقتصادية ان الحكومة المصرية اخطأت خطأ كبير بانتهاجها سياسة انكماشية في الوقت الحالي نتيجة ارتفاع معدلات البطالة بما ينذر بامكانية انفجارها في وجه المسئولين وكذلك ثورة الشارع على الاعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي مؤخراً داعياً الحكومة الي اعادة النظر في الشرائح الضريبية الجديدة التي شرعت في تطبيقها او الاعلان عنها وكذلك في تحرير اسعار السلع المدعومة تجنباً لثورة جديدة سيكون محركها الجوع وهدفها اسقاط الدولة. وناشد جلال الحكومة بالتوسع في برامج الانفاق العام وتنشيط الاستثمار بما سينعكس ايجاباً علي معدلات الناتج المحلي الاجمالي وكذلك الايرادات العامة في الأجل الطويل علي ان تلجأ الي وسائلها التقليدية في تمويل عجز الموازنة سواء عن طريق الاقتراض الداخلي أو الخارجي مؤكداً ان هذه المعاناة التي من الممكن ان تواجهها الحكومة نتيجة السياسة التوسعية تعد افضل من انفجار معدلات البطالة وثورة الشعب. وعلى جانب آخر يرى الدكتور حسن عبيد أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ان الحكومة ليس أمامها سوي المضي قدماً نحو مزيد من الاجراءات التقشفية في ظل انه السبيل الوحيد لحفظ عجز الموازنة العامة للدولة عند معدلاته الحالية وتجنب انفجاره في ظل خطورة معدلات الدين المحلي وتعنت الجهات الدولية المانحة في منح مصر مساعدات دولية او قروض جديدة تساهم في تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة. ودعا عبيد جمهور المواطنين بتقبل الوضع الحالي لاجراءات التقشف الحكومي محذراً ان تلقي مصر مصير اليونان نتيجة الانخفاض المستمر في ايرادات الدولة والمطالب الفئوية المتزايدة والتي تقود الانفاق العام نحو الارتفاع المطرد. اما الدكتور أحمد غنيم استاذ الاقتصاد الدولي بجامعة القاهرة فيري ان مصر تدار بعشوائية اقتصادية لا يعلم أحد الي اين ستذهب بنا والي متي سنستمر فيها فالرؤية الاقتصادية غير معلنة والطريق غير متضح والمستثمر الاجنبي لن يأتي بما ينذر بفشل محتمل في تحقيق معدلات مرتفعة للنمو في الناتج المحلي الاجمالي. وعلي الجانب السياسي يؤيد محمد حامد أمين اللجنة الاقتصادية بحزب النور اتجاه الحكومة نحو الاجراءات التقشفية ولكنها يعارض تطبيقها في الوقت الحالي نظراً لعدم تحمل الشارع المصري مزيداً من الضغوط قد تؤدي حال استمرارها الي المضي قدماً نحو احتجاجات جديدة قد تتطور الي مالا نستطيع تحمله في الوقت الحالي. وعلي جانب الصناع يرى محمد فريد خميس رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين انه لابديل امام الحكومة عن اجراءات التقشف وعلى الجميع ان يتفق معها ويساندها في محنتها الحالية مؤكداً انه حال وقوع مصر فسيخسر الجميع سواء الصانع او المستهلك او التاجر.