المنوفية: ضبط سائق أجرة بموقف تلا - شبين الكوم لتقاضيه أجرة زائدة وتجاوز الحمولة    المستشار السابق لترامب جون بولتون ينفي أمام المحكمة تهم تخزين ومشاركة معلومات سرية    أمريكا تعتقل ناجين بعد غارة على سفينة يشتبه في نقلها مخدرات بالبحر الكاريبي    الأهلي يفوز على فلاورز ويتأهل لنصف نهائي بطولة إفريقيا لليد    مانشيني يقترب من العودة إلى البريميرليج ضمن قائمة المرشحين لتدريب مانشستر يونايتد    راشفورد: أستطيع بلوغ كامل إمكانياتي مع برشلونة    سقوط فتاة من عقار في العمرانية أثناء نشر الغسيل وإصابتها بكسور    مرشح يتقدم بطعن بعد استبعاده من الكشوف الانتخابية بالقليوبية    المايسترو تامر فيظي: آمال ماهر تمتلك ذكاء أم كلثوم وإمكانات صوتية استثنائية    انطلاق مهرجان تعامد الشمس بأسوان بمشاركة 8 فرق شعبية وحضور فودة وكمال    فوز ماريا كورينا بنوبل للسلام يعيد التساؤل: هل الجوائز العالمية مسيسة وأداة من أدوات النفوذ الغربي؟    فريق من الطب العلاجي يتفقد مستشفى نخل لمتابعة جودة الخدمات الطبية بشمال سيناء    محافظ الدقهلية: افتتاح مخبز المحافظة قريبًا لإنتاج الخبز المدعم و"الفينو" لتخفيف الأعباء عن المواطنين    الإثنين، آخر مهلة لسداد اشتراكات المحامين حاملي كارنيه 2022    عاجل- وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية السابق: حاولنا ربط الإفراج عن شاليط بمروان البرغوثي ولكن إسرائيل رفضت رفضا قاطعا    الدويري: لم يكن هناك طلبا لحماس لدى إسرائيل إلا وأكد الوفد المصري عليه    محمد مندور يكتب: متحف الجامعة العربية.. ابو الغيط والوعي العربي    في ذكرى ميلاده.. سُليمان عيد صانع البهجة والإبداع    من 15 حلقة فقط.. جومانا مراد: بقدم شخصية جديدة ومختلفة في مسلسل 'خلايا رمادية'    اللواء بحرى أركان حرب أيمن عادل الدالى: هدفنا إعداد مقاتلين قادرين على حماية الوطن بثقة وكفاءة    «الوطنية للانتخابات»: قاعدة بيانات محدثة للناخبين لتيسير عملية التصويت    توفير وظائف للشباب وذوي الهمم .. حصاد «العمل» في إسبوع    مقتل 8 مسلحين في عملية أمنية بإقليم خيبر بختونخوا الباكستاني    مصطفى بكري عن سد النهضة: مصر لن تسمح بأي تهديد لمصالحها الوطنية    الأرصاد الجوية: توقعات سقوط أمطار على بعض المناطق خلال الساعات القادمة    ينافس نفسه.. على نور المرشح الوحيد بدائرة حلايب وشلاتين    وزارة النقل تناشد المواطنين للمشاركة في توعية ركاب السكة الحديد من السلوكيات السلبية    ريم أحمد تكشف عن تحديات الأمومة في ستات ستات: ابنتي أقوى مني    شبكة عالمية: محمد صلاح ضمن أفضل 5 صفقات في تاريخ الدوري الإنجليزي    روسيا: مستعدون لتسهيل التوصل إلى تسوية لقضية البرنامج النووي الإيراني    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية ورقم الناخب    بنزيما يقود تشكيل الاتحاد ضد الفيحاء في الدوري السعودي    موقف ثنائي ريال مدريد من اللحاق بمباراة خيتافي    تعاون بين الآثاريين العرب والسياحة.. رؤية جديدة لإحياء الإنسان والحجر    قبرص: تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر والجهات الإقليمية الفاعلة أساسي لتعزيز السلام والأمن الإقليميين    طريقة طاجن السبانخ باللحمة.. أكلة مصرية بطعم الدفا مع اقتراب أجواء الشتاء (المكونات بالتفصيل)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-10-2025 في محافظة الأقصر    أهم أخبار السعودية اليوم الجمعة 17 أكتوبر 2025.. منصة "نت زيرو" توقع مذكرة تفاهم مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة    ضبط دجال يروّج للشعوذة على السوشيال ميديا في الإسكندرية    الخطيب: مشروع الاستاد حلم يقترب من التحقق.. ومؤسسة الأهلي للتنمية المجتمعية هدفها خدمة الوطن    لمدة 14 ساعة.. ضعف وانقطاع المياه غدًا السبت عن 3 مناطق بالإسكندرية    الأقصر أرض التاريخ المصرى القديم تستضيف 100 مغامر أجنبى من 15 دولة بفعاليات رياضية الباراموتور.. بهجة وفرحة بين الأجانب بالتحليق المظلى فوق معابد ومقابر الملوك وشريط نهر النيل.. ومغامر فلسطينى يشيد بسحر المشهد    الإسكندرية تبدأ توسعة طريق الحرية.. مشاريع لتحسين الحركة المرورية لمدة شهر كامل    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    شركة حدائق: تحويل حديقتي الحيوان والأورمان إلى نموذج عالمي للحدائق الذكية    منتخب مصر يتقدم والمغرب تتراجع.. «فيفا» يكشف التصنيف العالمي للمنتخبات    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟.. أخصائية تخاطب توضح    وزير الصحة يلتقي نظيرته البحرينية لتعزيز التعاون الصحي وتبادل الخبرات بين البلدين    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    «الطفولة والأمومة» ينعي ضحايا حادث أسيوط ويؤكد متابعة الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    محافظ بورسعيد يعتمد تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة البنزين والسولار الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وعُدنا للتقشف
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 07 - 2011

فى حوار مع مجلة صندوق النقد الدولى (آى ام اف سيرفى IMF Survey)، اعتبرت راتنا ساهاى، وهى الخبيرة التى رأست بعثته إلى مصر للتفاوض على قرض ب3 مليارات دولار قبل أسابيع، أن رفض قرض المؤسسة الدولية جعل الموازنة المصرية معرضة لمخاطر نمو أقل للاقتصاد ولخلق الوظائف بسبب تقليل الانفاق على الصحة والاسكان والتعليم «فى وقت يطالب فيه المصريون بالعدل الاجتماعى». وتضيف ساهاى، التى تصف الموازنة الجديدة بأنها تقشفية: «نحترم قرار السلطات هذه المرة بتقليل الانفاق والتوجه لعجز أقل فى الموازنة».
يرصد الحوار الاختيارات المطروحة أمام حكومتنا المؤقتة وكأنها بين اثنين لا ثالث لهما: إما الاقتراض من المؤسسات الدولية وإما العودة إلى سياسات تقشفية بتخفيض العجز، ومن ثم الانفاق العام. بل إن مسئولة الصندوق تكاد تقول إن الاقتراض منه كان الحل الوحيد لضمان مطلب العدالة الاجتماعية، واصفة الموازنة الأولى قبل رفض الاقتراض بأنها كانت توسعية «معتدلة وتستخدم موارد خارجية بشروط جيدة».
ولانعرف على وجه التحديد لماذا قررت الحكومة عدم الاحتفاظ حتى بمعدل العجز الذى أعلنته فى الموازنة الأولى التى توفرت فيها هذه الموارد ومضت فى تقليصه من حدود ال11 % من الناتج المحلى الاجمالى إلى 8.6 % فقط، خاصة بعد أن فقدت أيضا دخلا كان سيأتيها من ضريبة الأرباح الرأسمالية التى تمت قصقصتها. ويعنى هذا تحولا كبيرا من منظور التشغيل وتحفيز الاقتصاد الذى كانت تعدنا به إلى منظور أولوية عجز الموازنة.
بهذا يخبو ألق الثورة الذى لم يكد يظهر فى سياستنا الاقتصادية ليعود اقتصادنا للاصطفاف مع حكومات العالم فى خانة تخفيض الإنفاق الاجتماعى على الخدمات الأساسية لأغلبية المواطنين الفقراء.
من التحفيز للتقشف.. موجة عالمية
بعد تبنيها حزم للانعاش والتحفيز على مدى سنتين فى مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، عادت الرأسمالية العالمية ومن يتحكمون بها إلى قواعدها فى خندق التقشف المالى. وهكذا رأينا برامج كاسحة لتقليص الإنفاق الحكومى بطول وعرض أوروبا، من أيرلندا وبريطانيا فى الغرب إلى أوروبا الشرقية وروسيا. وهاهى ألمانيا، اقوى اقتصادات القارة تخفض 80 مليار يورو مقابل تخفيضات فرنسية واسعة فى المعاشات وتراجع 10 % فى موازنات المحليات.
يجىء هذا بعد أن تدخلت الدولة بشدة لمساندة النظام المالى وضخ أموال هائلة من ميزانياتها، من أموال دافعى الضرائب، لإنقاذ البنوك وبنوك الاستثمار التى أثبتت عدم كفاءتها الاقتصادية وعدم رشادة دورها فى عالم الاقتصاد. ويصف الاقتصادى المصرى الكبير محمد العريان، الذى كان مرشحا لرئاسة صندوق النقد الدولى والذى يدير حاليا أحد أكبر الصناديق الاستثمارية فى العالم، ماحدث بقوله: «عبر البنك المركزى الأوروبى والاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى تدخلت الحكومات بميزانياتها لتتحمل الديون والأعباء الخاصة بالقطاع الخاص، سامحة للمستثمرين بالتخارج بطريقة منظمة». وكانت هذه المؤسسات الممولة من قبل الحكومات قد أسست صندوقا للانقاذ برأسمال 750 مليار يورو.
ولطالما كان تحجيم عجز الموازنة بما «لا يحمل الأجيال القادمة عبء استدانة الأجيال الحالية» ركنا أساسيا فى السياسات التى اتبعتها حكومات الرأسمالية العالمية على طريقة تحرير الأسواق بلا قيود، ومنها مصر نظيف. لكن هذه الحكمة التاريخية التى عاد إليها الاقتصاد العالمى، ومعه مصر المجلس العسكرى، تم التغاضى عنها بمنتهى البساطة حينما تعلق الأمر بالمستثمرين والشركات الكبرى فصار العجز أمرا ثانويا.
الإنفاق الحكومى فى خدمة من؟
تستعرض جريدة الفاينانشيال تايمز فى تقرير لها يوم 22 يونيو الماضى تقريرا عن الثروة العالمية أصدرته مؤسستا ميريل لينش وكاب جيمينى يؤكد أن الفئة الاجتماعية الوحيدة التى استفادت من الإنفاق الحكومى، الذى انفتحت له كل الأبواب خلال هذين السنتين، هى الأغنياء. يقول التقرير إن إجمالى الثروة التى يملكها أناس لا يقل ما يمتلكونه عن مليون دولار فى العالم زادت فى 2010 إلى 42.7 تريليون دولار مقارنة ب 40.7 تريليون فقط فى 2007. وقالت مقدمة الخبر فى الجريدة البريطانية بالنص إن «المليونيرات عبر العالم أغنى الآن مما كانوا قبل الأزمة العالمية فى آخر العلامات على أنهم اتقوا مساويء التراجع العالمى أفضل كثيرا من باقى الفئات الاجتماعية».
ليس هذا فقط. فيقول تقرير مشترك للصندوق مع منظمة العمل الدولية إن عدد العاطلين عالميا زاد ب 30 مليون شخص منذ 2007 منهم 7.5 مليون فى الولايات المتحدة واصفة وضع أسواق العمل بأنها «رهيبة». فى الوقت نفسه شهدت عدم المساواة الاجتماعية أعلى معدلاتها حتى فى دول الرفاه الأوروبية كالسويد.
الرسالة واضحة: عندما تواجه وول ستريت المتاعب، فإن الحكومات لديها موارد غير محدودة لكن عندما يعانى جمهور الطبقة العاملة أو الفقراء من أطول فترات البطالة منذ الكساد العظيم فى الثلاثينيات، يقال لهم إن عليهم التقشف وتدبير أمورهم بإنفاق أقل.
والأنكى من هذا كله هو أن العودة السريعة للتقشف قد لا تخدم صحة الاقتصاد حتى بمعايير رأسمالية. فهذه العودة السريعة على خلفية ما يعتقد أنه تعافى فى الاقتصاد العالمى يجيء على خلفية تحسن أقل بكثير من ظروف العمل مقارنة بإجراء شبيه تم فى الثلاثينيات وكان المقدمة للانهيار الكامل. كما أن التجربة اليونانية، التى ألهمت الرأسمالية العالمية بأن خيار التقشف قد يمر سياسيا واجتماعيا، تقول إنه سيؤدى لانكماش فى النمو وهو ما يزيد من ضعف قدرتها على سداد ديونها التى زادت عن توقعات ما قبل 6 أشهر وقفزت إلى 126 % من الناتج المحلى.
لدينا خيارات أخرى
لا يمكن استبعاد مصر من هذا النوع من ازدواجية المعايير المبنى على قرار سياسى أكثر منه اقتصادى. فقد اختارت مصر استبعاد قرض الصندوق، وهو قرار حكيم، لأن قبوله كان غير ديمقراطى وغير مبرر اقتصاديا. ولا يجب أن ننخدع هنا بموقف الصندوق من موضوع التقشف. فالصندوق يدافع عن «عودة تدريجية له» ولا يتبنى منهجا مغايرا بشكل كامل. ومعيار الانضباط المالى أو الاتزان المالى (التقشف وتحجيم عجز الموازنة) أساسى فى رؤيته لاقتصاد مصر. لكنه كما يقول فى إحدى اصداراته قلق من أثر تطبيقه الآن على النمو ومن ثم على وضع الأزمة العالمية «تطبيق إجراءات تقشفية فى العالم كله فى وقت واحد يهدد التعافى الاقتصادى. العودة تدريجية للاتزان المالى قد تكون استراتيجية أنجح ليس فقط للنمو لكن أيضا للعجز ولتفادى انفجار الغضب الاجتماعي». لم يحدث هذا فى اليونان ومن ثم انفجرت الأزمة ثانية بعد أن ثار أبناء الإغريق على هذه المعايير المزدوجة وغير الديمقراطية.
وعندنا فى مصر أيضا فإن الاختيار ليس بين التقشف الآن والتقشف لاحقا وعلى حساب الفقراء فى كل الأحوال. فقد فتحت لنا ثورة يناير الباب لانهاء إزدواجية المعايير وعدم تناسب الأعباء فى الموازنة العامة. التقشف الذى يسرى على الفقراء فقط، سواء على طريقة الصندوق أم على طريقة موازنة شرف، ليس مقبولا من الناحية السياسية، وليس سليما من الناحية الاقتصادية.
من قال إن الإنفاق الاجتماعى يجب أن يتم بالعجز؟ وماذا لو تحمل الأغنياء بعض الأعباء الوطنية فى نهضة الأمة عبر ضرائب على الاستهلاك الترفى وعلى أرباح المضاربات فى الأسهم والأراضى وعبر تحجيم الاحتكارات التى تبيض لهم ذهبا وعبر إنهاء الدعم الذى ندفعه لهم من جيوبنا فى غاز المصانع؟ وغير ذلك كثير من الإجراءات.
الاختيار سياسى قبل أن يكون اقتصاديا. وطالما وضعت مصالح نخبة الأعمال القديمة بالقسر والقوة كبوصلة للمجتمع لن تتحقق آمال النهضة والمساواة والحرية التى ثار من أجلها المنتجون المصريون الفقراء، والتى تعلموا أن لا نصير لهم فى الدفاع عنها سوى أنفسهم. وهم لها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.