قال بنك الكويت الوطني في تقرير صدر عنه اليوم تناول فيه مناخ الاقتصاد الدولي أن الوعود التي أعطاها أساساً مجلس الاحتياط الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي ساعدت بضخ كمية جديدة هائلة من السيولة، واحتمال تحقيق هذه الوعود، على بلوغ الأسهم الأميركية أعلى مستوى لها منذ خمس سنوات في الربع الثالث من العام 2012، مع تخطي مؤشر داو جونز للصناعات مستوى 13500 نقطة. وفي الاقتصادات المتقدمة الأخرى، اقترب أسواق الأسهم أيضا من أعلى مستوياتها للفترة الأخيرة. وتراجع الدولار الأميركي مقابل اليورو ليتجاوز اليورو 1.30 دولار، ولاتزال أسعار الفائدة متدنية على السندات الحكومية لأجل 10 سنوات (ولكن أعلى من المستويات المسجلة أخيرا). وبلغت أسعار الفائدة على السندات الأميركية والألمانية 1.8% و1.7% على التوالي. وقد تقلصت هوامش أسعار الفائدة في إيطاليا وإسبانيا مقارنة بهذه المراجع الإسنادية. وفي هذا الوقت، استمرت البيانات الاقتصادية في الكتل الكبرى (الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والصين) ببعث إشارات تدل على تراجع أو تباطؤ. أما بالنسبة لأسعار الذهب، فقد بدأت بالتحرك مجددا. وما يمكن أن يكون محيّرا في مواجهة البيانات الاقتصادية الضعيفة لدى الاقتصادات الكبرى (الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والصين)، يمكن تفسيره بالسياسات الجريئة جدا والحادة التي تتخذها الحكومات والبنوك المركزية. وتبدو الأسواق واثقة من أن هذه الإجراءات ستدعم الاقتصادات، أو أن إجراءات جديدة ستتخذ حسب الحاجة إذا ما استدعى الأمر ذلك، أو كلا الأمرين. وقادت مجموعة من الإجراءات إلى رفع قيمة اليورو: وهي التحرك نحو اتحاد مصرفي أوروبي، وإعلان إعادة رسملة البنوك الإسبانية، وقرار المحكمة العليا الألمانية بالتصديق على مشاركة ألمانيا في صندوق الإنقاذ الأوروبي الجديد (آلية الاستقرار الأوروبية)، والأهم إعلان البنك المركزي الأوروبي عن استعداده لشراء كميات غير محدودة من الدين السيادي للدول المتعثرة في منطقة اليورو (إيطاليا وإسبانيا). ورغم عدم محدودية هذه الكميات (احتمالا)، فإن شراء هذه الديون، التي لا يتجاوز موعد استحقاقها 3 سنوات، ستكون مشروطة وتطبّق فقط على الدول التي تطلب الإنقاذ رسميا (من صندوق تسهيلات الاستقرار المالي الأوروبي القديم/آلية الاستقرار الأوروبية الجديدة). وسيتم وقف هذه المساعدة إذا ما تم الإخلال بشروط الإنقاذ. ولن تزيل هذه الإجراءات بالطبع المشاكل الهيكلية، أو تمحو المستويات العالية للدين. ورغم ذلك، فإنه ينظر إليها كمؤشر على تصميم الاتحاد الأوروبي، ولكسب وقت كاف لإيجاد حلول أو لتحسن الاقتصادات، أو لبلوغ كلا الأمرين. ولا تزال أوروبا واقعة في حالة ركود، واليونان بعيدة كل البعد عن حل مشاكلها رغم أن هذه المشاكل لم تعد في الصدارة. ومن ناحيته، قام مجلس الاحتياط الفيدرالي، والذي أشار سابقا بوضوح إلى أن "شيئا ما" يجري التحضير له، بالالتزام بذلك في اجتماع لجنة السوق المفتوحة الاتحادية (FOMC) الذي عقد في سبتمبر. فقد مدد السعر المستهدف على الأموال الفيدرالية المقارب لصفر، من أواخر 2014 إلى منتصف 2015، وأعلن عدم تقيد برنامج التسهيل الكمي الثالث بوقت زمني، وذلك من خلال شراء شهري لأوراق مالية مضمونة برهن عقاري بقيمة 40 مليار دولار، واستعداده لشراء المزيد إذا ما دعت الحاجة لذلك. وأضاف مجلس الاحتياط الفيدرالي أنه حتى في حال تحسن الاقتصاد، فإن الشروط النقدية السهلة ستستمر لبعض الوقت. وجاء هذا القرار وسط بيانات تظهر نمو الناتج المحلي الإجمالي بأقل من 2% وتراجع مستوى التوظيف بأقل من 100 ألف شهريا، فيما بقي معدل البطالة أعلى من 8%. ويظهر سوق الإسكان بعض التحسن ولكن الإشارات تبقى غير نهائية. ولم يكن الجميع سعداء بإجراءات مجلس الاحتياط الفيدرالي. فقد رأى البعض أنه لا جدوى منها أو أنها لا تستحق المخاطر التي تنطوي عليها (اختلال في الأسواق، تضخم فيما بعد). وأطلق عليها أحد المحللين "ليست التسهيل الكمي الثالث" ولكنها "التسهيل الكمي الثالث والرابع والخامس ..."، في حين سماها آخر "التسهيل الكمي غير المتناهي". واعتبرت خطوة مجلس الاحتياط الفيدرالي بعدم وضع حد زمني للتسهيل الكمي الثالث إضافة إلى الإجراء السابق أكثر حدة من إجراءات البنك المركزي الأوروبي الأخيرة، ولذلك هي مسؤولة جزئيا عن ارتفاع قيمة اليورو مقابل الدولار الأميركي. (سيقوم البنك المركزي الأوروبي بتعقيم الشراء "غير المحدود" من السندات الحكومية). وبالطبع فإن تراجع الدولار عادة ما يرفع أسعار السلع، وسيتجه المزيد من المستثمرين أكثر نحو الأصول الحقيقية، مثل سوق العقار. وبالنسبة للاقتصاد العالمي، يبقى السيناريو الذي يتقدم بشكل متخبط هو الإجماع على المخاطر المألوفة الآن: مخاوف تتعلق باليورو، ركود في الولاياتالمتحدة أو الصين، وضع مالي على حافة الهاوية في الولاياتالمتحدة ... وكما ألمحنا أعلاه، فإن الإجراء الرسمي رغم ذلك تمكن من دفع المستثمر مجددا إلى اتخاذ المخاطر. وتبقى هذه الثقة رهنا بالسيناريو المقبل. وقد أدى النمو البطيء في الصادرات، بما فيها صادرات الصين وغيرها من دول آسيا، إلى مراجعات جديدة في نمو الناتج المحلي الإجمالي في تلك الدول، رغم وجود إجماع جديد بأن الصين لن تشهد تراجعا حادا. وبأي حال، فإن تباطؤ النمو لم يكن كافيا لخفض أسعار النفط، نظرا لظروف الإنتاج الضيقة. وهكذا بقيت أسعار النفط مدعومة جيدا فوق 100 دولار أميركي للبرميل، ما أبقى الأمور على حالها بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي. وتستمر هذه الدول بالاستفادة من موازنات قوية وإيرادات نفط قوية. ولا نزال نتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الخليج غير النفطي بنحو %5.0 بالأسعار الثابتة هذا العام، وأن تبقى المنطقة نسبيا في منأى عن الأوضاع العالمية المعرضة للهزات التي ذكرناها أعلاه.