تناولنا في التقرير السابق، أولى الضربات التي تعرض لها القضاء المصري عقب الثورة، تمثلت في تهديد أهالي شهداء ومصابي الثورة باللجوء للمحكمة الجنائية الدولية، في حالة صدور أحكام سلبية تصب في صالح المتهمين من النظام السابق بقضايا قتل المتظاهرين، وعلى رأسهم مبارك ونجليه وحبيب العادلي ومساعديه. أما الضربة الثانية التي تعرض لها القضاء المصري، والتي لم يسدل الستار عليها بعد، هي قضية الأمريكان المتهمين بتمويل منظمات المجتمع المدني، حيث أثار سفر المتهمين الأجانب التسعة بقضية التمويل الأجنبي ردو فعل غاضبة واسعة بالشارع المصري، إذ انتفضت كافة القوى السياسية والتيارات الأخرى منددين بالموقف، في الوقت الذي راح فيه عدد كبير من أعضاء البرلمان المصري يقدمون طلبات عاجلة لرئيس مجلس الوزراء، د.كمال الجنزوري، ووزيري العدل والخارجية، في الموقف الذي اعتبروه تنازلات من الحكومة المصرية على الرغم من تصريحاتها الأخيرة التي أكدت فيه أنها لن تتنازل ولن تركع، كما أنه يمس سمعة القضاء المصري بصورة سلبية. أسهم قيام المستشار عبد المعز إبراهيم، رئيس محكمة الاستئناف، بتغيير مسار قضية التمويل الأجنبي، في إشعال الفتنة، بعد أن طالب بالإفراج عن المتهمين الأجانب بحجة أن الإتهامات الموجهة اليهم لا ترقي لمستوي الجناية، وإنها مجرد مخالفة، وأن العقوبة هي الغرامة فقط. اعتبرت القوى السياسية سفر المتهمين الأجانب على أنه "جريمة"، خاصة أنهم متهمين في قضية التمويل الأجنبي لبعض منظمات المجتمع المدني، ومازالت محاكمتهم قائمة، مؤكدين أن الحكومة المصرية تواصل صمتها إيزاء هذا الموقف غير المبرر، عقب سلسلة من التصريحات القوية التي أوردها الجنزوري نفسه والمجلس العسكري التي أكدت أنه لا تراجع ن موقف مصر، ولا استسلام. علامات استفهام كثيرة طرحها الشارع المصري بشأن هذا الموقف الذي تم وصفه ب "المتخاذل" من قبل الحكومة المصرية، فراحت حركة شباب 6 إبريل تؤكد على أن الحكومة المصري تدخلت تدخلا فجا في أعمال السلطة القضائية وسمحت للمتهمين بالسفر ومغادرة البلاد، في ضربة قوية للقضاء المصري، تشير إلى أن القضية كانت "مجرد تمثيلية" ولم تكن محمولة محمل الجد. استنكرت الحركة هبوط طائرة أمريكية على الأراضي المصري دون إذن مسبق، بما يتعارض والسيادة المصرية على أرضها. وعلى صعيد المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية، فقد شنوا هجومًا عنيفًا على الحكومة، معتبرين أن ذلك تقصير شديد منها، وأنها تخضع لمصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقال عمرو موسى، عبر صفحته على موقع تويتر " إن الالتباس والغموض وسوء الإدارة وضحت في تصرف الإدارة المصرية إزاء قضية تمويل منظمات المجتمع المدني والخلاف مع الحكومة الأمريكي". واعتبر محمدسليم العوا، المرشح المحتمل، إن أزمة التمويل الأجنبي سوف تؤثر على ثقة المواطنين في "القضاء المصري"، ومدة نزاهته، بما يجعل القضاة أمام تحد صعب وخطير للغاية خلال الفترة الحالية.. أما المستشار هشام البسطويس، المرشح المحتمل قال " لو كانت أمريكا تعرف أن القضاء المصرى مستقل لما تدخلت بقضية التمويل". ووصف د.عبدالمنعم أبوالفتوح، المرشح المحتمل، موقف الحكومة المصرية ب "العبث"، والذي يضر بسمعة القضاء المصري بصورة مهينة، بعد أن وضع يف حرج شديد. أما القضاة المصريين والمحاميين، فقد أعلنوا تزمرهم إيزاء ما حدث، مؤكدين أن موقف الحكومة "مهين للقضاء المصري". من جانبها استنكرت الجماعة الإسلامية في مصر قيام الحكومة بالإفراج عن المتهمين دون التفاوض مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لمبادلة الأسرى والمعتقلين بآخرين مصريين، معتبرين أن ذلك تفريط فج في كرامة المواطن المصري، وسيادة مصر على أرضها، وإهانة للقضاء. أما عن فصائل التيار الاسلامي، فراح أعضائها بالبرلمان المصري يقدمون جملة من الاستجوابات للحكومة حول القضية، وكان أبرزهم الاستجواب الذي تقدم به النائب محمد عبد العليم دواد وكيل مجلس الشعب، الذي قال فيه ما نصه " إن استمرار جرائم الحكومة فى الصمت وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة تجاه تلك الجريمة والتى بدأت منذ سنوات طويلة وما زالت مستمرة حتى الآن، يهدد استقرار الوطن". أما حزب الوفد فراح يؤكد على أن الموقف المصري في القضية أضاع "هيبة مصر" أمام المجتمع الدولي، مشيرًا على لسان رئيسه السيد البدوي، إلى أن امريكا عادت لحيلها القديمة عن طريق الضغط على مصر وابتزازها. اقرأ أيضًا.. القضاء المصري يتعرض لعدة ضربات موجعة عقب الثورة (1 من 4) يتبع..