فى ذكرى يناير.. يبدو أننا نسينا كثيرًا أحلام التحرير ووقائع صوت الحرية وصخب الأصحاب والأحباب.. نسينا أن نأخذ صورة للشهداء نعلقها على حائط البيت، ننظر إليها وقت أن ننسى.. نسينا الغناء والإنشاد، والكتف بجانب الكتف، وخشوع مسلم قائم يصلى يحميه مسيحي يتمتم بالرحمة وتحقيق الأماني.. نسينا كيف يبدو علم مصر وهو معلقا على ساريه يرفرف، وظله فى عنان السماء.. نسينا كلمات الأبنودى "حاسبوا أوي من الديابة اللي في وسطيكم".. نسينا كل هذا من أجل ال "أنا" وتنظيف الوجه ولمعان الأسنان والوجاهة والكرسي، والنجومية وغيرها من الأوصاف التى لاتساوم إلا لاعبي الكرة أو الفنانين من أصحاب الوسامة أو أصحاب النفوس الضعيفة. فى ذكرى يناير.. مازلنا ننظر من نفس الشباك على أحلام الحاضر والمستقبل، ومازلنا نقرأ نفس الجرائد، ونشاهد نفس القنوات، ومازلنا نطارد العشوائية بسيارتنا على الطرق، ومازلنا نتشاءم بالغراب، ونتفاءل بسكب القهوة.. مازلنا نمص الشفائف عندما نشاهد جنود الاحتلال تضرب بعنف غزة وتتعدى على المسجد الاقصى.. مازلنا نقدس الحاكم ونتمتع بالاستعباد ومازلنا نتقاسم التورتة، وإن كانت دينا أو وطنا.. مازلنا نصدر الأحكام المسبقة واتهامات الخيانة والعمالة جاهزة فوق السنتنا.. مازلنا نقرأ نفس المقالات بنفس الأفكار.. مازلنا نتلون وننافق ونهدد ونتوعد ونلعن.. مازال أزكانا فوق السبعين، ومازال العملاء يقبعون بميدان التحرير !! فى ذكرى يناير.. مامعنى اقتصاد و سياسة ملّ الحديث المتلون عنهما، وسلط الإعلام أضوائه المأجورة فوق أزمات معظمها تفقد الأدوات والآليات التي تمكنها من أن تكون مفيدة قبل أن تكون أزمة.. فما بين تسليم سلطة وانتخابات مجلس شعب سلكت نفس طريق انتخابات ماضية فى شكل المرشحين وفى براعة استهواء المجتمع والاتهامات "الدليفرى" وإن كانت بين حزبين يحملان شعار الاسلام، وأن كان انتابها عدم التزوير "فتزوير الإرادة أحيانا أخطر من تزوير الصناديق".. وعلاقة مجلس عسكرى بقوى سياسية داخل منظومة تحمل نفس شعار الحزب الوطنى "كثير من الفوقية قليل من النقاش". فى ذكرى يناير.. الفوقية بعد هذه الفترة هي المشكلة الرئيسية التى لم -وأظن لن- تتغير فينا، فكلنا نتحرك من سياسة لاتقبل النقاش وايديولوجيه لاتؤمن بالاختلاف وتعشق الانفراد بالسلطة والملك، وترى كل الخارجين عنها منشقون عن الوطن.. لا أعرف من المتهم فى هذا، هل الاحتلال الذي سكبنا مره منذ بدء الخليقة أم الفوارق الطبقية التى عشنا فيها من زمن فرعون أم طيات الحاضر المرير التي خلقت اجيال لاتفهم المنطق ولاتتقبل الاخر . فى ذكرى يناير.. الغالبية العظمى من المصريين يؤمنون بالتبعية فى كل شىء ويقدسون المناصب ويتجمعون حول من يملك المنصب، فنحن أغنام الحاكم وأولاده، وكل من ينتمى لسلطته ننتظر الذبح أو البيع في الأعياد حالنا كحال الدول العربية، نكذب كثيرا على انفسنا ونصدق مانريد تصديقه فقط.. لانولي الأصلح وإن أعطينا حرية إختيارة لاننا ببساطة لانراه أصلح إلا إذا استفدنا منه خبزا وطعاما قبل الحرية والكرامة.. نرى فى اعين حاكمنا الخلاص حتى وإن وقف على جثة الوطن لكى يرى جماهيره التى تهتف باسمه ! في ذكرى يناير.. وإن كان إحساسا كاذبا ولم نصدقه انتظرنا الثورة عاما بعد عام لنكسر الظلم ولنغير أنفسنا قبل أن نغير النظام ونطرق على الحديد "حتى يختشى من خلق من طين".. وجاءت بالفعل منذ 12 شهرًا ويبدو أننا لم نصدق لأننا ببساطة بعد مرور هذه المدة "لاندرى ماذا تغير فينا حتى نغيره". فى ذكرى يناير .. محمد علي وعائلته، عبد الناصر، أنور السادات، حسنى مبارك، المجلس العسكري.. كلكم تحدثتم بلغة "نبى" لاتقبل الاختلاف أو المجادلة.. حزب الحرية والعدالة، حزب النور،الاحزاب اليسارية والليبرالية ( يبدو ان من سيمسك زمام السلطة خلال المرحلة المقبلة منكم سيمارس الفوقية وسيتحدث بلغة "نبي" وسيظل الشعب محلك سر لانكم لستم بانبياء ولسنا بأتباع ..