هناك ألف طريقة فى اللهجة المصرية العامية لترجمة كلمة "نفخ".. تستطيع أن تسأل أى معتقل سابق نجا من مباحث أمن الدولة، لتعرف بعض معانيها.. وتستطيع أن تشاهد المشية الطاووسية لمبارك وحاشيته وأركان حكمه فى أيام "العز".. لتعرف معانى أخرى للنفخة الكدابة.. وتستطيع أن ترى نفس الحاشية فى مزرعة طرة لتعرف وجوه أخرى لكلمة "نفخ".. ومعانى أخرى لكلمة "عز".. (أنا متأكد أن بعضهم حاليا أصبح كلما سمع كلمة "عز" يصاب بحالة هيسترية على طريقة "يبقى أنت اللى قتلت بابايا.. آه يا بابايا". ولكن أهم مشاهد النفخ حاليا يمارسها الشعب المصرى بكامل طوائفه، وهو يتعامل مع كل شئون حياته اليومية.. فنحن جميعا "ننفخ" فى الزبادى بعد أن لسوعتنا الشوربة طوال ثلاثين عاما.. أصبحنا نتشكك فى كل شىء وأى شىء.. ننظر بعين الريبة إلى الجميع.. إلى الواقفين بجوارنا فى الميدان.. من منهم يا ترى من الفلول؟.. ومن منهم من المندسين؟.. من يا ترى يريدون لنا الخير؟.. ومن منهم يريدون أن يدبسونا فى مواجهة خاسرة مع بعضنا أو مع الجيش؟ ننفخ فى الزبادى ونحن نقرأ كل رسالة من القوات المسلحة.. وكل قرار للنائب العام.. وكل كلمة تصدر من الحكومة.. نزن كل حرف وفعل وجر ومد وتشكيل.. نحاول أن نبحث فيها عما يريب.. هل يريدون الانتخابات مبكرة؟.. إذا لابد أنهم يخططون لمنحها للفلول.. هل يريدونها متأخرة؟.. إذا لابد أن السلطة أعجبتهم والكرسى أصبح أملهم، ولن يقوموا من فوقه أبدا. ننفخ فى الزبادى ونحن نتعامل مع السلفيين والأقباط والناصريين والعلمانيين والإخوان.. يا ترى من منهم يبحث عن لحظة الانشقاق ليضرب ضربته ويلعب لعبته ويفرض كلمته.. ينفخ رجال الشرطة فى الزبادى، وهم يتلمسون طريق العودة فى الشارع، ويرصدون أى بادرة عداء من "أى واحد معدى فى الشارع"، على أنها "أجواء غير مطمئنة".. وينفخ فى الزبادى "الواحد المعدى فى الشارع"، وهو يبادر بالعدو تحسبا لأن تتعامل معه الشرطة بالطريقة القديمة إياها.. ننفخ فى الزبادى ونحن نقرأ الشباب يدعون لمليونية جديدة، إيه بقى.. عايزين إيه تانى؟.. وينفخ الشباب فى الزبادى، وهم يتشككون فى نوايا "حزب الكنبة"، الذين كانوا يكررون نفس الكلمة فى كل مرحلة من مراحل الثورة، "كفاية بقى لقد وصلتم إلى سقف الممكن والمتاح"، ثم يتضح أن سقف الممكن والمتاح يكون عاليا بقدر ما ترفع رأسك، وتثق فى نفسك وشرعية مطالبك. ننفخ فى الزبادى ونحن ننظر إلى ما تحقق فلا نصدق أننا حققناه.. وننظر إلى ما نريد تحقيقه فلا نصدق أنه قادم بالخير لنا ولوطننا.. تبدو الحقيقة أجمل من أن تكون واقعا.. وتبدو المثالية أكمل من أن تكون بشرية من لحم ودم وأرض وسماء.. أعزائى.. أبناء وطنى.. يا من لسعتكم "شوربة" مبارك طويلا حتى أصبحتم تنفخوا فى أى طبق زبادى.. نحتاج أن نتحرر من الريبة والشك والتشكيك.. نحتاج إلى أن نبنى جسور الثقة فيما بيننا.. نحتاج أن نثق فيمن نختلف معهم فى بعض الآراء طالما أنهم وقفوا بجوارنا فى الميدان.. الجيش والأقباط والليبراليون والعلمانيون والإخوان والناصريون وعصام شرف ويحيى الجمل والبرادعى ونوارة نجم وبلال فضل.. كلنا اشتركنا فى صناعة المعجزة.. وأصبحنا مسئولين عنها.. وإذا لم نتوقف عن نفخ الزبادى فى وجوه بعضنا البعض فسوف يأتى أعداؤنا لينفخوا فينا جميعا.. وساعتها لن يحتمل المتفرقون المتشرذمون مجرد "نفخة".