التصريحات الاخيرة للدكتورة نجوي خليل وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية وضعت الحكومة المصرية بكاملها في مأزق فنسبة ال10% الزيادة لأصحاب المعاشات التي اعلنت عنها لا يقابلها أي اعتمادات بالموازنة العامة الحالية. ولذا نتساءل: هل كانت علي علم أن هذه الزيادة ستكلف موازنة الدولة الحالية نحو4.8 مليار جنيه تضاف الي المليارات المرصود بالفعل للمعاشات بالموازنة؟ كما نتساءل ايضا: هل سألت الوزيرة رئيس مجلس الوزراء أو وزير المالية تحديدا عن إمكانية تدبير هذا المبلغ في ظل وضع الموازنة العامة وزيادة العجز بها والدين العام؟ في الوقت الذي أعلن فيه الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء عن خطة لتخفيض بنود الموازنة بنحو15 مليار جنيه, لقد أحدثت هذه التصريحات جدلا ولغطا واسعا اتخذه البعض ذريعة للقيام بدور بطولي لإثارة اصحاب المعاشات.. نعلم ان الدولة سوف تضطر في النهاية من منطلق مسئوليتها أمام المواطنين بتنفيذ ما أعلنته الدكتورة نجوي خليل وصرف هذه الزيادة في المعاشات بنسبة10%, ولكن ذلك القرار سيكون علي حساب استقرار الوضع المالي لصناديق التأمينات والموازنة العامة, حيث تدرس الوزيرة تحميل صناديق التأمينات بقيمة50% من التكلفة المالية لزيادة المعاشات لأنها تخطط لتطبيقها علي نصف اصحاب المعاشات تقريبا والذين يحصلون علي معاشاتهم من الصناديق, باعتبار ان الخزانة العامة هي من تتحمل قيمة معاشات العمالة غير المنتظمة والمؤمن عليهم بالقانون108 وايضا معاش السادات وأي زيادات فيها بالكامل, وفي هذه الحالة فان الدولة ستضطر الي زيادة معاشات هؤلاء ايضا وهو ما سيكلفها نحو2.1 مليار جنيه, وفقا لجريدة الاهرام وبعيدا عن اختلاف وزيرة التأمينات مع السياسات والتوجه العام للحكومة فان المتابع لملف التأمينات يدرك مدي العبء الذي تتحمله الخزانة العامة فكما أعلن السيد ممتاز السعيد وزير المالية عن أن منح علاوة خاصة لأصحاب المعاشات والتي بدأت عام1979, أسفرت عن حقيقة قد لا يعلمها الكثيرين وهي أن70% من قيمة المعاشات المنصرفة شهريا لنحو8 ملايين صاحب معاش ومستحق تدفعها الخزانة العامة مقابل30% فقط تأتي من الاشتراكات التأمينية التي سبق ودفعها اصحاب المعاشات. هذه الحقيقة المفزعة.... تشير إلي أن مصر تسير في نفس طريق اليونان والتي لم تستطع ميزانيتها تحمل مثل هذا العبء حيث اضطرت الحكومة اليونانية في النهاية إلي الإعلان عن عجزها عن دفع قيمة المعاشات الشهرية رواتب العاملين بجهازها الإداري لأكثر من شهرين مما اضطر الاتحاد الأوروبي إلي التدخل ومنحها قروضا جديدة وفرض عليها شروط قاسية للغاية. ولكي نعرف حجم هذه الورطة يكفي متابعة تطور الفجوة التمويلية الناتجة عن عدم تغطية الإيرادات المحصلة من الاشتراكات التأمينية لقيمة المعاشات المنصرفة حيث زادت تلك الفجوة من4.2 مليار جنيه تمثل62% من الاشتراكات المحصلة بنهاية يونيو2005 إلي2.21 مليار جنيه تمثل40% من الاشتراكات المحصلة بنهاية يونيو2011. كما أن إجمالي الاشتراكات وعائد استثمار أموال التأمينات التي حصلت عليها هيئة التأمينات الاجتماعية خلال الستة سنوات الأخيرة بلغ نحو143 مليار جنيه مقابل نحو205 مليارات جنيه اجمالي قيمة المعاشات المنصرفة فعليا وال62 مليار جنيه الفرق دفعتها الخزانة العامة..فهل يمكننا الاستمرار في هذا الطريق.. أم حان الوقت لسياسة أخري تعيد التوازن في علاقة التأمينات والخزانة العامة... نحن مع مطالب اصحاب المعاشات في حقهم بالحصول علي عائد مناسب من استثمار أموالهم التي في عهدة الحكومة ولكن نحن أيضا مع ضرورة عدم دفع الأجيال الجديدة ثمن أخطاء سياسات الحكومات السابقة العلاوة مرات ومرات...حتي أن الكثيرين ينادو بإلغاء العلاوة. أيضا فان ما أعلنته وزارة المالية عن دراسة منح هيئة التأمينات الاجتماعية بعض الأصول العامة لتخفيض مديونية الدولة تجاه التأمينات وإعلانه إدراج كامل مستحقات التأمينات الاجتماعية علي الخزانة العامة في موازنة العام المالي الجديد حتي لا نكرر مأساة وجود متأخرات تأمينية غير مسددة لاشك أنها خطوة في الاتجاه الصحيح يجب أن تستمر كي تصبح التأمينات الاجتماعية مثل هيئة التأمينات الأردنية والتي تعد احد اللاعبين الأساسيين في القطاع المالي الأردني فلديها محفظة استثمارية قوية تحقق اعلي عائد في السوق ويتسابق الجميع للمساهمة في المشروعات الصناعية والخدمية والعقارية التي تطلقها وتصرف المعاشات والمزايا التأمينية دون ترتيب أعباء علي ميزانية الأردن... فهذا هو الدور التنموي الذي نريد أن تقوم به التأمينات في مصر.